أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - أحلام مشروعة (1) - رواية -















المزيد.....

أحلام مشروعة (1) - رواية -


محمد إبراهيم محروس

الحوار المتمدن-العدد: 3894 - 2012 / 10 / 28 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


أحلام مشروعة.. " رواية "
1
فقدت القدرة على التميز أشياء كثيرة تحدث حولي ولا أستطيع أن أربط بينها ، عندما خرجت نورهان اليوم من الحمام قالت وهي تمشط شعرها إنني على غير عادتي ، هل لفت نظرها شيء ، هل تشك في شيء ، لا أعتقد ، فطبيعة نورهان أقرب للطبيعة الملائكية ، تلك الشخصية التي لا تراها في النادر إلا عبر شخصيات روائية حالمة ، ماذا قالت عندما خلعت " برنس الحمام " وظهر جسدها يضوي عاريا أمامي ، لا تبخل عليّ نورهان أن أرى كل ما هو جميل فيها ، لدرجة انعكست على خيالي كثيرًا ، فصرت مدة أحبس نفسي في ظل ذكرياتي معها ، لا أعرف متى تحديدا بدأ ذلك الشيء ينمو بداخلي ، إحساس بالشك في نورهان ، عندما أخبرت كمال منذ يومين اتهمني بالجنون ، كيف أشك في نورهان ، واجهني بأخطائي الكثيرة عبر سنوات حياتي التي نادرا ما أتذكرها ، ولكن الغريب أن كمال يتذكر تفاصيل أخطائي أكثر مني ، لم أقل لكمال أن الوهم الذي بدأ يكبر بداخلي ويفترسني وذلك الكابوس المقيم داخل أحلامي أره دائما هو ، كمال - ببذلة الكحلية التي يحرص على ارتداؤها صيف شتاء- وهو يعتلي نورهان ، حتى في أخطائه في أحلامي يخطأ وهو بكامل شياكته ، وكأنه يراهنني على أنني لا استطيع الخلاص من تفكيري به ، برغم كل السنين التي جمعتنا سويا ، وبرغم كل أحلام الطفولة والمراهقة ، دوما هناك جزء يرفض كمال ، يرفضه بشدة ، ودون مبرر .
اللحظة التي ينتهي عندها الحلم ، هي اللحظة التي أدركت وقتها أن كل شيء إلى زوال حتى الأحلام ، نقطة الرجوع إلى نفسي تبدأ دوما بأحلامي ، وتنتهي بأحلامي أيضا ، الأحلام هي الشيء الوحيد الذي أوهم نفسي أنني أملكه ، نورهان , بقامتها المديدة وعيناها الواسعتان المحدقتان دوما إلى الحلم ، ربما ما جذبني في نورهان هي تلكما العينان الواسعتان ، أتذكر أول يوم رأيت فيه نورهان كنت أظنه حلمًا.. كانت تدخل من باب النادي تتطلع إلى مائدة فارغة ، وكأنها ملكة تستعرض رعاياها وتشملهم بحبها ، رأيت عيني تصطدمان بعينيها ، أكاد أشك وقتها أن لعيني ذاكرة خاصة بهم خارج العقل ، وأن نظرة نورهان لي اخترقت ذلك الحاجز الذي أفرضه على نفسي دائما ، وعلى تطلعاتي ، كانت تبدو فارسة بهذا الطول ، وللحظة ظننت أن الزمن توقف، لم انتبه وقتها إلا على يد كمال وهو يخبط على يدي ، لاحظ نظرة الشرود الحالمة في عيني !!
توقفت الأحلام فجأة لتتجسم كلها في شخص نورهان ، لم أكن أصدق أبدا عبارة الحب من أول نظرة ، ولكن ما حدث بالفعل أن انجذبت بكل كياني في اتجاه نورهان ، لم انتبه لنظرات كمال العجيبة وهو يرمقني ، كيف تقف هذه الملكة هكذا ولا يتنازل أحد لها عن مقعده ، كيف تظل عينا الملكة تدور في محجريهما تبحث عن مكان شاغر ، أي لعنة أصابت المصريين ليمنعوا نفسهم من الوقوف احتراما لتلك الملكة المتوجة ، أي لحظات أمل راحت تراودني أن تجلس بجواري الآن أن آخذها في حضني ، أن أطبع على خديها قبلة محمومة ، أطلقت زفرة حارة ، فزاد انتباه كمال ..
كمال ألم أعرفكم به ، لا وقت لأعرفكم بكمال الآن ، لابد أن أمشط شعري ، وأترك نورهان تضع لمساتها الأخيرة على ملابسي وهي تعقد لي رباط العنق ، تبتسم ، فتتسع ابتسامتها ، تقول لي جملتها المعتادة .. تحب أيه على الغداء؟
أتمتم أي شيء .. كم لديك اليوم قالتها نورهان ببساطة ، هززت رأسي أنني تقريبا لا أعرف ، فأنهم يأتون ويذهبون حينما يملون اللعبة معي ، نسيت أن أخبركم بطبيعة عملي ، ولكن لا يهم ، ربما سأخبركم فيما بعد ، وربما سترون بأنفسكم فتندمون على السؤال ، لا أعرف كم سلمة نزلت ، كيف لم أفكر من قبل في أن أعد سلالم العمارة إلى شقتي ، منذ ثلاث سنوات انتقلت أنا ونورهان إلى هذه العمارة في التجمع الجديد ، لم تشعر نورهان بالراحة أول أيامنا كانت تريد أن تعيش في منطقة بها العديد من السكان ترغب بالألفة والؤنس ولكن هذا ضد طبيعتي ، وضد أفكاري ، المبدع يحتاج دوما لمكان هادئ ، ليبدع في أفكاره ومشاريعه ، كلا بالطبع لست روائيا أو كاتبا يبحث عن الهدوء دعك من تخميناتك ، يكفي أن تعلم أنني في طريقي لعملي الآن ، العيادة الجديدة أيضا ، كله من جديد ، عيادة ونورهان وشقة التجمع كلها أشياء حديثة على حياتي لا تتجاوز ثلاث سنوات قبلها كنت في عيادة خاصة مع أصدقاء .. عيادة إذن أنا دكتور !!
لا يصعب التكهن ، وأظنك تكهنت بهذا منذ البداية ، أنني طبيب نفسي ، لا تفزع ، ليس الطب النفسي كما يوهمك البعض نوعا مختلفا ، ولكنه نوع فريد من الطب ، نوع شديد الصعوبة ، لا ، لن أدعوك بالطبع للتمدد على طاولة وتحكي لي تفاصيل تفاصيل حياتك لاستخلص العقدة ، وأعطيك حلا سحريا يجعلك سعيدا ، ليت الأمر بهذه السهولة ، لو كان بهذه السهولة لكان هينا علينا ، الأمر انك تتعامل مع العقل البشري وغموضه وأسراره ، وأفظع ما في العقل البشري أنه دوما يرفضك أنت كطبيب نفسي والأغرب ليس الرفض ولكن في قدرة عقل المريض على إدهاشك .
الإشارة حمراء ، لماذا هذا العرق الذي يغمر وجهي برغم تكييف السيارة الفارهة ، السيارة أيضا عمرها ثلاث سنوات ، ثلاث سنوات هي عمري الحقيقي في الحياة ، لو حسبت تغيير حياتي في فترة ما ، مددت يدي لالتقط المناديل ، أين مفتاح الشقة ، دوما أتركه منفردا ، مفاتيحي كلها أتركها منفردة ، كل مفتاح لوحده وكأن الجمع بينهم حرام ، وكأنني أخاف أن يسقط مفتاح من يدي فيجر باقي المفاتيح خلفه ، هذا مفتاح العيادة وذاك مفتاح الشقة القديمة ، لماذا لم أتخلص منه إلى اليوم برغم تخلصي من الشقة نفسها ، ليس تخلصا كاملا لقد أعطيتها لكمال ليعيش فيها بعد عودتة من ألمانيا ، كمال ، كمال أيضا عاد منذ ثلاث سنوات ، حالم هذا الفتى كان يظن أنه بالعلم سيستطيع أن يغزو العالم ، ولكنه ذهب وعاد " وكأنك يا أبو زيد ما غزيت " .. تصطدم يدي بالمسدس في تابلوه السيارة ، اللعنة !
ما الذي أتى بهذا المسدس إلى هنا ، أي وهم يحدث ، الإشارة تفتح وترتفع سرينات السيارات من خلفي ، أنتبه وأنا أدفع قدمي لتدفع دواسة البنزين لتتحرك السيارة بعنف غير مبرر ، من أي شيء أهرب ؟! هل أهرب من كمال ، ونورهان أم أهرب من نفسي ، أي خيانة تحدث في أحلامي لأضع لها طقوسا غريبة في حياتي ؟!!
لأترك الوهم جانبا ، واترك الحياة تمضي ، حتى لا أجن ، طبيب نفسي يجن!!
أظنها دعابة ظريفة يتمنى أن يراها الكثيرون ، حلمك لا تنتظر مني أي أجوبة الآن ، الوضع كله غريب وغير منطقي ، أركن السيارة في جراح العمارة حيث عيادتي ، أقرر أن أعد سلالم العمارة إلى باب العيادة ، أجد نفسي فجأة أمام باب العيادة ، كم سلمة ، اثنان وثلاثون أم خمسة وثلاثون ؟ أي لعبة هذه ؟! أنني لا أستطيع أن أتذكر عدد السلالم جيدا برغم عدي لها ، هل أعود الآن وأعدها مرة أخرى ما هذه الخواطر المجنونة ، ليكن العدد أيا كان ، المهم أن الأمر لا يتعدى مجرد نزوة ، وإلا تحول لكارثة وأجد نفسي أعد السلالم يوميا .
تستقبلني ألفت بضحكة واسعة ، ألفت هي القائمة على كل مجريات العيادة تقريبا ، فتاة متوسطة الجميل ، برغم أن كمال يراها باهرة الحسن .. وأحيانا عندما يأتي أضبطته متلبسا بمعاكستها وهي تضحك ، وأحيانا أراها عابسة في وجهه ، هل هناك علاقة بين كمال وألفت ، لا أظن لكان أخبرني لو أن الأمر كذلك ، ولماذا أفترض في كمال الصدق ، ربما يكون هناك علاقة بالطبع ، فجأة أرى ألفت أمامي عارية من ملابسها في غرفة عيادتي وكمال يعتليها وهي تصرخ في شبق مجنون !!!
أهزّ رأسي بعنف وأنا أطرد هذا الخاطر أيضا، لماذا يرتبط وجود كمال وخيالي دائما في الجنس وهو يمارسه مع فتيات مختلفة ، ربما .. لا بالتأكيد ليس الأمر كذلك .. لا أظن ..لا داعي لأخبرك بما يدور بذهني الآن فأنه مفزع وغريب ، كيف فجأة أجدني أسحب ألفت إلى غرفة الكشف وكيف أخلع عنها ملابسها وكيف أدفعها إلى الفوتيه ، وأعتليها وهي تستمتع في تأوه .
انتبهت على صوت ألفت وهي تقول :
-فيه حاجة يا دكتور؟! ..
- لا مفيش ؟
- حضرتك بتبص لي بقالك فترة .
- لا ابدا كنت سرحان .. عندنا كام حالة النهاردة ؟
- ست حالات ..
- ماشي .. عشر دقايق ودخلي أول حالة .
أعرق بغزارة مرة أخرى ، أعيد ضبط تكييف الغرفة ، ولكني أشعر بالحر .. لم أعرف كيف مضت العشر دقائق قبل أن تدخل ألفت لتضع ملفا أمامي وتخرج .. وبعد وهلة دقات على الباب لتدخل نرمين ، نرمين سيدة في منتصف الثلاثينات ، جميلة ، متوسطة الطول ، عيناها ضيقتان وكأنها تحبس كل مشاعرها خلف عينيها الضيقتين ، تبدو نرمين وكأنها واثقة من نفسها ، وهي تجلس أمامي ، تتطلع لي في هدوء ، وكأنني سوف أقرأ عليها بعض كلمات فتستريح ، ملامح وجهها جميلة ودقيقة كيف لم انتبه لهذا الجمال من قبل .
- عاملة إية النهاردة ؟
- مهو أنا جيالك عشان تقولي ؟
ابتسم ، فتبتسم مجاملة ليس أكثر ..
نرمين تعتبر من أوائل المرضى لدي في عيادتي الجديدة ، ثلاث سنوات أيضا عمر أشرافي على حالتها ، وكأن كل شيء أرتبط بالثلاث سنوات الأخيرة ، حالة نرمين قد تكون لا حالة تقريبا ، وقد تكون كل مشكلتها أنها تعتقد بصدق أنها مريضة نفسية ، أفعالها دوما بدرجة من الدقة كأنها إنسان آلي ، أخطاؤها قليلة جدا حتى في عملها ، ولكنها تصدق بعمق أنها تحتاج لعلاج ، حاولت مرارا أن أوضح لها أنها أكثر مني ومن كثيرين عقلا واتزانا ، ولكنها تعتبر الأمر مديحا من طبيبها الخاص ، لحظات كثيرة ظننت أنها تعشق الجلوس لتحكي ، حتى ما تحكيه نادرا ما أجد به عيوبا تذكر ، بكل صدق أعتقد أن نرمين مرضها الحقيقي هو غرامها بالطب النفسي .. فجأة اتسعت ابتسامتي لتتحول إلى ضحكة طويلة ، مما جعل نرمين تنظر لي متوجسة وكأنها قالت شيئا خطأ .. لا أتذكر الآن ما الذي قالته نرمين ودفعني للضحك ، ولكنني توقفت لها وأنا اعتذر ؛لأنني ضحكت ولكني تذكرت شيئا مضحكا حدث لي صباحا ، لا أعرف لماذا بدأت أنظر لعيني نرمين بقوة ، وكأنني أدفعها أن تخرج كل ما بداخلها من هواجس ، وأظنها أصابها فزع ما ؛ لأنها اعتذرت عن أتمام الجلسة للمرة القادمة ، ربما ظنت أنني أعبس بها ، نرمين ؟ ، نورهان ؟ .. كيف لم ألحظ تشابه حرف النون في بداية أسميهما ، لا يهم ..
غادرت نرمين ولم تمر دقيقة حتى وجدت ألفت فوق رأسي ، قالت أن نرمين خرجت مهرولة فزعة ، ولكنها اعتادت على مثل هذه الأمور ، ولكنها جاءت لتطمئن عليّ فأنني أبدو تعبا منذ أول وهلة ، وهل تدخل الحالة الثانية ؟ ..
هززت رأسي بنعم .. خرجت ولم تمر دقائق حتى وجدتها تضع أمامي كوبا من عصير الليمون وهي تقول إن الإجهاد واضح علي اليوم، وأنها أجلت الحالات للمساء.. لم ألومها على تصرفها .. ورجعت بالكرسي للخلف وأنا اتناول كوب الليمون منها ، وهي تغادر الغرفة ، لا أعرف ما الذي دفع نرمين لتفر من أمامي فهذا خارج عن تصرفات نرمين المعتادة .. فهي فتاة تتحكم في ردود أفعالها بدرجة كبيرة ، هل أخطأت أنا في الكلام ؟ .. هل تفوهت بشيء أفزعها وأنا شارد ؟ ...
لم أشعر بنفسي فجأة وجدت الدنيا تذهب من أمام عيني، وكوب الليمون يسقط من يدي .. وأظن أنني أغمى عليّ وأنا جالس بينما ذهب عقلي هناك .. حيث كمال ونورهان ..
وبداية الجريمة !!!

******
أشعر بثقل في رأسي ، أحس بجسدي ممددا على أريكة ، صورة ضبابية وأنا أعود للوعي ، أرى ملامح لجدران أحفظها جيدا ، أهزّ رأسي وأنا أحاول أن أعتدل .. ألمح ظهر شخص يقف أمام المرآة يصلح من تسريحته .. أتكئ على ذراعي وأنا أعدل جسمي ...
صوته يأتي دافئا ...
- أنت صحيت يا بطل ؟
- ايه اللي جبني هنا ؟
- ولا حاجة كنت واقف مع ألفت في العيادة بسألها عليك ، وفجأة سمعنا صوت كوب بيتكسر .. دخلت أنا وألفت لقيتك مغمى عليك .. مرضتش أروح كده .
- وانت ايه اللي جابك العيادة النهاردة ؟
- وده سؤال برضه بلاش أسال عليك يعني ؟
كان الذي يحدثني هو كمال ، وكانت الشقة هي مسكني القديم الذي تنازلت له عنه ، بدأت أشعر أنني أعود لحالتي الطبيعية ... حاولت أن أساله أسئلة كثيرة ولكن الكلمات توقفت في حلقي ، كمال يبدو منسجما مع نفسه ، يقف في هدوء غير مبال بحالتي وكأنه تعود عليها .. لم تمر دقيقة وهو يقطع الطريق من الصالة إلى المطبخ جيئة وذهابا حتى دق جرس الباب ...
- فيه حد جايلك ؟ قلتها وهو يرص صحونا فارغة أمامي ..
- تلقيه بتاع الدليفري انا طلبت لك وجبة ترم عطمك واضح انك مبتكلش كويس
كدت أصرخ في وجهه – وهو يتجه ليفتح الباب - أنه السبب في حالتي تلك ، هو بوجوده الطبيعي في حياتي ووجوده الغريب في كوابيسي وخيالاتي ..

- كل انت بقى بالهنا والشفا .. انا ورايا مشوار كده هخلصه .. ولما تخلص وتعوز تمشي .. اقفل باب الشقة وراك ..
لم يمهلني وقتا لأرد عليه وهو يتجه لباب الشقة ويفتحه ويغلقه خلفه في هدوء ، لماذا يفعل كل شيء بهدوء ، هدؤوه يثيرني ويصيبني بالجنون .. أعود للعبث مرة أخرى أي جنون أقصد .. أنها مجرد كوابيس مستفزة تقتحم حياتي وسوف أتخلص منها قريبا ، لابد أنه ضغط العمل ... وضعت لقيمات بسيطة في فمي ورحت ألوكها ، ورشفت عدة رشفات من العصير الذي وضعه كمال أمامي قبل خروجه ..تأملت جدران الشقة بدت لي وكأنها غريبة عني ، وكأني تركتها منذ مئات السنين هناك لمسة خاصة أضافها كمال للشقة ، لمسة تدعو للارتياح وأنت تنظر لألوان الدهان الجديدة .. رحت أأكل في صمت، لا يقطعه سوى رنين قطرات من الماء تصطدم بحوض المطبخ ... غطيت ما تبقى مني وقررت الذهاب، سأترك الباقي ربما جاع كمال ليلا ، أو ليتخلص هو منه بمعرفته .. أين ذهب كمال الآن ؟ فجأة هاجس مجنون ضرب عقلي ، ربما هو هناك حيث نورهان في شقتي !!
اللعنة !
الكوابيس أصبحت تأتيني وأنا صاح ...
فتحت باب الشقة وهممت بغلقه عندما سمعت الباب المقابل يفتح ، وسمعت صوتا مليء بالأنوثة .. التفت ، امرأة أربعينية ، عيناها مقتحمتان وكأنها تعريك من ملابسك ، ما زالت ملامحها جميلة ودقيقة برغم تجعيد بسيطة أسفل عينيها تظهر طول السهر ، تعودت أن أفحص بعيني الوجوه . ابتلعت ريقي دون سبب وهي تقول
- ازيك يا دكتور محدش شايفك من مدة ؟
- الحمد لله بخير
- ما تيجي تشرب حاجة
- معلش مستعجل
- ده انا كنت عايزة استشيرك في حاجة كده
- معلش مرة تانية عشان مستعجل
لا أعرف كيف هربت من أمامها ومن أمام عينيها المقتحمتين النافذتين .. حاولت أن أتذكر متى رأيت المرأة من قبل ، ربما كانت جارتي منذ ثلاث سنوات ولم انتبه حينها لذا تعرفني وتعرف عملي .. أراحني هذا التفكير .. وإلا اتهمت نفسي بألزهايمر
ضبطت نفسي متلبسا وأنا أهبط سلم العمارة أنني أعد الدرجات .
أي هوس أصابني هذا الصباح ؟!!
أصبح باب العمارة أمام وجهي ، هنيهة وسأقطعه ، ولكني تنبهت إلى شكل سيارة وقفت أمام العمارة ، أنني أعرف هذه السيارة جيدا ، فهي سيارة ألفت !!
أهذا معقول ؟! إذن هناك علاقة بين ألفت وكمال ، يجب أن اختفى من أمامها الآن حتى لا تراني ، وجدت نفسي مختفيا أسفل درابزين السلم ، بينما هي ترتقي الدرج في طريقها للصعود إلى الشقة .. أمعقول أنها تأتي إليه لهنا ؟ حتى لو افترضت هذا ما الدافع أن يتركني في الشقة ويذهب وهو من ضرب لها ميعادا لتأتي إليه .. أو أنه نزل ليحذرها من المجيء ولم يسعفه الوقت .. ربما سيعود الآن ..

يجب أن أذهب سريعا ، لم أجد سيارتي أمام باب العمارة .. بالتأكيد لم يأت كمال بسيارتي ، مؤكد أنه تركها في مكانها أمام العيادة .. شاورت لتاكسي ، وأخبرته بوجهتي ، وأنا أرمي بثقل جسدي على مقعد السيارة .
ذكريات كثيرة تضرب عقلي بعنف ، صورة نورهان وهي تقف تتطلع لمائدة فارغة ، ونظرات كمال إليها قبل أن يقف ويتجه إليها مباشرة ، بينما رعشة أصابت أطرافي ، وبرودة في أناملي راحت تزحف .. لوهلة تحجرت عيناي وأنا أراه يحدث نورهان في هدوء وكأنه يعرفها منذ مدة ويشير لها على مائدتنا.. بينما رحت وقتئذ أطرح الأسئلة والأجوبة ، ربما كانت معرفة سابقة له أو تعرف عليها بعد عودته من ألمانيا .. لا أعرف كيف انتبهت وقتها على وجود نورهان على نفس مائدتنا ، وكانت تبتسم .. ولا أعرف كيف بدأت معها الحديث .. وكيف تناولنا يومها وجبة الغداء، ولا أدري كيف انسحب وقتها كمال وكأنه يعرف أنه جذب لي الكنز وعليّ أن أتصرف...
أتذكر قصة شعرها الذي بدأت تداعبه بيدها، وأتذكر منظري وأنا كالتلميذ الخائب أودعها على باب النادي... كانت هي أشد جرأة مني وهي تعطيني رقم تليفونها المحمول وتطالبني بالاتصال بها وقتما أشاء .. ما الذي جذب نورهان .. ذلك النور الملائكي الذي ضرب حياتي أن تتعلق بي أنا .. كيف بدأت العلاقة، وكيف انتهت إلى أننا أصبحنا زوجين ... عند تذكري لهذا أرتعش جسدي بعنف لفت نظر السائق الذي قال .
- فيه حاجة يا استاذ ؟
- لا أبدا .. رعشة بسيطة.. برد يجوز ..
هزّ السائق رأسه في لا مبال، وراح ينظر للطريق أمامه...
بينما بدا لي أنه بلا نهاية .
*******



#محمد_إبراهيم_محروس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهدان
- أنفاس صباحية
- قبلة باردة
- يقتله الشك
- لن أكمل القصيدة
- لون واحد ..
- اعتزال بائع الروبا بيكيا ..
- أيام خريفية ..
- رجل لا تعرفه الشوارع !!
- شات
- شوارع سالم ..
- قرار بالمواجهة ..
- عنوان سياسي..
- جبل الحكايات
- نظرة امتنان
- روح الدنيا
- مزامير الحي
- امرأة اللؤلؤ
- صانع التماثيل..
- نور وقطعة الشيكولاتة


المزيد.....




- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد إبراهيم محروس - أحلام مشروعة (1) - رواية -