أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربحان رمضان - اريد أن أموت في فلسطين للروائية هدى حنا















المزيد.....


اريد أن أموت في فلسطين للروائية هدى حنا


ربحان رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 1660 - 2006 / 9 / 1 - 10:16
المحور: الادب والفن
    




في أمسية أدبية أقامها اتحاد الكتاب الفلسطينيين في مدينة دمشق تحدث فيها كل من الأساتذة محمد رشاد الشريف (أبو بحر) والأستاذ محمد توفيق جراد والأستاذ عبد الرحمن غنيم وتحت راية المقاومة عن نتائج الحرب العدوانية التي جردها الجيش الاسرائيلي على لبنان الشقيق سمحت لي الظروف أن ألتقي بالكاتبة الروائية السيدة هدى حنا وأن تهديني مجموعتها القصصية (أريد أن أموت في فلسطين) عنوان القصة الثانية من مجموعتها القصصية هذه والمؤلفة من ثماني قصص موضوعها القضية الفلسطينية التي ناضلت السيدة حنا من أجلها فعملت في ميدان الخدمة الاجتماعية والعمل النسوي بين جماهير المخيمات الفلسطينية لمنتشرة في سوريا .
صدر الكتاب عن اتحاد الكتاب العرب في عام 2005 يحتوي على 219 صفحة من الحجم المتوسط ، وهو الكتاب الثالث من أعمالها المطبوعة بعد (صوت الملاجئ) الصادر في دمشق عام 1951 ، ورواية عائد من البعيد التي صدرت في عام 2002 .
والكاتبة السيدة حنا من مواليد الرامة (قضاء عكا) عام 1922 العضو في اتحاد الكتاب العرب والصحفيين الفلسطينيين والحاصلة على شهادة التربية والتعليم من دار المعلمات في القدس ثم شهادة الحقوق من جامعات لندن ، ودراسات عليا في الشؤون الاجتماعية في القاهرة .
في قصتها الأولى من مجموعتها القصصية هذه والمعنونة باسم (ولكني أحببت فلسطين أكثر) تنقل لنا صورة أم فجعت بفقدان ولدها الوحيد (حسان) الذي تركها وحبيبته سمراء على الشاطئ في اسبانيا حيث استقر بهم الحال اثر فرارهم من جرائم الصهاينة الذين احتلوا فلسطين وطردوا أهلها منها ، وسافر إلى أمريكا ، رأتها تبكي وتنتظر من حسان رسالة وعدها بها ، تأتي مع سمراء في كل ثلاثاء (اليوم الذي سافر به حسان منذ خمس وعشرون عام) من نفس المكان ، كانت أمه تحمل رسالة منه كان قد كتبها قبيل سفره احتفظت بها طيلة الخمسة والعشرون عام لكنها طارت في عاصفة هوجاء هبت وهما على الشاطئ ينتظران .
من مآسي القدر أن السيدة هدى حنا شخصيا ً كان عندها الجواب ، فقد وصلتها رسالة حسان المنتظرة مصادفة عن طريق أحد الأسرى الفلسطينيين المطلق سراحهم .. جاءها الأسير إلى مكتبها في دمشق وسلمها رسالة حسان التي ورد فيها : ..ولكني ياأمي أحببت فلسطين أكثر ..
كتبها حسان بعد فراقهما وكان يرجو رفاقه قبل القيام بكل عملية فدائية أن يوصلوها لأمه لكن الرسالة لم تصل ، وبعد اعتقاله من قبل العدو الإسرائيلي التقاه ذلك الأسير المطلق السراح واسمه (مجاهد) فأخذ منه الرسالة في المعتقل وأعطاها للكاتبة السيدة حنا بعد أن جاءها المكتب قائلا هذه الرسالة من فدائي لأمه ففتحتها وقرأت ماكتبه يقول : " سامحيني ياأمي لأني تركتك وحيدة ، ولتسامحني سمراء أيضا ً . أنا لم أذهب إلى أمريكا كما قلت لك . بل كنت ذاهبا ً إلى فلسطين بلادي ، لأقوم بواجبي نحو وطني ، ولا تنسي أنك أنت التي ربيتيني على حب الوطن .
كم أحببتك ياأمي وما أزال ، لم تغيبي لحظة عن خاطري . ولكني يا أمي أحببت فلسطين أكثر . أجل لقد أحببت فلسطين أكثر " .
في قصتها الثانية : "أريد أن أموت في فلسطين" تعلن السـيدة حنا أنها تخاف الخريف ، وتخاف الرحيل وفلسطين لا تزال سبية .. ، تتذكر قصة عايشتها منذ سنوات والفصل شتاء عندما سـمعت السيدة هدى أنينا ً يصدر من كومة غريبة الشكل ، فهمت بالخروج تغيث صاحب الصوت وإذ بأم عدنان وسلوى تطرقان الباب ، تستغيثان بها لمساعدتهما على لإنقاذ سعاد أخت سلوى وبعد تفكير سريع اختارت أن تنقذ سعاد وتترك الكومة لأبي منصور الحارس .
سعاد الخياطة ذات الخمسة والثلاثون عام والتي لم تكن تملك محلا لقياس حياكتها ، كانت تذهب إلى بيوت زبوناتها في (القنيطرة) أول مدينة سورية استقبلتها واستقبلت لاجئي نكبة 1948 لتقيس المخيط على أجسادهن ، وهي الناشطة في عمل تطوعي يعني بالاسعافات الأولية والتمريض . وقعت في أرض الغرفة التي تضمها مع أختها سلوى مريضة تصارع الموت بعد أن اخترقت رصاصات العدو الصهيوني ظهرها .. فأسعفتها الكاتبة حنا ، وفي البيت جاءها أبو منصور الحارس ومعه مساعدها الشخصي فطلبت منهما أن يبحثا عن مصدر الأنين ليوم أمس .
في اليوم التالي يزورالسيدة حنا شخص ملثم تعرفه من صوته مع أنه غيرّ اسمه من مجاهد إلى زاهي ، مجاهد والد سعاد ، وهو ثائر بطل ... أخبرتها عنه سعاد بأن الانكليز قتلوه بعد أن عذبوه ورموه في بئر الصبار ..
ولما جاء الطبيب يطمئنها على سعاد صرخ الملثم معترفا : " .. إنها ابنتي .." .
كانت الكاتبة متفائلة بالنصر وقد صاحت والباب يطرق عليها بعد منتصف الليل : " .. إني آتية .. سوف ننتصر .. سوف ننتصر )
الكاتبة تتذكر سعاد جيدا ً ، سعاد التي كتبت على الأرض : أريد ان أموت في فلسطين ..
بعد ثلاثين عام ورغم أنها رأت سعاد تموت أمام عينها رأتها ثانية في التلفاز وقد اخترق الرصاص ظهرها تتوعد وتصرخ ، فتتذكر الكاتبة كيف كتبت على حافة سريرها عبارة : " .. أريد أن أموت في فلسطين " .
في قصتها الثالثة من مجموعة السيدة حنا القصصية تتذكر زينب صديقتها الثائرة التي تعاهدت معها على النضال من أجل فلسطين حتى الرمق الأخير ، رأتها متكورة على قارعة شارع اليرموك في مخيم فلسطين ، لم تتذكرها زينب .. رجتها أن تبتعد عنها و نفت كونها تلك الثائرة المقدامة التي كانت تتطلع نحو السحاب ، قالت أنها أمينة وليست زينب المقصودة ..
أحد التلاميذ أخبر هدى ان تلك المرأة تجلس يوميا بالقرب من المدرسة .. تنظر إلى التلاميذ وتبكي .. تبتسم وتبكي ، وبينما السيدة حنا بجانبها تلمس زينب كتف أحدهم وتغرورق عيناها بالدموع .. ثم ما لبثت أن انحنت تعبا ً ، فما كان من السيدة حنا إلا أن أسعفتها إلى مستوصف قريب وهي متأكدة بأنها زينب ذات الصوت المميز الذي كثيرا ما كان يتوعد الصهاينة والاحتلال الاسرائيلي لوطنها ولقريتها (دير ياسين) ..
الطبيب مروان الذي سافر إلى لندن قبل النكبة تعرف إلى السيدة هدى وعرفته ، إنه هو ذاته خطيب زينب التي أحبها بعمق ، لما صادفته السيدة حنا بكى زينب معتقدا أنها استشهدت في فلسطين ، ثم حضر زميله طارق والذي عرفها أيضا لكنه فوجئ عندما سجل اسم المريضة بأنها زينب الأحمد ، من ديرياسين .. انها خطيبة زميله مروان ، فحاول أن يناديه إلا أن السيدة حنا رجته أن لا يفعل ذلك كي تبقى صورة زينب كما هي جميلة في عيني مروان المحب .
في نهاية القصة صرحت زينب وهي تصارع الموت بأنها ليست زينب التي يعرفوها وإنما هي صديقتها (أمينة) وهي ومن نفس البلدة (دير ياسين) التي تعرضت عام النكبة للإبادة من قبل المجرمين الصهاينة .
أما زينب فربما لاتزال رهن الإعتقال .. لقد سمعت صراخها أثناء التعذيب في سجون الإحتلال ، ولم تعد تراها بعدما أطلق سراحها ، أبعدت إلى جنوب لبنان .. وقتل أخوها وعائلته على يد الصهاينة من جديد في مذبحة صبرا وشاتيلا ..
تنهي السيدة حنا قصتها بصورة عاطفية لا آخر لها حيث أنه لما دخل مروان ثانية وبلهفة المحب التقت نظراتهما ، والتبس الأمر على السيدة حنا ، لم تعد تعرف إذا كانت المريضة زينب أم أم أمينة .. ؟؟!!

" قلق وهواجس " أقصوصة السيدة هدى حنا القصيرة الرابعة وتدور حول مها وزوجها الذي تكن له ويبادلها حب منقطع النظير ، فهي تنتظره يوميا على الشرفة بعد أن تكون قد أعدت لكليهما طعام الغذاء ، كان يغيب في كل شهر مرة تتجاوز الأسبوع يبرره لها بأنه كان في بيروت يشتري بضاعة لمتجره في صور عروس الجنوب اللبناني .
في المرة الأخيرة انتظرته كالعادة على أمل أن يعود في اليوم السابع لتخبره بأنها حامل لكنه لم يعد ، فوجئت في تلك اللحظات بفتاة تسأل عنه على الهاتف دون أن تفصح عن هويتها مما شغل بالها عليه ، وعندما حاولت أن تتناسى الحدث سمعت صوت وقع أقدام تقترب من البيت ما لبثت أن غابت حالما فتحت الباب .. !!
تكرر السؤال عنه في ننفس اليوم .. بل بعد فترة قصيرة سألت عنه صبية شابة وهي لا تزال عروس لم يمضي على زواجها من سمير سوى سبعة أشهر !!
وأيضا تقدم شخص ما قرب الباب وعاد ، وقبل ذلك أيضا ًسمعت صوتا قرب الباب وعندما فتحته لم تجد أحد ..!!
سميرة أخته هي الوحيدة التي تعرف أين يغيب سمير سبعة أيام في كل شهر ، لم تقل لها عن السر ولكن هذه المرة توجست خوفا هي الأخرى على غياب أخيها غير المعتاد .
أخيرا طرق الباب رجل وسأل مها إذا كانت زوجة الفدائي سمير ، ولما أجابته إيجابا أخبرها بأنه في مشفى صور .
في المشفى أخبرته بأنه سيصبح أبا .. بكى سمير من الفرح ، رجاها أن تسميه سميرا ً ، تسر له بأنها فخورة بزوجها الفدائي البطل ، قبل أن يستشهد يقول لها : " تحيا فلسطين حرة عربية "
يرفع يده ثم تتراخى على الفراش .. يلقي أبيه نفسه عليه يضمه ويقول : .. ولدي .. ولدي ..

أما في أقصوصتها الخامسة " الرسالة " فالسيدة حنا تتذكر ... تبتدئ القصة بفوضى تعم أحد المكاتب بعد أن سقط " وحيد" فاقدا ً للوعي في حين أن سميرة كانت تنتظر أخيها سمير بلهفة ، تنتظر منه مهاتفة ، وسناء أخت نضال صديقه هي أيضا ً كانت مشغولة البال تنتظر أخيها الذي يذهب عادة مع سمير ، وهي التي شغلت بال مها عندما سألتها عن سمير عدة مرات .
راجعت نفسها وأرادت أن تعتذر لمها لأسلوبها الجاف في محادثتها عندما تأخر الصديقان سمير ونضال .
ووحيد أعياه المرض يمشي وحيدا على شاطئ اللاذقية ، هرب من تزاحم الناس على الشاطئ نتيجة للصخب الذي يفعلوه ، كانت الرسالة الآتية من أمه تشغل باله ، حتى أنه كان يهذي بها أثناء مرضه ووجوده في المشفى ...
وبينما هو على الشاطئ يأتيه الشاب الفلسطيني " ثائر السعيد " الذي يشبهه تماما ، يقدم نفسه على أنه من حلب مما أثار حفيظة وحيد الذي يعتقد بأنهما أخان جمعتهما الصدفة .
فوحيد يدرس الطب في جامعة دمشق وأمه السيدة نجلاء كانت تعمل في أحد المكاتب ، غير أن المرض قتلها .
عندما التقيا وحيد وثائر سئلا بعضهما عن عائلاتهما ، فأخبره وحيد بأنه من حلب توفيت أمه منذ شهرين وقد تركت رسالة مع زوجها كتبتها خصيصا لابنها وحيد ، على حين أن ثائر فلسطيني وقد استشهد والداه على أيدي الصهاينة في معركة حيفا، لم يصدق ثائر بأن وحيد غريب عنه ، وبالفعل كان هذا ما كتبته أمه " أم سليم " في رسالتها .. قرأها زوجها فقط وفيها تقول أن ثائرا ليس ابنها وإنما ابن امرأة قتلها الصهاينة عام 1948 ، كانت تحمل طفلين ثائرا ً أحدهما ، ثائرا انتقل إلى جنوب لبنان ملتحقا ً بالفدائــيين ، كان ينتــظر أن يرى أخاه هناك يقاتل الصهاينة قاتلي أمهما .. .
في قصتها الخامسة " جهاد يواصل الرحيل " تتذكر السيدة حنا نفسها في حلب عندما كانت تعمل في وكالة الغوث ، كان ذلك في صيف 1954 ، قرأت ذاتية أو قصة أبو خليل المقيم في مخيم النيرب والتي يقول فيها : " .. أنه خرج من مدينته عيلبون مكرها ً بعد أن استشهد أولاده الثلاثة أمامه ، وبعد مسافة ليست قصيرة استند إلى صخرة يستريح في ظلها وإذ به يسمع هرجا ، فاختبئ معتقدا أن الصهاينة يلاحقونه ، وإذ بهم أبناء بلدته عادوا يبحثون عن مفقوديهم ، من بينهم ابن قريته الثائر أسعد الذي ترك معه كيسا كأمانة أراد أن يرسلها لزوجته وأولاده الذين رحلوا على الغالب إلى لبنان التي ينوي أبو خليل النزوح إليها ، ولما أعياه البحث عن أفراد عائلة أسعد لخمس سنوات مضت عاد إلى السيدة حنا ورجاها أن تكمل المشوار وتسلم الأمانة لأصحابها .
وبينما هي تحدث أبو خليل فإذا بجهاد الصبي ذو العشر سنوات الذي خرج من عندها ذات يوم باكرا ً قاصدا ً البحث عن اخته ، ثم أخاه نضال واخته أسماء هو القادم ، وبعد أن التقى جهاد بنضال اتفق معه على ان يجدا أسماء .
ثم تتابع الأستاذة حنا سرد القصة قائلة : .. بعد أربعة أيام رأى بأم عينه الصهاينة يقتلون أمه في البيت بحربة وهم يحققون معها عن زوجها أسـعد .. .
أتى أناس بالطفل إلى بيت السيدة هدى وقد أعياه المرض والتعب ، فعالجته أمها إلى أن شفي ، وفي صباح باكر وجدوا سريره خال وإلى جانبه ورقة مكتوب عليها سأبحث عن أختي .
اتصل مساعد السيدة حنا وأخبرها أن هناك شخصا يريد اللقاء بها ، عرفته قبل أن تراه كان أسعدا ً ، وقبل أن تلتقي به ذهبت تخبر أبو خليل ليسلمه الأمانة فوجدت أنه مات ، ولما عادت إلى المكتب وفي يدها الأمانة كان ينتظرها أسعد يحتضن ابنه جهاد ، نعم جاءها أسعد وقد شوه الصهاينة وجهه ، وقطعوا ذراعه ، وفقئوا عينه .. لوحت له بالكيس .. ابتسم بوهن ثم مات ...

أما في قصتها قبل الأخيرة من مجموعتها " أنا وأم حسن " تنقل لنا السيدة حنا القلق الذي يساورها في تأخر تحرير فلسطين ، فهي تحلم ليل نهار بالعودة واسترجاع فلسطين .
ففي صباح من صباحات آب لعام 1968 استيقظت السيدة حنا والأمل يحدوها ، أسرعت إلى عملها في الاتحاد النسائي لتتأكد من خبر نقل إليها في الليلة السابقة يفيد بأن حسن ابن أم حسن صديقتها قد استشهد في عملية فدائية وجرح رفيقه بعدما أوقعا بالعدو خسائر بالأرواح والعتاد ، حسن الوحيد لأمه .. أستشهد بطلا ولكن كيف سيكون موقف أمه وقد ربته يتيما ً توفي أبوه وهو في ريعان الشباب ولم يكن قد بلغ حسن من العمر إلا ثلاثة أعوام ، وأمه في الثالثة والعشرون من العمر لم تقبل الزواج بعد أبو حسن لحبها له ولابنه حسن ..
تصف السيدة حنا حال أم حسن وتصور لنا مدى الحب الذي تكنه لحسن ابنها قائلة : " عملت في الأرض التي خلفها لهما أبو حسن ليكمل ابنهما دراسته التي تفوق بها على أقرانه ، فكان يذهب يوميا ً من قريته صباحا ً إلى دمشق ويعود مساء إلى أن حصل على الشهادة الاعدادية ، فتقول السيدة حنا بأن أم حسن فرحت كما فرحت به عندما حصل على الابتدائية بتفوق وقدمت لجيرانها الطعام والشراب وعلى رأسها خروفا ُ محشوا ً .." .
وعندما أصبح في المرحلة الثانوية استأذن أمه ليستقر مع زميل له في دمشق على أن يزورها في نهاية كل أسبوع .. وافقت أمه كي يكمل دراسته رغم كل الحنين والشوق الذي تكنهما له ..
تعود السيدة حنا تستذكر كيف صحت من شرودها وقررت أن تذهب إلى أم حسن في قرية " جبا " لتخبرها باستشهاد الغالي ، كانت تخطو خطوة إلى الأمام واثنتان إلى الخلف ترقبا ً لوقع الصدمة على أم حسن .. وقعت على الأرض عدة مرات قبل أن تطرق الباب لا تدري مالذي يجب أن تقوله ، وبأي شكل ستنقل لها الخبر ..
وبينما هي على حالها هذا تضرب أخماسا ً بأسداس وإذ ( .. بصوت أهازيج يعلو من بعيد .. حلقة واسعة من الرجال يدبكون ، ينشدون ، يشيدون بمروءة حسن ، بنخوة حسن ، بتضحية حسن ، بحب حسن للوطن .. ) وأم حسن على رأس الدبكة ترفع منديلا .. تزغرد للشهيد ..
بعد أيام وفي مكتب السيدة حنا طلبت أم حسن أن تساعدها السيدة حنا في بناء ضريح يليق به ، وعندما تم بناؤه وذهبت السيدة حنا لتزوره وتدعو أم حسن لزيارته وجدت أن أم حسن أسرع للقاء الشهيد ، رأتها مستندة إلى جدار الضريح وعلى وجهها شبه ابتسامة ، ودمعتان ..
في آخر قصة من مجموعتها القصصية تنقلنا الأستاذة هدى حنا إلى رحاب الجامعة الأميركية في بيروت فتلقي الضوء على الطالبة سعاد الشاردة التفكير بما تخفيه أمها عنها في الدرج الذي بجانب سريرها .
وتلقي الضوء على نبيل الطالب في كلية الطب وحبيبته زميلته وخطيبته وداد التي كان ينتابها القلق جراء وقوف نبيل اليومي عند سعاد . لقد فوجئ نبيل بصورة رجل وقعت من كتاب سعاد لأنه يعرفه ، رآه منذ سنين يمشي في مخيم شاتيلا يسأل عن صغيرين تاها بين الجموع الراحلة يوم النكبة ، سأله ذلك الرجل يومها إذا كان اسمه سليم أم زهير .. وشعر نبيل أن هناك صلة بينه وبين ذلك الرجل وبينه وبين زميلته سعاد .
سعاد شغلت نبيل ، وشغلت خطيبته لإنشغاله بسعاد ، بحث عنها بعدما رأى صورة ذلك الرجل معها فلم يجدها ، بحث عنها في أماكن كثيرة ضمن الحرم الجامعي دون جدوى .
بحثت وداد عن نبيل فلم تجده ، ولم تجد سعاد فقررت تقصي أخبارها لتعرف من هي التي تحاول اختطاف نبيل منها ..
نبيل الشاب الفقير والذي عمل ومنذ صغره في أعمال متنوعة كان يعيش مع أخيه في منزل رجل آواهما مع أفراد عائلته السبعة في غرفته الوحيدة ، غرفة مع حديقة صغيرة تدلت فيها دالية عنب ..
كان الأخوين يعملان ويتابعان الدراسة وآخر عمل كان يعملان به هو الدهان ، تذكر وهو منهمك في العمل تلك الفتاة ذات الجمال الساحر وتذكر تلك الصورة .. وتسائل هل يمكن أن تكون سعاد هي نفسها أخته التي طعنها الصهاينة منذ سنين في غياب والدهم الثائر عندما كان في السادسة من العمر ؟؟
لقد قتل الجنود أمه ووليدتها ، نحروا أخته .. رآها مضرجة في الدماء التي غطت ثوبها الأزرق ذو الخيوط البيضاء .. هكذا يتذكر نبيل .
أما أبو عفيف الذي كان من الثوار الذين أقضوا مضاجع الصهاينة وأطاروا النوم من عيونهم يئن في فراشه ويبكي لعدم قدرته على التصدي لهم ، كان يقص على نبيل وأخيه بطولات والدهما البطل .
يعود نبيل إلى الماضي ، يتذكر كيف رحل مع أمه وأخيه وأخته وجارتهم أم عفيف وكيف تركتهم أمانة مع أم عفيف عندما تخلفت من التعب عن ركب الراحلين .
غلب التفكير بسعاد على نبيل حتى أنه لم يعد يستطيع النوم ، فهي تشبه أمه وربما تكون أخته ذاتها .
فيما بعد ساعدته وداد في التعرف على سعاد وفاتح أخيه سعيد بما جرى له ، ثم شاءت الصدف أن يلتقي برجل عجوز أعتقد بأنه أباه ، كان يتذكر أخته باستمرار ، يتذكر كيف توقفت أمه ورضيعتها على صدرها وقالت له ولأخيه : الحقا بأم عفيف .. صاحت أمهما يومها : ليكن الله معكما يا ولدي ، رافقتك السلامة ياسعيد ، رافقتك السلامة يانبيل . ابقيا معا ً دائما ً ياولدي . ياسعيد لاتترك أخاك أبدا ً ..
مع السلامة يا أم عفيف ، ولدي أمانة عندك ..
في الحرم الجامعي وفي أول حديث بينه وبين سعاد يظهر نبيل لوداد وكأنه يحب سعاد .. لقد ذهبت بأفكارها بعيدا ً سيما عندما رأته يستفسر عن منير خطيبها والذي التقته في متجر تملكه عائلته تشتري قطعة قماش عندما كانت مع أمها .
في اليوم التالي من ذلك اللقاء أخبرته وداد بماذا حدثتها سناء عن سعاد ، قالت أنها فتاة لبنانية من اسرة ثرية جدا ً ووالدها توفي منذ ثلاث سنوات ، صدمه الخبر لأنه كان يعتقد بأن أبيها فلسطينيا ً، ربما يكون والده .
وعندما ذهب ليعاون أخيه سعيد في العمل وجد أنه ذهب ليلتحق بالفدائيين مستفيدا ً من عطلة نبيل الدراسية .
نبيل يراجع نفسه ، تذكر أنها تحمل صورة والده في كتابها ، وتشبهه ولذلك لابد وأن تكون أخته ..
في العام الدراسي التالي فتش عنها في كل ركن من أركان الجامعة ولم يحظى بها .. هي لم تنقطع عن الجامعة ولكنها لم تعد تجلس على المقعد الحجري لأنه يذكرها بنبيل ..
في يوم تخرجها تعود إلى البيت لتجد أن أمها مريضة يحيط بسريرها الأطباء ، تبكي أمها وهي تفشي لها بسر تحتفظ به منذ سنين .. ذكَرّتها بنكبة الشعب الفلسطيني 1948 وكيف تشرد أبناء فلسطين في مخيمات اللاجئين ، وكيف أنها وزوجها كانا ثريين وليس لديهما أولاد ، وفي إحدى الزيارات التي كانوا يقوما بها في المخيمات صدف وأن شاهدت طفلة صغيرة عمرها لايتجاوز الشهر في يد رجل هرم لايمت لها بصلة قربى ولايعرف عن الفتاة أي شئ يذكر فيصرح لها قائلا ً : إلا أني وأثناء رحيلي عن وطني فلسطين تحت وابل النار وجدت عند شجرة امرأة فارقت الحياة وهي مضرجة بالماء ، وفي حضنها طفلتها التي لايزيد عمرها عن بضعة أيام ، أخذتها من بين يديها وبينما أمشي مبتعدا ً عن قرية الرامة وإذ بأبي أسعد الثائر يمشي خلفي ، فحدثته عن الفتاة وأمها ، يومها أعطاني مبلغا من المال لأعطيه لزوجته وأولاده إن حظيت بهم ، وعاد يدفن أم الطفلة بينما تابعت طريقي إلى هنا .
أم سعاد تابعت تقول : فطلبت من الرجل أن يعطيني الطفلة ، فوافق ، أخذها مني وقبلها وأعطاني حجابا ً صغيرا ً ملفوفا بقطعة قماش مخملية زرقاء اللون علقت عليه خرزة زرقاء ، قال أنه كان مثبتا ً بثوب الطفلة عند كتفها .. وسلسلة ذهبية أخرجتهما الأم من الدرج وسلمتهما لسعاد التي أيقنت بأنها فلسطينية لاجئة وليست لبنانية كما كانت تعتقد .
بكت سعاد وعرفت حينها لماذا كانت أمها تغلق الدرج كلما دخلت غرفتها .. حضنت أمها وراحت تقبلها بحب عميق ..
أهدتها أمها صندوقا ً صغيرا ً مذهبا ً فيه مجوهراتها ، وأخبرتها بأنها سترثها في حال وفاتها حيث أنها سجلتها كابنة لها في دائرة النفوس .
تموت المرأة التي أصبحت أما حنون لها ، وتصبح سعاد وحيدة ، لا أم ولا أخ .. ولا صديق إلا زميلها الفلسطيني نبيل العزيز على قلبها كثيرا ً .. قررت البحث عنه في المخيم رغم فترة الفراق التي تجاوزت الأربع سنوات .. فربما يعرف ذلك الرجل العجوز الذي انتشلها من الموت .. قررت أن تزور المخيم الذي يعيش فيه أهلها وأقاربها ..
عند نزولها من سيارتها الخاصة في أرض المخيم أحست برهبة . . بكت من رهبة المكان ، قرعت أول باب صادفته فاستقبلتها امرأة في الخمسين من عمرها ، وفيما بعد يدخل زوج المرأة المضيفة (أبو زهير) ، وبرفقته سائق سيارتها .. يدعوانها المرأة والرجل إلى تناول الطعام وأثناء ذلك تطلب من الرجل أن يساعدها في أن تلتحق بالفدائيين كطبيبة تساعدهم وتساهم في مساعدة جرحاهم .
وعدها الرجل بمساعدته لها وذلك بطرح ماطلبته على أم عفيف وأولادها الفدائيين، وفي اليوم التالي تعود سعاد إلى المخيم ليصحبها ابن أم عفيف إلى أحد معاقل الفدائيين لتلتحق بمشـفى في أقرب نقطة من الموقع بغية إسـعاف الجرحى والمصابين .
تفاجئ سعاد هناك بزميلها نبيل يعمل في المشفى كطبيب ، سألته عن وداد فأخبرها بأنهما تركا بعضهما بعد التخرج اعتقادا ً منه أنها لم يرق لها التحاقه بالفدائيين ..
في هذه الأثناء تقوم قوات العدو بغارة طيران وتقصف المنطقة .. يسرع نبيل ومعه سعاد لمساعدة الجرحى والمصابين ، وعلى أول نقالة تنزل من سيارة الاسعاف يكون سعيد ملقى عليها بلا حراك ، فيتعاون الاثنان ومعهما لفيف من الممرضات في اسعاف سعيد وبينما هما كذلك يسقط حجاب سعيد أرضا ً فتصرخ سعاد : أخي .. أخي سعيد يا أحب الناس إلى قلبي ..
يصحى سعيد من المخدر ، يعجب بالطبيبة الحسناء تفاجئه سلسلة أمه الذهبية في رقبة سعاد والحجاب على صدرها .. أراد أن يصيح ولكن لم يستطع .. اغرورقت عيناه بالدموع .. قال لها : " .. لقد انتظرناك كثيرا ً ياأختنا .. لاتخشي شيئا ً فأنا من أجلك سأعيش .. " .
في مجموعتها القصصية " لكن أحب فلسطين أكثر " تنقل لنا السيدة هدى حنا صورة حقيقية لمعاناة الشعب الفلسطيني إثر نكبة عام 1948 ، تسرد لنا مذكرات حدثت معها ، وتذكرنا دائما ً بأنها تحب فلسطين أكثر .



#ربحان_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب الأكراد للدكتور أرشاك بولاديان
- قراءة في كتاب - سقط سهوا ً مجموعة قصصية للروائية السورية حسي ...
- الرأسمالية .. ذئب أغبر
- النوروز والجلاء يومان يوم للكرد ويوم لكل السوريين
- فلنتحرر من عقدة التبعية
- نوروزنا الكردي
- هذه المرأة شئ آخر
- نبذة مختصرة عن محلة الصالحية في دمشق
- تعقيبا على(مابين النخبتين الحزبية والعشائرية) مقال الأستاذ ص ...
- كالدرويش كنت أقول
- أيها الناس : تعالوا
- الجمعية الصلاحية
- عبد النور وحاتم المهووس
- اللهم أعوذ بك من الخدّام ، والحكام الظلا ّم
- الأستاذ جورج حداد لم يقل عين الصواب
- فلنقف ضد الحكم الجائر بحق الدكتور سيد قادر
- كل عام وشعوبنا ووطننا بخير
- مسيرة القمع الفكري واجاهل الآخر - أنا مثالا ً -
- - مشهد في غرفة -
- الحوار المتمدن نافذة ، ومساحة للحوار استطاعت أن تؤلف قلوب قر ...


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربحان رمضان - اريد أن أموت في فلسطين للروائية هدى حنا