|
مسيرة القمع الفكري واجاهل الآخر - أنا مثالا ً -
ربحان رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 1401 - 2005 / 12 / 16 - 08:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ حداثة عمري وأنا أعاني من كابوس القمع الفكري ، القمع الذي بدأ مع سياسة تغيير اسم الدولة السورية إلى الجمهورية العربية المتحدة حيث أصبغت تلك السياسة كل من هو سوري بالصبغة العربية .. كنت طفلا في الصف الثاني الابتدائي لما قامت الوحدة السورية المصرية ، وكنت لا أستوعب ما كان يسألني إياه صديق والدي المرحوم عبد الرزاق شركس " أبو فاروق " وهو فلسطيني من فلسطيني عرب النكبة : هل أنت مسلم أم كردي ؟ فأردّ عليه بعفوية : أنا مسلم ، وكردي ، فيقول ضاحكا ًً : إما مسلم ، وإمّا كردي .. فأجيبه : الإثنان معا ً مسلم وكردي .. وأذهب بعيدا ً ألعب مع أقراني .. ولمّـا كنت كثير اللعب بالحارة ، والقفز من فوق الحيطان ، وتسلق جدران جامع ركن الدين والركض فوق (دك المدرسة) .. كان الناس يتهامسون ويكررون : " الله يجيره من آخرته ، بل أن رياض شمدين صديق أخي نجوان تنبئ لي بمستقبل ناجح إمّـا في السياسة ، وإمّا في الانتساب لعصابة من عصابات السلب والنهب ، لأنه يعتقد أن الطريقين واحد ، فالتمست (فيما بعد) طريق السياسة .. نتيجة للجو السياسي الذي يعيشه حي الأكراد الذي كان ينشط فيه البارتيون والشيوعيون والقوميون السوريون والدعاة الاسلاميين والناصريين ، والقوميون العرب (من الفلسطينيين والأردنيين ) .. وفيما بعد البعثيون .. وغيرهم . في الصف الخامس الابتدائي أصبح عمري اثنى عشر عام .. وكان يعلمني في مدرسة عثمان ذي النورين الابتدائية للبنين الواقعة في مفرق ساحة شمدين بحي الأكراد الأستاذ يسار الخطيب ، وهو بالأصل عروبي ناصري ( من أتباع الرئيس عبد الناصر ) كان الأستاذ يسار يحول كل دروس التاريخ والجغرافيا والحساب والإملاء إلى دروس لأبو العتاهية والمتنبي وابن زيدون ، ابن زيدون الذي بقي شعره دليل على (حضارة العرب) في بلاد الفرنجة عندما احتلوها باسم الإسلام .. ( بالعربي كان الأستاذ يسار صارعنا بالشعر والعروض وبتاريخ العرب في بلاد فارس والأندلس ، ويصرّ أننا عرب لنا الصدر دون العالمين ، ذلك دون أن يشعر بدهشة تلاميذه وغالبهم يرطن بالعربية بشكل مثير للضحك ... أذكر أن الأستاذ جمال ملا محمود (الأمين العام للبارتي السوري حاليا ً) كان معي في الصف ، وابن عمه السيد محمود عيسى اللذان كانا مثالا للتلاميذ الأكراد الذين يتكلمون الكردية بطلاقة مما كان يثير الأستاذ الخطيب وينرفزه ويجعل وجهه أحمرا ً من كثرة الانزعاج .. ذات مرّة ضربني بالعصا على يدي لأني قلت له أنا كردي ، فأصرّيت ، وتابع ضربي حتى كاد أن يدميهما من الضرب .. وكان لهذه الحادثة دورا ً في أن أركب رأسي وأصرّ على نقاء كرديتي بالرغم من أني لم أكن أعرف ولا كلمة كردية ، ليس لأني هجين ، لا بل أن أبي كردي شيخاني (من عشيرة شيخاني) ولد في دمشق عام 1900 ، هاجر جد أبيه في وقت مضى من قرية " قروك " الواقعة بين ديار بكر وماردين منذ المائتي عام .. جدي ابراهيم آغا رمضان ( قصف الفرنسيون بيته وبيت أخيه حسين آغا ) وحكموا على الأخير بالإعدام بتهمة إقلاق راحة الفرنسيين .. مما دفعه مع مجموعة المغضوب عليهم ومن بينهم خليل المدفعي ومحمود بكر ظاظا .. (الذي أصبح وزيرا ً فيما بعد) .. للهرب إلى الأردن ، وهناك تزاوجوا مع غيرهم من كرديات الأردن اللاتي كان أهلهن ، وأصبح لنا أهل وأقرباء لايزالوا يعتزوا بكرديتهم في جبل عمان وجرش ومناطق أخرى لا أعرفها .. طبعا ً عاد فيما بعد إلى دمشق و دفن بعد وفاته بجانب ضريح الأكراد الأيوبية في مدخل سوق الجمعة من الجهة الشرقية .. وأمي كردية ، إلا أن أمي من أكراد حماه (آل البرازي المتفرعين من عشيرة زروان) وهي ابنة المرحوم مصطفى بك البرازي بن محمود باشا البرازي الذي ُأغتيل في أحد مساجد القاهرة في أواخر القرم الثامن عشر ..
في الحقيقة أن والدي (رحمه الله) شجعني على الإنخراط بأية مجموعة أو منتدى ثقافي سوري ، ولأن الجمعيات والمنتديات الثقافية كانت مقتصرة على حزبين هما البعث ورديفه (اتحاد شبيبة الثورة) والشيوعي السوري ورديفه ( اتحاد الشباب الديمقراطي) وافقني على الانخراط في الأقرب إلى واقعه وفكره "حزب البارتي" الديمقرطي الكردي في سوريا (اتجاه عثمان صبري) الذي كان يمثل وبحق الشعب الكردي بكافة طبقاتهم الاجتماعية ، وقد تحول اسمه عدة مرّات منذ انتسابي إليه حتى عقده المؤتمر العاشر وتحويله إلى آزادي . ولكن (والدي) أصبح يضغط علي فيما بعد لأتركه اعتقادا ً منه أن هذا الحزب حرفني وجعلني أؤمن بالإشتراكية والإلحاد .. و لما ينزعج مني كان يشتمني قائلا : " .. يلعن أبوك على أبو لونين (وقصده لينين) ، يا كافر يا ملحد .. قلتلك تصير بارتي ، موتصير شوعي !! "
ولما أصبحت يافعا ً كان نسيبي (زوج أختي الكبرى ) المرحوم الدكتور نسيب الدردري يحاول أن يفرض رأيه سيما وأنه كان فيما سبق أمينا ً في الحزب السوري القومي الاجتماعي فيقول لي : " .. لايوجد في هذا الوطن شئ اسمه عرب ولا أكراد ، نحن سوريون ، والسوريون أم تامة (آرية) والعرب الغزاة (غزوا بلادنا) وبدلا ً من أن يذوبوا في بوتقة الشـــعب الســوري أذابوا الشـــعب الســوري في بوتقتهم .. " . ذات مرة طلب مني بعض المعلومات التاريخية عن الأكراد في حييهم بدمشق تلبية لطلب الأستاذ مظفر القاسمي الذي كان يعد كتابا ً عن سوريا ، فكتبت له ما أعرفه عن الشعب الكردي في سوريا ، ففوجئ الدكتور القاسمي ومعه ابن أخته الأستاذ سميح الغبرا ( القاضي في محكمة التمييز في تلك المرحلة) لأنه وعلى حد قولهم : " أنهم يعلموا " بأن كل الأكراد في سوريا يعيشون في حي الأكراد بدمشق .. في المعتقل ، لم ينكر المحقق عليّ كرديتي بل أن اللواء هشام البختيار قال لي : " .. نحن لن نعيد لكم الجنسية السورية .. إذا أردتم إذهبوا وقاتلوا في كردستان ، ونحن سندعمكم .." وهذا مرجعه أن ليس من اهتمامات جهاز المخابرات النقاش في القضايا السياسية والاستيعاب بقدر ماهو متوجب عليهم جمع المعلومات لتساعدهم في إدانة المعتقل لديهم . في المنفى قال لي طبيب سوري ( الدكتور حسيبي ) اتركوها مستشهدا بالحديث الشــــريف المروي عن النبي (ص) : ( اتركوها فإنها نتنة " وقصده الدعوة القومية " ) .. فقلت : يادكتور يعني إذا نحن دعينا إليها هي نتنة ، و إذا مارسها النظام فهي طازجة ؟؟!! ثم عقب قائلا ً : من قتل في ثوراتكم السابقة مات وهو شهيد .. أمّا الآن فمن يقتل فإلى النار مأواه وبئس المصير .. !! ومنفي آخر هو د. ميداني يقول " أنا لم أشعر بهذه المطالب من قبل ، هذا شئ جديد ، أذكر لمّـا كنت في مدرسة التجهيز كان معي كثير من الزملاء الأكراد ، ولم أسمع منهم ولا مرّة ماتطلبوه الآن .. وجاري الأخ أبو عساف يجد في مطالب الكرد القومية ، انفصال عن الوطن .. وغيرهم كثيرون هم الذين يرفضون الآخر .. ان هذا الخطاب لجديد على مسامع الإخوة العرب السوريين جديد بحكم تخلف وسائل الاعلام وعدم امكانية نشر المطالب الكردية على الإخوة العرب السوريين إلا عبر القيادات المفروض أن تكون متنورة في بعض الأحزاب السورية كالحزب الشيوعي مثلا ، وكانت صحفنا لا تري النور ولا يقرأها إلا من سلمت ليده مباشرة فكان الإخوة المثقفون العرب مطمئنون بسبب وجود تلك الزعامات ( باستثناء البعض) وغالبيها كانت كردية في الحزب الشيوعي السوري ، ومن دعاة الدين (كفتارو ، والشيخ ملا رمضان ..) الذين لم يدعوا (وعلى راي الدكتور حسيبي ) إلى الدعوة النتنة ، بل صفقوا وباستمرار للنظام فلم يؤخذ على مواقفهم أي عصبية قومية (نتنة) .. !! أن ما يفكر به أولئك المثقفون إنما هو وليد القمع الفكري و نتيجة غسل الدماغ التي تم لأبناء وبنات الشعب السوري وعلى مدى أربعون عاما ً ونيف هي عمر سلطة البعث التي دافعت عن الكرسي حتى النهاية ، وقدمت الغالي والنفيس في سبيل ذلك الكرسي الذي لايدوم لأحد . ورغم ذلك فهم سيما من شب ّ وترعرع في السنوات الأربعين الأخيرة مدعوون للحوار والمساجلة ، لأن القضية الكردية في سوريا هي قضية كل السوريين . إنها قضية وطنية بإمتياز ، وأؤكد ورغم تجاهلهم وتهربهم أنهم معنيون بها كما الأكراد معنيون .. كلنا معنيون بالقضية الكردية كقضية شعب يعيش على أرضه التاريخية به كامل الحق في تقرير المصير كغيره من شعوب الأرض ، كما نحن معنيون بمواجهة القمع ، والتسلط .. والارهاب بأشكاله المتعددة . معنيون بالمطالبة بحل المسألة الكردية كما نحن معنيون بالمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية ، وبالعفو عن المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم ، وإفساح المجال للصحافة الحرة ، وسن قانون أحزاب لا يستثني أي فصيل أو قومية أو فكر .. معنيون بالتغيير الديمقراطي اعتمادا ً على قوى الجماهير الشعبية وفصائل قواها الوطنية .. لأن الوطن يعني كل مواطن وكل فرد فينا ، يعنينا جميعا ً عربا ً وأكراد وأقليات قومية .. ولذلك لابد أن نعمل معا ً لحل مشاكلنا ، وتفهّم بعضنا للبعض الآخر بعيدا َ عن سياسة إلغاء الآخر ، وسياسة الاحتواء ..
· كاتب وناشط سياسي.
#ربحان_رمضان (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
- مشهد في غرفة -
-
الحوار المتمدن نافذة ، ومساحة للحوار استطاعت أن تؤلف قلوب قر
...
-
الصورة تتوضح اكثر الصورة تتكرر
-
الصورة تتوضح أكثر الصورة تتكرر
-
قلبي عليك ياوطن
-
مدارات الكلمة - قراءة في كتاب
-
من تبقى منا للدفاع عن الوطن ؟؟
-
دعوني أشرح مالم ُيشرح
-
الوحدة .. الوحدة فلتكن خطوتنا ثابتة
-
المَدة
-
لماذا ارأت الحركة الكردية
-
حالة السيد علي المصري وحالات كذب أخرى ..
-
كذبة علي المصري وحالات كذب أخرى
-
وحدة - انشطار - وحدة
-
الحركة الكردية ترفض الإشارة إليها
-
قراءة في كتاب (مجالس الشوك والورد) للأستاذ ابراهيم محمود
-
عندما تهوي الكواكب
-
الرمز الذي لم يمت - غيفارا
-
بعض الأخطاء التي أودت بحياة الحزب الشيوعي
-
ليش النرفزة المفبركة
المزيد.....
-
ماذا دار في أول اتصال بين السيسي ورئيس إيران بعد الهجوم الإ
...
-
احتفالات مولودية الجزائر بلقب الدوري تتحول إلى مأساة وحزن
-
بزشكيان لماكرون: العدوان الإسرائيلي دليل على أن خططنا الدفاع
...
-
قبرص تعتقل مشتبها به في قضايا تجسس وإرهاب
-
إيران تتعهد بتطوير صناعتها النووية بوتيرة أسرع بعد الحرب
-
إيران تطلق الموجة 19 من هجماتها على إسرائيل
-
رئيس إيران يعلن موقف طهران من التفاوض بشأن برنامجها النووي
-
سوريا: إيقاف وسيم الأسد المتهم بالضلوع في تجارة المخدرات خلا
...
-
إسرائيل حاولت زعزعة إيران فساعدت في توحيدها
-
بانون يعارض الانضمام للحرب على إيران ويوجه تحذيرات لترامب
المزيد.....
-
كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف
/ اكرم طربوش
-
كذبة الناسخ والمنسوخ
/ اكرم طربوش
-
الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر
...
/ عبدو اللهبي
-
في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك
/ عبد الرحمان النوضة
-
الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول
/ رسلان جادالله عامر
-
أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب
...
/ بشير الحامدي
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|