|
نوروزنا الكردي
ربحان رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 1491 - 2006 / 3 / 16 - 12:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
منذ ألفان وست مئة وثمانية عشر عاما ً والنوروز يأتي ضيفا ً عزيزاً وغال .. يأتي في أحلى يوم من أيام السنة .. في الواحد والعشرين من آذار .. هاهــو مرة أخرى وعلى التـــوالي ، يأتي ال (نوروز) ..
نوروزنا .. نوروز شرقنا الأوسط .. نوروزنا الفارسي والأفغاني ، والهندي ، والباكستاني ولا بأس أن يكون ال (نيروز) عربي وتركي يشاركنا العرب والأتراك فرحتنا به ، ونحتفي به معا ً .. نوروزنا الكردي يأتي محملا ً بعبق العطر البنفسجي .. بعبق النرجس ، والسينم (الوردة الخجولة) الناميتان في جبال كردستان .. محملا ً .. بعبق الياسمين الدمشقي .. مزهوا ً بألوانه الزاهية ، الأبيض .. والأصفر والليلكي (العراتلي) .. بعبق السوسن ، والجوري ، والقرنفل ، والزنبق
نوروزنا يأتي مرسوما ً بلون أبيض عنوانا ً للســــلام ، وأحمر يرمز للحب والعطاء .. . وأخضر يرمز لديمومة الحياة .. تشرق فيها وفي قلبها شمس لا تغيب على مـرّ العصور والدهور .. في هذا النوروز كان من المفترض أن يكون معنا سليمان آدي وقد أصبح عمره ثمان وثلاثون عام .. رصاصة الشرطي أو عنصر الأمن (الأمر سيّان) التي أردته شهيدا ً لم تدعه يعيش و يستمر في العطاء .. فقد كان عامل بناء ممتاز احتج مع المحتجين وهتف للنوروز كغيره من المتظاهرين والمتظاهرات .. هذا العامل البسيط أصبح قبره محجا ً لكل الأكراد ، ومزارا ً يزوره الناس في كل أصبحة الأعياد وعلى رأسها نوروز المجيد .. سليمان لم يختر مهنته فقد ولد مجردا ً من الجنسية السورية لأن أبوه والذي يقال بأنه كان مواطنا ً ً صالحا ً وأمه الفلاحة الفقيرة البسيطة جردا من مواطنيتهما السورية استنادا ً إلى مرسوم الإحصاء الإستثنائي الذي تم في محافظة الحسكة قبل أن يتعرف سليمان على حروف الأبجدية ..
في نوروز دمشق لعام 1986 تمترست قوات (حفظ الأمن والنظام) بأسلحتها وعتادها في شارع ركن الدين لتساعد مفارز فرع الأمن السياسي في إتمام مهمتها لمنع الناس من الإحتفاء بالنوروز .. الذين وكانوا يشرعون للإحتفال وتواجدوا في الشارع لم يكونوا فقط من الأكراد .. كان بينهم عرب فلسطينيون ، وعرب عراقيون ، وعرب سوريون ، وأتراك .. جاؤوا يشاركوا الأكراد فرحتهم (التي لم تكتمل) ..بعيدهم القومي (نوروز) .. احتج كل أولاء الناس ، وتظاهروا وهتفوا لنوروز .. .. اتجهوا نحو القصر الجمهوري يطالبوا السماح لهم الإحتفاء بعيدهم القومي ، ورأس السنة الكردية و المصادف لعيد الأم ، ولليوم الأول من أيام أيام فصل الربيع .. الشهيد سليمان آدي الذي قضى برصاصة مجهولة أطلقت من كلاشينكوف أو مسدس لعنصر من عناصر مخابرات أو حرس جمهوري أو أي فصيل من فصائل قوات القمع التي تمترست أمام القصر الجمهوري في حي أبو رمانة البرجوازي – المخملي على ذلك الإحتجاج الســـلمي في يوم الحب ورأس السنة الكردية في دمشق .. هناك في دمشـق الفيحاء ، وفي أرقـى شـوارعها قتل الشاب ذو الثمانية عشــر ربيعا ً .. القادم من قريته المذبوحة (جرنكة) والتي أرغمت على تغيير اسمها بمرسوم جمهوري إلى قرية " المربعات" ..
قبل أن تفقد جرنكة فلذة كبدها ، شهيد نوروز الأول اقتحمت حرمتها مجموعة كومانوس تركية وأفرغت رصاص حقدها الأسود في أجسام أحد عشر شخصاً (بينهم امرأة ) كانوا قد التجأوا إلى سوريا وذلك أمام أعين اطفالهم بتهمة انتمائهم لحركة كاوا الكردســـتانية ... ولمّا علمت الســــلطات الأمنية السورية بالموضوع ( احتجت ..!) على الجريمة .. وُنسي الموضوع على مر ّ الأيام ..! استشهاد سليمان مرّ بدون ضجة تذكر ، لم يطالب بدمه أحد ، ولم تعتذر السلطات الأمنية لا لأهله ولا للأكراد عن قتله ، بل لم تعترف أساسا ً بقتله .. حتى أنها لم تسمح يومها ولأكثر من ستة أشخاص أن يرافقوا جنازته (أضيف واحد تجاوزا ً) إلى جرنكة أقلتهم سيارة أمن من دمشق إلى مثواه الأخير (تحفظا ً) ورغم ذلك لم يغتسل ، ولم يكفن ، بل ُلف بالعلم الكردي و دفن معه في الضريح الذي ضمهما بسلام ... كنت واحد من أولئك السبعة ، وكنا في الحقيقة نمثل ثلاثة (أحزاب كردية) أحدها حزب الإتحاد الشعبي الكردي ، أول حزب يحتفل بنوروز بشكل علني في سوريا، بمشاركة قوى وأحزاب عربية (عدا حزب السلطة) كان ذلك منذ عام 1975 حيث حضرت السيدة مريم نجمة ممثلة عن الحزب الشيوعي العربي الماركسي – اللينيني إحدى الندوات الخاصة التي كانت منظمة دمشق لحزب الإتحاد الشعبي الكردي ينظمها في كل عام بمناسبة إحتفالات النوروز ، ثم تتالت الإحتفالات في الأعوام التالية .. وقد نشرت صحيفة ميسلون الناطقة باسم اللجنة المنطقية بدمشق للحزب الشيوعي السوري في عددها الأول كلمة ممثلها المرحوم عبد الوهاب ظاظا التي أشاد فيها بنوروز وبنضال الشعب الكردي وبحزب الإتحاد الشعبي الكردي الداعي للمهرجان .. كانت تشاركنا احتفالاتنا بالنوروز عادة قوى عربية صديقة أخرى كجبهة تحرير البحرين ، وجبهة التحرير الأرترية ، والفلسطينيين ، وفصائل الحركة الكردستانية من كردستان العراق ، وكردستان تركيا ، والشيوعيين العراقيين و الفرق الشعبية الفلسطينية .. فرقة بيسان ، فرقة غسان كنفاني، فرقة الأرض ، وفرقة الطريق العراقية بمشاركة الفنان الثوري سامي كمال .. كل ذلك قبل أن يستشهد سليمان عامل البناء المناضل من أجل تأمين لقمة العيش له ولأهله في جرنكة الذبيحة .. بعد ذلك بعام واحد صدر مرسوم جمهوري يقضي بإعتبار عيد الأم والمصادف ليوم الواحد والعشرين من آذار عيدا ً رسميا ً في البلاد ...!!
نوروزنا المشرقي .. نوروزنا .. نوروز شرقنا الأوسط .. نوروزنا الفارسي والأفغاني ، والهندي ، والباكستاني والعربي والتركي يأتي ، وسيأتي دائما ً طالما يعيش ولو كردي واحد على وجه االبسيطة ..
من يومها تعرّف العرب السوريون أكثر على يوم النوروز ، نوروز ، اليوم الذي من أجله ٌٌكرمت الأم في سوريا .. نوروزنا المشرقي .. نوروزنا .. نوروز شرقنا الأوسط .. نوروزنا الفارسي والأفغاني ، والهندي ، والباكستاني والعربي والتركي يأتي ، وسيأتي دائما ً و سنحتفل به أينما كنا .. في الجبال ، والوهاد .. في الوطن وفي الشتات ، حتى في أقبية التعذيب.. سنحتفي بالنوروز متى جاء .. وأينما جاء ، وسنضئ شمعة النوروز على قبر الشهيد سليمان آدي لتصبح شعلة سرمدية تضئ للأجيال القادمة نور (نوروز) الذي لايخبو ..
سنحتفل بالنوروز رغم الضريبة لأن الفرح في بلادنا له ضريبة وقد دفعها الشهيد فداء ..
هلموا نفرح معا ً ، ونضئ معا ً شمعة النوروز .. هلموا نقف إجلالا ً لشهيد نوروز هلموا أيها الناس .. ============= * كاتب وناشط سياسي .
#ربحان_رمضان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هذه المرأة شئ آخر
-
نبذة مختصرة عن محلة الصالحية في دمشق
-
تعقيبا على(مابين النخبتين الحزبية والعشائرية) مقال الأستاذ ص
...
-
كالدرويش كنت أقول
-
أيها الناس : تعالوا
-
الجمعية الصلاحية
-
عبد النور وحاتم المهووس
-
اللهم أعوذ بك من الخدّام ، والحكام الظلا ّم
-
الأستاذ جورج حداد لم يقل عين الصواب
-
فلنقف ضد الحكم الجائر بحق الدكتور سيد قادر
-
كل عام وشعوبنا ووطننا بخير
-
مسيرة القمع الفكري واجاهل الآخر - أنا مثالا ً -
-
- مشهد في غرفة -
-
الحوار المتمدن نافذة ، ومساحة للحوار استطاعت أن تؤلف قلوب قر
...
-
الصورة تتوضح اكثر الصورة تتكرر
-
الصورة تتوضح أكثر الصورة تتكرر
-
قلبي عليك ياوطن
-
مدارات الكلمة - قراءة في كتاب
-
من تبقى منا للدفاع عن الوطن ؟؟
-
دعوني أشرح مالم ُيشرح
المزيد.....
-
بزشكيان: على الدول الإسلامية منع استمرار الجرائم في غزة
-
مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
-
الاحتلال يعتقل مواطناً من قرية فرخة غرب سلفيت
-
الإمارات تدين اقتحام باحات المسجد الأقصى وتحذر من التصعيد
-
عبارة -فلسطين حرة- على وجبات لركاب يهود على متن رحلة لشركة ط
...
-
رئيسة المسيحي الديمقراطي تريد نقل سفارة السويد من تل أبيب إل
...
-
هل دعا شيخ الأزهر لمسيرة إلى رفح لإغاثة غزة؟
-
-في المشمش-.. هكذا رد ساويرس على إمكانية -عودة الإخوان المسل
...
-
أي دور للبنوك الإسلامية بالمغرب في تمويل مشاريع مونديال 2030
...
-
قطر تدين بشدة اقتحام مستوطنين باحات المسجد الأقصى
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|