أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مقامات الغربة والاسفار














المزيد.....

مقامات الغربة والاسفار


سعد محمد موسى

الحوار المتمدن-العدد: 7119 - 2021 / 12 / 27 - 02:43
المحور: الادب والفن
    


ما بين حكاية القندس، چليب الماي (مجبل) الذي نجى من اِصطياد الرماة في كواهين الاهوار وسماسرة تجار الجلود (الصفاطة) ... والحمار (سموكي) الذي أنقذته الصدف بأن يبقى حياً وسط نيران الحروب.
لقد كانتا قصتين جسدتا الالم واليتم والغربة حدثتا ما بين حقبتين مختلفتين من تاريخ العراق، تراجيديا سموكي التي حصلت بعد بضعة سنوات من اجتياح قوات التحالف للعراق أما حكاية مجبل فحدثت خلال الحكم الملكي في العراق عام 1956 أثناء زيارة الرحالة والكاتب البريطاني ( كافن ماكسويل) الى أهوار العراق وشرائه لجروة من كلاب الماء كانت بحوزة صياد أسماك في قرية (أبو صخير) تبدو صغيرة بحجم سنجاب وخائفة اسماها (كحلاء) والمستوحى من اسم نهر الكحلاء الذي يصب في هور الحويزة، ولكن بعد اقل من شهر مرضت كحلاء ثم ماتت في أهوار ميسان فحزن عليها صاحبها كثيراً لا سيما وهو يتذكرها حين كان يحملها داخل قميصه بينما هي تشعر بدفء جسده الذي يذكرها بامها التي أنتزعت منها قسراً، ورأسها يتطلع للخارج وكأنها كنغر صغير في جوف جراب أمها، وكانت تنام على ظهرها وترضع الحليب من القنينة بعد أن يلقم ماكسويل فمها بالحلمة المطاطية ثم تغفو كالاطفال وتبعث صرخات أثناء أحلامها، وبعد أن تستيقظ في الصباح الباكر كانت تصدر أصواتا تشبه زقزقة العصافير، فبقي الرحالة كلما يتذكر كحلاء أو يحاول الكتابة عن رحلاته الى الاهوار يشعر بغصة فقدانها، لكنه تبنى بعد ذلك القندس (مجبل) وجلبه معه الى لندن ثم اسكتلندا ومنحه هذا الاسم تيمناً باسم صديقه (الشيخ مجبل) الذي استضافه في مضيفه في أهوار ميسان حينذاك، وقد أختصر ماكسويل اسمه تودداً واطلق عليه (ميج) كعادة الانجليز في تصغير تلفظ الاسماء والكنى!!
لقد وفر ماكسويل لضيفه العزيز كل ما يحتاجه وجعله قريبا من موطنه الاول الماء كي لا يشعر بالغربة بعد أن انتقل للعيش في بيت يقع على ساحل البحر في جزيرة (سكاي) الاسكتلندية.
في مساء خريفي بعد رحلة طيلة النهار قضاها ماكسويل ومجبل على الساحل الصخري رجعا للدار. أشعل ماكسويل سيجارته وارتشف فنجان قهوته وهو يستمع من جهاز الغرامافون الى اسطوانة كانت تضم مجموعة أغاني من غناء الريف والابوذية والاهوار باطوار الصبي والمحمداوي، فتح مجبل عينيه المثقلتين بالنعاس واستدار نحو آلة التسجيل وكأنه يفهم كلمات أغنية (مشحوفنا طر الهور) بعد أن أعادت موسيقى الاهوار بذاكرته الى فراديس القصب والماء والاسماك هناك.
مسد ماكسويل على فراء مجبل الناعم متساءلاً: هل اشتقت يا صديقي (ميج) الى كواهين الاهوار والى اللعب مع رفاقك القنادس بين أجمات القصب وأعشاب الشمبلان والجولان والبردي في هور الميمونة والحويزة!!؟؟
أَم إنك مطمئن هنا رغم افتراقك عن مملكة الشمس الدافئة!!؟؟
ثم استرسل ماكسويل بكلامه بعد أن غط مجبل بنومه قرب موقد التدفئة الخشبي : شكراً لك يا رفيقي لقد بددت وحشتي في هذا المكان، ثم تطلع الى صور أصدقائه الاعزاء: (اللورد ويلفريد ثيسكر الرحالة البريطاني الذي كان السبب لزيارته الى أهوار العراق وكذلك سيد صروط والشيخ فالح الصيهود والشيخ مجبل) وكذلك صديقيه الصيادين من الاهوار اللذين جلبا له القندس مجبل وهما (عجرم وحسن بن مناتي) بعد أن لحقا به الى القنصلية البريطانية في البصرة قبل سفره الى لندن ليمنحاه كيس جنفاص في داخله قندس صغير بعمر بضعة أسابيع عانقهم بحرارة غير مصدقاً لتلك الهدية التي تمناها كثيراً وشكرهم ثم ودعهم ... وكذلك تطلع الى أرشفة الصور التي التقطها للمشاحيف والطرادات والمضايف والجواميس وأسراب الطيور ومزارعي الشلب وصائدي الاسماك والمعدان وتذكر رائحة الخبز المنبعثة من التنانير الطينية والدخان المتصاعد نحو فضاءات الغروب، وكان يشعر بثمة شوق يتمالكه للعودة مجدداً لتلك الفراديس التي سحرته بجمالها واستثنائيتها واشراقات النقاء والعفوية التي رسمت أبهى صور لحياة الطبيعة البريئة والهادئة والى سكانها الكرماء الطيبين هناك.
لقد اعتاد ماكسويل على مشاكسات ومقالب (ميج) اليومية فتارة كان يركل زجاجة الحليب ويدلقها على أرضية المطبخ، ثم يقوم بلحس الحليب من فوق البلاط، أو أن يختبأ في سلة المهملات بين الاوراق واحياناً يسرق الجواريب ويخفيها في ثنايا البيت، ولم ينسى ماكسويل الليلة التي استيقظ بها مرعوبا بعد مداهمة مجبل لبار الخمور في الصالة وتحطيم زجاجات الويسكي والنبيذ، فقرر بعدها أن يعلق زجاجات الخمرة من أعناقها متدلية في الفراغ بحبل في المطبخ بعيداً عن مشاغبات القندس المدلل، ولم يتمالك ماكسويل نفسه من الضحك كلما تذكر حفلة الرعب التي خلفها ميج بين ركاب القطار القادم من لندن الى اسكتلندا بعدما تسلل من المقصورة التي أخفاه فيها وشاكس المسافرين الذين فزعوا من مداهمة هذا الكائن الغريب، ولم يوقف هلع الركاب الا بعد مجيء المفتشين الذين أمروا بايقاف القطار في منتصف المسافة وطرد الراكب وقندسه خارج القطار.
كلب الماء مجبل الكائن السومري الاهواري النادر والذي يختلف عن بقية القضاعات الاخرى التي تستوطن أنهار وبحار وبحيرات العالم كانت فصيلته غير معروفة أو مسجلة علمياً حتى جلبها ماكسويل الى جمعية الحيوان في لندن ثم أطلق علماء الحيوان على هذه القضاعة البرمائية السومرية اسم (ماكسويلي) تيمناً بمكتشفها الاول.
لكن لعنة القدر لم تدع مجبل يعيش طويلا مع رفيقه ماكسويل بعد أن قتله فلاح اسكتلندي بطريق الخطأ عام 1960، صعق ماكسويل بالخبر الصادم وبقي حزينا طيلة حياته وقد كتب عن علاقته وذكرياته مع مجبل قصته الشهيرة بعنوان (حلقة في مياه ساطعة) والتي تحولت فيما بعد الى فيلم سينمائي حمل نفس العنوان
Ring of Bright Water
وكذلك أنجز نصب تذكاري من البرونز قريبا من الساحل في جزيرة سكاي الاسكتلندية وهو ينتصب براسه عاليا يحدق في أعماق البحر ليبقى شاخصاً وذكرى خالدة لهذا السومري الزائر القادم من أعماق الاهوار العراقية لتلك الجزيرة التي مات فيها، وتحول النصب فيما بعد الى مزار وبيت السيد ماكسويل متحفاً يؤمه الكثير من السواح.



#سعد_محمد_موسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فراديس الاهوار / الجزء الثالث
- فراديس الأهوار / الجزء الثاني
- فراديس الاهوار
- أوريكة
- مقامات المدن والموسيقى
- مقامات الموسيقى والمدن
- مدينة الرياح وأساطير البحر
- مراكش/ رحلة في أروقة الگناوة
- مراكش وهارمونية الاطياف الحضارية / الجزء الاول
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء 5
- حكايات من جزيرة الواق واق الجزء/ 4
- حكايات من جزيرة الواق واق / الجزء / 3
- حكايات من جزيرة الواق واق/ الجزء /2
- حكايات من جزيرة الواق واق
- مكابدات الرحّال / الجزء الأخير
- مكابدات الرحّال / الجزء السابع عشر
- مكابدات الرحال / الجزء السادس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الخامس عشر
- مكابدات الرحال / الجزء الرابع عشر
- مكابدات الرحال/ الجزء الثالث عشر


المزيد.....




- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...
- بطوط الكيوت! أجمل مغامرات الكارتون الكوميدي الشهير لما تنزل ...
- قصيدة بن راشد في رثاء الشاعر الراحل بدر بن عبد المحسن
- الحَلقة 159 من مسلسل قيامة عثمان 159 الجَديدة من المؤسس عثما ...
- أحلى مغامرات مش بتنتهي .. تردد قناة توم وجيري 2024 نايل سات ...
- انطلاق مؤتمر دولي حول ترجمة معاني القرآن الكريم في ليبيا
- ماركو رويس ـ فنان رافقته الإصابات وعاندته الألقاب
- مهرجان كان: دعوة إلى إضراب للعاملين في الحدث السينمائي قبل أ ...
- حفاظا على الموروث الشعبي اليمني.. صنعاني يحول غرفة معيشته لم ...
- فلسفة الفصاحة والخطابة وارتباطهما بالبلاغة


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد موسى - مقامات الغربة والاسفار