أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الوفاء في -تحيا حين تفنى- للكاتب الأسير ثائر حنيني















المزيد.....

الوفاء في -تحيا حين تفنى- للكاتب الأسير ثائر حنيني


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 7108 - 2021 / 12 / 16 - 20:49
المحور: الادب والفن
    


الموت لا يعني انتهاء وجود/ حضور/ أثر المتوفى، فهناك راحلون ما زالوا بيننا، نشعر بهم،/بطيفهم/ وما زلنا نردد ما قالوا، حتى أننا نتحدث عنهم، هذه الحالة تكون فقط مع أولئك الذي تربطنا بهم علاقة استثنائية، وكأن العقل الباطن يستثار عندما نريد أن نكون (واقعيين) تجاه هؤلاء الغائبين، فتخرج لنا أفكار/ حالات/ مشاعر لم نكن نحملها وهم بيننا، من هنا نرفض التسليم برحيلهم، ونبقيهم حاضرين في العقل الواعي والعقل الباطن.
هذا الكتاب يؤكد ما جاء آنفا، فالسارد/"ثائر" يتحدث عن "فادي" بحميمية غير معهودة، وهذا ما نجده في أكثر من حالة، الإهداء: "... وقد تضرج جسده بالدم والعطر فكنت فاديا"، ومنها تكرار لفظ "فادي" أكثر من ستين مرة، بعدد يقارب عدد صفحات الكتاب، فبدا الحديث عنه وكأن هناك جسدين بروح واحدة، كما أن لغة السرد التي جاءت من خلال "ثائر، سلوى، السارد الخارجي/ العليم" كلها تحدثت بلغة واحدة، حتى أنها أحيانا تتداخل فيما بينها، ورغم أن هذا الأمر يحسب على (السيرة) وعلى الكاتب الذي لم (يحسن ) التفريق بين أصوات الرواة، إلا أنه يخدم فكرة الوفاء للشخصية "فادي" المسرود عنه.
أما عن تصنيف الكتاب فقد صنف على أنه "نص"، لكن يمكن أن نضيف ونحدده أكثر فنقول: "بعض من سيرة غيرية/ فادي، أو شيء من سيرة مناضل"، وهذا باعتقادي أنسب، فالكتاب يتحدث عن فادي تحديدا، متناولا "سلوى وأمه"، وبعض رفاقه، فكان الأجدر أن يصنف "سيرة غيرية/ سيرة مناضل".
لغة السرد:
سنحاول تناول شيء من هذه السيرة، وكيف تناولت شخصية "فادي"، يفتتح السارد الخارجي/ العليم السيرة بالحديث عن "سلوى" وعن لقائهما الأخير: "... وغادرا دون عودة، كان الأول من ديسمبر لعام 2003" ص12، وهذه إشارة إلى أهمية الزمن الذي غاب فيه "فادي.
يقدمنا السارد أكثر من فادي متناولا طريقة تفكيره: "... نحن لم نختر كيف ومتى نولد، لكننا حتما نختار متى نموت". علامات الاندهاش التي كست محيا فادي حين قرأ جملتها وعلق فقط: "الأهم أن نختار من أجل ماذا سيكون موتنا.. وكيف!" ص13، نلاحظ أن هناك مقولات/ حكماً لفادي ينثرها السارد في السيرة، جاءت من الرواة: "ثائر/ سلوى/ السارد العليم".
الباب الأول (1) ورغم أنه افتتح من خلال السارد الخارجي/ العليم، إلا أنه فتح الباب أمام "سلوى" لتشارك في السرد بشكل كلي: "... أخبرته بوجود أربع آليات عسكرية مصفحة تجوب بالقرب منا، قال لي يومها "لا تكترثي فلست أنا المستهدف وعندما تشاهد الطائرات والدبابات والعشرات من الجنود وتصغي لأصوات القنابل بالمكان فأعلم أنني هناك أقاوم" ص16، أيضا نجد أن هناك كلمات "لفادي" جاءت على لسان "سلوى"، وهذا يشير إلى أن لغة السرد واحدة عن جميع الرواة.
يحدثنا "ثائر"/ الكاتب عن عمه "فادي" بقوله: "... هو عشق وطن وامرأة، أو عشق امرأة وطن لا فرق لديه. هذا الفارس الذي تفوح روائح البارود من ملابسه، ويعبق قلبه برائحة عطر امرأة تشبه نسائم بيت دجن حين تمر على جبهة فلاح وقت الحصاد.
... رأيت في عينه ذات الالتماع الذي يشي بالفرح والأمل بالنصر حين سرد أمامي بوادر عشقه: "لم أجرؤ على التقدم نحوها... رغم كل عناصر الجذب القاهرة التي تشدني إليها". قال ذلك وغرق في صمت يشوبه الوقار، ثم أردف..."كدت أسمع صوت قلبي حين رأيتها خلسة تسترق النظر إليّ" ص30، إذا ما توقفنا عند المقطع الأول نجد لغته ناعمة ومشبعة بالعاطفة، وهي أقرب إلى صوت الأنثى منها لصوت رجل، وهذا يشير إلى عدم (دقة) السارد في اختيار الرواة، فلو جاء المقطع على لسان "سلوى" لكان أجمل وخدم لغة الشخصيات، لكن التداخل والتشابك في أصوات الرواة حال دون تميزها عند بعض، من هنا نجد "ثائر" يستخدم أيضا أقول لفادي، وهذا ما يؤكد أن طريقة السرد واحدة عند جميع الرواة.
فادي:
إذن هناك تركيز على أقول "فادي"، وهذا يشير إلى ما يتمتع به من حكمة، فرؤيته للحياة متعلقة بالحب والمقاومة، وهما سمة إنسانية راقية، ورغم أنهما متناقضتان "حب/ نعومة، ومقاومة/ شدة" إلا أن فادي استطاع أن يجمعهما معا، ويتحدث عنهما بطريقة لافتة: "الحب يا ثائر يجبرك على ابتكار الأمل" ص65، اعتقد أن ذروة فكرة الحب نجدها في هذا القول، فبدا قائله وكأنه حكيم في الحب.
ونلاحظ أن الحب لم يحدد، وجعله "فادي" حبا عاما/ شاملاً، وهنا تكمن حكمة هذا القول وبلاغته.
"أنهى فادي متطلبات لقب البكالوروس ... حصل على لقب آخر بعيد عن تخصصه، ...المهندس الأول لكتائب أبو علي مصطفى، وذلك لبراعته في تصنيع المواد المتفجرة وإعداد العبوات والأحزمة الناسفة، وهذا بالضبط ما أفقده إصبعين من يده... "لقد أكسبني ذلك فهما آخر لمعنى الموت، بمعنى أن تصافح هذا الكائن الخرافي بيد معطوبة... وإنه سرق فيك/ (منك) جزءا ثم تهزمه بفهمه، لقد كنت أظنه أعقد من ذلك لكنه تساوى مع كافة الأشياء التي تحيط بنا وتدفعنا للتعاطي معها، كالحرص والحب والخوف والأمل لكنه انصاع لرغبتي في أن أواصل".
... هو الذي جرب الموت ومنحه رشوة إصبعين ليبقيه حيا حتى يواصل حلمه وبجانبه هذا العدو الذي لم يبق له ولشعبه حيزا للحياة العادية" ص 42، رغم أهمية الفكرة المتعلقة بتألق "فادي"، إلا أن الأهم هو طريقة تقديمها، فقد جعلت السارد الموت كائن بشري يمكن أن (يرتشى)، ويمكن أن يتم التحايل عليه، وإرضاؤه بالقليل، وبهذه الصفات يكون الموت كائنا (بغيضا/شريرا) لهذا لم يكن هناك توافق بينه وبين المبدئي "فادي".
الأم:
أدب الأسرى يتعاطى مع الأم بطريقة استثنائية، فهي من تمنح الأسير القوة المادية والمعنوية ليواصل صموده وعطاءه، "ثائر حنيني" يؤكد هذا الأمر من خلال حديثه عن جدته/ أم فادي بهذا المشهد: "سألها ضباط يتقن اللغة العربية عن مكان ابنها فادي، سخرت منه بنظرة ثابته وسألته (هل تتوقع أن أشي بابني وأدلك على مكانه؟) ارتبك من إجابتها وغير مجرى الحديث قائلا "لقد قطع إصبعه... ولن يستطيع بعد الآن إطلاق النار علينا"، وهو يبتسم متشفيا، لكنه جهل أن الأم التي أنجبت فادي أقوى من أن يهزها حدث كهذا وسرعان ما ارتجلت هذه العجوز السنديانة قائلة إنه سيستخدم إصبعه (هذا) مبرزة إصبعها الوسطى في وجهه مجمدة تلك الابتسامة على شفتيه... اقترب يومها أحد الجنود منها وشتم فادي بأقذع الألفاظ، وسرعان ما باغتته بصفعة مدوية، وهم مغتاظا بالتهجم عليها لضربها في عقب بندقيته، وهي واثقة ترمقه بغضب وثقة غير مكترثة" ص36 و37، وهذا ما يؤكد أن الأم الفلسطينية شريكة في النضال، وهي من تمنح المناضل القوة على الاستمرار في المعركة، فمثل هذه الأم ستكون عون لأبنها، وليست (عبئاً) عليه.
رغم هذه الصلابة والقوة إلا أنها تبقى أمّاً، فعندما يأتي خبر استشهاد ابنها تحولت إلى امرأة أخرى، يصف لنا "ثائر" وقع خبر رحيل "فادي" عليها بهذا المشهد: "عندما دخلت عليها كانت تفترش سجادة الصلاة متشحة بغطاء رأسها تسلم منهية صلاتها، رفعت رأسها وسألتني دامعة العينين: هل حقا رحل فادي؟ راودتني رغبة بالاختفاء والذوبان، لم أعد أعلم ماذا أفعل أو ماذا أقول، صمت لبرهة ثم هززت رأسي، صرخت بوجهي بصوت باك: قلها، هل استشهد؟ أعدت آخر كلمة بصوت بالكاد يسمع.
وقتها شعرت لأول مرة أن فادي استشهد" ص62، يبدو للوهلة الأولى أن هذا الموقف يتناقض مع الصورة السابقة، لكنه في حقيقة الأمر وهو يكمله، بمعنى أن الأم في المشهد الأول كانت إنسانية في وطنية، وفي المشهد الثاني إنسانية كونها أمّاً، من هنا وجدناها تخرج ما فيها من عاطفة/ حزن/ غضب تجاه ابنها الشهيد، حتى أن "ثائر" الذي يعلم بالخبر مسبقا، شعر بهول الفاجعة عندما شاهد أثر وقعه على جدته/ أم عمه فادي.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأنثى والكتابة والتمرد في قصيدة -أم اللغات- رنا صالح
- مناقشة كتاب -من قتل مدرس التاريخ
- الشخصيات والحدث في رواية - وما زال الحلم- للأديب جمال بنورة
- الحرف بين إيهاب الشلبي ومنذر يحيى عيسى
- قراءة في ديوان -تلك السيدة وذلك البيت-* للشاعر عبد الباسط إغ ...
- السرد والمضمون في رواية -المعمعة- عمار محمود عابد
- ابداع سميح الشريف
- قصي الفضلي والرثاء في -كيف ارثيك-
- رواية لست حيوانا وليد عبد الرحيم
- جماليّة المعنى الأيروسي في ديوان -وشيء من سرد قليل-
- الموظف والوزير
- الفلسطيني وفلسطين في مجموعة -مفاتيح على شباك القلوب- محمد عا ...
- كميل أبو حنيش قصيدة -في الظل نسوني-
- بؤس الواقع في رواية -ما تساقط- عفاف خلف
- القصيدة الكاملة -لم أشأ- عبد السلام العطاري
- الأنسجام بين اللفظ والفكرة في قصة -انصياع- -فوزية الكوراني-
- محطات التيه السعيد عبدالغني
- حكاية سر الزيت وليد دقة
- أثر السجن في رواية -الجهة السابعة- كميل ابو حنيش
- البوح بالعشق في -نَبيّ العشق في أديرة العشّاق- زينة جرادي


المزيد.....




- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - الوفاء في -تحيا حين تفنى- للكاتب الأسير ثائر حنيني