أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جسر اللَّوْز 25














المزيد.....

جسر اللَّوْز 25


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 7100 - 2021 / 12 / 8 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


في إحدى الأمسيات التي أمضيتها مع إيمان في إحدى خمّارات مدينة بون سألتها بنوع من المناكفة والمداعبة عن الشخص الذي ورّثها الذكاء الحاد والقدرة على الإبداع. كنت أنتظر منها إجابة لاذعة وساخرة إلا أني تفاجأت بدموعها التي انسالت بشكل غير منتظر وهي تجيبني: ورثت صفاتي الإيجابية من خالي كمال. وحين تأكدت بأنها لا تمازحني رجوتها أن تحكي لي قليلاً عنه. وكان كمال سيد سهرتنا ذلك المساء وأخذت تحكي لي عن خالها:
كان بيت جدي أبو كمال من أكثر بيوت قرية جسر اللوز فقراً. كان جدي يعمل في حفر الآبار وتكسير الحجارة. خالي الأصغر من كمال كان عاطلاً عن العمل وخالتي كانت تعمل في الريجي براتب ضعيف جداً. كان البيت عبارة عن غرفة واحدة متواضعة، وسطها موقد الحطب، جدرانها مبنية من الحجارة والطين الممزوج بالتبن وروث الأبقار، مما يجعلها تتشقق موسمياً. في كل عام يقوم جدي وجدتي بطلاء الحيطان الداخلية للبيت بالحوّار الأبيض وتطيّين ما تقشر من الجدران الخارجية.
للغرفة باب عريض من الخشب المقوّى بصفائح التنك لتغطية بعض الثقوب والشروخ المتواجدة فيه. على عدة رفوف خشبية حاجيات الطبخ من طناجر وصحون وملاعق ومقلاة كبيرة وعلى رفوف أخرى مجاورة صفت الملابس الداخلية والخارجية. كانت أرض الغرفة مجهزة لتكون واقية من الحر والقر. أما السقف فكان مصنوعاً من المدود المستندة على عمود رئيسي يسمونه الطنب أو الخنزيرة، والذي بدوره يرتكز على عمود خشبي يتوسط الغرفة يسمونه الساموك، فوق هذه المدود طبقة من القصب الجاف والطيون والبلّان وفوق هذه ثمة طبقة ترابية ممزوجة مع التبن والروث ومرصوصة بحجر إسطواني الشكل يسمونه المعرجلينة حتى تتماسك جيداً منعاً لتسرب الماء. وبعد كل هطول للمطر كان جدي يصعد إلى السطح ليعرجله فتنغلق التشققات. على الساموك عُلقت مرآة صغيرة مكسورة في إحدى زواياها وفوقها مشط من البلاستيك الأسود وتحتها كرسي وحيد من القش.
كان كمال ـ حسب حكايات وشهادات الكثير من أهل القرية ـ نقياً ومتميزاً جداً بتفوقه الدراسي ونباهته وذكائه. حصل على منحة دراسية في أهم ثانوية في المدينة. كان يكتب على السبورة باليدين معاً. وفي أوقات فراغه راح يعطي دروساً مجانية بمادتي الرياضيات والفيزياء للعديد من طلاب القرية. لم يبخل بعلمه ومعرفته على أحد قط. بالإضافة إلى ذلك كان كمال من أهم الشيوعيين في قريتنا. بعد نيله الشهادة الثانوية بتفوقٍ حصل على منحة للدراسة في موسكو. حدث هذا قبل قيام الوحدة السورية المصرية. غادر إلى بلاد السوفييت... هناك في موسكو تم اغتياله. حدث هذا مع نهاية الوحدة السورية المصرية.
الرواية الرسمية المخابراتية ادَّعت أنه فشل بالدراسة ومات انتحاراً بعد أن رمى بنفسه من غرفة في الطابق الثامن عشر من إحدى البنايات الطلابية. أما الرواية الحقيقية فتقول بأن الأجهزة المخابراتية الناصرية كلّفت عدداً من الطلاب بتصفية الشاب كمال عن طريق رميه من طابق عالٍ في المدينة الجامعية بموسكو!
وعاد خالي كمال إلى الوطن بتابوت من الزان والزجاج ملفوفاً بالعلم. عندما وصل كان في استقباله المئات من أهالي قريته والقرى المجاورة. لم يسمح لأصدقائه ولا لعائلته بفتح النعش، لكنهم تعرفوا على وجهه من خلال قطعة الزجاج التي تغطيه.
قبل عودته الأخيرة في التابوت كان قد زار قريته في إجازة صيفية. وعلى الرغم من الخوف المستشري بين الناس بخصوص الشيوعيين وأفكارهم، فإن بيته لم يخلو من الناس والأصدقاء. ولأن كمال كان يتوقع ذلك فقد جلب معه عشرات الهدايا الرمزية التي تفرح القلوب.
ثم أنهت إيمان حديثها بأن قالت: للأسف لم يبق شيء من أثره سوى ذكريات مشوشة غائمة، لا كتب ولا مؤلفات ولا صور ولا ثياب ولا رسائل ولا أولاد ... حتى البيت الطيني الفقير الذي احتضنه انمحى من الوجود!
يتبع



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جسر اللَّوْز 24
- جسر اللَّوْز 23
- جسر اللَّوْز 22
- جسر اللَّوْز 21
- جسر اللَّوْز 20
- جسر اللَّوْز 19
- جسر اللَّوْز 18
- جسر اللَّوْز 17
- جسر اللَّوْز 16
- جسر اللَّوْز 15
- جسر اللَّوْز 14
- جسر اللَّوْز 13
- جسر اللَّوْز 12
- جسر اللَّوْز 11
- جسر اللَّوْز 10
- جسر اللَّوْز 9
- جسر اللَّوْز 8
- جسر اللَّوْز 7
- جسر اللَّوْز 6
- جسر اللَّوْز 5


المزيد.....




- الحرب على غزة تلقي بظلالها على انطلاق مسابقة يوروفجين للأغني ...
- أخلاقيات ثقافية وآفاق زمنية.. تباين تصورات الغد بين معمار ال ...
- المدارس العتيقة في المغرب.. منارات علمية تنهل من عبق التاريخ ...
- تردد قناة بطوط كيدز الجديد 2024 على نايل سات أفلام وأغاني لل ...
- مصر.. نسرين طافش تصالح بـ-4 ملايين جنيه-
- الفنان عبد الجليل الرازم يسكن القدس وتسكنه
- أسعدى وضحكي أطفالك على القط والفار..تردد قناة توم وجيري 2024 ...
- منصة إلكترونية أردنية لدحض الرواية الإسرائيلية في الغرب.. تع ...
- “نزلها الان” تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 2024 لمشاه ...
- مشاهير الموضة والموسيقى والسينما.. في مهرجان ميت غالا حمل عن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - جسر اللَّوْز 25