أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الغني سلامه - مسيحيو الشرق.. مرة ثانية













المزيد.....

مسيحيو الشرق.. مرة ثانية


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 7100 - 2021 / 12 / 8 - 17:13
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عشية عيد الميلاد في 2017، نشرت في «الأيام» مقالا بعنوان «يا مسيحيي الشرق، شكرا لكم»، ويبدو أن المقال حظي باهتمام وانتشار لا بأس به، وما زالت مواقع عديدة تعيد نشره، وقد تلقيتُ مكالمات هاتفية من بلدان مختلفة تشكرني على المقال، ومنهم من عاتبني على تجاهل أسماء لشخصيات مسيحية مرموقة تركت أثرا مهما في مجالات إنسانية متعددة.. ومنهم من لامني بشكل خاص على إغفال مسيحيي العراق. من جهتي، لم أتعمد إغفال أي اسم، وقد كتبتُ ما جادت به الذاكرة، وما أسعفتني به محركات البحث، مع الشعور بالحرج للسؤال عن بعض الشخصيات التي التبست عليّ، حيث إن الانتماء الديني أو الطائفي مسألة حساسة وشديدة الخصوصية. لكن موضوع مسيحيي العراق بالفعل يستحق تسليط الضوء عليه مرة بعد مرة، نظرا لحجم المعاناة والظلم الذي تعرضوا له.

في واقع الأمر، لم يخلُ أي عهد عراقي من الوجود والتأثير المسيحي، في المجتمع والدولة والإرث الحضاري؛ ومسيحيو العراق بوصفهم مواطنين أولا، كانوا وسيظلون من أهم المكونات العراقية، فهم من نبت الأرض العراقية، ومن نتاجها، ولم يكونوا زوارا ولا خُطّارا، ولا مجرد أقلية تعيش على هامش المجتمع.. هم وُجدوا وعاشوا في العراق، قبل أي مكوّن عراقي آخر، حتى قبل المسيحية نفسها، وطالما ارتبط تاريخ العراق القديم بالحضارات الأشورية والكلدانية، والتي هي من بين أقدم حضارات العالم.. وما الكلدان والأشوريون المسيحيون، اليوم، إلا امتداد لهذا التواصل التاريخي.

حين ظهرت المسيحية في فلسطين نظر إليها مجمع «السنهندرين» بوصفها هرطقة يهودية.. وبعد أن شقت لنفسها دربا مميزا، باعتبارها دينا سماويا جديدا، بشَّـر به يسوع الناصري، سرعان ما انتشر المسيحيون الأوائل في ربوع بلاد الشام وما بين النهرين، وهكذا ظهرت المسيحية في العراق في القرن الأول الميلادي. في العصور المسيحية المبكرة ظهر الأبيونيون، والأريسيون، وبعد مجمع «نيقية»، و»أفسس»، و»خلقدونيا»، ظهر اليعاقبة، والنساطرة الذين اعتبرتهم الكنيسة الرسمية مهرطقين، وأخذت تضطهدهم، فوجدوا في العراق ملاذا آمنا.. فبنوا فيها كنائسهم ومراكزهم الأسقفية.

ولما أتى «الفتح» العربي الإسلامي رحبت الكنائس العراقية بالفاتحين الجدد، واستبشرت خيرا بتخلصها من مضايقات بيزنطة، وتدخلها في شؤون الكنائس العربية، ومحاولاتها تغريب مسيحيي الشرق.

وفي الواقع، فإن مسيحيي الشرق ساهموا ومنذ البداية في بناء الحضارة العربية الإسلامية، ولنتذكر أنَّ النجاشي أول من حمى المسلمين الأوائل من بطش قريش، وبعد ذلك لعبوا أدوارا إيجابية ومهمة في العصور الأموية والعباسية وما تلاهما، وفي إثراء الثقافة العربية بكل أشكالها وتجلياتها؛ في العلوم والآداب والفلسفة والترجمة.. خاصة من اليونانية والسريانية والفارسية، وعرف منهم «شمعون الراهب»، و»جورجيوس أسقف حوران»، و»سعيد بن البطريق» و»قسطا بن لوقا»، و»يوحنا بن البطريق»، و»إسحق الدمشقي»، و»يحيى بن يونس»، و»الحجاج بن مطر»، و»عيسى بن يحيى»، و»عبد المسيح الكندي»، و»جبريل بن بختيشوع»، الذي بقيت أسرته مسؤولة عن الطب في الدولة العباسية على مدار ثلاثة قرون، و»يوحنا بن ماسويه»، الذي عينه الخليفة المأمون رئيسا لبيت الحكمة، وقد ترجم وألّف خمسين كتابا، و»حنين بن اسحق» كان أيضا رئيسا لبيت الحكمة، ومن بعده «حبيش بن الأعسم».

وحديثا: هم أول من طبع القرآن وقدموه هدية للمسلمين، وهم من نفخ الروح في اللغة العربية بعد أن ضعفت بسبب سياسة التتريك العثمانية، وهم أول من جلب المطبعة للمنطقة سنة 1733، وأول من صمم دائرة معارف عربية وكانت من تأليف بطرس البستاني، ومن أعد أول قاموس عصري للغة العربية «المعجم المحيط».

وفي العراق، برزت منهم شخصيات مرموقة، مثل طارق عزيز وزير الخارجية الأسبق، ومنير بشير الموسيقار الكبير وأشهر عازفي العود في العالم، ودوني جورج عالم الآثار الآشوري، وعمو بابا مدرب المنتخب العراقي الشهير، وهرمز رسام عالم المخطوطات الكبير مكتشف ملحمة جلكامش، وأنطوان شماس، وهو قانوني ومن واضعي القانون المدني، والأديبة إنعام كجة جي، والمطربة عفيفة إسكندر، والمناضل يوسف سلمان يوسف الملقب بـ»فهد»، من مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، وأول سياسي يُعدم في العراق الحديث (1949).

اليوم، يتوزع مسيحيو العراق على 14 طائفة، أكبرها عددا «الكلدان»، وكنيستهم تنتمي للمذهب الشرقي للكاثوليكية، يتحدثون (إلى جانب العربية لغتهم الأم) بلهجة مشتقة من الآرامية، ثم «السريان»، ومنهم كاثوليك وأرثوذكس، ويتحدثون الآرامية القديمة، ثم الأشوريون، ويعود وجودهم لأيام المملكتين الآشورية والبابلية، وقد تعرضوا لمذبحة كبيرة العام 1932، ثم الأرمن، الذين فروا إلى العراق بعد الحرب العالمية الأولى.

يتركز الوجود المسيحي في بغداد وكركوك وأربيل والموصل ودهوك مع وجود أعداد أقل في مناطق أخرى من العراق، وقد تضاءلت أعدادهم بشكل مرعب من حوالي 1.5 مليون سنة 2003، إلى ربع مليون فقط الآن. وكما قال المطران بشار متى وردة: «المسيحيون العراقيون على وشك الانقراض بعد قرون من الاضطهاد». مشيراً إلى التهديد الحالي الذي يمثله الجهاديون المتطرفون، ومذكراً بأن «داعش» حين احتلت الموصل العام 2014 أجبرت أكثر من 125 ألف مسيحي على مغادرة أرض أجدادهم التاريخية، دون أن تسمح لهم بأخذ شيء من متاعهم أو من أموالهم، وقد صادرت كل ممتلكاتهم.

وخلال هيمنة «داعش» على أجزاء واسعة من العراق، شهدت البلاد أعلى ذروة من العنصرية الطائفية، ومن عمليات التمييز والقهر والتي عبرت عنها عمليات التفجير العشوائية ضد المدنيين، وأعمال القتل والاغتصاب والخطف والتهجير القسري، وسرقة وتدمير المواقع الدينية، والإجبار على تغيير الديانة، وطلب الأتاوة، والاستيلاء على الممتلكات، واستهداف كل من هم خارج الطائفة.. كان مسيحيو العراق (والأيزيديون والصابئة) من أكثر الفئات التي تعرضت لكل هذه المظالم والأعمال الإرهابية.

شكلياً، يحفظ الدستور العراقي حقوقا متساوية لجميع المواطنين، بصرف النظر عن أديانهم وقومياتهم، ويضمن خمسة مقاعد برلمانية لمسيحيي العراق.. لكن واقع الحال يقول إن من بقي من السكان المسيحيين (شأنهم شأن بقية العراقيين) يعيشون بين نارين؛ تردي أحوالهم المعيشية وتردي الخدمات.. والمضايقات الدينية والتمييز الطائفي، ومن الواضح أن هناك مخططات لدى الميليشيات والأحزاب الدينية لإعادة هندسة التجمعات السكنية على أسس طائفية، وإفراغ العديد من المناطق من سكانها الأصليين.

في آذار 2021، زار بابا الفاتيكان العراق في رحلة تاريخية استمرت أربعة أيام، وتحدث عن التعايش بين الأديان، وصلى من أجل السلام في هذا البلد المبتلى بالطائفية والفساد والحروب.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأمن الغذائي، ومشكلة الجوع
- خلل في سلاسل الإمداد والتوريد
- حين نبيع صروحنا العلمية - كلية الزراعة أبو غريب
- الفلسطينيون في إسرائيل.. دراسة بحثية
- زوجات المشاهير
- ملحمة كلكامش
- الإنسان الإلـه
- مدرسة روابي، وفتاة الفستان، وفيديو غزة
- إشكالية المنتصر والمهزوم في أفغانستان
- بداية غير موفقة للقرن الحادي والعشرين
- هجاء الشعراء، وتنافس العلماء
- خفايا مرعبة من تاريخ منسي
- عبد اللطيف عربيات، ونظرية المؤامرة
- عن اقتتال الصحابة
- الإذعان الديني
- عبقرية الفشل العربي
- مسؤولية الإنسان عن تصرفاته
- حدائق الحيوانات البشرية
- محاولات توحيد البشرية
- تاريخ الحروب المقدسة


المزيد.....




- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبد الغني سلامه - مسيحيو الشرق.. مرة ثانية