أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - مسؤولية الإنسان عن تصرفاته















المزيد.....

مسؤولية الإنسان عن تصرفاته


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6882 - 2021 / 4 / 28 - 10:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


عاش الإنسان نحو مائتي ألف سنة من تاريخه الطويل، معتمدا على الصيد وجمع الثمار.. وقبل نحو 12 ألف عام أطلق الثورة الزراعية، بعدها بنحو خمسة آلاف سنة بدأ يبني المداميك الأساسية للحضارات.. ومنذ الألف الثانية قبل الميلاد أخذ يهتدي للديانات السماوية.. وفي القرون الخمسة الأخيرة بدأ بعصر النهضة، ثم أطلق الثورة الصناعية، فالثورة المعلوماتية..

تلك أهم الحقب المفصلية في تاريخ الإنسان، وقد أحدثت كل حقبة نقطة تحول كبرى في حياته، ومن جميع النواحي.. ما يهمنا هنا تلك التحولات المتعلقة بتكوينه النفسي والفيسيولوجي، والعلاقة بينهما، وأثر ذلك على تصرفاته وشخصيته.

وطالما أن مرحلة الصيد وجمع الثمار هي الأطول مقارنة ببقية المراحل، فمن المتوقع أن يكون لها أثرا كبيرا ومهما.. فقد تركت فينا أبرز صفاتنا السيكولوجية، وطبّعت سلوكياتنا وطرائق تفكيرنا إلى حد كبير، ومن مخلفات تلك الحقبة ما اكتسبناه من ممارسات يومية مثل الخوف، ردات الفعل الغريزية، الميل للعنف، صراع البقاء..

لكن الأثر الأكبر والأهم يعود إلى ملايين السنين التي سبقت ظهور نوعنا العاقل، أثناء مسيرة تطوره البطيئة، حيث طبعت الجزء الأطول في سلسلة الجينوم البشري، وورثت القدر الأكبر من جيناتنا، المسؤولة عن تصرفاتنا وطبيعة أجسامنا. وللتوضيح؛ عادة النوم مثلا، اكتسبناها منذ أن بدأت أولى الكائنات التي غادرت البحر تتكيف مع ظروف اليابسة الصعبة، وتقلبات المناخ الحادة، وشح الموارد، فكان النوم الحل الأمثل لتوفير الطاقة، وإسكات فعاليات الجسم وعملياته الأيضية أطول فترة ممكنة.. تماما كما تواصل الدببة فعل نفس الشيء من خلال السبات الشتوي.

في مرحلة الصيد كان الرجال من يتولون مهمة ملاحقة الطرائد، وهي مسألة تحتاج تركيزا أحاديا، وتقتضي ممارسة العنف، وتتطلب الصمت.. بينما كانت النساء يتولين مهمة قطف الثمار، وإعداد الطعام، ورعاية الأطفال، وهي مهمات متعددة، لا تحتاج عنف، ولا تقتضي الصمت..
اليوم، نلاحظ أن الرجال (وخلافا للنساء) يميلون للعنف أكثر، يتحدثون أقل، ولا يستطيعون توزيع تركيزهم على أكثر من مهمة واحدة في الوقت نفسه.

وفي مرحلة الزراعة بدأ الإنسان بتنظيم الجنس، وتكوين العائلة، والمجتمعات، وتنظيم العلاقات، وتقنين العنف، وتأسيس أول عقد اجتماعي أخلاقي، ما زال يطوره إلى اليوم..

إضافة إلى تأثير الجينات، سنجد تأثير بنية الدماغ، حيث كل قطاع فيه مسؤول عن جانب معين من وظائف الجسم؛ المنظومة الحوفية (وهي الأقدم في تاريخ تطور الدماغ) مسؤولة عن السلوك الغرائزي، وردات الفعل، واتخاذ القرارات الغريزية البدائية (القتل مثلا)، بينما قشرة الدماغ الأمامية مسؤولة عن التفكير الواعي والتصرفات والتفاعلات الاجتماعية، والسلوك المدرك المنضبط (الحوار مثلا)، وكلما كانت القشرة الدماغية أنشط وأنضج يكون سلوك الفرد أكثر تهذيبا وتحضرا.. وكلما كانت المنظومة الحوفية أكبر تصرف الفرد بصورة بدائية، لأنَّ تلك البنية الدماغية فطرية، ما يعني أن بعض المجرمين صاروا مجرمين لأن المنظومة الحوفية في أدمغتهم غلبت القشرة الدماغية، والأشخاص الهادئين والحكماء والمبدعين صاروا كذلك لأن قشرتهم الدماغية متطورة أكثر.

نأتي إلى تأثير الهرمونات، وهي الأكثر وضوحا، حيث تؤثر على أغلب مناحي حياتنا، وعلى أمزجتنا، وكيفية اتخاذنا للقرارات، بما في ذلك أهمها على الإطلاق: الحب والزواج؛ وحسب من يعتبرون الإنسان مكونا من أعصاب وهرمونات وتفاعلات بيوكيمائية.. فإن الحب هو تفاعل هرموني، ينشأ ويجري في العقل بفعل هرمون الدوبامين، الذي يمنح شعورا بالانجذاب والراحة للطرف الآخر.. وحين يضعف هذا الهرمون، يضعف معه الحب.. والمشكلة أن لهذا الهرمون عمرا محددا، ما يعني أن للحب فترة صلاحية، مدتها بحدود السنة للرجل، وسنوات أطول بكثير عند المرأة..

وحسب هؤلاء أيضا، فإن عقولنا وعواطفنا وأمزجتنا محكومة بآليات كيميائية حيوية تطورت عبر ملايين السنين، وبالتالي فإن السعادة يحددها نظام معقد من هرمونات السيروتونين، والدوبامين والأوكسيتوسين، وما إحساس الفرد بالسعادة وردة فعله تجاه أي حدث يدعو للغبطة، أو سماعه خبرا مفرحا، أو التقائه بالحبيب.. إلا ردات فعل الهرمونات التي تجري في دمه، ونتيجة دفقات من الإشارات الكهربائية التي تومض وتخفت في دماغه. وهذا النظام مبرمج ليحافظ على مستوى ثابت من السعادة بحيث لا تزيد ولا تنقص، ولكل شخص نصيبه من مقياس السعادة، فإذا افترضنا جدلا أن هذا المقياس من واحد إلى عشرة، فإن أغلب الناس سيكونون ضمن معدل من ستة إلى ثمانية، وإذا ما انخفض المؤشر أو ارتفع فإن الهرمونات تعيده إلى المعدل الطبيعي، وهناك أشخاص بطبيعتهم يحظون بمؤشر منخفض، وهؤلاء من الصعب جدا أن يسعدهم شيء، وآخرون يحظون بمؤشر مرتفع، وهؤلاء دوما راضين ومكتفين ومبتهجين حتى في الظروف الصعبة.

هل المسألة تتوقف عند الجينات والهرمونات وخلايا الدماغ، وحظ كل فرد ونصيبه منها، ونسبتها في جسمه؟ الجواب لا، فهنالك فاعل آخر لا يخطر ببالك.. الباكتيريا والفيروسات..

يحمل جسم الإنسان (السليم والنظيف والمعقم) نحو ألفي نوع من الباكتيريا والفطريات والفيروسات، والتي يبلغ عددها نحو مائة ترليون خلية! وتلك الكائنات الدقيقة تسكن في مختلف أنحاء الجسم، بما فيه الدماغ، وهي بالعموم مفيدة، وتؤدي أدوارا حيوية للجسم، بعضها تساعد في إفراز فيتامينات أو أنزيمات، وبعضها تدخل في الجهاز العصبي، أو تساهم في تصنيع هرمونات الدوبامين والسيروتونين وغيرها، وبالتالي فهي تؤثر على الحالة النفسية مثل القلق والتوتر والمزاج والنشاط والصحة والابتهاج.. المشكلة أن مقدار ونوعية وأثر تلك الكائنات الدقيقة يختلف من إنسان إلى آخر.

ما يعني أن الجينات والدماغ والهرمونات والميكروأورغانيزم هي من تقود الإنسان وتوجهه، وهي المسؤولة عن تكوينه النفسي، وعن تصرفاته، وصفاته، وطبيعة شخصيته.. فهل هذا يتنافى مع ادعاءات حرية الفرد وإرادته المطلقة؟ وما هو تأثير العوامل الخارجية: البيئة، الموروث الثقافي، الدين، القوانين، الأعراف، التنشئة الأسرية، التدريب؟!

هل الإنسان مجرد دارات عصبية وتفاعلات بيوكيماوية وشبكة معقدة من الهرمونات والخلايا العصبية؟ أم هو نفس وروح وعواطف ومشاعر وأحاسيس مجردة ووعي وضمير؟ وهذه كلها أشياء غير محسوسة.. من الأكثر تأثيرا؟ هذا الموضوع ما زال موضع نقاش ساخن بين الفلاسفة والعلماء..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدائق الحيوانات البشرية
- محاولات توحيد البشرية
- تاريخ الحروب المقدسة
- الغوغاء الذين قاتلتُ من أجلهم
- نوال السعداوي وداعا
- الدور الوظيفي للإخوان المسلمين
- أسوأ سنة في التاريخ
- الميثولوجيا الدينية
- أهم اختراع في التاريخ
- صعود وأفول الحضارة العربية الإسلامية
- أن تُولد قبيحا
- الدولة الإسلامية والدولة الدينية
- بين هيروشيما وبيروت
- تكنيس التاريخ من بعض القمامة
- مصر التي نحبها
- هل المعتزلة تيار عقلاني؟
- جرائم ضد الإنسانية
- سأتخلص من كل من لا يشبهني
- منشأ العنف والتطرف؟
- البشير والإخوان المسلمين


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد الغني سلامه - مسؤولية الإنسان عن تصرفاته