أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد الغني سلامه - نوال السعداوي وداعا















المزيد.....

نوال السعداوي وداعا


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6849 - 2021 / 3 / 23 - 11:02
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


خلافا لما كنت أتوقع، لم تظهر على صفحتي على فيسبوك عشرات المنشورات الشامتة بوفاة نوال السعداوي.. بل امتلأت بالمنشورات التي تشيد بالراحلة وتعدد مناقبها، ويبدو أني أُحسن اختيار الأصدقاء الافتراضيين.. ومع ذلك، تابعتُ في صفحات أخرى عشرات المنشورات، ومئات التعليقات من شتائم وقدح وذم، وبأبشع التوصيفات..

وهذه ليست المرة الأولى، فقد سبق لكارهي "نوال" أن نعوها وتمنوا موتها عشرات المرات، وفي كل مرة كانت تفيض مجاري الفيسبوك بالتعليقات الشامتة..

لماذا كل هذه الضجة، حول كاتبة ومفكرة اسمها نوال السعداوي؟ استقطاب حاد لا مثيل له حول فكرها ونتاجها؛ من يصفها بالتنويرية والثائرة والشجاعة، والمدافعة عن حقوق النساء.. ومن يصفها بالمرتدة والكافرة والفاجرة وحمالة الحطب..

مثل كثيرين مثلي، ممن قرؤوا كتب نوال، فقد تركت أثرا ما في مسار نضوجي الفكري والإنساني.. ومن مطالعتي لبعض كتبها ومقالاتها، وبعض لقاءاتها التلفزيونية وجدت فيها إمرأة استثنائية، فهي طبيعية جداً في شكلها، ولها وجهة نظر خاصة بشأن مستحضرات التجميل والعناية بأناقتها.. وتفضل الظهور بخلقتها الطبيعية دون إضافات ولا مكياج، وهذا يظهر أيضا في فكرها وتصريحاتها، فتقول ما تؤمن به دون الأخذ بمعايير المجتمع السائدة.

وبالطبع، لا أتفق بالضرورة مع كل ما قالت، وما كتبت، شأنها في ذلك شأن أي مفكر، له أن يقول ما يراه صحيحا، ونحن بدورنا نقتنع بما هو مقنع، ونترك ما هو غير مقنع.. نتفق ونختلف ولكن باحترام..

كتب الصديق رياض هودلي: "أصابت نوال وأخطأ الفقهاء، حيث حاربت طيلة حياتها "ختان البنات"، في الوقت الذي أيّده الأزهر. وفي مواجهة حملتها ضد الختان، أصدر شيخ الازهر "جاد الحق" فتواه الشهيرة عام 1981 بأن "ختان البنات سُنّة ومكرمة للبنت وصونا للعفّة". كما يجدر الذكر أنه لا الإخوان المسلمين ولا أي تيار إسلاموي استنكر ممارسة الختان، إلى أن قرّر الأزهر ودار الإفتاء المصرية أخيرا اعتبار ختان البنات "محرم شرعا، وعادة ضارة، وغير إسلامية، ويتوجب عقاب من يمارسها".

فهل احتاجت المؤسسة الدينية وفقهاؤها إلى طبيبة ومتخصصة صحة نفسية ومناضلة نسوية عنيدة وشجاعة كالدكتورة نوال لتفتح أعينهم؟ ولو لم تفعل نوال في حياتها شيئا سوى هذا الإنجاز لكفاها مجدا"..

منذ زمن بعيد، والمؤسسة الدينية الفقهية (لدى مختلف الأديان) يحكمها ويديرها الرجال، وبعقلية ذكورية محضة.. قديما حرمت التقاليد المجتمعية (تأثرا بأقوال بعض الفقهاء) أن تُعرض المرأة إذا مرضت على طبيب، وكان وقتها جميع الأطباء رجالا، لذلك كانت المرأة إن مرضت إما أن تشفى من تلقاء نفسها، أو تواجه مصيرها المحتوم، إلى أن سمح الفقهاء لها بالتداوي.. كما كان محرما على المرأة الخروج للعمل، إلى أن سمح لها الفقهاء بذلك، وحُرمت عليها المشاركة في الحياة السياسية، حتى لو بالتصويت في أي انتخابات، ثم أجاز لها الفقهاء ذلك، بل تحول صوتها من عورة إلى فريضة لدعم الحزب الإسلامي ضد الكفرة والعلمانيين! كما حرم فقهاء الوهابية على المرأة قيادة السيارة، إلى أن سمحوا لها بذلك في العام 2019.

هذا التطور في فكر وفتاوى الفقهاء كان يحتاج صوتا معترضا وواعيا لحمايته من الانزلاق أو التطرف.. مثال ذلك فتاوى تحريم المطبعة، و"الحنفية"، والشطرنج، وشرب القهوة، وسماع الراديو، ومشاهدة التلفزيون، والأغاني، والتمثيل، والتصوير، وتربية الكلب.. هذه الفتاوى التحريمية أصدرها فقهاء، ثم عدل عليها وأجازها فقهاء أكثر علما ونضوجا.. وهذا التطور لم يكن ليحدث لولا تصدي مفكرين متنورين، ومحاججتهم بالعقل والمنطق.

لكن تلك الأصوات المعارضة كانت دوما تُحارَب بشدة، من قبل المجتمع والفقهاء، ويتم توصيف أصحابها بالزنادقة والملاحدة وأعداء الإسلام.. وهؤلاء دفعوا أثمانا غالية لقاء مواقفهم، التي كانت سابقة لعصرهم.. ومنهم من دفع حياته.. لكنهم في النهاية خلصونا من الكثير من الخرافات، والفتاوى غير الصحيحة، والاعتقادات الشعبية السلبية التي كانت تُغلف بالدين، ومع ذلك ما زال الطريق طويلا وشاقا..

من يظن أني أتجنى على الفقهاء، فلينظر إلى العشرات منهم ممن يملؤون مواقع التواصل الاجتماعي، ويحتلون شاشات الفضائيات الدينية، ولينظر إلى فتاواهم الغريبة والعجيبة، والتي ينكرها فقهاء الإسلام المتنورين والعقلانيين.

نوال السعداوي لم تحارب الدين، ولم تتخذ أي موقف عدائي تجاه الإسلام، فهي تصف نفسها بالمؤمنة، التي نشأت في بيت متدين، لكنها كانت ترفض الاعتقادات والممارسات الشعبية المسلطة ضد المرأة، التي تضطهدها، وتسلبها إنسانيتها، حتى لو كانت مغلفة بإطار ديني، ومدعومة من فتاوى فقهاء.. باختصار كانت تحارب العقلية الذكورية الأنانية، وتحارب التخلف والجهل، وبما أن الذين تصدوا لها، وحاربوها وشوهوا سمعتها كان أكثرهم من رجال الدين، فقد وقفت قبالتهم بشجاعة.. فما كان منهم إلا أن نصبوا أنفسهم حماة للدين وممثلين حصريين له. ومن هنا ظهرت الصورة الخادعة بأنها تعادي الدين والإسلام.

كما حاربت نوال القمع، والتسلط، والاستغلال، والنظم الاستبدادية، وسياسات الدولة.. هذا جلي في كتبها.. لذا اعتقلتها السلطات أكثر من مرة، وحاربتها بكل ما لدى السلطة من أذرع ووسائل قمعية وإعلامية..

حاربت قتل النساء، تحت أي مسمى، وخاصة ما يدعى بقضايا الشرف، وأكدت أن الشرف هو الأمانة، وتحمل المسؤولية، والفكر المستنير، والصدق، والتسامح والأخلاق.. وليس ممتلكات الرجل من النساء.. وحاربت نظرة الاحتقار للمرأة، وأكدت إنها إنسانة كاملة الأهلية، ومكتملة العقل والكرامة والوجدان.

بعد رحيلها مباشرة، خرجت تلك الأصوات الشامتة، التي لم تستطع مواجهتها بالعقل والقلم والحجة والبرهان، فواجهتها بالشتائم وصب اللعنات، والتوصيفات غير الأخلاقية، مثل وصفها بالعجوز الشمطاء! هل من العيب أن يصل الإنسان إلى سن العجز والشيخوخة؟ ومن يشبهها بالقرد، وتلك قمة البذاءة، فأي تشبيه للوجه أو التركيز على الخِلقة هو تعدى على الله، قبل أن تكون ممارسة تفتقر للإنسانية والذوق.. وبالطبع الأغلبية الساحقة ممن يهاجمونها لم يقرؤوا لها كتابا ولا مقالا، ربما شاهدوا مقاطع مسجلة مجتزأة، أو اطلعوا على فقرات مقتبسة منزوعة عن سياقها، لكن المؤكد أن أكثرهم ببغاءات بلا عقل.

نوال الآن بين يدي خالقها.. وما بين أيدينا كتبها وتراثها؛ التي ستظل موضع جدال ونقاش..

لترقد روحها بسلام وطمأنينة..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدور الوظيفي للإخوان المسلمين
- أسوأ سنة في التاريخ
- الميثولوجيا الدينية
- أهم اختراع في التاريخ
- صعود وأفول الحضارة العربية الإسلامية
- أن تُولد قبيحا
- الدولة الإسلامية والدولة الدينية
- بين هيروشيما وبيروت
- تكنيس التاريخ من بعض القمامة
- مصر التي نحبها
- هل المعتزلة تيار عقلاني؟
- جرائم ضد الإنسانية
- سأتخلص من كل من لا يشبهني
- منشأ العنف والتطرف؟
- البشير والإخوان المسلمين
- الدولة المقدسة
- مشروع نهر الكونغو
- العقل السياسي العربي
- ما بعد الصهيونية
- فلسطين الكنعانية


المزيد.....




- وفاة الأمير النائم بعد 20 عاما في الغيبوبة.. مآسي الشباب الر ...
- المرأة بين وعي الواقع ولاوعي السلطة الذكورية
- باكستان: مشروع قانون لإلغاء الإعدام بجرائم الخطف وتعرية النس ...
- ألمانيا تلقي القبض على ليبي متهم باغتصاب وتعذيب معتقلات في س ...
- رصدتهما الكاميرا متعانقين.. امرأة تغطي وجهها والرجل يختبئ في ...
- كاميرا في حفل كولد بلاي تضع رجلا وامرأة في ورطة
- حصان يتسبب بمقتل امرأة اثناء عملها
- رئيس تجمع العشائر يتحدث عن مجازر وقطع رؤوس واغتصاب بالسويداء ...
- حيوية في التسعينيات من العمر.. ما سرّ تمتع هذه المرأة بالنشا ...
- رسم -شعر عانة- لامرأة عارية وتوقيع ترامب برسالة عيد ميلاد جي ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عبد الغني سلامه - نوال السعداوي وداعا