أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - النوم في حقل الجماجم















المزيد.....

النوم في حقل الجماجم


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 7100 - 2021 / 12 / 8 - 05:37
المحور: الادب والفن
    


قراءة في رواية النوم في حقل الكرز*
في نص يغلب عليه طابع السخرية السوداء يأخذنا بطل رواية "النوم في حقل الكرز" للكاتب أزهر جرجيس في رحلة تتخللها ذكريات وكوابيس وأوهام وتجارب مهاجر عراقي في بلاد الثلج/النرويج. في هذه الرواية، التي رشحت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية في دورة عام ٢٠٢٠، هناك تداخل مدروس بين الواقع والخيال، ولا يفهم هذا التداخل إلا وفق مفاتيح معينة يبثها الراوي هنا وهناك. المفتاح الأهم هو تعاطي سعيد ينسين /الشخصية المحورية عقار طبي. لكن من التأثيرات الجانبية لهذا العلاج هي ارتفاع نسبة التوهم والهلوسة عند من يتعاطاه. وهذا العقار يكون السبب في حدوث فاجعة لم يكن يتوقعها القارئ في نهاية الرواية.
تبدأ الرواية بتوطئة سريعة على لسان الراوي الأول/المترجم ثم يختفي. تكون مهمته هي تقديم نص الرواية الذي يترجمه من النرويجية الى العربية والذي سيقرأه القارئ فيما بعد.
نعرف من هذه التوطأة أن خطأ قد وقع فيه ساعي البريد قاده لأن يتعرف على مديرة تحرير جريدة نرويجية تحتفظ برواية مكتوبة باللغة النرويجية لكاتب عراقي لاجيء. لذا تطلب من المترجم أن يترجمها للعربية. فهي تؤكد على: "أن حكاية سعيد ينسين هذه، ينبغي أن يقرأها أبناء لغته قبل غيرهم، لأن فيها مافيها." الرواية ص9. ثم يعود المترجم للظهور مرة ثانية في نهاية الرواية في خاتمة سريعة جداً تخبرنا عن ما حدث لكاتب الرواية بعد الانتهاء من الكتابة: "عُثر فوق منضدة الكتابة على رواية مخطوطة، كان سعيد ينسين قد فرغ منها .." الرواية ص221.
بعد توطئة المترجم تبدأ أحداث الحكاية التي يسردها علينا بصيغة الأنا سعيد/الراوي الثاني/الشخصية المحورية. وهنا يتبادر إلى ذهن القارئ سؤال: لماذا لم تكن هناك محاولة من قبل المترجم للاتصال بمؤلف الرواية في السنين السابقة للترجمة؟ خصوصاً وهو، المترجم، يقول في التوطئة إنه يعرف سعد ينسين جيداً وكان قد قام بترجمة العديد من قصصه. مبررات هذا التساؤل مشروعة كون المترجم/الراوي الأول وبطل الرواية/الراوي الثاني ينحدران من نفس البلد ولهما اهتمامات أدبية مشتركة ويعيشان في ذات المدينة في زمن واحد:
- تاريخ كتابة الرواية على يدي الراوي الثاني هو الثامن من تموز عام 2005 في أوسلو
- المترجم ترجم الرواية خلال عامين ليتمها عام 2010 في أوسلو
حسب كتاب "الفضاءات القادمة، الطريق إلى بعد ما بعد الحداثة" للباحثين معن الطائي وأماني أبو رحمة أن من بين تقانات السرد ما بعد الحداثي هي: "السخرية واللعب والتهكم والسخرية السوداء والتشتت والتقطيع والتناقض والمعارضة الأدبية وكسر الزمنية وتضمين أنماط كتابية لم يكن متعارفاً على وجودها ضمن السرد الروائي." ص125. تأسيساً على ذلك يمكن القول إن رواية "النوم في حقل الكرز" هي رواية ما بعد حداثية كونها تستثمر تقانات السخرية السوداء والتهكم والتقطيع وكسر الزمنية. إضافة لتوظيفها تقانة ما وراء السرد في بناء الرواية. وتعريف هذا المصطلح الذي يرتبط بمرحلة ما بعد الحداثة وفق ليندا هتشوش هو: "رواية عن الرواية، أي الرواية التي تتضمن تعليقا على سردها وهويتها." الفضاءات القادمة ص127. ومن المعروف أن ما وراء السرد (الميتافكشن) كان قد شاع في النصف الثاني من القرن العشرين وارتبط بمرحلة ما بعد الحداثة التي انتهت في تسعينيات القرن الماضي.
وظفت رواية "النوم في حقل الكرز" هذه التقانة الفنية من خلال وجود راو أول/المترجم يحدثنا عن الرواية التي يسردها راو ثان. فتكون لدينا حكايتان: حكاية هامشية عن المترجم، وحكاية رئيسية (مخطوطة) عن سعيد مردان/ينسين.
سعيد ينسين لم يغادر النرويج إلى بغداد (فالزمن مابين ذهابه المفترض الى بغداد/خيال والانتهاء من كتابة الرواية/واقع هو يومان فقط، السابع والثامن من تموز عام 2005)، إلا أنه يأخذنا من خلال هلوساته الى بغداد من نفس العام. في هذه الصورة الوهمية يذهب البطل الى بغداد لاستلام رفاة أبيه المعلم الشيوعي والذي كان قد دفنه حياً عناصر النظام البعثي في مقبرة جماعة قبل سبعة وثلاثين عاماً. وهو عمر الراوي تقريباً حيث إن الأب اختفى بعد ثلاثة أشهر من زواجه من الأم.
تحدثنا عبير، صديقة سعيد ينسين، عن: "أكبر مقبرة عُثر عليها بعد سقوط النظام 2003م. قالت بإنها تقع في قرية أبو سديرة التي لا تبعد سوى بضعة أميال عن مدينة بابل التاريخية. وتضمّ بين أحضانها ألفين وثماني مائة جثة، لضحايا تم دفنهم بشكل جماعي في عام 1991م. كانت الجثث متفسخة تماماً، لم يبق منها سوى الجماجم والعظام ونتف الشعر، والخرق البالية." الرواية ص184. علماً أن مثل هذه المجازر الجماعية بحق أبناء الشعب العراقي بكل أطيافه، للأسف الشديد، لم ينته حتى بعد سقوط النظام البعثي. وكأن قدر العراق هو الموت المجاني وبالجملة!
هؤلاء الضحايا الذين دفنوا في هذه المقابر لديهم حيواتهم وذكرياتهم وأحلامهم وهمومهم الجديرة بأن يكتب عنها الكثير من القصص والروايات. بل يجب أن يكتب عنها بعمق أكثر. ضف على ذلك، ضرورة تحليل اللحظة التاريخية التي حدثت فيها كل مقبرة جماعية في العراق كي نتعلم من الدرس القاسي. وليدرك العالم، خصوصاً العربي منه، مدى قسوة النظام الذي حكم العراق منذ عام 1968 الى عام 2003، حيث تم العثور للآن مئات المقابر الجماعية في مناطق مختلفة من العراق ضمت رفات الألالف من المواطنين الأبرياء من الكورد والشيعة. وهذا لا يعني طبعاً تبرأة النظام الحاكم الحالي، أو أن بغداد قد (تحولت إلى جنة) بعد سقوط النظام كما يتهكم بطل الرواية.
لكن حقيقة وجود الطغيان بالوقت الراهن (في ظل حكم الأحزاب الإسلامية) لا يعني بأي شكل من الأشكال أن نظام الأمس كان افضل. وهذا ما تؤكد عليه الرواية. فقصور الطاغية صدام، كما يقول الراوي الثاني: "وبيوته ومقارّ حزبه وأوكار تابعيه، فقد تحولت إلى قصور طغاةٍ صغار وأوكار تابعين خدّج ومقار حزبية مباركة... آه يا أبي! إن الظلام الذي كنتَ، بصحبة رفاقك، تحاولون إيقاد شمعة لتبديده، مازال يغلّف البلاد ويحيط بأكتارها. مازال ذاك الظلام حاكما..." الرواية ص209.
نعم، لقد سقط النظام، لكن للآن لم يسقط الظلم. وما أشبه اليوم بالبارحة، فقد تعدد القتلة والعراق واحد.
تسلط هذه الرواية الضوء على حياة أحد أبناء هؤلاء الضحايا. تتناول التأثر الكبير أو الانعطافة التاريخية التي حدثت في حياة الزوجة والابن بعد اختفاء الأب. فجاءت الرواية لتبث الحياة مجددا بروح الأب بعد أن عامله نظام الحكم البعثي على أنه مجرد رقم في حزب مناوئ. كان سعيد يطمح أن يمنح أباه قبراً يليق به وشاهدة قبر تحمل اسمه لحفظ ذكراه. لكن الأهوال المتنوعة، التي تعصف بالعراق دائماً وأبداً،ش حالت دون ذلك لتبقى هلوسات سعيد وكوابيسه وآلامه ناشطة.

محظوظ من تنام جثته في حقل الكرز فهو قد يتحول إلى شجرة كرز كما يطمح بطل الرواية لكن ماذا عن أولئك الذين تنام جثثهم في مقبرة جماعية/حقل جماجم؟

• صدرت رواية النوم في حقل الكرز عن دار الرافدين/ بيروت عام 2019



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية -قتلة-... محاول لتفسير العنف في العراق
- عندما تكون الرواية شهادة في محكمة
- عرض لكتاب (آلهة في مطبخ التاريخ)
- عن الرواية العراقية
- نفق مظلم
- سيد الفراغ
- كذبة نيسان
- أرق طويل الأمد
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (٥)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (٤)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (3)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (2)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر
- أصحاب التل
- حكاية الحزن الخام
- جاروبا نوشو
- حلول ولكن!
- أربع قصائد مترجمة للشاعرة الكندية أرن موريه*
- سؤال المنفى في رواية -القنافذ في يوم ساخن-
- المعمار السردي في رواية -حجاب العروس-


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - النوم في حقل الجماجم