أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - عندما تكون الرواية شهادة في محكمة















المزيد.....

عندما تكون الرواية شهادة في محكمة


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 7092 - 2021 / 11 / 30 - 11:16
المحور: الادب والفن
    


قراءة في رواية "في باطن الجحيم"

وأنت تقرأ رواية "في باطن الجحيم" للروائي سلام إبراهيم، الصادرة عن وزارة الثقافة ببغداد عام 2013 ، ستجد الكلمات المألوفة لوصف حجم الوجع أو القهر أو الإجرام أو الظلم و ماشابه عاجزة عن نقل بشاعة المشاهد التي تصورها الرواية. قراءة تفاصيل المشهد كاملاً ومعرفة تاريخ الشخوص وحيثيات الحدث هي وحدها كفيلة بتقريب فداحة الواقع الجحيمي الذي عاشه مؤلف الرواية أو (أبو الطيب)، الأسم الحركي للمؤلف في تلك الفترة. خذ مثلا هذا المشهد التراجيدي المفزع الذي يصور الكاتب فيه هروب أهالي القرى الكوردية ومعهم سلام إبراهيم وزوجته الكاتبة والناشطة السياسية ناهده جابر جاسم (أسمها الحركي في تلك الفترة هو بهار) خوفاً من بطش طائرات الجيش العراقي: "كانت بهار متألقة وهي تحمل طفلاً كرديا لقطته في السيل البشري المذعور الجارف. ظلت ترعاه حتى الغروب إلى أن هجمت عليها أمرأة كردية عشرينية، ونهبت الطفل من حضنها مطلقةً آهة ومرددة بصوت مذبوح: أوي دايكه (أخ يمة). كانت شبه مجنونة. راحت تشمه وتتلمس كل قطعة من جسده حتى أنها لم تشكرنا، ولم تسأل كيف عثرنا عليه؟! أبتعدت وهي تحملق في وجهه بصمت تاره وتضمه إلى صدرها وتشمه في أخرى. إلتفتُ نحو بهار فوجدتها تمسح دموعها متصنعةً التماسك، قلت مع نفسي: الله يساعدك!" الرواية ص299.
وما يزيد من لوعة هذا المشهد الإنساني هو أن ناهده جابر جاسم كانت ترى في ذلك الطفل أبنها (كفاح) الذي تركته في شباط من عام 1985 وهو في عمر الثالثة والمصاب بمرض الربو أي قبل ثلاث سنوات من تلك الواقعة لتلتحق بزوجها سلام والثوار في شمال العراق.
وفي مشهد بشع آخر نتعرف فيه على ما فعله رجال الأمن عندما قبضوا على العوائل الكوردية وأعتقلوهم في قلعة دهوك وهذه المرة ينقله لنا أحد أصدقاء سلام أسمه (يحيى) من اليساريين الذي سيق مجبرا كباقي العراقيين إلى جبهات القتال في الحرب العراقية الإيرانية. وهنا نتعرف على قضية أخرى إضافة لقضية الوجع العراقي الأزلي. قضية تشبه مفارقة لا تحدث إلا في بلاب العجائب، العراق. حيت ترى صديقين من توجه فكري واحد، كلاهما يساق عنوة إلى الخدمة العسكرية لكن أحدهما (سلام) ينجح بالالتحاق بصفوف أنصار الحزب الشيوعي الذين كانوا يحاربون الحكومة العراقية والثاني (يحيى) يبقى بين صفوف الجيش العراقي. كلاهما يحب العراق لكنهما يحملان السلاح ضد بعضهما.
يلتقي سلام ويحيى بعد عشرين سنة من الواقعة في أوربا حيث يسرد يحيى ما رآه في قلعة دهوك: "..سوف لا انسى ما حييت ذلك المشهد الذي جعلني أنحب بكتمان، وينتحب من حولي الجنود لائذين خلف أعمدة طارمة الطابق الثاني. كنتُ في غرفة القلم أرتب البريد وأرد على الرسائل حينما سمعتُ ضجة وصراخ وشتائم وبكاء أطفال ونساء يأتي من باحة القلعة، فتركت مابيدي وأسرعت بالخروج من الغرفة. ومن حافة سياج الشرفة الطويلة رأيت رجال أمن بملابس مدنية يصرخون مطالبين بخروج جماعة خالد. لا أعرف ماذا تعني جماعة خالد،حتى الآن. كانت الكتلة (العوائل) المحجوزة تتكتل ملتمة فتحولت إلى كتلة واحدة، محاولة حماية المطلوبين. عندها تجنن رجال الأمن، وأنهالوا على الكتلة ضرباً بالكيبلات المحشوة بالحصو، فتفتت الكتلة، وسط صراخ الألم، وسحبوا المطلوبين سحباً خارج الدائرة. طرحوهم أرضا، ووضعوا على أجسادهم الناحلة إطارات قديمة لمدرعات وجلسوا عليها لدقائق. بعدها راحوا يقفزون ضاعطين على الأحساد المختنقة وسط عويل أمهات وزوجات وأطفال من يُعصر ويخُنق تحت الإطارات... قتلوهم خنقاً تحت ضغط الإطارات أمام أعيننا. ولحظة لفظ أنفاسهم الأخيرة ضجت الزوجات والأمهات بالعويل والنحيب، والندب بترديد ما يشبه أشعار رثاء باللغة الكردية." ص282-283.
هذان المشهدان، مثلا، يحملان من البشاعة مما لا نجد ما يوازيه في اللغة من صفات جاهزة عامة نعلب فيها المشهد، فالشيطان يكمن في التفاصيل!
لذا تعمد الكاتب أن يدون هذا النص بطريقة تسجيلية ولغة تلقائية مباشرة بدون حذلقات لغوية ولا ألعاب سردية ففي الواقعة مايكفي من التوحش الذي يفوق الخيال. وهو ما يؤكده الكاتب/الرواي/سلام إبراهيم/ أبو الطيب في متن الرواية: "تلك الرحلة العسيرة جعلتني أبتعد في الكتابة عن كل ما يمس الأساطير حيث تبدو بالمقارنة مع التجربة الحسية بلا ألم بلا مشاعر بلا حس!" الرواية. بل أنه تقصد لأن يدون تلك الوقائع بعفوية تامة وبعين كاميرا تلتقط المشاهد كما هي بلا رتوش ولا تزويق أو إنتقائية أو مونتاج واضعاً المشاهد الخام كاملة أمام المتلقي. وهذا التخطيط يؤشره الراوي عندما يتوعد وهو في لجة المحنة: "لو كُتب لي النجاة من هذه المحنة، فسوف أجهر بحقيقة حواسي في التجربة دون أي رادع فكري أو أخلاقي أو أجتماعي أو قيمي.." الرواية. عليه لم أقرأ هذا النص على أنه رواية تقليدية للمتعة الأدبية بل للتعرف على تفاصيل جدبدة عن جريمة قصف نظام صدام حسين القرى الكوردية ومقرات الحزب الشيوعي المعارض للنظام آنذاك بغاز الخردل عام 1987 وغاز الأعصاب بعدها بسنة. تأتينا هذه التفاصيل والمشاهد المروعة على لسان كاتب روائي مهم كان من بين الضحايا. فرغم الجو السوداوي الذي يعم النص إلا أن القارئ لا ينفر منها لأنه يريد معرفة المزيد من الحقيقة وهذه التوق للمعرفة هو مصدر المتعة.
كتب إبراهيم رواية (في باطن الجحيم) بطريقة الفلاش باك حيث يبدأ السرد في عام 2007 أثناء متابعة محاكمة صدام حسين وأعوانه على ما أقترفوه في جريمة الأنفال. يكون الرواي حينها جالساً في بيته بالدينمارك فرحا برؤية رئيس النظام القمعي ومعاونيه في القفص. ثم يرجع بالتاريخ سارداً سيرته الذاتية المتعلقة بتلك الكارثة كما لو أن الرواي يدخل إلى قاعة المحكمة كشاهد عيان. فيقدم للمحكمة/لنا نصاً مدعوماً بالرسائل والصور والأسماء الحقيقة، ويعرض مشاهدا لا تفي كلمات الألم ومشتقاتها بغرضها العاطفي لوصف شدة قسوتها. حيث لا تجد في القاموس وصفاً شاملاً يمكنه أن يزيح غبار الآيدولوجيا المتراكم على ذهنك، كي تسمو روحك الإنسانية وتتطهر من الاحكام المسبقة لتتآلف مع أخيك الإنسان ضد الشرور. وهو ما سعت له هذه الوثيقة التاريخية المهمة. فهي ليست مجرد شهادة في محكمة ضد الدكتاتور بل هي مدونة تسعى لأن تقودك بقوة إلى لحظة إنسانية خالصة تنتصر فيها للمظلوم وتحاكم الجاني بصرف النظر عن عرقه أو دينه أو توجهه الفكري. أتمنى أن تكتب بذات الطريقة شهادات كل ضحايا الموت الباذخ الذي لم يكف عن نخر هذه البلاد على يدي أزلام النظام البعثي أو الاحتلال الأمريكي أو الجماعات الإرهابية أو المليشيات أونظام المحاصصة الطائفي الذي يحكم العراق حالياً.



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عرض لكتاب (آلهة في مطبخ التاريخ)
- عن الرواية العراقية
- نفق مظلم
- سيد الفراغ
- كذبة نيسان
- أرق طويل الأمد
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (٥)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (٤)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (3)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر (2)
- محاولة في فهم فكرة المهدي المنتظر
- أصحاب التل
- حكاية الحزن الخام
- جاروبا نوشو
- حلول ولكن!
- أربع قصائد مترجمة للشاعرة الكندية أرن موريه*
- سؤال المنفى في رواية -القنافذ في يوم ساخن-
- المعمار السردي في رواية -حجاب العروس-
- صداع مزمن
- قصة حقيقية قد تحدث في أي لحظة


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - عندما تكون الرواية شهادة في محكمة