أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - قصة حقيقية قد تحدث في أي لحظة















المزيد.....

قصة حقيقية قد تحدث في أي لحظة


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 3558 - 2011 / 11 / 26 - 10:41
المحور: الادب والفن
    


سأرقص حتى الموت

أنا قاتلة. قتلت أمي وأبي وأخي.
سحب أبي الأسلاك التي توصل له الغذاء والهواء، فأنقذوه في اللحظة الأخيرة. كان ذاك جوابه على نظرات السخرية المبثوثة من عيون لامعة تبرز من عباءة قديمة. عيون تجدح في ركام الظلام، وتعرف طريقها جيدا إلى اليائسين.
أنقذوه أول مرة عندما سقط كونكريت التاريخ على رأسه في ليلة زواجي. لم يستطع بلع الفجيعة، فغص مختنقا وانهار بجلبابه العربي الفضفاض. صارت الكلمات على شفتيه وجعا، تأوها، أنينا مرا. تشهى الموت بقوة عندما وقف زوجي أمامه يعيره بعدم عذريتي. كنت صامته كالقبر، فالمعاني ذبلت من شدة عطشي.
همَ أخي لخنقي كي يطمر رائحة الفضيحة أو أداء دوره أمام سخرية زوجي، فهربت منه إلى الجيران. أدى جارنا الأجنبي دوره، أتصل بالشرطة لإنقاذ بنت مسلمة من الرجال. الجميع يتقن الدور إلا أمي، فقد ظلت على غريزتها، تغفر لتحب، أو تحب لتغفر. لا يحركها دور معد سلفا مكتوبا في عقد اجتماعي أو لوح محفوظ بل يجرها نحوي قلبها.
وضعوا أخي في السجن المتنقل مكبلا. حققوا مع زوجي. حملوا أبي على نقالة إلى سيارة الإسعاف. فغرت أمي فمها على وسع الفضيحة. تركتُ الندم ينهش جسدي ويحفر جرحا عميقا في روحي، مهيلة عليه ملح دموعي لتهييج الوجع. حرصَ جارنا على أن لا تفوته أي لحظة من هذا المشهد. نجحَ أبي بإحضار الموت قبل أوانه عندما غمس رأسه في ماء المرحاض. قطع أخي وريده بموس حلاقة. تضاعف وجع أمي فقررت الانتقام مني.
ساعدتني الحكومة بتوفير شقة وراتب شهري. الجميع من أبناء قومي ظن أني سأجدها فرصة للخلاص من النقاب والجبة طالما لا يوجد من يردعني عن فعل ذلك. فوجئوا ببقائي على وقاري وعفتي التي عرفوني بها. ولم يفهموا أبدا سبب فقداني لذاك الغشاء الوهمي.
التمرد الوحيد الذي فعلته في وحدتي هو رقصي عارية على أنغام موسيقى صاخبة. بعد أن أصلي صلاة العشاء أحلق في سمائي الحرة: غرفتي المظلمة. أضع سماعتي (الآيبوت) في أذني وأشرع في رقص مجنون. رقص حتى الموت.
تفحمت أيام أمي، فطغت الفضة شعرها. أعُرفها جيدا، تحب الحياة والحياة عندها هي العائلة. عندما نختفي، يغدو فضاؤها أضيق من كفن. زرتها لتأكيد أنني ما تبقى لها في معتركها الحياتي. لكنها استرجعت كامل الوجع عندما شاهدتني. رغم آلامها المتراكمة على عظامها، إلا أنها شرعت بالسكين لتمزيق تاريخ منبوذ. سعت لتنقيح ماض مشوه، وتقويم ذكرى كسيحة.
هربت كعادتي من مواجهة ما لا أقوى على دحضه بالكلام. قفزت السكينة من يد أمي لتستقر في رحم الأريكة، وسقطت أمي على الطاولة الحديدية في الصالة. ضرب جبينها زاوية الطاولة فغابت عن الوعي إلى الأبد. هربتُ تاركة حجابي منقوعا بدم أمي. ركضتُ بلا وجهة حافية القدمين، لا يسترني إلا جبتي.
فكرت في الذهاب إلى زوجي أو طليقي، لتقبيل قدميه كي يرجعني زوجة له ليس لأنه كل ما تبقى لي في هذا العالم بل لأني أعشقه. فهو الوحيد الذي قبلني ولمس جسدي. أردت الارتماء بحضنه وإغراقه بدموعي وشبقي. آه كم كنت محتاجة له! هو معذور بالتخلي عني لأنه أيضا ضحية.
ركضت. ركضت.
كل الشوارع والأبنية والناس مرت أمامي كشريط سريع يرجع للوراء. شريط شاهدته مرارا. محطة البريد التي تستلم منه أمي طرود الملابس الإسلامية، تبعثها لها خالتي من أرض الولادة. المستشفى التي مات فيها أبي. مركز الشرطة الذي أعتقل فيه أخي. المدرسة التي التقيت فيها صديقتي لأول مرة، بنت متمردة ونزقة هي من عرفني على ذاك الاختراع اللعين، تسميه (دودي) للتمويه.
أخرجت (دودي) من خزانة ملابسها، ملفوفا بكيس بلاستيكي أسود. رغم أني لم أر مثل هذه الشيء من قبل إلا أني عرفت الدور الذي يؤديه. قرعتها على مغامرة الاحتفاظ بهكذا آلة في غرفة نومها، لكنها دفعتني بكل وقاحة وغضب إلى سريرها. تجمدت في مكاني. أمرتني بأن أشاهد، فقط أشاهد ما سيقدمه (دودي) من خدمة.
استعرضت أمامي فعاليته في إطفاء الحرمان، فغفرت لها فعلتها المشينة. بعد فترة أقنعتني بلمسه. ثم جربته على مضض. وسرعان ما أدمنت عليه. فقد كان المنقذ من إغراءات الانزلاق بعلاقة محرمة مع أحدهم.
ركضت. ركضت.
مررت ببيت صديقتي حيث أخرجت (دودي) منه بعد أن وافقت على أعارته لي لعدة أيام. كنت أغار عليه، يبقى عندها طوال الوقت ولا يتسنى لي التمتع به إلا عندما أزورها مرة أو مرتين في الأسبوع. كانت تتركني لوحدي في غرفتها، تدعي أنها ذاهبة للحمام كي لا يرتاب أهلها بتركي وحيدة في الغرفة، فأغرق معه في تلك الفترة الوجيزة في نشوة عارمة.
رغم سعادتي بالحصول عليه إلا أنني ارتبكت عندما خرجت من بيتها لاستقبال أبي الذي جاء كعادته لإيصالي للبيت. أين يمكنني إخفاءه؟ صاحت صديقتي بخبث: "خبئيه في مكانه المعتاد!" وجدتها فكرة مجنونة لكنها ذكية. دحستُ (دودي) في مكانه الطبيعي. ضايقتني قاعدته العريضة عندما مشيت لكني أفرجت ساقي قليلا كي لا تحتكا بها.
جلستُ في المقعد الأمامي مصفرة الوجه وخائفة. لاحظ أبي ذاك خصوصا عندما بدأت أتململ منزعجة من (دودي). نظر ألي بطرف عينيه قائلا: "ماذا بك يا بنت؟"
- إنها آلام البطن الشهرية يا أبي.
رمقني باشمئزاز وكأنه يريد القول: "هذا ما يجعلكن ناقصات عقل".
كعادته عندما يوصلني بسيارته يعمد أبي إلى تشغيل القرآن الكريم. أخذ (دودي) يزعجني كثيرا. وضعت يديَّ في جيبي جبتي كي أحركه قليلا، لكنهما لم تصلا له لصغر الجيبين. فحاولت تمزيق الجيب الأيمن لتمرير يدي تحت الجبة والوصول إليه بدون أن ينتبه أبي.
لو كانت أظافري طويلة قليلا لمزقت الجيب بسهولة، لكني أعمد إلى قصهن باستمرار تحاشيا التبرج. كان صوت القرآن يطغي على صوت حركة أصبعي الناشط بشق جيب الجبة. صار الطريق أطول كثيرا من المعتاد. ومما زاد الطين بله هو مرور قطار بضائع طويل.
أوقف أبي السيارة متذمرا. رفع صوت مسجل السيارة لابتلاع صخب انزلاق عجلات القطار مع السكة المعدنية الطويلة.
ركضت، ركضت.
مسجل السيارة يصدح بآيات الله في رأسي، وأصابعي تبحث عن منفذ صغير لها تحت جبتي، والقطار يمضي، يمضي.


http://maithamsalman.blogspot.com/



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تمرين في العمى
- قمم مزيفة
- حكمة الأقدام
- جدار رملي
- ألبوم بلاد
- No More War
- ملحمة الفيسبوك
- مجرد لعبة
- مدينة العكازات
- مخاوف
- جلد الوقت
- أسئلة الغاز
- قشور بحجم الوطن (رواية 8)
- قشور بحجم الوطن (رواية 7)
- قشور بحجم الوطن ( رواية 4-5-6)
- قشور بحجم الوطن (رواية 3)
- قشور بحجم الوطن (رواية 2)
- قشور بحجم الوطن (رواية1)
- غرائبية معقولة
- نصوص


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - قصة حقيقية قد تحدث في أي لحظة