أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - أسئلة الغاز














المزيد.....

أسئلة الغاز


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 3245 - 2011 / 1 / 13 - 02:05
المحور: الادب والفن
    


مهداة إلى ضحايا حلبجة
لم يترك قريته الشمالية بهذا السكون المقيت، قبل شهر، عندما رشت أمه على آثار خطواته سطل ماء ممزوج بتمائم غامضة، اعتاد سماعها كلما تأبط مخاوفه وحاجات أخرى محشورة في حقيبة بلون الخوف. رجع إلى البيت مبتهجا بإجازته القصيرة، ثلاث أيام فقط. مدة لا تكفي لكنس يباس ينهش مخيلته. كلما قضى شهرا هناك، انمحى فصلا من ذاكرته، ليشغله حجر يشع غبارا على مد البصر.
عدة أعوام مضروبة بنفسها، مضاعفة بفعل الأنين، وهو مقصي عن كتبه وحبيبته. فلم يعد يذكر بالتحديد بدء علاقته مع ذاك اليباس.
لا يعرف لماذا يتحتم عليه التشكل مع أنساق مآلها الرماد، أنساق تبتهل لغفلة الرصاص وأخطاء القذائف. عاثت الاستفهامات في جسده حتى أدمن نخرها، داولها باحتضار طويل الأمد، أسئلة محفورة في رأسه: "لماذا كنا؟ ماذا يحدث لو لم نكن؟ لماذا نتفسخ؟ ألخ" ترسبت أخيرا بهيئة شبحيه لها طعم البساطيل، منصهرة في سؤال كالقيح: "لماذا نحترق؟".
ولج غرفة الضيوف. واجهته لوحة يحصرها إطار خشب أسود. خطت عليها كلمات تشكيلها يصدر صلصلة عالية، دونت منذ مئات السنين، لكنها حافظت على نصاعة خطوطها وكأنها تسجل مجددا. اعتاد قراءة أول سطرين فقط، أما اليوم فاضطر لإتمامها رغم وساوسه وقلقه جراء الصمت المطبق الذي يلفع البيت. ارتطمت نظراته، عند انتهاءه من القراءة، برأس أبيه الأبيض وهو يلصق جبهته على سجادة ويسور رأسه بأصابع نحيفة ومجعدة شحبت وازرقت، كأن ذالك السائل القاني رقأ في عروقه منذ دهر وليس قبل أيام عدة. لملم فورة نواحه ومنحه الصوت حشرجة مقتضبة وصدئة بدلا من الصراخ المفرط.
انسحب للغرفة المجاورة، تعثر بجسد أخته المنكفئة على رأسها، تواريه باستقامة يديها الملتصقة بخرقة، وكأنها مصرة على مسح البلاط لآخر لحظة. منذ أن خط حروف طفولته على هذه الحياة وهو يراها بنفس المشهد، حتى انه حسد ذكورته لاستثنائه من تلك العبودية، لكن عند بلوغه سن الحرب تمنى العكس. فمن يدور نحن أم التأريخ؟ نتقلب فوق سعير الجمر إلى أن نغدو فحمة ونسمي ذلك صيرورتنا! متى نعي حقيقة كوننا حطب لهذا اللهيب الذي يدعى الزمن.
بحث عن أمه، فوجدها تعلق يدها اليسرى على حافة السرير وتدس نظراتها في ظلام أحشاءه مسندة يدها اليمنى على برودة البلاط. يتدلى حجابها الداكن ملامسا الأرض ومخفيا ملامحها. فلم ير من أمه سوى جسداً متكوراً على هموم وانتظارات دائمة وتحديق في الظلام.
أراد القول: "ها أنا ذا عدت سالماً يا أمي". لكنه ابتلع غصته، وتراجع ناحية غرفة صغيرة تحتضن كتبه. شوقه عارم لمداعبتها بيد أنه وجد الكتب ملتصقة ببعض وكأنها عانقت بعضها قبل أن تموت هي الأخرى، أتعبها الفراق، فالكتب/الأفكار تجف إن لم تداولها العقول. كيف له أن يقارع الفكرة وهو يلهث متقافزا من موت لآخر؟
همس بألم: "ما بالها هجرتني؟ ألم تدرك أننا سفن محطمة تجرفها شهوة الريح؟ سفن ثقبتها الأقدار... لابد من بوح تلك المشاهد الداكنة للبياض، لتفجير دمامل الوجع، سعيا لتفريغ حسرات تراكمت لقرون صارت دهشة دائمة أو سؤال مر: هل حقا يحدث هذا؟".
سال دمه الأسود على الورق وخط: "إلام نمحى بمنجنيقات فائقة التطور؟. أهوالنا لا تبوحها الكلمات، هاك مخاض تجسيدها واتركني للنحيب".
استرسل بتدوين دموعه المتدفقة كشلال، جرف مدن وبشر في أزمنة مختلفة ليصطدم بحجر كبير ينحت دائما سؤال البوح، ويفضح خيبة الراوي: "كيف حدث هذا؟".
ردت عليه جدران البيت مثل صدى: "بسبب رائحة بيضاء سامة أمطرتها طائرات حنطت البشر وأحالت القرية إلى متحف لتأريخ الألم".
رد على الصدى: "كيف لي وصف رائحة لم تلامس أنفي بعد؟ القواميس تعجز عن ذلك، وخيالنا كالشعاع فلا بد من بداية".
في المطبخ توجد قنينة غاز تتكفل بالإجابة على سؤال الحجر وتمنح الراوي التجربة.
حرر الغاز الذي تسارع لتشكيل السؤال على أوراقه:
ل..م..ا..ذ..ا....ن..خـ..ت..ن..ق...؟

كندا/ أدمنتون



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قشور بحجم الوطن (رواية 8)
- قشور بحجم الوطن (رواية 7)
- قشور بحجم الوطن ( رواية 4-5-6)
- قشور بحجم الوطن (رواية 3)
- قشور بحجم الوطن (رواية 2)
- قشور بحجم الوطن (رواية1)
- غرائبية معقولة
- نصوص
- نص
- قنينة صور
- القراصنة مازالوا هناك
- قصص قصيرة جدا
- تقديس الأشخاص عند المسلمين
- قصة قصيرة
- قصص قصيرة جداً
- ارق ازلي
- انحياز الفضائية العراقية
- حلول تنتج مشاكل
- نحو حوارً متمدن
- الاربعاء الاسود


المزيد.....




- رولا غانم: الكتابة عن فلسطين ليست استدعاء للذاكرة بل هي وجود ...
- -ثقافة أبوظبي- تطلق مبادرة لإنشاء مكتبة عربية رقمية
- -الكشاف: أو نحن والفلسفة- كتاب جديد لسري نسيبة
- -هنا رُفات من كتب اسمه بماء- .. تجليات المرض في الأدب الغربي ...
- اتحاد أدباء العراق يستذكر ويحتفي بعالم اللغة مهدي المخزومي
- -ما تَبقّى- .. معرض فردي للفنان عادل عابدين
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء غزة الأطفال بقراءة أسمائهم في مدر ...
- فنانون إسبان يخلّدون شهداء أطفال غزة بقراءة أسمائهم في مدريد ...
- الفنان وائل شوقي : التاريخ كمساحة للتأويل
- الممثلة الأميركية اليهودية هانا أينبيندر تفوز بجائزة -إيمي- ...


المزيد.....

- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - أسئلة الغاز