أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - قشور بحجم الوطن (رواية 7)















المزيد.....


قشور بحجم الوطن (رواية 7)


ميثم سلمان
كاتب

(Maitham Salman)


الحوار المتمدن-العدد: 3021 - 2010 / 6 / 1 - 09:11
المحور: الادب والفن
    



خرجت من بيت حميد نحو سيارتي التي ركنتها خلف العمارة. عاودت العمل، لكن ذهني كان يجتر، رغما عني، كلماتنا التي غدت كحجرات نتقاذفها على بعضنا، بدل أن نعبر عليها إلى ضفة الآخر. أعيدُ طحن تفاصيل ذاك الجدال الذي تقافز عشوائيا بين صخور الأسئلة. سرى الحديث مثل نهر عرجته الصخور فتشعب ودار ولف وخنقني أخيرا. سحبني بغير إرادة مني لمحاكمة قناعاتي.
ما الذي يجعل حميد متمسكا برأيه إلى هذا الحد؟ كان مخلصا لأفكاره لدرجة الاستماتة من أجل إثبات صحتها. لا بد أن يكون حميد محقا في بعض ما طرحه. و أنا أيضا لا بد أن أكون صائبا في بعض آخر.
لكن ما هو هذا البعض الصحيح؟ وهل الإيمان بالغيب أم العلم هو الجدار الذي يفصلني عنه؟ ما مادة هذا الجدار؟ زجاجي أم كونكريتي؟
إنه زجاجي لأننا نرى بعضنا الآخر ولا نسمع بعضنا، وهو كونكريتي أيضا لأننا لا نقوى على تهشيمه أو على الأقل اختراقه تدريجيا.
علينا فتح مسرب لكلماتنا في هذا الجدار، كوة تتيح لنا سماع الآخر. هو يصر على أن يكون الغيب هو الكوة، وأنا أريدها العلم. نتقاطع في طبيعة الأرض المشتركة، فكيف نتفق على النتائج؟ هو يرى الرب في رأسه، وهذا منشأ التقاطع، ليس معي فحسب بل حتى مع باقي المتدينين، حيث يختلفون على صورته الحقيقية. أما أنا فأرى كل شيء بأصابعي وهو ما يجعلني أتشابه مع أتباع العلم، حيث العلم واحد.
بعد عدة أسابيع من انقطاع حميد عني وعدم رده على مكالماتي، تأكدت بأن الحاجز الذي يفصلنا هو جدار كونكريتي لا يمكن قلعه.
لم أسع لنسف متبنياته بقدر زراعة هوس السؤال في ذهنه. أحفزه لبرد الفكرة بمبرد السؤال. والفكرة الهشة تتساقط قشورها كالرذاذ حتى تتلاشى، أما التي لها جوهر صلد فتصمد وتزداد بريقا.
الدين يقمع الأسئلة حتى لو حث على التعقل والتفكر. حيث عليهما أن يكونا دليلا جديدا على إثبات مقدمة مسبقة، مجد الرب الذي يجب أن لا يطاله السؤال. فوجوده مسلمة أولية وعليها تقاس النتائج. هو بذرة لشجرة عملاقة.
رغم أن حميد تحركه فكرة جوهرية توارثها من أهله، ألا أنه يفرضها على أنها حقيقة معرفية تضاهي العلم. ترمز عنده لهويته، ووفاء لأسرته وثقافة مجتمعه، وواجبه التفاني من أجلها. إنه ضرب من التعنت. فطالما أن الفكرة تمثل شيئا من المعرفة يجب إخضاعها للنقاش والمجادلة والدحض والنقض والتصحيح. أما أن تتحول إلى مبدأ يعكس هوية ما فهذا يحيل صاحبها إلى حارس مغوار يفزع ثائرا للدفاع عنها حتى لو كانت الآراء المغايرة أكثر صحة.
يصر على أن الدين هو الهوية. وبهذا يضيف قناعا آخرا على وجهي. والكنديون أيضا يعتقدون كذلك عندما يطلوني بصبغة دينية بعينها لمجرد معرفتهم بمنشأي. كيف لي إزاحة كل تلك الأقنعة وإظهار جوهر ملامحي الأصلية؟
جوهر...
بحثي عن الملامح الأولى وتقشير الأغلفة المتراكمة على جلدي لا يتقاطع مع إيماني بالإنسان الكوني، بل هو بحث لتحديد هيئتي بين الآخرين ليس إلا. هي فقط لمعرفة صبغتي الحقيقية بإزالة ما تراكم على وجهي من صبغات. هل أنا عربي أم مسلم أم عراقي أم كندي- كوني أحمل الوثائق الكندية؟ هل اسمي محمد أم حسين أم مستر كابي كما ينادونني؟
الزيف يصبغ عالمي وأنا أساهم في تعميق زيفه حينما أتمادى بحمل مساحيق تطمر سحنتي. كيف لي التجرد من كل تلك الأغشية الزائفة؟
أنا وأبي وجدي مولودون في العراق. يعود تاريخ قبيلتي إلى بداية الاجتياح الإسلامي لبلاد الرافدين حيث جاء جدي الأول مع المسلمين من الحجاز. قبيلتي عاشت في العراق ما يقارب أربعة عشر قرنا وأنا أعيش هنا لأكثر من عقد من الزمان. هل هناك فرق حقيقي بين الفترتين؟ المكانان ليسا وطني. هل مجرد الولادة في بلد ما يجعله وطنا؟ هل ابني الذي سيولد هنا سيصبح كنديا ويشعر بالانتماء إلى كندا؟ هل الشعور الذاتي كافٍ لتعميق الانتساب للوطن؟ من يمنح الفاتح حق امتلاك الأوطان؟
فتوحات...
بعد اجتياح الجيش العربي للبلاد جاءت قبائل عربية كثيرة نزحت من الجزيرة ولم تكن موجودة في العراق، واختلطت هذه القبائل مع السكان الأصليين الذي يتحدث معظمهم الآرامية. توافد المهاجرون من بلاد الجزيرة إلى ارض السواد للتمتع بالخيرات الوافرة مما غير الشكل الطوبغرافي للبلد. فهل ينسف هذا حق الآشوري أو السرياني أو الكلداني بأن يكون هو صاحب البلد الأصلي؟ أم لكونه صار أقلية يجب التعامل معه كمواطن من الدرجة الثانية؟
أيختلف هذا عن الاستعمار الحديث؟ أيختلف عن التغييرات التي طرأت على كندا بفعل إغراق الأرض بالمهاجرين الذين يطلوها بطابع مختلف؟
من هم الآن أبناء الرافدين الأوائل؟ هل هم الكلدان أم الآشوريين أم السريان؟ وحتى هؤلاء يتدينون بأديان غريبة عن أديان شعب وادي الرافدين. إذا اعتبرنا أن الدين بمثابة الهوية سيكونون هم أيضا صبغوا بهوية أخرى من خارج الحدود، المسيحية. حينها تضيع هويتهم الأصلية المرتبطة بالجذور. وهذا ينطبق أيضا على الهنود الحمر الذي اعتنقوا المسيحية فرضا أو اختيارا.
وماذا عن سكان أهوار الجنوب؟ هل يعتبرون سكاناً أصليين منحدرين من سلالة سومرية؟ كيف نتعرف على أصالة عرقهم وهم يتحدثون ويدينون بلغة ودين الوافدين من الخارج؟
أين نجد العراقي الخالص ؟ من هو الرافديني نقي العرق؟
ضياع الهوية يتفاقم مع كل احتلال وطاغية. في زمن الظلام والنكسات الكبيرة وضياع القانون تؤخذ الهوية الوطنية بالتراخي والضعف. والاحتلال يسعى لطمرها بطرق شتى. والعراق أكثر الأراضي التي تعرضت لتخريب ودفن أرثه الحضاري. كان آخرها الاحتلال الأمريكي عندما تغاضى عن اكبر سرقة للآثار، وانتهك بشكل سافر وأهوج حرمة المواقع الأثرية في أنحاء متفرقة من العراق.
لكن حتى لو طمست معالم البلد المحتل وخربت سيبقى ابن البلد الأصلي يميز الوافد الجديد، سواء من لغته أو شكله أو دينه. وهو ما يشعرني بالنقص أحيانا كوني مواطن غريب في موطن الولادة و في كندا.
غريب...
ذهبت إلى إحدى المقاهي لتفريغ مثانتي. فتح لي رجل هندي الباب الرئيسي. كان يرتدي قلنسوة يتدلى منها لسانين من الفرو يغطيان أذنيه. يثبت نظارته الشمسية في أعلى القلنسوة التي تلامس حافتها حاجبين كثين لا يمكن تمييز انحنائهما، يغطيان عينين غائرتين في محجريهما. له لحية وشوارب داكنة وغير مشذبة. تنبعث منه رائحة تؤكد ثمالته المزمنة وكأنه توارث قنينة الويسكي من جده الأول الذي استبدلها مع المستعمر البريطاني مقابل فراء القندس. يرتدي معطفا فضفاضا، ليس على مقاسه. بدا وكأنه محارب منغولي. إلى جانبه كانت هناك عربة تسوق غاصة بالقناني الفارغة، يجمعها من براميل القمامة المنتشرة في الشوارع لبيعها إلى محلات إعادة الإنتاج، كباقي المتسولين.
شكرته على فتحه الباب لي ودخلت متوجها للحمام. بعد خروجي فتح الباب ثانية قائلا: "طاب يومك سيدي. لدي طلب صغير. أريد فقط ربع دولار لشراء قهوة".
- آسف ليس لدي عملة صغيرة، فلم أشترِ شيئا، فقط ذهبت للحمام.
عادة ما أساعد الهنود عندما يسألوني، رغم أنهم يصرون على عدم العمل واستغلال الضمان الاجتماعي بما يتمتعون به من امتيازات كثيرة: إعفاء من الضرائب، تأمين صحي كامل، راتب شهري، فرصة دراسة مجانية في الجامعات. إضافة لتوفر الغذاء في مصرف الأغذية، وهو متاح للجميع، فضلا عن المأوى المجاني للمتسولين. قد تكون تلك المرة الوحيدة التي أعتذر فيها من أحدهم بتقديم شيئا يسيرا.
رد بوقاحة: "وهل لديك جواز سفر لدخول بلدي؟".
صدمني رده، وقلت له مازحا: "لا احتاج لجواز كوني من السكان الأصليين في كندا".
- ماذا تقول؟ أنك مجرد مهاجر، فارجع لوطنك أيها الغريب.
رمى عبارته بوجهي مستأنفا عمله الذي اخترعه لنفسه رغما عن صاحب المقهى. لو كنت أعرف انه سيتفوه بذلك لأعطيته خمسة دولارات- أصغر فئة نقدية كانت حينها في جيبي.
جلست في سيارتي والأسى يهرش روحي. حتى هذا المتسول الذي يعتاش على فتات الآخرين والضرائب ليبقى ثملا إلى الأبد، أوفر حظا مني. على الأقل يشعر بقوة أنه مواطن أصلي، ويستطيع طرد من يشاء ومتى يشاء. طالما يشعر بأنه صاحب الأرض فلا يهم إن كان طردا مع إيقاف التنفيذ.
قرعت نفسي كثيرا على ما فعلته مع هذا المواطن.. (هو محق فأنا مجرد مهاجر جئت إلى كندا بحثا عن أمان، وبنفس الوقت أعيش في أرض ليست لي وصاحبها على حق بطردي إن كنت لا ألبي رغباته.. لكني أدفع ضرائب للحكومة التي توفر له كل حقوقه مجانا ليعيش كباقي الناس.. لا يكفي ذلك.. كل ما قد يدفع له لا يساوي أرضه المحتلة وأنا أساهم في احتلالها.. باستطاعته تغيير الكثير لو عمل.. بإمكانه استغلال فرصة التعليم المجاني والدعم الصحي والمادي للحصول على شهادة عليا والوصول إلى مراكز سلطوية مهمة.. هو حر باختيار الطريقة الموائمة للعيش...).
راقبته من بعيد وأنا جالس في سيارتي. يفتح الباب للزبائن ليضعوا في يده ما تبقى لديهم من فئات معدنية صغيرة. قررت الذهاب إليه للاعتذار ودفع خمسة دولارات له على أن يسحب كلامه الجارح بحقي.
حياني بنفس الحرارة الأولى، فاتحا الباب وكأنه لا يذكرني قائلا: "أهلا سيدي".
قلت له: "أرجو تقبل اعتذاري".
- عن ماذا ؟
- قبل قليل أنت سألتني عن ربع دولار واعتذرت منك لعدم توفره لدي حينها.
- وهل جلبت لي الربع أيها السيد الكريم؟
- لا، بل سأعطيك خمسة دولارات بشرط سحب إهانتك لي بطردي من بلدك.
- سلمني الخمسة دولارات وسأجعلك رئيس قبيلتي. على الأقل أنت تبدو أكثر وسامة وكرما منه ههههه.
حينها أدركت أنه غير جاد فيما قال، بل هو محتال. لذلك تراجعت عن فكرة إعطائه خمسة دولارات وقلت له: "أريد شراء قهوة أولا وسأعطيك المبلغ عندما أخرج". وافق . ثم دخلت المقهى وأنا أفكر بطريقة للتهرب منه. لاحظتهُ من الداخل وهو يفتح الباب بآلية للزبائن ويسألهم عن ربع دولار وهم يعطوه بذات الآلية وكأن عقدا مبرما بينه وبين الآخرين.
كنت محبوسا في داخل المقهى. لا أريد البقاء أكثر فعلي العمل. وإن خرجت يتحتم علي دفع خمسة دولارات لست ملزما بدفعها. وقد أشعر بالغبن إن دفعتها. بدا لي وكأنه الوحش خمبابا. عزمت أمري على الخروج بشكل طبيعي، فربما قد نسي أمري، طالما أنه لم يتعرف عليّ عندما عدت له أول مرة.
اشتريت قهوة، ونزعت نظاراتي وقبعتي للتمويه. ثم توجهت إلى الباب. فتحه لي وكأنه لم يرَ وجهي قط. أعطيته ربع دولار. شكرني. ابتعدت عدة خطوات عنه. صاح خلفي: "ألست أنت الذي وعدني بخمسة دولارات؟".
- أي خمسة دولارات تتحدث عنها يا رجل؟
- أنت وعدتني بذلك قبل أن تدخل مقابل الاعتذار منك.
- اعتقد أنك تنتظر شخصا غيري.
- لا تكذب أيها المهاجر اللعين.
كان موقفا محرجا ومخجلا. حيث سمعه من كان خارج المقهى وهو يطالبني بالخمسة دولارات وكأني سلبتها منه. ما كان مني إلا الإصرار على عدم معرفتي بالأمر لأني قلت هذا أساسا، وسيكون من المخجل التراجع. توجهت مسرعا لسيارتي نادما على عدم الإيفاء بوعدي له، ونادما على عودتي إليه أصلا.
الدقائق مثل الكلمات تمضي ولا نستطيع تنقيحها، فالكلمات المقذوفة في الهواء مثل اللحظات المنزلقة في كيس الحياة المثقوب. هي قطرات ماء. والأتعس أنني لا أكف عن الندم. فأنا دائم التأنيب واللوم لذاتي. احسب تصرفاتي بدقة متناهية ومع ذلك لا تأتي النتائج مثلما أريد. إحساسي بالخسارة يتعاظم وتتفاقم معه الحسرات. حتى أحلام اليقظة التي أسعى دوما لتحقيقها تخلق لوعة هائلة، وشعوراً قاسياً بالضآلة.
أحلام...
طالما راودني حلم رؤية سحاقيات يمارسن لذتهن أمامي. يوما استأجرتني فتاتان في أتم الروعة والجمال. كانا تقهقهان بغنج وتتمازحان بلغة تثير الشبق. تبالغان في ترنحهما مثل ماء يترجرج، جلستا في المقعد الخلفي. "خذنا أيها الطيار العظيم إلى البيت"، قالت واحدة.
فرشت ابتسامة عريضة على وجهي وقلت: "أين بيتك أيتها الفراشة الوديعة؟".
"أنت سائق تاكسي رومانسي"، قالت التي تعبق إغراء وشهوة. ربتت الأخرى على كتفي وقالت: "لماذا لا تأتي وتحتفل معنا. تبا للعمل!".
- آسف جدا، حقا أنا لا أستطيع.
- أرجوك تعال معنا وسوف لا تندم.
- أنا متأكد أن الندم لا يعرف له طريقاً في قضاء أي لحظة معكما، لكني لا أقدر.
هي مجازفة كبيرة الذهاب إلى بيت مع فتاتين لا أعرفهما. لو كانت فتاة واحدة لكان الأمر أهون. تحديت كل الاشارات الحمراء في رأسي وقررت مع نفسي ارتكاب تلك الحماقة لأنهما كانتا من النوع الذي لا يتردد الرجل بمنحه كل ما لديه.
- إن كنت لا تريد اللمس فيمكنك التفرج علينا ونحن نمارس طقوس اللذة مع بعضنا فهذا مما يزيدنا هيجانا.
حلم مشاهدة فتاتين تأكلا بعضاً وعلى مرمى عصا مني أوشك على التحقق. سمعت صوت ذاك الحلم يتعالى في داخلي مما ذوب مخاوفي وقلقي وجعلني كظل أتبعهما، أو أتبع صوت حلمي. طلبتا مني خلع حذائي قبل صعود سلم البيت الخارجي الخشبي، فربما يحدث هذا صوتا قد يوقظ أمهما. بعد أن ركنت سيارتي خلعت حذائي مثلهما وتبعتهما للبيت. مشيتا بخطى سريعة ودخلتا البيت. وبينما اصعد السلم بحذر شديد أوصدتا الباب وراحتا تتفرجا عليّ من الشباك، وضحكتا بصوت رج العالم من حولي. تصاعد دخان الهزء من داخلي ومن البيت، فما كان مني إلا أن قذفت بحذائي صوب الشباك ردا للإهانة، لكنه طار إلى الجهة اليمنى قليلا عابرا سور الحديقة الملاصق للبيت ويبدو أني أصبت كلبهم فشارك القهقهات بنباحه.
ركضت راجعا إلى سيارتي وأنا حافٍ وألهث. حتى حنين كان أحسن مني حالا، فهو على الأقل رجع بخفيه. كان أحقر مقلب مررت به، أصابني باللوعة العارمة التي اجتاحت روحي وجعلتني أسخر أكثر من نفسي. بصقت على وجهي بالمرآة لشعوري بالوضاعة. كيف رضخت لرغبتي المراهقة؟ حتى لو حققت حلمي وتم ما اتفقنا عليه، لكان ذاك سببا في نهاية عملي كسائق تاكسي، فهو مخالف للقانون.
نهاية...
كانت نهاية مهنتي على يد رجل في أربعينيات عمره. استأجرني عندما همد صخب البارات في عطلة نهاية الأسبوع. برفقته فتاة لم تتعد عقدها الثالث، كأنها مغناطيس دهشة. ترتدي بنطلون جينز ضيقاً وقميصاً مفتوح الأزرار للنصف وتحته (فانيلا) بيضاء. الزي يوائم بارات رعاة البقر لكنه لا يقيها برد تلك الليلة القارص. أما هو فكان يتفاخر بعضلاته المفصصة على أنحاء جسده. يطوي حافة كم قميصه إلى أعلى ذراعيه مظهرا وشماً لمرساة على ذراعه الأيمن. يمسك سترة من قماش (الجينز) بيده اليسرى. كان مكفهر الوجه عندما قذف عقب سيجارته بعيدا بتلقائية مفتعلة، بعد أن ثبتها في وسط دائرة صنعها من التقاء إصبعه الوسط بالإبهام.
جلسا في المقعد الخلفي. قالت: "خذنا إلى مدينة ستوني بلين من فضلك". هي بلدة صغيرة تحاذي مدينة أدمنتون. تستغرق الرحلة من المكان الذي كنا فيه إليها حوالي الساعة. كان يصوب نظراته على الشارع متجاهلا محاولاتها للتودد له. زفر هواء محبوسا في صدره ومخلوطا بكلمة مهينة: "رخيصة". فصرخت غاضبة: "أنت تعرف جيدا أني لم أرتكب أي خطأ، لكنها غيرتك وشكوكك المريضة. كل ما فعلته هو الرقص مع صديقك الذي طلب ذلك بأدب وأنت وافقت. فما المشكلة، قل لي، بحق الجحيم!؟".
- قلت لكِ مرارا أني لم أغضب لرقصك معه، بل لأنه كان يمسك يديك بحرارة، وكنت مستسلمة له. فما معنى ذلك؟
- أنها حركة بريئة. لا تعني شيئا، صدقني.
- كنتما تتضاجعان بالنظرات. أنا لست بمغفل.
- أنت موهوم. هي غيرتك المريضة، ليس إلا.
- اخرسي يا عاهرة.
فاحت نتانة الاتهامات والتشكيك والسباب. وراح الشجار يحرث في جروح الماضي. كلما كانت حجة أحدهما قوية يستل الآخر زلة قديمة كان قد ارتكبها أحدهما، للي ذراع الآخر. صارت الفضائح تتطاير من فميهما غير آبهين لوجودي.
من رذاذ كلماتهما، والعتب، والعرض الناري لمشاكلهما أدركت بأنها هي المخطئة. وأساس مشكلتهما تكمن بالفوارق بينهما. هو أكبر منها لكنه ثري، وهي شابة مفلسة هائلة الجمال. كان يتبجح بغناه، ويعيرها بفقرها. يتضح من سلوكها أنها نزقة تهوى اللعب والجنون. هو يريدها دمية مرنة. شقراء يلهو بها متى يشاء. هي تتطلع لمص أكبر ما يمكن من المتعة والصخب بلا مقابل. لكن الذي يدفع الثمن هو بنتهما التي جاءت للعالم بغلطة غير محسوبة وصارت رابطة تلزمهما على البقاء معا، على الأقل هذا ما أدعياه أثناء الشجار.
فرشَ كل أخطائها أمامها وأمامي، فقد كنت اسمع كل شيء، ليس لاني ارغب بسماع هذا اللغط، بل لان صراخهما يخترق أحشائي، مما جعلها تنتفض ضده بسحب فضيحة لم يكن ليدرك أن أي كائن يعرف بحدوثها. كانت تخبئ ذاك السر لمثل هذه الساعة. صدمته بأنها تعرف بالشائنة التي ارتكبها مع صديقه وعلى فراشهما الزوجي. كانت لهذه الحقيقة وقع الصاعقة عليه. هاج وصار يصفعها بكلتا يديه صارخا: "هراء، هراء، هراء".
أوقفتُ السيارة فورا على جانب الطريق الخارجي الذي تحفه حقول شاسعة من الثلج يلفها ظلام مخيف ورجوته الكف عن ضربها. طلبت المرأة مني متوسلة الاتصال بالشرطة. فعلت ذلك. ثم فتحتُ الباب كي يتسنى لها الهروب لكنه كان يسحبها نحوه بقوة كلما أرادت الفرار. وضعت إبهامها في عينه وهي تصرخ ألما من ضرباته. سعيت لإيقافه وأنا جالس في المقعد الأمامي، حينها فلت الهاتف من يدي. كان يصد يديّ بيده اليمنى بينما يسور أصابع يده اليسرى حول رقبتها وهي تواصل دفع إبهامها في عينه.
ثم سحبت مصباحي اليدوي وهويت به على رأسه. ورحت أجره بكل ما أوتيت من قوة محاولا تخليصها منه لكن لا جدوى فهو أضخم مني وأقوى. صرت اصرخ بهستيريا باللغة الانكليزية مرة وبالعربية مرات: " توقف يا ابن الزانية".
بدت عينا المرأة ككرتين زجاجتين وهما في طريقهما للانفلات من حدقتيهما. كان الرجل يعصر بيده اليسرى على رقبتها واليمنى تصد محاولاتي تخليصها منه. ضاعت التعابير من وجهه وتحول إلى إنسان آلي متوحش. خارت قوى المرأة وسقطت على المقعد الخلفي فتركها.
رمقني بنظرات ملؤها الوحشية والسخط مزمجرا: "جاء دورك أيها الحشرة". ثم ضربني بقبضته على رأسي. وبلا إرادية منى أدرت محرك السيارة للهروب. لكن أين المفر فهو في المقعد الخلفي يجاهد لشرب دمي. هربت منه مذعورا. رحت أعدو بسرعة عداء محترف. أركض في طريق مظلم يمتد أمامي لآلاف الأمتار. لم أفكر حتى بالنظر خلفي فهو آت لقتلي لا محال. سمعت سيارة قادمة. إنه يقود سيارتي حتما. فما كان منى إلا الانحراف في هروبي إلى الجانب الأيمن سابحا في بحر من الثلوج. لم أشعر بقسوة الثلج الذي اخترق ملابسي وغطى معظم جسدي. مرق بالسيارة متجها صوب مدينته فتوقفت عن الركض. صرت في مأمن لكني غارق في صحراء ثلجية مقفرة في ليل قاحل بلا قمر، بلا نجوم، بلا معين.
بعدها مرت سيارة الشرطة بأقصى سرعة. لم تصل إليها صرخاتي المخنوقة. فمازلت بعيدا عن الشارع، متجمدا وعاجزا عن تحريك قدمي. تمكنت من الرجوع إلى الطريق العام. نزعت حذائي وجواربي لتفريغ الثلج. شعرت بملايين الدبابيس النارية تخترق قدمي. بقيت جالسا في مكاني مشلولا تماما ومتيقناً بأنها ساعاتي الأخيرة. حتى لو لم أمت متجمدا سأكون عشاء للذئاب.
بعد ساعات محقونة بالوجع والكوابيس سمعت صوت الكلاب وهي تقود رجال الشرطة نحوي. حاولت الصراخ لتأكيد أني سائق التاكسي وليس المجرم لكن كلماتي خرجت خرساء وبلغة غريبة حتى عليّ. ظلت الكلاب تنبح نحوي وتعاملني كمجرم فهي لا تعرف التمييز، لكن رجال الشرطة ميزوني من سحنتي لتكون هي المرة الأولى التي أستفيد فيها من ملامحي الشرقية حيث أيقنوا للحال أنني سائق التاكسي. سألوني عن مكان القاتل وجاوبتهم بالإشارة: "لا أعرف".
تلك الواقعة ختمت مهنتي ليس فقط لما أحدثته في نفسي من صعقة ولدت عقدة الخوف من قيادة السيارة بل لأن الغنغرينا أكلت قدمي اليمنى وأصبعين من قدمي اليسرى.
كل ما حصلت عليه مقابل ذلك الرعب، الموت الوشيك، ضياع قدمي اليمنى وإصبعين هو قدم بلاستيكية اربطها بأحزمة على ساقي، ومعونة شهرية شحيحة للمرضى والمعوقين. أقايض حاجتي للطعام برغبتي للشراب. هكذا صرت أركل أيامي كيفما اتفق لبلوغ موعد استلام الراتب الشهري.
أكثر ما أوجعني من ذاك العوق هو عدم قدرتي على المشي لمسافات طويلة مما جعلني أتخلى مجبرا عن تلك المتعة التي اعشقها لتضاف إلى قائمة أحلامي المنفلتة، العصية والفارة من قبضتي.
فرار...
فر القاتل ولم يعثروا عليه قط. مخلفا في داخلي رعبا كنت أظنه فارقني للأبد. لكنه تجدد وصار أقوى من السابق. عثروا على سيارتي محروقة قرب إحدى المزارع وفيها جثة المرأة متفحمة، ولم توجد للرجل آثار ما.
بثت الشرطة صورة مقترحة لوجهه بعين واحدة. من المؤكد أنه سيضع نظارات شمسية لإخفاء عينه المفقوءة. بين الفينة والأخرى صرت أسمع أن أحد الناس رآه في مكان ما حتى أصبح مثل كائن خرافي يتسقط الإعلام أخبار ظهوره.
لا أظن أن أحدا عداي كان يهمه حقا القبض على ذاك الوحش. لأنه بدا مصمما وقويا عندما قال عبارته الأخيرة: "جاء دورك أيها الحشرة". كنت متيقناً من أن دوري سيأتي عاجلا أم آجلا.
صار الخوف كظلٍ يرافقني حتى وأنا داخل شقتي المقفلة والأمينة. وفي الشارع أتفحص وجوه الرجال مليا للتأكد من وجود كلا العينين فيها. أما إن كان الرجل يضع نظارات شمسية داكنة فأتوجس منه مستحضرا صورة القاتل لمقارنتها. قد يتمكن من تغيير شكله لكنه لا يقدر على تمويه انطفاء عينه. فلن أنس منظر عينه التي نزفت بغزارة.
أحيانا أغير مسار طريقي لو صادفت رجلا يضع نظارات لا داعي لها، في الليل مثلا أو داخل المجمعات التجارية. حتما هو يخفي عينا مفقوءة.
راح الرعب ينمو كمارد في رأسي منتجا احتمالات غير منطقية ولا حصر لها: قد يغير هيئته تماما بإجراء عملية تجميل.. ربما لم يفقد عينه تماما.. قد يكون عالجها ووضع عدسات لاصقة وصبغ شعره.. ربما يتنكر بزي امرأة.. الخ. هذه التوقعات تضاعف هلعي، وتجعلني أشك في الجميع.
حرصت على إغلاق الشبابيك ليل نهار حتى في أيام الصيف المعدودات. وكلما حلقت لحيتي فزعت من احتمالية انقضاض هذا الرجل الأعور عليَّ. فأحدقُ بالمرآة، ليس في وجهي لمتابعة حركة يدي وهي تحش لحيتي، بل فيما حولي ترقبا لقادم مجهول، ولا انتبه إلا بعد جرح خدي. حتى صرت بعدها أتهرب من الحلاقة. أهملت حتى الاستحمام، فعندما يغمرني الماء والصابون أتخيل أن هناك من يفتح الباب. لا أطمئن للاستحمام أو الحلاقة إلا بعد احتساء ما يكفي من الخمر لشحن شجاعة موهومة في جسدي الخاوي، أو بعد تحصين باب الشقة بالأريكة الثقيلة، ساحبا إياها ببطء شديد لثقلها، وتجنبا لإحداث جلبة تزعج الجيران.
رمقت وجهي الذي يغطي نصفه الصابون كأني أراه لأول مرة. نظرة مشحونة بدهشة من يكتشف شيئا لم يفطن له لعشرات السنين. أنها ملامح يعرفها الآخرون ولها أثر ما في مخيلتهم، حتما هي ترجمة لسلوكيات وأعمال قمت بها مجبرا وخاضعا.
قضيت آلاف الأيام في هذه الحياة ولم أحظ بيوم ليس فيه وجع التناقضات، يوم يرضيني، يوم أحياه كما أريد. طالما مارست أعمالا وقمت بسلوكيات لا تعكس جوهر ذاتي. حتى في طفولتي كنت خاضعا كليا للكبار وقوانينهم. ممنوع الصراخ، ممنوع التعري، ممنوع البول في الفراش، ممنوع اللعب مع فلان، ممنوع التسلق، الركض، السب، القفز، الخروج في الليل، التدخين، تعاطي الخمر، مغازلة البنات، إهمال الواجبات المدرسية، الهروب من الخدمة العسكرية الخ.
فروض وقوانين ونظم وفرمانات وواجبات كلها تكبح حريتي وتحيلني إلى آلة لتطبيق ما يشتهي الآخر وليس ما أرغبه حتى صرت غريبا عن نفسي، وغدا وجهي يعكس تلك السلوكيات والنظم والأسماء الجديدة التي لا تمثل كينونتي. متى أعيش مثلما ارغب ولو ليوم واحد؟
أعلنت ساعة الصفر لثورتي على كل ذاك الزيف. قررت الخلاص من تراكمات مساحيق التجميل ومراعاة المجتمع وما يشبهها من تحفظات. مسحت الصابون من على وجهي وعزفت عن الحلاقة، وفكرت بأن أرتدي ما يعجبني من ملابس، دشداشة مثلا أو أي زي آخر له علاقة بالحضارة العراقية. وأتحدث اللغة العربية. وأبوح بحقيقة اسمي، محمد. وأحتسي الخمر على مدار الساعة حتى لو هرش الكحول أحشائي. وأدخن سجائر بشراهة متى وأينما اشتهيت حتى لو تحولت رئتي إلى ماسورة مرحاض.
راودني شعور بالانتصار. أحسست أني أقترب من ذاتي. حلقت في هالة لذيذة من الانتشاء. لكني فزعت لرنة الهاتف. لم استطع حينها الرد والقول بأني محمد. حزنت لضعفي وعدم جرأتي على تطبيق قرارات ثورتي. تركت الهاتف يرن حتى ظهر صوتي المسجل على جهاز التسجيل المرتبط بالهاتف.
يتبع...



#ميثم_سلمان (هاشتاغ)       Maitham_Salman#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قشور بحجم الوطن ( رواية 4-5-6)
- قشور بحجم الوطن (رواية 3)
- قشور بحجم الوطن (رواية 2)
- قشور بحجم الوطن (رواية1)
- غرائبية معقولة
- نصوص
- نص
- قنينة صور
- القراصنة مازالوا هناك
- قصص قصيرة جدا
- تقديس الأشخاص عند المسلمين
- قصة قصيرة
- قصص قصيرة جداً
- ارق ازلي
- انحياز الفضائية العراقية
- حلول تنتج مشاكل
- نحو حوارً متمدن
- الاربعاء الاسود
- فيصل القاسم وحكايات جدته العجوز
- امطار العراق


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ميثم سلمان - قشور بحجم الوطن (رواية 7)