أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - صابون














المزيد.....

صابون


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7073 - 2021 / 11 / 10 - 11:52
المحور: سيرة ذاتية
    


كنتُ قد أنهيتُ للتوّ حمّاماً مرتجلاً في المطبخ، حينما نقرتْ «ك» على الباب.
صاحبة البيت «أم أنطون» كانت تزور أقرباء لها في مصياف، و«مُفيد» المستأجر الأردني الآخر كان يقضي عطلة الصيف في عمّان. الظروف لم تكن مواتية فحسب، بل كانت مثالية.
هرموناتنا الضارية لم تدع مجالاً لتبادل الأحاديث، بل رحنا في عناق مجون. تشممتني ك ككلبة ودمدمت شيئاً ثم سألتني عن نوع العطر الذي أستعملته. «صابون Camay». قلتُ لها.
نعم، بعد إنتقالي إلى دمشق، تخليّت عن صابون الغار، واستبدلته بكاماي، الذي كان أحد السلع المُهرّبة من لبنان، مثل السكائر الأمريكية والحشيشة البعلبكية، بائعوه كانوا يجلسون على أرصفة الدوائر الحكومية وساحات المدينة.

لم أعرف، في الحقيقة، صابوناً آخر غير الغار، في كل سنوات طفولتي وشبابي. كان يقوم مقام الشامبو، ومنظف الجلد بحكّه على الليفة القاسية التي كانت تترك خدوشاً صغيرة في أنحاء جسدي. القالب الجديد البنيّ المُصفرّ منه كانت له أطراف قاسية جارحة، ومع الإستعمال يلين ويفشي عن لونه الأخضر. أحياناً كنّاً نستعمله في غسيل الثياب إن لم يتوفّر مسحوق التايد.
لم تعجبني رائحته حينذاك، ومازلت، رغم معرفتي بفوائده الكثيرة، أهمّها كونه منتج بيئي بالكامل.

اسم شهرته العالمي هو «صابون حلب». يُصنع من العصرة الثانية للزيتون (المطراف)، بخلطه مع زيت الغار ورماد الصوديوم في قدر وغليه بدرجة تصل إلى مائتين، إلى أن يتفكّك إلى غليسيرين وملح صودي (عملية التصبين). ثمّ يتركونه ليبرد ويُقسّم إلى قوالب تُختم بحفر إسم الصانع.
وأثناء المقتلة السورية فرّ بعض صُنّاع الصابون إلى عفرين (قبل أن تغتصبها ميليشيات الولاء التركي)، وتركيا، وبدأوا إنتاجه في مدينة مرسين، ومن هناك يُصدّر إلى العالم الآن.

طريقة صنعه تعود إلى ألفي سنة قبل الميلاد. ومن الحلبيين تعلّم النابلسيون وآخرون، حتى وصل الكار إلى مرسيليا. لكن بقي الأصل (الحلبي)، هو المُفضّل في كل أنحاء العالم. الإتحاد الأوروبي منع إستعمال زيت الغار كمكوّن بسبب إحتمال تسبّبه بالحساسية.
رأيته يُباع في اليابان كسلعة فاخرة. «صابون حلب الأصلي». هكذا كتبوا على الدعايات المُرفقة.
طبيب أسنان من روّاد اللاتيرنا أخبرنا أنّه لا يستعمل أي منتج آخر للتنطيف، لا بل يستعمله أيضاً في تنظيف أسنانه عوضاً عن الكولغيت.

قبل كل هذا، شكّل اختراع الصابون قفزة مدنية هائلة، بسبب فعاليته المُضادة للبكتيريا والفيروسات، وأيضاً فعاليته كمضاد حيوي خفّف من وقع أوبئة مثل الكوليرا والتيفوئيد والديزنتاريا. وفي هذه الأيام يُعدّ ضرورة حياتية لغسل اليدين، إلى جانب المعقّمات الكحولية، درءاً للإصابة بفيروس كورونا.
أثبتت الحفريات وجوده عند البابليين والسومريين والفراعنة.
القفزة النوعية في تصنيع أنواع الصابون واستنباط طرق كيميائية أشدّ تعقيداً لم تتمّ إلّا في القرن الثامن عشر على يد الفرنسي نيكولا لوبلانك، تبعه عدة كيميائيين لتُصبح بعدها صناعة انتشرت في كل أرجاء المعمورة، حتّى قيام ويليم پروكتير الإنكليزي وجيمس غامبل الإرلندي، اللذين أسّسا شركة پروكتر وغامبل (عام ١٨٣٧) في أوهايو الأمريكية المُنتجة لأكثر من ثلاثين نوعاً من الصابون.
وفي سنة ١٩٢٤ طرحت الشركة صابون كاماي لتلبية إحتياجات الموضة. «أنتِ تُشاركين في مسابقة جمال كل يوم من حياتكِ». هكذا كتبَ نيل ماكلوري، مدير قسم الإعلان في الشركة، شعار كاماي الإعلاني عام ١٩٣١.
بعد سبعة وأربعين سنة وصل كاماي إلى يدي. مُغلّف أحمر كبير بحجم نصف طوبة بناء، وفي داخله قالب ناعم الأطراف ورديّ اللون ورائحته عطرية ناعمة مُثيرة. أثارت، على الأقل، زميلتي ك من كلية الفنون.
بحثتُ عنه في الدانمارك دون جدوى. وجدته في القاهرة (تستورده مصر منذ عام ١٩٨٤)، وفي ألمانيا، لكن ليس بذاك المقاس وبهاء التغليف الذي أعرفه. هناك الآن عدد لا يُحصي من ماركات الصوابين أو الصابونات أو أية لعنة لغوية اخرى، وسوائل صابونية وشامبوات وبلاسم شعر ولست أدري ماذا، إلّا أن كاماي يبقى الأهم عندي في التصوبن، لعلّي وعساي أستعادة لحظات ك أو أحرف أبجدية اخرى.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخنزير
- سپاگيتي
- ليس «هاپي اندينغ»
- ثقافة التواليت اليابانية
- ماكس، الكلب
- نهر التمساح
- صفصاف مازدا
- جلد عميرة
- النبيذ
- الشاي
- الترفل والكمأة
- إشكالية أسمهان
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز


المزيد.....




- مسؤول: إسرائيل لم تتلق ردا من حماس بعد على اقتراح مصر لوقف إ ...
- أوستن: لا مؤشرات على أن حماس تخطط لمهاجمة قوات أمريكية في غ ...
- الشرطة تفض اعتصاما مؤيدا للفلسطينيين بجامعة في باريس.. والحك ...
- احتفالية في روسيا الاتحادية بالذكرى التسعين لتأسيس الحزب
- دراسة ألمانية: الأثرياء يعيشون حياة أطول !
- إسرائيل ودول الوساطة بانتظار رد حماس على مقترح الهدنة المصري ...
- منح جائزة DW لحرية الرأي والتعبير لأرملة المعارض الروسي نافا ...
- بايدن يعين مستشارا جديدا لمعالجة مستويات الهجرة
- دعما لغزة.. اتساع رقعة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات العال ...
- السويد.. وضع أطلس شامل للتطور الوراثي المبكر للدماغ


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - صابون