أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - الخنزير















المزيد.....

الخنزير


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7072 - 2021 / 11 / 9 - 13:39
المحور: سيرة ذاتية
    


والدتي التي كانت تُصلّي مائة مرّة في اليوم وتقرأ في مصحفها بين صلاة واخرى، أكلت لحم الخنزير في حادث أتحمّل مسؤوليته بالكامل.
والقصّة تُختصر في أنني اشتريت مطلع الثمانينات، علبة لحم صينية (Ma Ling) من المؤسّسة الإستهلاكية، التي لم يكن على رفوفها سوى هذه المُعلّبات، علاوة على علب حليب نيدو. فتحتها في البيت لتجربة المذاق، ثم وضعتها في البرّاد.
حين عدت مساءً لاحظت أن والدتي طاب لها هذا اللحم فأتت على نصف العلبة. وهنا، وبصدفة عاثرة، قرأت المحتويات، وكانت بالإنكليزية فقط: لحم خنزير. لم أخف الأمر عن الوالدة، ولم تكف تبريراتي الكثيرة. حزنتْ جداً وحزنتُ أكثر، ولازلت ألوم نفسي.
أعتقد أن الكثيرين تناولوا لحم الخنزير تلك الأيام، فمن سوف يقرأ قائمة المحتويات بالإنكليزية؟ ثمّ من منّا لم يتلذّذ بالمرتديللا الإيطالية؟ هل شككنا يوماً أنّها منتجات خنزيريّة؟

في طفولتي كنت أزور خالي وخالتي في القرية، وشهدت بضع مرّات، ذهاب بعض الشبان لصيد الأرانب فأتوا بخنزير برّي بلون الرماد كان يكفي وليمة لكل سكان القرية، سرعان ما وضعوه في عربة خيول وقطعوا مسافة تقل عن ثلاث كيلومترات إلى قرية مُجاورة، التي كانت سريانية بالكامل، لمُقايضته مع أجبان وفريكة وعدس وما تيسّر. لم أفهم حينذاك هذا التصرّف.
وفي فترة الدراسة في الجامعة، وبعد أن أطلت شعري ليرتخي على كتفيّ وارتديت سترة تُشبه سترة غيفارا، وتعاطيت حشيشة الكيف مرّتين، سمعتُ عن قصّاب في باب توما يبيع لحم الخنزير البريّ بين فينة وفينة. وفي إحدى الفينات نجحت بشراء نصف كيلو، مدفوعاً بالفضول، ولم أشعر بأي فارق عن لحوم الأبقار أو الخرفان من حيث المذاق.
بعد هجرتي التي مضى عليها قُرابة أربعين سنة الآن، لم يعجبني لون لحوم الخنزير في برادات السوبرماركت (خاصّة تلك القادمة من إيطاليا (پارما) والمقطّعة شرائح رقيقة جداً لونها وردي ولها طرف أبيض من الدهن، تُشبه تماماً ثياب النساء الداخلية)، وفضّلتُ الدواجن والأبقار والأسماك. ليس برادع ديني أو ثقافي أو عاداتي، أبداً، بدليل أنني كنتُ ومازلتُ أتناوله إذا دُعاني أحدهم (إحداهن على الأغلب).
أحد أصدقائي الأردنيين، وكما جرت عادة هذا الشعب البديع، كان يُحضّر لنا المنسف البدوي بكل عاداته. بعد أن أثنينا على طبخه في إحدى الأماسي، صرّح أنّه استبدل فخذة الخاروف بفخذة الخنزير. مُفاجأة، نعم! لكن، أؤيد التجديد، حتى لو كان يتعلّق بالمنسف الأردني.
بشكل عام، أبتعد تماماً عن شراء اللحوم المُصنّعة، لأنها تحتوي، ببساطة، على مواد حافظة ليست سوى سموم بطيئة المفعول، والمعروف أن الخنزير يُشكّل نسبة عالية في صناعة الأغذية المخفوظة.
هذا لا يشمل حالتين، الأولى قديد پانشيتا الإيطالي، والثاني الشرائح الحمراء الداكنة المُعتّقة في أقبية جيدة التهوية لفخذ الپانتا نيغرا (الأقدام السوداء) الإسباني. والأخير سلالة من الخنازير تعيش في الغابات، ولكل منها مقدار هكتار كامل، ليسهل عليها إيجاد طعامها المُفضّل: جوز البلوط. لا أستطيع المرور قرب بار تاپاس في مدن إسبانيا دون أن أطلب كأساً من جعّة سان ميغيل وبضع شرائح خامون إيبيريكو (الإسم الثاني للپاتا نيغرا) باهظة الثمن.

لكن، ما قصّة التحريم، ولماذا كل هذا الحقد على واحد من مخلوقات الله؟ لذا سوف أخصّص له اليوم موضوعاً لأهميته، حسب وجهة نظري.
في فترة حكم الإخوان في مصر، صدف إنتشار انفلونزا الخنازير (غير مُعدية للإنسان)، فقامت السلطات بإعدام كل خنازير مصر، غذاء الأقباط الرخيص بسبب سهولة تدجينها وكثافة إنجابها وواحد من أهم مصادر البروتينات، ومن ثمّة دورها في تنظيف الشوارع من الزبالة.
من المُرجّح أنّ كراهية هذا الحيوان تعود إلى أيّام الفراعنة في الألفية الثالثة قبل الميلاد. حينها كان الإله «سيت» يحمل شعار الخنزير، وحين شهدت المناطق الخصبة في الدلتا في الشمال هجرة كبيرة صار للناس هناك إله أسمه «حوروس». ويبدو أن خصوبة التربة والعيش الرغيد لعبا دوراً بارزاً في الإقلال من شأن إله عن آخر، ليكتسب حوروس منزلة أولى، وينخفض شأن سيت إلى درجة أدنى، فصار يُحمّل المسؤولية عن تحييد مسار الشمس في الشتاء وسرقة أشعّتها، لتولد كلمة ساتان، ثمّ شاتان إلى أن صارت شيطان. وهنا ارتبط الخنزير بالشر.
علاقة حضارات ما بين النهرين بالخنزير لم تكن على ما يُرام أيضاً، وكتطور تاريخي قامت الديانة الموسوية بتحريمه. ثم لم تُمانع المسيحية من تناوله، إلى أن جاء الإسلام فحرّمه أيضاً.
الذي يثير استغرابي هو أن الله منعه عن اليهود، لكنّه سمح به للمسيحيين، ليعود ويغيّر رأيه عند المسلمين. ماذا جرى؟

الحجّة في منعه تعود إلى أسلوب حياة هذا الحيوان، فهو شرس الأخلاق والتصرّف حتى بات شتيمة بكل لغات العالم، وكذلك حمله لبعض الديدان. طيب، الحيوانات بشكل عام قذرة، قد يكون أحدها أقذر من الآخر، كما الناس، والأبقار مثلاً، تتميّز بحملها للديدان أيضاً. طعام الدجاج الطليق في شوارع طفولتي كان التسابق على تناول براز الأطفال. الديك كان ينهر حريمه ليكون الأول، وكان أوّل من يُذبح لتدليل ضيوفنا الكرام بمذاق لحمه الطيّب. الأسماك أيضاً قد تحتوي على ديدان وطفيليات، لذا يُوصى بالبدء بتجميدها.
قد يقول البعض أن الخنزير أقذر من الآخرين، وأن عمل جهازه الهضمي يُماثل أجهزتنا الهضمية، وهذا يشمل قلبه أيضاً (تمّت بنجاح مُوقّت عدة عمليات زرع قلب خنزير في صدر البني آدميين، وتتّجه الأنظار هذه الأيم إلى كليتيه)، وما إلى ذلك.
لكن، الرقابة البيطرية في دول العالم، الأوّل على الأخصّ، شديدة وفعّالة، بالقضاء على أمراض وطفيليات وديدان حيوانات الحظائر. تشبيه بيوت قذرة بحظيرة خنزير صار موضة قديمة. حظائر الخنازير نظيفة مُعقّمة هذه الأيام. في بلدان الغرب صار بعض الناس يقتنون الخنازير بدل الكلاب. هي في كل الأحوال أذكى من الكلاب، أما مسألة الوفاء فأضع لها عدّة إشارات تعجّب.
بلغ عدد الخنازير في ٢٠٢٠ نحو ٦٧٨ مليون رأس، منها ١٥ مليون في الدانمارك. للمعلومة فقط.

كلامي هذا لا يُبرّر تناول الخنزير ولا يُشجع على تغيير عاداتنا. لستُ في موضع تغيير آراء الآخرين مُطلقاً، إلّا أنني سوف أذكر موقف الجاليات الشرقية في الغرب نحو حيواننا اليوم.
لاحظتُ أن معظم المهاجرين يمتنعون عن تناول لحوم الخنزير ومشتقاتها، ويفخرون بذلك وهم يحملون كأس ويسكي أو بيرة. بالنسبة لي، لا فرق في الإسلام بين منع الخمر ولحم الخنزير. لا بأس أن يقوم رجالهم بممارسة الزنى مع فتيات الغرب، ولا بأس من الكذب لعدم حضور دروس اللغة، ولا بأس من الغشّ لكسب مزيد من نقود المعونة (في الدانمارك يُشكّل الخنزير سلعة التصدير الأولى، وهذا يعني أن بعض هذه النقود جاءت من الخنازير أليس كذلك؟).
موقف المُهاجرين تسبّب في العديد من المشاكل. فها هم يطلبون من موظفي حضانات الأطفال عدم تقديم مشتقات لحوم الخنزير لأطفالهم، لا بل أن بعضهم أصرّ على أن تكون اللحوم الاخرى مزبوحة حلال. أيضاً منعوا أطفالهم من حضور أعياد عيد ميلاد زملائهم، خشية أن تُقدّم لهم هذه اللحوم المُحرّمة، فعزلوهم إجتماعياً. من أين جاءت كل هذه الحساسية الخنزيرية؟
الجاليات اليهودية التي حلّت في أوروبا الغربية منذ أكثر من ثلاثمائة عام، لم تُطالب أبداً بتغيير عادات البلاد التي احتضنتهم، رغم أنهم مُتشدّدون، كما المسلمين، في مسألة الإبتعاد عن تناول هذه اللحوم.
زميل إبني الباكستاني جاء يوماً لتناول العشاء عندنا. «هل هناك لحم خنزير؟»، سأل بعينين كبيرتين. «لا»، قلنا له. «هل اللحم مذبوح حلال؟» سأل بعينين كبيرتين أيضاً. «تعرف؟ أعتقد الأفضل أن تذهب لتناول العشاء عند والدتك». قلت له بهدوء، وانتهت على إثرها صداقته مع إبني.

لحوم الخنازير والماشية غير صحيّة تماماً، وكثرتها تُسبّب الأمراض، بالرغم من محتواها العالي من البروتينات الهامّة، لكن تناول الدواجن والأسماك يٌغني عنها.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سپاگيتي
- ليس «هاپي اندينغ»
- ثقافة التواليت اليابانية
- ماكس، الكلب
- نهر التمساح
- صفصاف مازدا
- جلد عميرة
- النبيذ
- الشاي
- الترفل والكمأة
- إشكالية أسمهان
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز
- غلبت أصالح في روحي


المزيد.....




- رئيس الوزراء الأسترالي يصف إيلون ماسك بـ -الملياردير المتغطر ...
- إسبانيا تستأنف التحقيق في التجسس على ساستها ببرنامج إسرائيلي ...
- مصر ترد على تقرير أمريكي عن مناقشتها مع إسرائيل خططا عن اجتي ...
- بعد 200 يوم من الحرب على غزة.. كيف كسرت حماس هيبة الجيش الإس ...
- مقتل 4 أشخاص في هجوم أوكراني على مقاطعة زابوروجيه الروسية
- السفارة الروسية لدى لندن: المساعدات العسكرية البريطانية الجد ...
- الرئيس التونسي يستضيف نظيره الجزائري ورئيس المجلس الرئاسي ال ...
- إطلاق صافرات الإنذار في 5 مقاطعات أوكرانية
- ليبرمان منتقدا المسؤولين الإسرائيليين: إنه ليس عيد الحرية إن ...
- أمير قطر يصل إلى نيبال


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - الخنزير