أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - سپاگيتي















المزيد.....

سپاگيتي


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7071 - 2021 / 11 / 8 - 13:03
المحور: سيرة ذاتية
    


السپاگيتي أكتبها بدلاً من السباكيتي، كي أقترب، قدر الإمكان، من اللفظ الصحيح.
أقنعني صديقي منذر بالذهاب إلى زيوريخ في سويسرا، في العطلة الصيفية لعام ١٩٧٤. «الذين يحملون بطاقة طلبة عالمية يجدون بسهولة عملاً. عندي معلومات كثيرة من أصدقاء كانوا هناك في الصيف الماضي». قال منذر، فاستدنت من وديعة (مالكة غرفتي في القصّاع) مبلغ خمسمائة ليرة، كانت كافية للبطاقة الطلّابيّة الرخيصة، على خطوط أليتاليا.
توقفنا في مطار روما لمدة ساعتين، وكان من الطبيعي أن نتناول وجبة إيطالية، فوقع اختيارنا على السپاگيتي. في الواقع لم يكن في جيوبنا، منذر وأنا، إلّا القليل من الفرنكات السويسرية.
في مطار زيوريخ أدخلوا منذر دون تفتيش، ووقف على مسافة وعلى وجهه علامة سخرية ماكرة، بينما انهمك رجلا الجمارك بتفتيش حقيبتي كالعقبان. من المُؤكّد لأنني شرق أوسطي السحنة، وليس أحمر الشعر والوجه مثل منذر.

كان منذر قد تزوّد مسبقاً بعنوان فندق شباب (يوث هوستيل)، توجهنا إليه، وهناك دسّوا في أيدينا ورقة تعليمات صارمة، منها: يُمنع ممارسة الإتصال الجنسي منعاً باتاً داخل البناء. الفندق كان عبارة عن مهاجع بأسّرة مزدوجة مُشتركة للفتيات والفتيان معاً.
صباح اليوم الثاني، وجدنا مكتب العمل، ووقفنا في صف طويل سمعنا منه لغات عديدة، وتعرّفنا على مجموعة من المكسيكيين. سجّلنا إسمينا وزوّدونا ببطاقات عالمية للطلبة، وطلبوا منّا أن نعود بعد يومين.
في محطة القطارات الرئيسية (بانهوف) اشتريت كّراساً للرسم وبضع أقلام، لأنني تحمّست لرسم مشاهد من هذه المدينة النظيفة المتّسقة، ومتوقعاً أن أرسم پورتريات لبعض الناس، ثم تناولنا السپاگيتي في مطعم إيطالي. «ميت زاوس؟»، سألت المرأة المليئة التي لها عينا كلب لطيف، فقلنا لها «يا، دانكه».
سنأكل السپاگيتي كل يوم في نفس المطعم طيلة إقامتنا في زيوريخ، لأنه كان أرخص وجبة في المدينة.
في الأيام الأولى كنّا نأكله مع المرق (زاوس) وسلطة خضار، وحينما شحّت النقود ألغينا السلطة، وكنت أقول «ناين، دانكه» للمرق، لكنها، تلك المرأة المليئة، المليئة بكل ما في العالم من حنان، كانت تنظر حواليها وكأنّها تقوم بجنحة، ثم تصبّ المرق عليه تعاطفاً وشفقةً، حين ترانا نعّد الفرنكات القليلة.
نذهب بعدها، بجولة منهكة، عابرين «بانهوفپلاتز» باتجاه بحيرة زيوريخ على الجانب الظليل المُشجر بكثافة من جادة الجنرال غويسان. أو إلى الجبال المحيطة بالمدينة، للإحساس بالنشوة، ورؤية الغابات المثقلة بالأشجار والنباتات، التي كانت السحب المُحمّلة بالرطوبة، على الدوام، تغلف قممها، وكان بمقدورنا لمسها وهي تتمسّح كجرو على جلودنا.
كنت أحمل معي كُرّاسي وأقلام الرصاص، وحينما قاربت نقودنا على النفاذ، عرضتُ على بعض المارة رسم بورتريهاتهم.
قلة منهم وافقوا، ولأني لم أستطع أن أطلب منهم مقابلاً مالياً، خجلاً على الأغلب، كانوا يأخذون رسوماتهم ويتشكرونني عشر مرات.
من هؤلاء، فتاة شابة عرفت، بحدسها السويسري الدقيق، أننا كنّا في ورطة، فقالت أن لا مال لديها، لكنها ستكون سعيدة بتقديم وجبة عشاء في شقتها القريبة.
حالاً، صار منذر يخطط لليلة حمراء في أحضان الفتاة، بينما طلبتُ منه أن يتصرف بتحضّر.
في شقتها البسيطة التي كانت تشبه شقّة أيّة طالبة أو طالب في العالم، أحضرت لنا، من المطبخ، طبقاً كبيراً من السپاگيتي، تبادلنا النظرات، منذر وأنا، ابتسمنا، ثم انكببنا على تناول العشاء.
لم يجدوا لنا عملاً في مكتب العمل بعد يومين، ولا بعد أسبوع.
في تلك الأمسية، وقبل أن يُطفأ ضوء المهجع في تمام العاشرة مساءً، وبعد أن صارت السپاگيتي كلمة تشعرنا بالمغص والإنقباض، تحدّثت مع شابتين نرويجيتين، كانتا في رحلة «إنتر-ريل» حول أوروبا، بعد أن تجاوزتا المرحلة الثانوية.
وعلى مائدة الإفطار، صباح اليوم التالي، جلستا معنا. منذر اختار حالاً ذات الشعر الداكن، وصرنا نخرج معاً.
لم تكن بشرة النرويجية الثانية الحليبية المزرقّة، ولا شعرها الأصهب ولا صلابة نهديها الفتيين، كافية للإيقاع بي. اشتهيتها بكل جنوني البهيمي، أعترف، لكنني تمنّعت كناسك ولجمت رغباتي، فأنا عندي دمشقية منحتها حبي حتى آخر مليغرام. بينما كان منذر يتودّد إلى صديقتها، وكنت أقوم بدور المترجم، فمنذر بانكليزيته التي يحملها من المدرسة لم تسعفه إلا في بضع كلمات. كان يغازلها ويدخل لسانه في فمها ويغمض عينيه، وأحياناً يتلو لها قصائد حب كنت أجد صعوبة بالغة في ترجمتها، فإنكليزيتي ليست شكسبيرية تماماً. لكنني استطعت ترجمة «أصابع الببّو يا خيار» بسهولة، وهو يمسك بيديها، فسحبتهما وأنفجرت غضباً متمتمة كلمات نرويجية، بينما دمُعت عينا صديقتها من كثرة الضحك. تطلّلع منذر وكأنه يسأل «ماذا قلتَ لها؟». منذر! الخيار في هذه البلاد طوله نصف متر. وضّحت له.
أكملت الفتاتان النرويجيتان رحلتهما إلى باريس، وودعناهما في المحطة، التي صرنا نعرف كل تفاصيلها وحوانيتها، وكان منذر على وشك البكاء وهو يلّوح بيده ويحاول اللحاق بالقطار، كما في الأفلام الدرامية.
بما تبقي معي من الفرنكات السويسرية، هاتفت أخي في كوبنهاغن، وسمعت صوت شهقة. ماذا أفعل في زيوريخ؟ هل فقدت عقلك؟ لماذا لم يعرف شيئاً عن خططي؟
ذهبت إلى القنصلية الدانماركية، وأعطوني فيزا مباشرة، خاصّة عندما لاحظوا، على جواز سفري، أنني كنت هناك عدّة مرات خلال السنوات القليلة الماضية. هكذا كانت الأمور حينذاك، جواز السفر السوري لم يكن مُرعباً كما هو الآن.
في اليوم الثاني، كانت بطاقة الطائرة، المُرسلة من أخي، على الخطوط السويسرية بإنتظاري في مكتب المبيعات القريب من المحطة الرئيسية. وبعدها بأربع ساعات كنت أحطّ في مطار كوبنهاغن، مُخلّفاً منذر وحيداً في زيوريخ، حيث كان ينتظر حوالة مالية آتية من أحد المعارف من ألمانيا، ليلحق بي في الدانمارك.

في مطار كوبنهاغن، كان أخي وصديقته ينتظرانني. وفي الطريق إلى شقتهما، سألني إن كنتُ جائعاً. «بالتأكيد!». أجبته. أنا جائع منذ أيام.
«جيّد»، قال أخي مزهوّاً.
وحال وصولنا، وقبل أن أفتح حقيبة سفري، كانت صديقته تُخرج صفيحة من الفرن، مليئة بالسپاگيتي.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس «هاپي اندينغ»
- ثقافة التواليت اليابانية
- ماكس، الكلب
- نهر التمساح
- صفصاف مازدا
- جلد عميرة
- النبيذ
- الشاي
- الترفل والكمأة
- إشكالية أسمهان
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز
- غلبت أصالح في روحي
- حسيبك للزمن


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - منير المجيد - سپاگيتي