أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - الشاي















المزيد.....

الشاي


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7063 - 2021 / 10 / 31 - 03:41
المحور: الادب والفن
    


تناوله الأوائل نيئاً، ثم مثل السبانخ في شوربة الحبوب، بعدئذ اكتشف الناس أن منقوعه سحر. لكنه مرّ في سلسلة مُعقّدة من التطورات ليخضع لطرق التحضير التقليدية التي نعرفها في عصرنا.
الصينيون اخترعوا مشروباً سُميّ «مو تشا». وماتشا هي الكلمة المُتداولة أبعد من ذلك جغرافياً، نحو شروق الشمس، أرض اليابان.
إلّا أن الإسم الأشهر «تشاي» يعود إلى التايلانديين. قبائل التاي تناولته كمشروب ديني قبل خمسة آلاف سنة. وكلمة تاي أو تساي تعني السيّد أو الحاكم أو الملك بلغة تايلاند القديمة، حتّى أن المزارعين في مقاطعة يونان الصينية أطلقوا عليها نبتة شعب التساي. وهكذا تطوّر لفظ الكلمة إلى التشاي والشاي والچاي (بالفارسية).
تقول الأسطورة، نعم الأساطير أحاطت دوماً بمعظم ما نتناوله ونتعاطاه، أنّ بضع أوراق أطارتها الريح من نبتة كاميليا سينينسيس سقطت في إحدى أوعية الماء المغلي لجيش الإمبراطور الصيني شين نونغ الذي كان يرتاح في ظل بعض الأشجار عام ٢٧٣٧ قبل الميلاد. عندها تذوّق الإنسان أول مشروب يُشبه الشاي.
هناك رواية اخرى تقول أنّ الشاي كان دواءً لدى سلالة شانغ الحاكمة (١٠٤٦ إلى ١٥٠٠ ق.م).
ولحكاية مؤسس البوذية بودي دارما (بوذية تشان) جانب مُرعب. يُقال أنّه نام لمدة تسع سنوات، وحينما استيقظ أراد أن يستأصل جفنيه، وأن هذين الجفنين نمت لهما جذور وظهرت على شكل شُجيرات شاي على وجه الأرض.

بغضّ النظر عن هذه الأساطير والقصص المُتضاربة، فإنّ الإعتقاد السائد هو أنّه بُدء باستعماله كدواء يُمضغُ لما لأوراقه الطازجة من تأثير منعش وحيوي، قبل أن يُحضّر بإضافة الماء، في فترة ما، بين القرن الثلاثين والحادي والعشرين ق.م.
وبحلول عام ٧٢٢ ق.م. قام الصينيون بتعزيزه بنكهات إضافية مثل قشر البرتقال والزنجبيل والذرة، وحتّى البصل الأخضر، ليصير مُرافقاً لوجبات طعام علية القوم. تلا ذلك تداوله كسلعة تجارية، وتوّسع إستعماله ليكون في متداول عامة الشعب، خاصّة في حقبة لو يو تشاجينغ بين ٦١٨ و٩٠٧ ق.م حيث زرعت أسرته شُجيرات الشاي في معظم أنحاء الإمبراطورية. حينها أيضاً أخذ الرهبان اليابانيون بذوره إلى بلادهم، لتتبع شربه طقوس دينية. هناك يدعونه «أوتشا»، وكلمة »أو» حينما تسبق أي إسم فإنها تضيف إليها القدسيّة والتبجيل.
من روسيا انتشر شرب الشاي، الذي نجحت زراعته في تركستان وبعض مقاطعات (دول لاحقاً) الجوار، بتحضيره بالسماور إلى شعوب اخرى مثل الترك والكرد.
لحسن حظي حصلتُ على نسخة من كتاب «تنشين أوكاكورا» الشهير «كتاب الشاي»، الذي كتبه بالإنكليزية عام ١٩٠٦. وهو أول كتاب يشرح، بلغة غاية في الجمال، معلومات بديعة عن تاريخه وطرق الإحتفال به وفوائده.

لم يتوقّف الناس عن تطوير النبتة وتنشيفها وتخميرها، منذ عام ١٦٣٦ وحتى ١٩١١ حين تضاعفت لذة تناول الشاي بأنواع ونكهات وإضافات مُختلفة، فظهر الشاي الأصفر، الأبيض، الداكن، أولونغ، الأسود والأحمر.
أمّ الشاي هي كاميليا سينينسيس، ومنها جاءت كل أنواع الشاي المعروفة اليوم. في شرق آسيا، كلمة شاي تعني الشاي الأخضر فقط. في اليابان يقولون للشاي الذي نعرفه نحن شاي أسود، أو شاي انكليزي.
وهذا يعود إلى أن عملية حفظه من أجل شحنه إلى هولندا (كأول دولة أوروبية أُعجبت بالمشروب)، وإنتشاره بعدئذ إلى معظم أنحاء القارة، جعلته داكن اللون. وفي انكلترا بالضبط صار له طقوس ارستقراطية وأواني خاصّة و «تي تايم».
وقبل أن يستنبط الإنكليز عاداتهم بمئات السنين، كان للصينيين واليابانيين مراسم وأزياء وفخّاريات مازالت سائدة ليومنا هذا.

النكهة المُميّزة للشاي تكمن في زيتها الطيّار. وخاصيته كمنبّه سببه محتوى الكافيين، أما الخاصيّة القابضة فسببها التانين (العفص هو المادة القابضة وهو أحد المُركّبات البوليفينوليّة ذات الطعم المرّ). ونسبة التانين تتناقص على نحو ملحوظ في الشاي الأسود (الخمير)، ومن هنا تأتي فائدة الشاي الأخضر وأفضليته.
تعلّمت من اليابانيين شرب الشاي الأخضر (أُضيفُ إليه الماء بدرجة ثمانين مئوية ويُترك لمدة خمسة دقائق)، ولي طقسي اليومي، بعد الظهر، بشربه. هناك يشربونه مع الطعام، أو بمعيّة حلوى الموتشي. ولأنني لا أستطيع شراء هذه الحلوى اللذيذة هنا، فإنني استعضت عنها بالجوز المخلوط بعسل من إنتاج أحد جيراني.

في سوريا نتناول الشاي مع وجبة الفطور، أو في أوقات مختلفة من النهار، أو أحياناً نقدّمه للضيوف بدلاً من القهوة، وكما في القهوة، فإننا نضيف إليه السكر لكسر حدّة التانين. وفي المقاهي الشعبية مازالت له الغلبة على القهوة.
في نادي المعلمين، كان ميخو (الذي كان يدير النادي)، يأتي إلى طاولة أستاذنا سعيد عرابي ويسأله (كلّ يوم) بصوت عالٍ: ها إستاذ سعيد، ايش أجيبلك؟ فيردّ الأستاذ سعيد: ضهري. فينفجر روّاد النادي بضحكة، بمن فيهم ميخو، ثم يعود إليه حاملاً الشاي في الكأس الهشّة النحيلة في وسطها، وعلى فوهتها طلاء ذهبي بخطّ رفيع.
في المغرب شعرت بدوار بعد أن شربت شاياً مخلوطاً بالنعناع مغلياً بالماء لنحو ربع ساعة وأُضيفت إليه كمية هائلة من السكر، فاكتسب قواماً لزجاً. ذاك ليس فنجان شايي على الإطلاق.

لم يعرف شرقنا الشاي تماماً قبل القرن التاسع عشر، حينما سمح العثمانيون باستيراده، لتقوم الشركات الإنكليزية بنقله إلى العراق عن طريق ميناء البصرة. وكانت عبارة East Tea Can (علبة شاي شرقية) مكتوبة على العلب تلك، ومن هنا جاءت التسمية العراقية «إستكان چاي».
ولا غرابة أن يكون الشاعر أحمد الصافي النجفي من أوائل من تغنّى بالشاي (فيما يلي جزء منها):
لئن كان غيري بالمدامة مولعاً، فقد ولعت نفسي بشاي معطرٍ
إذا صب في كأس الزجاج حسبته، مذاب عقيق صب في كأس جوهرِ
به أحتسي شهداً وراحاً وسكراً، وأنشق منه عبق مسك وعنبرِ
يغيب شعور المرء في أكؤس الطلا، ويصحو بكأس الشاي عقل المفكر
يُجدُّ سرور المرء من دون نشوة، فاحبب به من منعش غير مسكر
خلا من صداع أو نزيف كأنه، سلافة أهل الخلد أو ماء كوثر
فمنه اصطباحي واغتباقي ولذتي، ومنه شفائي من عناء مكدر
كأني إذا ما أسفر الصبح ميتٌ، وإن أرتشف كأساً من الشاي احشر
فلله أرض الصين إذ أنبتت لنا، ألذ نبات بالمسرة مثمر
لو أن ابن هاني فاز منه بجرعة، لراح بأقداح ابنة الكرم يزدري
ولو ذاقه الأعشى وحكّم في الطلا، وفيه لقال : الفضل للمتأخر
فللفم أحلى مشرب من مذاقه، وللعين من مرآه أجمل منظر
إذا فار ما بين السماور ماؤه، سمعت له أنغام ناي ومزهر
فأشرب مرتاحاً على نغماته، كؤوساً وما نغلي له غير سكر.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الترفل والكمأة
- إشكالية أسمهان
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز
- غلبت أصالح في روحي
- حسيبك للزمن
- رقّ الحبيب
- القليل عن السينما الإيرانية
- الحصى لمن حصى
- جدّدت حبّك ليه
- أراك عصي الدمع
- ستورمي
- في قطار ياباني عابر
- في الحب


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - الشاي