أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - الترفل والكمأة















المزيد.....

الترفل والكمأة


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7062 - 2021 / 10 / 30 - 03:00
المحور: الادب والفن
    


لفت نظري سلعة في السوبرماركت المحلي سميّت بـ «زيت الترفل»، سعرها يُعادل أربعة أضعاف زجاجة زيت زيتون بنفس السعة.
وحالما عدتُ إلى البيت ساورتني الشكوك في صحّة المُنتج، لأن هذا النوع من الزيت يُساوي ثروة حقيقة، علاوة على أنّه نادر جداً ويستحيل أن ينتهي به المطاف إلى رفوف هذا المكان المنسي المنزوي في البلاد.
اتّضح بسرعة أن الزيت لا علاقة له بالترفل، بل هو مركب كيميائي مُضاف إلى خليط من زيت الزيتون والزيت النباتي.
طيب! هذه نمرة من نمر الغش الإيطالي، سبق كشف العديد منها، مثل التلاعب بسمة المنتجات العضوية، وتعبئة نبيذ رخيص في زجاجات البارولو المُكلفة، وخلط زيت الزيتون بمواد اخرى أدّت إلى موت عدد من المستهلكين في أوروبا في التسعينات، وهكذا.
وأنا أبحث في شؤون الزيت، تذكّرت أن الترفل يُدعى بالعربية كمأة. ومعرفتي بالكمأة أو الكما كما ندعوها في سوريا، ليست كما معرفتي بالترفل.
قد تكون هناك إشكالية في مُسمّى «كمأة» حينما يتعلّق الأمر بـ Truffle. والفوارق بينهما كثيرة، أهمّها أن الكمأة لا تؤكل نيئة، بعكس الترفل، والكمأة تُجنى في الربيع، بينما الترفل في الخريف.

الترفل
الترفل الأبيض الذي يكثر في شمال إيطاليا على وجه الخصوص، هو الأغلى ثمناً (يصل إلى عشرة آلاف دولار للكيلوغرام) ورائحته أعمق ومُثيرٌ لدوار أفروديتي.
من الصعب وصف عطره، لكن يُمكن اختصاره إلى رائحة الغابة ممزوجة بثوم مُلّين بالزبدة وعنفوان أريج جلد الثور في سيارة فيراري جديدة، كل هذا مع فطر قطفته تحت شجرة بلّوط في الغابة الرطبة. حين تأكله فإنك لا تأكل الترفل فحسب، بل تأكل فصل الخريف.
يُقام مهرجان سنوي له في Acqualagna، حيث تتكاتف الأكشاك في ساحة السوق وتبيعه علاوة على المنتجات المرتبطة به. حينها تفوح رائحة لا تُصدّق تغمر البلدة كلها.
أمّا الترفل الأسود فإنّه ينمو جيداً في فرنسا، وخاصة في Périgord. الطعم لا يختلف عن اللون الأبيض ولكن عطره أقل كثافة ومسكيّةً.

دع حبيبتك تتأبّط ذراعك وأمض بها إلى مطعم إيطالي وأطلب زجاجة تيموراسو (نبيذ أبيض من شمال شرق پيمونته) وطبقي سباكيتي كاربونارا. إلى هنا يبدو الأمر بسيطاً دون طموحات كبيرة، لكنك همست في أذن النادل «مع الترفل من فضلك». بعد أن تنظر في عينيها وتقول بصحّتك، يعلوك الغرور وليس التبجّح، يأتي النادل بالطبقين ويقول «پرونتو»، ثم يمسك بيدين واثقتين ترفلاً بحجم بيضة ويقشطها رقائق رقيقة جداً على طبق الحبيبة، التي لا تستطيع إخفاء إتّساع عينيها وهي تنظر إليك.
تأكّد أن بقية الأمسية ستكون مُدوية بأناقة الغرام.

يكاد يكون من المستحيل زراعة الترفل. هناك رهط من المزارعين الأمريكان يسعون إلى زراعته منذ سنوات عديدة دون نتائج مُشجْعة. لأن نموّه يعود إلى تعقيدات لا يسع البشر من فكّ رموز جيناته، فخيوطه الفطرية تتشعب تحت الأرض أينما يحلو لها ولا يمكن توجيهها إلّا بقوّة الطبيعة وأسرارها العميقة.
لإيجادها في الغابات في موسمها، قام الناس بالإستفادة من الخنازير. لكن كان يجب الإسراع إلى خطفها من فم هذه الحيوانات المُشخّرة التي كانت تُسارع إلى التهامها. ثم قاموا بتدريب الكلاب وبدا الأمر جيداً، لكن المنافسة جعلت الناس تلجأ إلى أساليب شيطانية، منها نشر قطع لحم ممزوجة بالسموم في الغابات لقتل كلب المُنافس.
الترفل يمكن إيجاده في كل المناطق الغابية والحرجية في أوروبا، حتّى في الشمال.
هو عادة يقترفها الأغنياء، حينما يدلّلون أنفسهم مع بقية منتجات العالم المترف مثل الشمبانيا والكافيار والفواغرا. نحن، فقراء الأرض، قد نجمع شجاعة نادرة ونتناوله مرّة أو إثنتين في حياتنا، ليس فقط لتجربة باهرة، بل أيضاً لإثارة الإعجاب من حولنا.

إذا حالفتك حافظة نقودك بوضع يدك على ترفل كامل، فكن حذراً. قم بتشمّمه جيدًا (يجب أن يكون معطراً بغنى فاحش وشكله موثوقاً). يُباع بالوزن في أسواق يوم الأحد، لذا إذا كان هناك نوع أرخص وأكبر من الباقي، فقد يكون مليئاً بالثقوب بسبب وصول الحشرات إليه، ثمّ احترس من التراب العالق في صدوعه لأنّه يزيد من وزنه.
في المطبخ، نظّف بعناية أية أوساخ وجفّفه بورق المطبخ وضعه في قطرميز أرز الريزوتو، لتكسب الجائزة الكبرى. بعد أيام قليلة لا تزيد عن أسبوع تناول الترفل لأنه سريع الذبول، ثمّ أن الأرز الذي حافظ عليه، يكون قد أخذ ما يكفي من رحيقه.
حضّر وجبة ريزوتو بمرق الدجاج والزعفران، وأضف شرائح الترفل عليه مُباشرة قبل التقديم، مثلما فعل نادل المطعم الإيطالي، لتحظى بأمسيّة مُدوّية اخرى. ولا تتردّد في إضافة شرائح اخرى، في صباح اليوم الثاني، إلى البيض المقلي.
إن كنت في إسبانيا ووجدته للبيع في عبوات زجاجية صغيرة بسعر مقبول، فأبعد عنه لأنه الأسوأ وطعمه لا يختلف عن الحذاء الذي قضمه شارلي شاپلن في فيلم حمّى الذهب، بل حاول البحث عن نوعه المفروم في الزيت بدلاً من ذلك.

الكمأة
تنتمي إلى عائلة الفطريات (Terfeziaceae) وهي تُشبه البطاطا، وتنمو في الصحارى والبوادي بعمق يتراوح بين إثنين إلى خمسين سنتيمتراً، وتتكاثر أيام الخصب والأمطار والرعود، وتُعلن عن نضجها بتشقّق الأرض فوقها، وبوجود نبتة الجريد أو الأرجه على مقربة منها.
هي أنواع، فالكمأة الزبيدية تميل إلى اللون الأبيض، والخلاسية بلون الصدأ الأحمر، والجبية سوداء مُحمّرة صغيرة الحجم، والهوبرية سوداء من الخارج وبيضاء من الداخل لا تُؤكل عادة، وهي تظهر أولاً مُعلنةً عن ظهور الأنواع الاخرى.
الذي لفت انتباهي هو أنّ الهوبرية، التي تتميّز بقربها من الترفل الفرنسي، من حيث الشكل واللون، لا تُؤكل.
تُطبخ مثل اللحم لأنه مُماثل له في التركيبة الغذائية، أو مشوياً.
تسمياتها عديدة في العربية، فهي الفقع في الحجاز، والعبلاج في السودان، والترفاس في بلاد المغرب.

وفي اللغة توصف بفتح أوله وثالثه وسكون ثانيه مهموز والكَمْأَةُ وأحدها كَمءٌ على غيرِ قياس، وهو من النوادِرِ، فإِنَّ القِياسَ العَكْسُ، وقيل: الكَمْأَةُ هي التي إِلى الغُبرة والسَّواد، والجِبَأَةُ إِلى الحُمْرةِ والفِقَعةُ البِيضُ، وأَكْمَأَتِ الأَرضُ فهي مُكْمِئةٌ كَثُرت كَمْأَتُها، وأَرضٌ مَكْمُوؤَةٌ كثيرة الكَمْأَة وكَمَأَ القومَ، وأَكْمَأَهم الأَخيرةُ عن أَبي حنيفة أَطْعَمَهُم الكَمْأَةَ، وخَرجَ الناسُ يَتَكَمَّؤُون أَي يَجْتَنُون الكَمْأَةَ، ويقال: خرج المُتَكَمِّئُون وهم الذين يَطْلُبون الكَمْأَةَ، والكَمَّاءُ بَيَّاعُ الكَمْأَة وجانيها، وقيل: سُمّيت بذلك لاستتارها. يُقال: كمأ الشهادة إذا كتمها.

عُرفت أيضاً بفعاليتها كمضادّ لألتهابات العين والتراخوما في الطبّ العربي.
عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين». والمنّ هو الطعام بغير عمل، كالمنّ الذي أُنزل على بني إسرائيل.
وقد أستعمل أيضاً لعلاج هشاشة العظام والأظافر، وبطبيعة الحال، كما هو الحال في العلاجات الشعبية، كمقوٍ جنسي.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية أسمهان
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز
- غلبت أصالح في روحي
- حسيبك للزمن
- رقّ الحبيب
- القليل عن السينما الإيرانية
- الحصى لمن حصى
- جدّدت حبّك ليه
- أراك عصي الدمع
- ستورمي
- في قطار ياباني عابر
- في الحب
- الموت كل يوم


المزيد.....




- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - الترفل والكمأة