أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - النبيذ















المزيد.....

النبيذ


منير المجيد
(Monir Almajid)


الحوار المتمدن-العدد: 7064 - 2021 / 11 / 1 - 07:22
المحور: الادب والفن
    


أتذكّر إسم النبيذ الذي شربته في مطعم كربيس المُطلّ على بقايا ماء النهر في صيف عام ١٩٦٧. هزيمة حزيران أجّلت إمتحان الشهادة الإعدادية، لكنها لم تلغه وبالتالي صرت حامل «البريڤيه» أواخر الصيف. اصطحبني أخي ليحتفل بي في ذاك المطعم الصيفي الشهير. شربنا سائلاً قرمزياً شديد الحلاوة أسمه «يناكوز». يُفترض أن يكون نبيذاً سورياً، وكان له شقيق يُدعى يناكوز مزّ. كلاهما كانا وصمة عار في تاريخ إنتاج النبيذ في العالم.
بالنسبة لي، وأنا غرّ في عالم السكر والقصف، ثملت بعد كأسين وأتتني شجاعة تُشبه وحي الأنبياء. أردتُ، بكل بساطة، أن أذهب إلى «حسن»، موظف المصرف الزراعي التافه، الذي كان قد تزّوج للتوّ من أجمل جميلات الحيّ، وكان يجلس مع صحبه على مقربة، لأعرب عن حسدي له، وأّنه، بشاربه الكث ليس بالمناسب لها. سحبني أخي، لحسن الحظ، من كمّ قميصي وجعلني أتهاوى على الكرسي الرخو من شرائط البلاستيك المُحاكة المربوطة بإحكام غير حرفي إلى قضبانه المعدنية.
في كل الأحوال، لم تكن تجربتي الأولى في عالم النبيذ، لأنني قبلها كنتُ قد تذوّقت نبيذاً بيتياً طيباً لدى عائلة صديقي وزميلي اليهودي.

أيّام طفولتي كنّا نذهبُ لزيارة خالتي وخالي في قرية «سرمساخ» التي زرع ناسها على هضبة مجاورة كروم العنب. كنّا نذهب في الصيف ولم تكن عناقيدها سوى حصرماً، ونراقب القرويين وهم ينصبون الفخاخ للمتطفّلين من الأرانب، والثعالب التي كانت تُطاردها. في ساعات الصباح الأولى. كانت بعض الأرانب المسكينة حبيسة الفخاخ القاسية تنظر إلينا بعتاب وقد تهشّمت عظامها، ولم يخلُ الأمر من ثعالب مأسورة أيضاً.
محصول العنب الوفير كان يتحوّل، مع الأسف، إلى زبيب ناشف مُجّعد بنّي معجون بغبار عواصف القرية.

حينما ذهبتُ لأتوه في عالم دمشق، مُباشرة بعد حصولي على شهادة الثانوية، فاتحة الأبواب على كنوز الدنيا، انصرفت لكرع العرق والإستمتاع برباعيات خيام أم كلثوم في قصر بللور باب توما، ونسيتُ تجربتي السيئة مع النبيذ، باستثناء مرّات قليلة استطعت «شراء» زجاجة ما من دير صحنايا العتيد. لم تكن شراءً تماماً، لأن الكهنة تركوا لي حرّية دفع المبلغ الذي استطعت إليه سبيلاً.

فقط خمسة عشر بالمائة من إنتاج العنب السوري، يصير إلى مشروبات كحولية.
وإن كانت السويداء هي مركز صناعة النبيذ السوري، إلّا أن الأخوين كريم وساندور سعادة وبعد أن دشّنا «شاتو بارغيلوس» قرب اللاذقية عام ٢٠٠٣ وأنتجا الأنبذة الحمراء من أعناب «كابيرنيت ساوڤينيون» و «سيرا» و «مارلوت» والأبيض «شاردونيه» و «شاردونيه بلانك»، حقّقا معجزة حينما وصل نبيذهم إلى أرقى مطاعم الميشيلين الأوروبية. يجدر بالذكر أن إسم بارغيلوس هو الذي كان يُطلق على جبال العلويين في الأزمنة الغابرة.
لكن، للسويداء باع طويل في صناعة النبيذ، بسبب أهمية المدينة في فترة الحضارة الرومانية قبل ثلاث ألفيات. وتقول الرواية أن السويدائيون كانوا يعبدون إله الخمر الإغريقي «باخوس»، ممّا جعل إنتاج النبيذ طقساً دينياً في المرتبة الأولى. والطريقة القديمة في إنتاجه كانت في تخميره في جرار فخارية تُغرس في تربة غرف محروثة، تقوم حصراً العذراوات بعصره فيما بعد ليكتسب إسم النبيذ البكر.
إستمرّ الإنتاج على هذا المنوال حتّى الخمسينات حين صار النبيذ صناعة في معامل الريّان الشهيرة.
إلى يومنا هذا يمقت أهل السويداء تصنيع الخمر معملياً، ومازال تقليد إنتاجه في البيوت قائماً.

ولأسباب طائفية ومذهبية، حُصر إنتاج النبيذ في المناطق ذات الأغلبية غير المُسلمة، وكي أكون أكثر دقّة أقول غير السنيّة.
في محردة، الناعسة على العاصي في ريف حماة الشمالي الغربي، والتي كانت تُدعى حتى الأربعينات بإسم «الكرمة» تيمّناً بكرومها الشهيرة، أنتج أهلها، تاريخياً، النبيذ.
أمّا في ريف حمص الجنوبي الغربي (قرية صدد)، فإن ميماس تنتج النبيذ، رغم أن شهرتها تعود إلى عرقها الذي يحمل ذات الإسم.
قرى وادي النصارى مازالت تنتج النبيذ للإستهلاك الشخصي والمحلي، وكذلك في ريف اللاذقية وأيضاً طرطوس.
أصل الكلمة غير واضح تماماً. يقول الإمام علاء الدين الكاساني في كتابه «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع»: «وما يتّخذ من الزبيب شيئان: نقيع ونبيذ، فالنقيع أن ينقع الزبيب في الماء أياماً حتى تخرج حلاوته إلى الماء، ثم يطبخ أدنى طبخ، فما دام حلواً يحل شربه، وإذا غلا واشتد وقذف بالزَّبد يحرم».
أمّا أبو حنيفة فإنه يجيز الوضوء بالنبيذ عند إنعدام الماء إعتماداً على: عن عليّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «نبيذ التمر وضوء من لم يجد الماء».
هذا يوضح أن النبيذ لم يكن يُستخلص فقط من العنب، بل من التمر الذي أطلقوا عليه إسم «الفُضيح» والعسل (البِتع)، والذرة والشعير (المِزر). وهم من أطلق إسم النبيذ على سائر الخمور لتمييزها.
في سوريا عُرف خمر أندرين وأذرعات وبصرى وبنات مشيع وبيت رأس وجذر وصرخد ومآب ومقد، والحيرة وعانة من حوض الفرات، ومن العراق بابل وبانقيا والخص والصليفية وصريفون، ومن فلسطين بيسان وفلسطية واللد، ولدى الفرس خِسروشاه وفارسية وجيلان.

يبدو أن تاريخ النبيذ يعود إلى نحو ٨٠٠٠ سنة في مناطق تقع بين إيران وأرمينيا وجورجيا، ولم يصل إلى أوروبا قبل ٦٥٠٠ سنة.
وقد اكتشفت دلائل عنه في مواقع سومرية وفي مصر الفرعونية أيضاً، بينما ذُكر في ملحمة گيلگامش في الألفية الثالثة قبل الميلاد.
تبقى مدينة «أندرين» الأثرية التي تقع أطلالها المٌغطّاة برمال تخوم البادية السورية جنوب حلب وشمال حماة، الأشهر في صناعة النبيذ والمُفضّلة لدى شاربيها في الحجاز. ولعلّ مُعلّقة عمرو بن كلثوم تبقى مرجعية ثابتة، لأن الشعراء (الغاوون) هم وعلى مرّ التاريخ، أفضل ذوّاقة للخمور:
أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَاصْبَحِيْنَـا وَلاَ تُبْقِي خُمُـوْرَ الأَنْدَرِيْنَـا
ويُروى أن امرؤ القيس كان سكراناً حينما أتاه خبر مقتل والده فقال: اليوم خمرٌ وغداً أمرُ.
ويُروى أيضاً أن الشاعر الأعشى أراد يوماً أن يسلم على يد النبي، فسلك طريقه إليه، فاعترضته جماعة من قريش وقالوا له أنّ الإسلام حرّم الخمر، فعاد أدراجه بسرعة.
قبل العصر الإسلامي، كان بيع الخمور وتناوله شائعاً، وكانت مكّة والطائف ويثرب والحيرة تزخر بالحانات المزدانة بالزهور والرياحين على طريقة الفرس.
وبعد إنتشار الرسالة النبوية لم تتوضّح إشكالية المنع تماماً. فلا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى كانت بمثابة منع جزئي. وهذا أمر مفهوم في الواقع، فالمُصلي الثمل يصعب عليه الوقوف بعد الركوع. وحينما جاءت «رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه»، لم تكن منعاً قاطعاً. المنع القطعي لم يتمّ إلّا فيما بعد، ليركزّ الأئمّة والمشرّعون على الإنتظار بالظفر بخلود الجنّة لشرب الخمر.

بحثتُ في فكرة توفّر الخمر في الجنة، بينما تبقى محظورة في حياتنا الفانية، فوجدت ما يلي في موقع «الدُّرَرُ السّنيّة»:
من الشراب الذي يتفضل الله على أهل الجنة الخمر، وخمر الجنة خالي من العيوب والآفات التي تتصف بها خمر الدنيا، فخمر الدنيا تذهب العقول، وتصدع الرؤوس، وتوجع البطون، وتمرض الأبدان، وتجلب الأسقام، وقد تكون معيبة في صنعها أو لونها أو غير ذلك، أما خمر الجنة فإنها خالية من ذلك كله، جميلة صافية رائقة، «يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشارِبِينَ لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ» (الصافات: ٤٥٤٧). لقد وصف الله جمال لونها بَيْضَاء ثم بين أنها تلذ شاربها من غير اغتيال لعقله، كما قال: «وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشارِبِينَ» (محمد:١٨)، ثم إن شاربها لا يمل من شربها «لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ» (الصافات: ٤٧)، وقال في موضع آخر يصف خمر الجنة: «يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزِفُونَ» (الواقعة: ١٧١٩). قال ابن كثير في تفسير هذه الآيات: لا تصدع رؤوسهم، ولا تنزف عقولهم، بل هي ثابتة مع الشدة المطربة واللذة الحاصلة. وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال: في الخمر أربع خصال: السكر، والصداع، والقيء، والبول، فذكر الله خمر الجنة، ونزهها عن هذه الخصال. وقال الحق في موضع ثالث: «يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ» (المطففين: ٢٥٢٦)، والرحيق الخمر، ووصف هذا الخمر بوصفين: الأول أنه مختوم، أي موضوع عليه خاتم. الأمر الثاني: أنهم إذا شربوه وجدوا في ختام شربهم له رائحة المسك. 

خمر الجنّة هذا لن يُناسب بالتأكيد أي من الشعراء (وهذا يشملني أيضاً رغم بعدي عن قرض الشعر)، القدماء منهم والمعاصرين، لإرتباط السكر بالإبداع، حسب رواياتهم بالطبع.
حانة فريدي الدمشقية كانت الأشهر في السبعينات. كنّا نجلس مساءً في اللاتيرنا القريبة منها نحتسي البيرة من تقديم المُخبر الجنتلمان «لورانس»، وسرعان ما يتوافد الشعراء، زبائن الحانة المشهورين، مترّنحين حاملين كرّاساتهم ووجوههم تتوّهج إبداعاً، لينضموا إلينا. فؤاد الراشد كان الوحيد الذي شذّ عن المجموعة، فهو كان مسرحياً وممثّلاً وربما شاعراً بالفطرة.
في الحديث عن الخمر تاريخياً، ليس بوسعي تجاهل شيخ الشعراء وأمير الصعلكة والفسق.
أسمه الحسن بن هانئ الحكمي (توفي سنة ٨١٤ ميلادية)، المُكنّى بأبي نوّاس. برز أسمه كرائد في طبيعية تناول الخمور، إثر اللغط الذي لم يكن قد انتهى بعد في تفسير التحريم والإبتعاد عن الخمور، وليس لأنّه تميّز بشخصية نادرة، لأن عصر هارون الرشيد حينذاك كان يزخر بمئات الشخصيات الغريبة والفذّة.
ألا فاسقِني خمراً، وقل لي: هيَ الخمرُ،
ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهرُ
فما العيْشُ إلاّ سكرَة ٌ بعد سكرةٍ،
فإن طال هذا عندَهُ قَصُرَ الدهرُ
وما الغَبْنُ إلاّ أن ترَانيَ صاحِيا
و ما الغُنْمُ إلا أن يُتَعْتعني السكْرُ
فَبُحْ باسْمِ من تهوى، ودعني من الكنى
فلا خيرَ في اللذّاتِ من دونها سِتْر

وكان لأبو نوّاس آداب في الشرب والمنادمة جمعها على النحو التالي: فالأولى الوقارُ واجتنابُ العربدة في الشرب، والثانية مسامحة الندامى على زلّاتهم، والثالثة ترك المفاخرة بالأنساب، والرابعة الاختصار في الكلام وتَرْك الثرثرة والهذر، أمّا الخامسة فهي حفظ سرّ النديم.

تقول الأسطورة أنّ إمبراطور الفرس جمشيد كان من محبي العنب، حتّى أنّه أمر بوضع كمية كبيرة منه، بعد قطافه، في خوابي طينية لحفظه. وحينما أراد تناوله فيما بعد، لاحظ أنّ العنب في إحدى الخوابي كان قد تخمّر، فأمر بكتابة «سمّ» على الخابية.
إحدى زوجاته (غُلنار) كانت قد سئمت من الحياة فذهبت إلى خابية «السمّ» لتضع حداً لعذاباتها، لكنها انتشت وثملت وذهبت مُترّنحة لتُخبر بعلها جمشيد عن تلك المتعة اللذيذة، وتصبح، بهذا، أوّل سكرجيّة في التاريخ.
أمّا رواية التوراة، وحسب ما جاء في سفر التكوين فإنّ نوح هو أوّل من زرع كرماً على سفوح أرارات الأرمنية قبل ٧٠٠٠ سنة قبل الميلاد. وهناك تماماً وجدنا آثار النبيذ، ومنها انتشر إلى بلاد ما بين النهرين ومصر الفرعونية، ومن ثمّة إلى أوروبا.
في عام ١٩٢٢ اكتشف عالم الآثار الإنكليزي «هاوارد كارتر» ٢٦ خابية قاعها مُدبّب احتوت على النبيذين، الأحمر والأبيض، كُلّها مُخبّأة في حجرة دفن ملك الفراعنة الشاب «توت عنخ آمون». المُفاجأة الأكبر كانت أنّه قد كُتب على هذه الخوابي معلومات عن إسم النبيذ والمنطقة والمُنتج.

اليونانيون كانوا يعقدون الـ Symposium، وتعني جلسات السكر، ويحتسونه في كيليكسيات (كؤوس الشراب). لاحظتُ أن كلمة «سمبيوسيوم» تُستعمل كثيراً في ندوات فنانينا التشكيليين. هل تسكرون في سمبيوسيوماتكم وتستعملون الكيليكسيات أيّتها الزميلات وأيّها الزملاء؟
ديونيسوس كان إله الخمرة اليوناني، وباخوس كان زميله الروماني. والرومان هم الذين جعلوا عربدة السكر مهرجانات، وفي البارات اجتمع قادة البلاد الصغار ليشربوا ويأكلوا ويتلمّسوا أرداف النادلات (هناك بقايا أكثر من مائتي بار في مدينة پومپي التي حرقتها حمم بركان ڤيسوس عام ١٨٠٠ قبل الميلاد)، بينما القياصرة وكبار القوم كانوا يتمددون على أرائكهم ويكثرون من الشرب والطعام والفسق غير آبهين بمرض النقرس الذي كان يوّرم سيقانهم.
والرومان إيّاهم، هم الذين وضعوا ألف باء إنتاج النبيذ، فتطوّر إنتاجه وتطوّرت تقنياته، لينشروا معارف النبيذ إلى كل بقعة احتلّتها قوّاتهم الغازية في أوروبا وزرعوا الكروم على منحدراتها.

في العصور الوسطى، كانت صناعة النبيذ، تقريباً، وظيفة حصرية لرهبان الأديرة. حسناً، في أقبيتها في الحقيقة. فقط قليله صار نبيذ دم المسيح، نبيذ المذبح.
وإعتباراً من القرن السابع عشر، بعد تمدّد أوروبا الإستعماري، أخذوا معهم حكمة النبيذ إلى جنوب أفريقيا ونيوزيلندا والتشيلي والأرجنتين واستراليا وكاليفورنيا في العالم الجديد.
اليوم يُنتج النبيذ في معظم أنحاء العالم، حتّى في الصين واليابان. والمناخ لم يعد اللاعب الرئيسي، بعد إستنباط أنواع من الأعناب تتناغم مع جليد وصقيع كندا والنمسا، وحتى الدانمارك. هناك ٣٧ مليار زجاجة نبيذ تُنتجُ سنوياً، منها ٨ مليارات تحمل ملصقات فرنسية.
والفرنسيون هم الذين جعلوه عالماً من اللذات والعلوم والإختصاصات وأنواع جديدة مختلفة من الأعناب، وهم من أوجد الشمپانيا والكونياك والأرمنياك.
الألزاس، بوچوليه، بوردو، بوغوندي، شامپان، لوار، نورماندي، پروڤانس، رون، هي أسماء مقاطعات جغرافية ارتبطت بها أنواع نبيذها. وأسّسوا مجالس لتنظيم إنتاجه وتدقيق النوعية. الفرنسيون هم أصحاب أقدم مؤسسة لحماية علامة الأنبذة، وأوّل من جعل النبيذ مسابقات عالمية، ومزادات يصل، أحياناً، سعر الزجاجة إلى بضع مليونات.
هم أيضاً من وضع الخطوط الرئيسية لإتيكيت التقديم، واستنباط الكأس المُناسبة للمشروب المُناسب، ولهم في ذلك دساتير وكتب ومجلدات.
ساق كأس النبيذ طويلة، والسبب هو أن شاربها يجب أن يمسكها من الساق وليس الجسد، لأن المشروب الربّاني من المُفترض أن يبقى بدرجة حرارة الغرفة. على عكس كأس الكونياك التي ساقه قصيره تضطر حاملها إلى إحتواء الجسد لينقل درجة حرارته إلى المشروب. وهكذا.
الأمريكان الرعاع لم يتعلّموا حتى الآن كيفية مسك كأس النبيذ الأحمر. أرى ذلك في أفلام هوليود.

في بداية التسعينات، وكنتُ قد تجاوزت كابوس الياناكوز وعرق الريّان والبراندي الحمصي، أردت أن أتبرجز قليلاً وأغوص في عالم النبيذ.
البداية، وأعترف، لم تكن جيدة. اشتريت يوماً زجاجة فرنسية كلّفتني ثروة (نحو مائتي دولار)، من إنتاج عام ١٩٢٦، ووضعتها بحرص في خزانة لأجعلها طُعماً في مناسبة قادمة. الطُعمُ المُناسب جاء بعد سنتين، حينما تعرّفت إلى حسناء دانماركية. دعوتها لتناول العشاء لأتفاخر بملكاتي في عالم الطبخ والنفخ، ووضعت زجاجتي التي من ١٩٢٦ على الطاولة فأثارت دهشة رفيقتي، وقالت فاتحة فمها «غير معقول». أنا ابتسمت في عبّي وفكّرت «أَبْشرْ». أزلتُ فلّينة الزجاجة وصببتُ قليلاً في كأسها، وأيضاً في كأسي وقلتُ «بصحّتكِ»، فقالت «بصحّتكَ»، فتذّوقنا خلّاً حامضاً.
بعدها سألت الأخصّائي في المحل عن السبب، فقال أن ذاك النبيذ كان جاهزاً للشرب قبل سنتين، بعدها لن أستطيع حتّى إستعماله في تحضير صلصة البطّ.
عنادي دفعني إلى البحث أكثر في هذا العالم المُدهش، ولم تكد الألفية على الإنتهاء، حتّى صرت جامعاً للأنبذة من مختلف أنحاء العالم. أقْدمُ زجاجاتي تعود إلى العام ١٩٥٤، لكنني أفخر خاصّة بالـ «بارولو» الإيطالية من عام ١٩٦٧.



#منير_المجيد (هاشتاغ)       Monir_Almajid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاي
- الترفل والكمأة
- إشكالية أسمهان
- الدجاج
- ما صحّ عن الأثداء
- آيا صوفيا
- دليلي احتار
- إلى أرمينيا
- دمشق
- الأطلال
- خميرة الخبز
- غلبت أصالح في روحي
- حسيبك للزمن
- رقّ الحبيب
- القليل عن السينما الإيرانية
- الحصى لمن حصى
- جدّدت حبّك ليه
- أراك عصي الدمع
- ستورمي
- في قطار ياباني عابر


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منير المجيد - النبيذ