أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة40














المزيد.....

ظل آخر للمدينة40


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 7041 - 2021 / 10 / 8 - 14:16
المحور: الادب والفن
    


أدخلها بعد انقطاع قسري، فأجد الحال غير الحال، ولا يغادرني الشعور بوطأة الهزيمة.
بعض التجار الذين تحطمت أبواب محالهم التجارية، إثر قيام الجيش الغازي بنهبها، يقفون أمام محالهم في حالة من الشرود. ثمة في المدينة أعداد قليلة من الناس تمشي على غير هدى، وثمة القليل من السيارات تتحرك في الشوارع التي تخترقها شاحنات الجنود، ومن خلف السور، تطل مئذنة أصابتها قنبلة، هشمت رأسها. وفي مواقع عديدة من المدينة، واجهات بيوت ومتاجر حطمتها القنابل، أو ترك بصماته عليها الرصاص. ها هي ذي المدينة منطوية على نفسها، منكسرة.
أقترب من محل "جروبي" الذي كان من أكثر محلات المدينة حيوية وامتلاء بالزبائن، يقف صاحبه أبو عطا خلف الواجهة الزجاجية، مثبتاً كعادته سيجارته بين شفتيه فلا يحملها بين أصابعه إلا بعد وقت، يخبرني أن ابنه الذي استبدت به الحماسة، فذهب متطوعاً للقتال، لم يعد حتى هذه اللحظة.
تجوب دوريات الجيش شوارع المدينة، وثمة جنود يرابطون على مداخلها وفي ساحاتها. أدخل البلدة القديمة. ما زال الكثير من متاجرها مغلقاً، تحت تأثير الصدمة التي سببتها لأصحابها هذه الهزيمة، أو بسبب النزوح خارج الوطن، وهو الأمر الذي شجعت عليه قوات الاحتلال، وراحت توزع المنشورات على الناس، تشجعهم فيها على الرحيل، موضحة لهم أنها ستضع تحت تصرفهم حافلات ستقوم بنقلهم كل يوم، مجاناً، إلى الجسر في رحلة الذهاب بعيداً من الوطن. فانصاع لهذه الدعاية عدد غير قليل من الناس الذين خافوا عاقبة الأمور.
أجتاز باب العمود، أتذكر اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، كنت أعمل مراقباً في امتحان التوجيهية في قاعة مدرسة تراسنطة، ولم ننتبه إلى أن الحرب بدأت منذ الصباح على الجبهة المصرية إلا بعد العاشرة. غادرت القاعة، واتجهت عبر طريق الجبشة نحو باب العمود، وحينما وجدت الحوانيت مغلقة، وليس ثمة أحد في الأسواق، تهيبت الخروج إلى ساحة باب العمود، لأنها مكشوفة أمام بناية النوتردام التي ترابط فيها قوة من الجيش الإسرائيلي. انعطفت يميناً نحو طريق الشيخ لولو، وسرت فيها قاصداً باب الساهرة لعلني أعثر على سيارة تنقلني إلى جبل المكبر.
وجدت الساحة التي أمام باب الساهرة موحشة لا أثر فيها لأية سيارة. بعد لحظات لعلع صوت الرصاص، ونشب القتال، فمضيت سيراً على قدميّ نحو مقبرة باب الأسباط، وهبطت في الشارع المحاذي لكنيسة ستنا مريم، ثم صعدت نحو حي رأس العامود، فاجتزته نحو حي الصلعة، ومن هناك إلى بيتي في جبل المكبر.
قبل أن أصل البيت بلحظات، ابتدأ القتال على قمة الجبل، ولم يدم طويلاً. حسمته الدبابات الإسرائيلية دون عناء، فتركنا بيوتنا، مثلما فعلنا العام 1948، واتجهنا إلى بيوت أقارب لنا، يقيمون قرب وادي الديماس في منطقة "أم عراق" التي لا تستطيع أن تصلها السيارات، لوعورة الطريق الموصلة إليها، فتوزعنا على بيوت الأقارب الذين خصصوا مكاناً لإقامة النساء، ومكاناً آخر لإقامة الرجال (في الأيام القليلة التالية، ستمر عبر هذا الطريق جموع من أهالي المدينة، الذين قذفت بهم الحرب بعيداً من بيوتهم، سأرى تجاراً أعرفهم، يمضون مبتعدين نحو الشرق ومعهم زوجات بملابس مدنية وأحذية لا تتلاءم وقسوة الطرقات الممتدة بين الوديان، وسأرى أطفالاً يتصايحون وهم يتعثرون في الطرقات خلف آبائهم وأمهاتهم). كان كبيرهم "أبو خالد" الطاعن في السن يثق في عبد الناصر ثقة كبيرة. ظل يعلق الآمال على أخبار الجبهة المصرية، التي كانت تصله من مذياع ترانزستور حمله معه أحد أفراد عشيرتنا وهو يغادر بيته، فاعتبرنا مبادرته هذه تعبيراً عن الفطنة، ورحنا نلوم أنفسنا لأننا لم نفطن إلى اصطحاب مذياع معنا، يخفف من قلقنا، ويحجب عنا ولو جزئياً، ضجيج الطائرات التي تحلق في الظلمة فوق رؤوسنا.
يتبع..



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ظل آخر للمدينة39
- ظل آخر للمدينة38
- ظل آخر للمدينة37
- ظل آخر للمدينة36
- ظل آخر للمدينة35
- ظل آخر للمدينة 34
- ظل آخر للمدينة33
- ظل آخر للمدينة32
- ظل آخر للمدينة31
- ظل آخر للمدينة30
- ظل آخر للمدينة29
- ظل آخر للمدينة28
- ظل آخر للمدينة27
- ظل آخر للمدينة26
- ظل آخر للمدينة25
- ظل آخر للمدينة24
- عن المثقف الفلسطيني ورهانات الحداثة
- عن القدس في كتاب نسب أديب حسين
- ظل آخر للمدينة23
- ظل آخر للمدينة22


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - ظل آخر للمدينة40