أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - الشرق الأوسط بعد مئة عام















المزيد.....

الشرق الأوسط بعد مئة عام


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 7010 - 2021 / 9 / 5 - 10:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قد يتوقع بعض القراء أننا سنرسم صورة وردية للشرق الأوسط بعد مئة عام من الآن ، ولكننا للأسف نعتقد عكس ذلك من خلال مجريات الأحداث في المنطقة إذ أنه من المرجح أن تكون السنوات المئة القادمة في الشرق الأوسط أسوأ بكثير من المئة عام الماضية .
إن متابعة بسيطة لمجريات الأحداث في الشرق الأوسط اليوم تدل على أن شعب المنطقة هو سبب تشكيله بالسوء الذي نراه عليه اليوم وقد ساهما في تفتيته أكثر مما فعلت اتفاقية سايكس بيكو ورعاتها في الغرب والشرق.

لقد دلت الاضطرابات وأعمال الشغب خلال السنوات القليلة الماضية والتي اجتاحت معظم دول الشرق الأوسط على أن الصراع العنيف والقتل على الهوية والحرب بالوكالة هو الصبغة السائدة لتفكير شعب الشرق الأوسط ويبدو أن شريحة كثيرة من شعوب دول الشرق الأوسط مستعده لجعل الصراع من السلطة شغلها الشاغل تحت شعارات متعددة منها الدين والحرية والديموقراطية وغيرها .

وفي كل عام تتكرر ذكرى سايكس بيكو ، الاتفاقية الفرنسية البريطانية، التي أطلقت سلسلة من التعديلات المجنونة في الشرق الأوسط بعد تدمير الدولة العثمانية ، ويبدو أن الكثير من المحللين يلقون باللوم على الاتفاقية في خلق التجزئة والتخلف والاقليمية والانعزالية والطائفية متناسين أن الوعي الشعبي اقوى من كل الاتفاقيات والفكر لا يهزمه إلا فكر أقوى منه. الواضع حتى الآن أن الاحتلال العثماني استمر قرابة 400 عام وزال نتيجة تدخل الحلفاء في المنطقة ويبدو أيضا أن تأثير اتفاقية سايكس بيكو سوف يستمر إلى مئة عام قادمة نتيجة عدم الرغبة الشعبية في تغيير الاتفاقية والغائها. هناك من يكرس الحدود والانفصال والتباعد المجتمعي، وهو بالتأكيد مدعوم بالرغبة الشعبية في بقاء الحدود التي فرضها الغرب عائقا أمام تغيير صورة الشرق الأوسط الحالية .

لقد ولدت فكرة سايكس بيكو من رغبة القوة الاستعمارية في عدم التصادم بين بعضها البعض في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تجنبت التنافس المدمر ، وقد نجحت القوى الكبرى إلى حد كبير في تحقيق غاياتها، وتكريس مصالحها، والبناء عليها لمئة عام قادمة أخرى .
ومن المؤكد أن قلم سايكس بيكو عكس حدود المصالح والصفقات بين القوى الغربية وعمل على تحقيقها متجاهلا الحقائق الديموغرافية والتاريخية والاجتماعية المحلية ، والشرق الأوسط فريد من نوعه في التجزئة والتقسيم فمعظم الحدود في دول العالم المختلفة تدين بإرثها إلى التصميم القانوني المدروس أو الاختيار العشوائي الشائع بقدر ما تدين إلى مزيج من العنف والحرب والطموحات والجغرافيا والفرص .

الحقيقة المؤلمة في الشرق الأوسط اليوم هو ما هو عليه اليوم وهو أن شعوبه وقادته كرسوا مبدأ الانفصال والتباعد رغم أن العراقي والسوري واللبناني والأردني والفلسطيني بينها الكثير من الأشياء التي تقرب أكثر من الأشياء التي تبعد بينهم ، ويبقى القاء اللوم على سايكس بيكو قائما ، فالمجتمعات الشرق أوسطية تفتقر إلى التسامح والحريات والمدارس المتطورة وتعاني من الفساد والرجعية والتخلف والعادات والتقاليد ولم تتقدم شروى نقير في حالتها رغم توافر مصادر الثروة من نفط وغاز وزراعة وأراض خصبة . لقد رحل الاستعمار المباشر وحل محله الاستعمار غير المباشر، ويبدو أن هذه الحالة إذا ما قارناها بالمئة سنة الماضية سوف تستمر لمئة عام قادمة .

إن العوامل المسؤولة عن سجل الفشل الكامل في الشرق الأوسط تستحق الدراسة والفحص والتمحيص ، والتاريخ والثقافة والدين والشخصيات الفاعلة في المنطقة ليست بعيدة عن الاتهام المباشر في التسبب بما هو الحال عليه في الماضي الآن وبعد مئة عام. والسبب في كل ذلك هو عدم الاكتراث وحالة مستعصية من الانتماء الضعيف .

إن الحالة الغريبة من التمرد المجنون الذي جرى في الشرق الأوسط بصبغة عنيفة غير مسبوقة تشي بالأسرار الخفية الكامنة خلف هذا التمرد . فالمنطقة لا تحب العنف وإلا لما استمر الاحتلال العثماني للمنطقة أربعمئة عام، ولما استمرت اتفاقية سايكس بيكو مدة مئة عام ونيف. إن انتشار الميليشيات والفرق الإرهابية في سورية والعراق ولبنان والأردن يدل على أن قلب وعقل سايكس بيكو لا ينبض فقط ولكنه هذه المرة يتغذى على الدم وليس على السياسة .

وهناك أيضًا التطلعات القومية التي لم تتحقق للأكراد (الذين تعيش أعداد كبيرة منهم في أربع دول تركيا والعراق وسوريا وإيران) والذين تستخدمهم القوى الكبرى كورقة ضغط على الحكومات المحلية الأربعة ، والمسألة التي لم تحل حول كيفية التوفيق بين واقع إسرائيل والأهداف السياسية للفلسطينيين. والحدود بين سوريا والعراق تلاشت بكل المقاصد والأغراض أثناء انتشار مجموعات مسلحة للدولة الإسلامية في العراق والشام. ويجد الملايين في الشرق الأوسط من الرجال والنساء والأطفال أنفسهم يعيشون في بلد ليس بلدهم.

وفي ظل التشظي الجغرافي في المنطقة ما الذي يجب فعله ؟ قد يكون أحد الخيارات المطروحة على الطاولة بقوة تحرك الجيوش النظامية المحلية للدول التي تعاني من التشظي لاستعادة المناطق الخارجة عن السيطرة، وبالتالي إعادة خريطة سايكس بيكو على ما كانت عليه الأمر الذي يعطيها دما جديدا . لا يتوقع أن تقوم دول المنطقة التي تعرضت للإرهاب بالتوحد والاندماج نتيجة نمو الروح العرقية والقومية التي سادت في حقبة ما من القرن التاسع عشر. يبدو أن الحدود مهمة في منطقة الشرق الأوسط رغم الروابط القوية بين شعوبها ناحية الدين والعرق والانتماء العشائري والقبلي والعرقي و/أو الايديولوجي، وكل هذه الروابط للأسف حلت محل الهوية الوطنية .

الخيار الثاني هو محاولة التفاوض على شروط لشرق أوسط جديد خلف لسايكس بيكو. وهذا الخيار سيكون فشلًا باهظً الثمن والتكلفة. قد يكون من الممكن إعادة رسم الخريطة يومًا ما ، ولكنه على بعد عقود من الآن ، في أحسن الأحوال . ببساطة لا يوجد إجماع حول الشكل الذي يجب أن تبدو عليه الخريطة ، ولا يوجد حزب أو تحالف يمكنه فرضها أو دعمها. كقاعدة عامة ، لا يمكن توقع أن تعمل الدبلوماسية إلا مع الحقائق على الأرض ، وليس لخلقها ، والحقائق على الأرض تقف في طريق التسوية الإقليمية.

يقود كل ذلك إلى خيار ثالث : وهو قبول المتغيرات الحقيقية في الشرق الأوسط في المدى المنظور وهو خيار لا يمكن أن تقبله الدول المتضررة منه ، إذ أنها لن تسمح بأي شكل من الأشكال إقامة دولة كردية على حساب أربع دول حاكمة في المنطقة سورية وتركيا والعراق وإيران .

والخيار الأخير المر هو إحلال السلام في منطقة تعج بالتناقضات المحلية وتضارب المصالح الإقليمية والدولية وهو سلام لن يكون مقبولا لجميع شعوب الشرق الأوسط لأنه سيكون بعيد عن العدالة وبالتالي لن يتم إلا بقوة السلاح وسيفرض، في حال حدوثه فرضا ، وبمظلة دولية ولكنه بكل تأكيد سيتعرض لانتكاسات نتيجة هضم حقوق فئات على حساب فئات أخرى ، والتاريخ يشهد بأن هضم الحقوق للأخرين لن يقبل من المظلومين وإن طال الزمن .

لن يغير أي مستوى من الجهد الواقع الأساسي للمنطقة: حدود قليلة الأهمية بين الدول والحكومات التي لا يعول عليها إلا قليلاً. من المحتمل أن تكون دولا أخرى تعرضت للإرهاب في المنطقة دولًا بالاسم فقط ؛ وقد تكون الأجزاء المهمة من كل منها مستقلة بذاتها بشكل أساسي ، للأفضل أو للأسوأ ومن المرجح أن تكون للأسوأ نتيجة غياب السلطة المركزية القوية . هناك حقيقة مؤكدة هي أن تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية وإسرائيل وروسيا والولايات المتحدة تعمل بشكل متقاطع - الأغراض في كثير من الأحيان تشير إلى مستقبل فوضوي في المنطقة بدون أساس قانوني.
وفي بعض النواحي ، سايكس- بيكو الشرق الأوسط يعود - لكن بدون الأمر الذي فرضته الإمبراطورية العثمانية. نتيجة لذلك ، من المحتمل أن يعاني الشرق الأوسط في القرن المقبل أسوأ بكثير مما كان عليه في الماضي - وهو واقع يمكن أن يتركنا نشعر بالحنين إلى زمن سايكس وبيكو رغم أن سكّينه منغرسة في قلب كل مواطن في دول المنطقة .



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشعور بالكمال موت حقيقي
- رعشة الحب بلذة الحرية
- هل من الأخلاق أن نترك القبائل المنعزلة لوحدها؟
- الفساد في العلم والمعرفة
- معايير خدمة الزبائن ؟
- لقد أطلقنا الموت ، فمن يمسك عقاله؟
- أمنيات
- أسْمَع أرَى لا أتكلمْ
- المرأة في وسائل الإعلام
- الأيتام يقودون العالم
- الطاووسية و أُحاديَّةُ القرار
- المرأة قبل التاريخ كانت أقوى
- اغمريني بقوة الليلة، مايكل بي ماكبارلاند
- الاقتصاد الأزرق BLE ECONOMY
- أما آن لهذا الفارس أن يترجل ؟
- مهارات إدارة الغضب
- الاقتصاد الأزرق مرة أخرى BLE ECONOMY ONCE MORE
- عظة النار ، ت س إليوت
- صوت العقل والحداثة في أوديب الملك
- تحدي الدين للسلطة السياسية ، أوديب الملك


المزيد.....




- الدوما يصوت لميشوستين رئيسا للوزراء
- تضاعف معدل سرقة الأسلحة من السيارات ثلاث مرات في الولايات ال ...
- حديقة حيوانات صينية تُواجه انتقادات واسعة بعد عرض كلاب مصبوغ ...
- شرق سوريا.. -أيادٍ إيرانية- تحرك -عباءة العشائر- على ضفتي ال ...
- تكالة في بلا قيود: اعتراف عقيلة بحكومة حمّاد مناكفة سياسية
- الجزائر وفرنسا: سيوف الأمير عبد القادر تعيد جدل الذاكرة من ...
- هل يمكن تخيل السكين السويسرية من دون شفرة؟
- هل تتأثر إسرائيل بسبب وقف نقل صواريخ أمريكية؟
- ألمانيا - الشرطة تغلق طريقا رئيسياً مرتين لمرور عائلة إوز
- إثر الخلاف بينه وبين وزير المالية.. وزير الدفاع الإسرائيلي ي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عبد الكريم يوسف - الشرق الأوسط بعد مئة عام