أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - أصول ما يسمى علوم القرآن















المزيد.....

أصول ما يسمى علوم القرآن


سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي


الحوار المتمدن-العدد: 7004 - 2021 / 8 / 30 - 12:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بالنسبة لتفسير القرآن فيجب التفريق بينه وبين (علوم القرآن)

فالتفسير يعني الفهم والفقه، بينما العلوم تعني العقيدة، وباختصار شديد فالتفسير يعني (فقه القرآن) بينما العلوم (عقيدة القرآن)

ولو شبّهنا ذلك في واقعنا المُعاش، فالتفسير يعني الطعام والشراب متاحا للجميع، فلكل إنسان مسلم وغير مسلم له حق التفسير والتأويل والتدبر، لكن العلوم هي (الحصن العسكري) الذي يحمي ويدافع عن المفسرين ويهاجم ويقتل مفسرين آخرين يشكلون خطرا على المذهب والسلطة، وبالتالي مادة علوم القرآن هي محصورة فقط في الحكام ورؤساء المذاهب..ويجب أن توافق بلاط الحُكم بزعمائه ورجال دينه..

مما يعني أن علوم القرآن هي الباب والمدخل الرئيسي للتفسير، ولا يمكن إصلاح التفسير والفكر الإسلامي القرآني سوى بمراجعة مادة العلوم التي تهيمن بشكل تام على طُرق التفسير

القصة بدأت قديما منذ صراع أهل الرأي وأهل الحديث في العصر العباسي، ومحور ذلك الصراع كان بين المفسرين فانشق المسلمون لفرق متناحرة ومذاهب متعددة ناحية النص القرآني، فالمعتزلة قالوا أن نص القرآن حديث، أي هو كلام الله نزل حسب الزمان والمكان، بينما المحدثين قالوا بل هو قديم قدم الله نفسه، وبالتالي عندما يقول "تبت يدا أبي لهب" فقد ذكرت قبل نشوء الخليقة وبالطبع قبل ميلاد أبي لهب، أوجد ذلك مشكلات جبر وعدالة وطرح سؤال استفهامي عن معنى الحياه، مما يعني أن تفسير أهل الحديث للنص القرآني سيجعل أبو لهب مجبرا على النار، لأن القلم كان أسبق إليه في تحديد مصيره وبالتالي تشريعا صريحا للمذهب الجبري، بينما المعتزلة قالوا أبو لهب دخل النار بأفعاله التي لا يعلم كائنا بحدوثها، وبالتالي النص الذي نزل فيه حديثا، وبلغة أهل ذلك العصر (مخلوق)

بعد انحياز الخليفة المتوكل لأهل الحديث واضطهاده للمعتزلة حرق كتبهم تم قرر أن القرآن قديما بقوة السلطة، لكن ولأن مشكلات النص ظلت موجودة معهم تعوق تفسيرهم اخترعوا علم الناسخ والمنسوخ لتبرير وشرح تناقضات النصوص، فكانت هذه أول محاولة لظهور علوم القرآن في التاريخ، ثم بدأ الفقهاء الذين كلفهم المتوكل بتدوين الحديث وحل مشكلات النص في نسب كتب منحولة لرواة وفقهاء سابقين كقتادة بن دعامة وابن شهاب الزهري ونافع كأشهر راوة في العصر الأموي كما سنبين بعد قليل، لكن بالتحقيق تبين أن هذه الكتب صنفت بعصر متأخر، أي بعد موت قتادة وابن شهاب ب 200 عام على الأقل.

أما السلطة العباسية فقد حسمت هذا الصراع في عصر المتوكل بالقرن 3 هـ ومن بعده القادر بالله في القرن 5 هـ بتشجيع الفقهاء على التصنيف في علم جديد يسمى (علوم القرآن) يكون مهتما بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والظني والقطعي وأسباب النزول وغيرها..

لماذا؟

لأن صراع المفسرين اشتعل حول هذه الأمور أساسا، فعَنيَ الحكام بالتصنيف فيها لوقف الافتراق وبدعوات توحيد الأمة وحقن الدماء وسد الذرائع، يعني كانت دعوات أخلاقية وقتها لوقف الفتن وجمع الأمة لفكر واحد هي التي هيمنت على المسلمين منذ القرن 5 هـ وهو الزمن المفترض الذي ظهر فيه ما يسمى علوم القرآن وبالتالي لم يعد المسلمون بحاجة إلى:

أولا: مذاهب فقهية جديدة لأنها تقيدت بالعلم القرآني الجديد، فتوقف ظهور المذاهب الفقهية والاجتهادات المذهبية الكبرى منذ هذا العصر

ثانيا: كتب حديث جديدة ومصنفات روائية جديدة لأنها أيضا كانت مجرد اجتهادات من أهل الحديث ظنا منهم بتوحيد الأمة فكانت سببا في انشقاقها أكثر، وعندما ظهرت علوم القرآن توقفت كتب الحديث نهائيا وتم الاعتماد على الموجود لخدمة العلم الجديد..

ولأن علوم القرآن علم مخترع لا علاقة له بالنبي والصحابة والتابعين عجز الفقهاء المعاصرون عن إثبات نسب كتبه الأولى للسلف الأول، فنسبوا كتبا منحولة لرواة وفقهاء سابقين كقتادة بن دعامة وابن شهاب الزهري ونافع كأشهر راوة في العصر الأموي، لكن بالتحقيق تبين أن هذه الكتب صنفت بداية من القرن الرابع، أي بعد موت قتادة وابن شهاب ب 200 عام على الأقل.

فكتاب مسائل "نافع بن الأزرق" في غريب القرآن ذكر فيه أئمة الحديث الستة والشافعي، برغم أن نافعا متوفي سنة 65 هـ أي صنف الكتاب بعد وفاة نافع ب 300 سنة تقريبا ،ثم نسبوا كلام نافع لابن عباس لتكون هذه المحاولة هي الأقدم على الإطلاق في تأليف علوم القرآن ونسبها لصحابة، وأما كتاب الناسخ والمنسوخ لقتادة بن دعامة فمؤلفه الحقيقي هو " أبو القاسم بن سلامة المقري" المتوفي سنة 410 هـ، بعد وفاة قتادة ب 300 سنة،ولا يوجد أقدم من أبي القاسم في توثيق كتاب بن دعامة، ولمزيد من الخداع والتدليس قام المقري بنسب رواية الكتاب لتلميذ قتادة "سعيد بن عروبة"

أما كتاب الناسخ والمنسوخ لابن شهاب الزهري فهو كارثة في حد ذاته، لأن أقدم مخطوطة للكتاب كتبت بخط (النسخ) الذي اخترعه "ابن مقلة الشيرازي" أوائل القرن الرابع الهجري، والرواية الوحيدة للكتاب هي لابن الحسين السلمي المتوفي سنة 412 هـ أي بعد وفاة ابن شهاب ب 300 سنة تقريبا، ومن غرائب ما فعلته السلفية والأزهر في توثيق كتاب الزهري في الناسخ والمنسوخ..أنهم لم ينتبهوا أن ابن الحسين السلمي نسب الكتاب للزهري برواية "الوليد بن محمد الموقري" توفى 182 هـ وهو في حكم الحديث (متروك كذاب) فكيف قبلوا توثيق الكتاب وراويه الوحيد كذاب؟..هذا بافتراض صدق السلمي..!

من هنا تبين أن أقدم كتب منسوبة لصحابة وتابعين في ما يسمى "علوم القرآن" هي مكذوبة، وظهرت بداية من القرنين الرابع والخامس الهجريين في العصر العباسي الثاني، وهو التوقيت الذي بدأ فيه التصنيف في علوم القرآن ردا على المعتزلة والفلاسفة من جانب، ولتوفيق النص مع العلم من جانب آخر، ولخدمة البلاط العباسي من جانب مختلف ..علما بأن العصور القديمة كان فيها الحُكم دينيا..أي كان الخليفة يحكم بالاشتراك مع رجال دين هم مجموعة معاونيه وجوقته ولسانه بين الجماهير..

أما أشهر من تكلم في علوم القرآن والناسخ والمنسوخ كان ابن قتيبة الدينوري (ت 276 هـ) الذي صنف 4 كتب مهمة عند الفقهاء.."مشكل القرآن - غريب القرآن - غريب الحديث - تأويل مختلف الحديث"..تقريبا كل الشيوخ يعتمدون على كتب الدينوري هذه في الرد على المعتزلة والعلمانيين والقرآنيين والشيعة، علما بأن هذه الكتب هي المحاولة الكبرى الأولى التي كتبت بأوامر مباشرة من المتوكل بالله وخلفائه، وما فعله ابن قتيبة الدينوري هو أكبر وأهم محطة في التراث تم تخليدها لتأسيس "علوم القرآن" رغم أن بعض أفكار الدينوري كانت غاية في السذاجة والسطحية، وأخطأ غلطات كبيرة شنع عليه فيها الإمام الفخر الرازي من قبل كتأويل ابن قتيبة حديث سحر النبي وجعله موافقا للقرآن..

الدينوري لم يكن فقط محدثا وفقيها بل كان ذكيا له علم بالفلسفة أخذها من الجاحظ..ثم شنّع على الجاحظ في كتابه "تأويل مختلف الحديث" بعد ذلك، ورجلا بهذا الحجم يليق به تأسيس علم مستقل وجديد أثر في كل فقهاء السنة حتى اليوم..لدرجة أن ابن تيمية شهد بتكفير المغاربة لناقدي الدينوري..وهي إشارة بأن قدسية الدينوري وصلت لأروقة الحكم في بلاد بعيدة عن المركز العباسي في بغداد مما يعني أن قوة العلم للقرآني كانت طاغية ولها انتشار واسع بفضل حماس السلطة لها وشغف الفقهاء في الكتابة في هذا العلم الجديد، ولأهميته في قبول ورفض كتب المفسرين والوصاية على أي اجتهاد مختلف في رؤية النص القرآني.

أخيرا: ابن تيمية وصف "ابن قتيبة الدينوري" بخطيب السنة وأكثر من مدحه في تفسيره لسورة الإخلاص، وهو الذي نقل تكفير المغاربة لكل خصوم الدينوري وناقديه من باب الموافقة والتقريظ، وهو دليل على أن ابن قتيبة في عصر ابن تيمية حصل على قدسية شبيهة بقدسية الشعراوي في زماننا عند بعض الفقهاء والعوام..لذلك قلت في محاضرات سابقة أن الدينوري محوري أكثر من ابن تيمية في الفكر السياسي والعقائدي السني، وكتبه المنسوبة إليه محور دفاعي مهم لعلوم القرآن وتمثل حصنا عسكريا ضد أي محاولات للتفسير مختلفة عن السائد الذي ترسخ منذ هذا العصر ويصعب تغييره إلا بقرار سلطوي سياسي يحمي المفكرين ويفتح باب الاجتهاد وينزع قدسية رجل الدين ليصبح مواطنا طبيعيا..

وإلى أن نشهد هذا القرار سيظل المصلحون يحلمون دون فائدة، ويصطدمون في كل مرة بعلوم القرآن التي وضعها القدماء دفاعا عن مذاهبهم العقائدية وحصلت على قدسية مصطنعة بفعل السياسة



#سامح_عسكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التقية الوهابية..محمد حسان نموذج
- في البحث عن المتعة ومذاهب اللذة
- في العنف الزوجي ومصادره
- في فهم الشخصية الإنسانية
- في فلسفة الجمال
- في فلسفة الصراع
- في البحث عن الله
- أمريكا والحرب بالقرن الأفريقي
- البُعد الطبقي في الاغتصاب الجنسي
- الحب والمرأة عند الفلاسفة القدماء
- رحلة في الفكر الإسلامي وخطايا التاريخ
- بذاءة المثقفين..أشرف الخمايسي نموذج
- شكرا لك..تلك الكلمة الساحرة
- ثورات المحمول الفنية..تيك توك نموذج
- الاغتصاب الزوجي..جريمة إنسانية
- صورة أخرى للشخصية الانطوائية
- أضواء على المسيحية الصهيونية
- المرأة في الفكر البشري القديم
- خطر الفكر الظاهري على قضية فلسطين
- خرافة قتال الملائكة بجانب المسلمين


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامح عسكر - أصول ما يسمى علوم القرآن