|
رأس فوق السحاب ...جسد في الوحل
بشرى رسوان
الحوار المتمدن-العدد: 6999 - 2021 / 8 / 25 - 21:01
المحور:
الادب والفن
يترنح في الظلمة يصطدم رأسه بشيء ما٬يسمع دوي الارتطام٬ لا شيء غير طنين في رأسه٬ يسحب جسده نحو الأعلى يشعر أنه يسبح في الفراغ٬ لا يحددمكانه على وجه الدقة٬ يتحسس ساقه٬ السائل اللزج يعلق بأصابعه٬ يحاول شمه تعبق كفه برائحة الدخان٬ يتأفف ثم يتأوه ...يحاولا اﻺمساك بخيط ما... فكرة ما..يتذكر أنه كان على الحافة٬ هل انتحر؟يسأل نفسه يبحث داخله يحاول وضع الأشياء في مكانها الصحيح٬ .يتمدد على الأرض يرخي جسده٬ لم يكن ثمة صوت كل الأصوات التي عهدها اختفت صوت مول القراعي... مول الخضرة ..مول الحوت... أصوات أولاد الدرب٬لأول مرة في حياته يشعر بالسكينة تملأنفسه٬ يفكر في الدخان يشتهي سيجارة واحدة فقط٬ يعصرهابين شفاهه يتفقد جيب سرواله ثم قميصه٬ تخيب ﺂماله يغمغم بكلمات تالفة٬ السيجارة تبدو أكثر بعدا من أي وقت مضى٬ حتى عندما كان يعطبه والده بحزام سرواله كان يجد سبيله ﺈليها....والده الذي أوهنه الزمن و غيّرته الأعوام ...يجرب النهوض٬ رأسه يدور٬ تبدو حركته أكثر تعقيدا مما أعتقد٬ لا تسعفه ركبته٬ يتمزق كيانه٬ يتداعى جسده و يهوي٬ يترسخ داخله يقين واحد٬ جسده الثقيل لم يعد يصلح لشيء يعود للاستكانة رغم أنفه يفترض أن قطعة الحشيش الرخيصة التي دخنها بنشوة عطلت أعضائه الداخلية ٬ تتقلص معدته أكثر فأكثر .. يلتقط أنفاسه يلعن عبيدة .. يتصوره مۡستندا ٳلى بوابة الجراج يٙهذِي بذات الحكايا المكررة حد الضجر٬ يبصق في الأرض ...يطوح بزجاجته بحركةِ مفتعلةو يهتف بلسان ثقيل (أن الحياة بائسة بلا زجاجة و حشيش) ثم يضحك بلؤم٬ يطلق موجة من الكلمات النابية٬ و التهديدات الفارغة ٬ يقول أشياء كثيرة لا أهمية٬ يسرد تفاصيلا لا تعني أحدًا غيره٬ يتحدث كثيرا كأنما خلق ٳلا للثرثرة يقول متحسرا أن (ابراهيم ولد مينة العجوز باع ابنته مقابل بيرة مغشوشة..و أنه سيجز رأس العمري... الحشيش والحكومة واحد كلاهما يأخذ عمرك ..لكن الحشيش أفضل )ثم ينظر حواليه بارتياب واضح٬يسعل ... يضرب صدره٬ يقوم مُتَعَثْرَا ليقضي حاجته على الجدار المتهالك يۡفرغ مثانته٬ يسحب رجله سحبا ويمضي لزواية أخرى.
منذ أن غادر الثانوية اللعينة و هما معا يتجولان في المدينة و أطرافها على المنوال ذاته قضى العشر أعوام الأخيرة من عمره. يفتقد بيته ووالده لكنه يكابر ...منذ أعوام كثيرة لم يسأل عنه أحد٬ انه لا يحمل أي ضغينةأو شرا في قلبه٬ حياته اﻵن بين الخرابات و الخمارات٬ حلم يقظا بأشياء كثيرة٬لم يبذل مجهودا لتحقيقها٬ يشعر بثقل رأسه٬ يتدفق الدم عبر جبهته يتحاشى لمسه٬ ألأفكار الغريبة تغزو رأسه المشوشة٬ تخيل جسده جيفة ينخرها الدود٬ تصور الدود يسري في دمه و ينفجر في رأسه٬ نوافير من الدود .. كان يصرخ يهذي ويضحك بصوت عال٬ سمع أصواتا ﺂتية من كل مكان هلاوس٬تتداخل وتتشابك٬ تتوارد لا يعرف من أين ...لمح وجوها يجهل أصحابها٬عيونا ..أنوفا.. ميز بينها وجه غزلان المستدير وجسدهاالمكتنز٬ يزعم أنها فاتنة و لولا حكاياتها لتزوجها و أنجبا طفلا يشبهها سوف يطلق عليه اسم ( طفل مكب النفايات)٬ كانت دوما سخية معه تقرضه في أيامه القاحلة٬ و تقاسمه ما سلبته من زبنائها٬ قابلها في بار السبتي أو مقهى ولد الجراري لا يذكر.. رقصا معا.. شربا.. دخنا الحشيش ..ورقدا خلف المباني المهجورة.. حدثته كما عبيدة عن مواجعها قالت أنها تحب الحيوانات.... الحيوانات أكثررأفة من بني جنسها و أنها تعجز عن احتمالهم٬بعد أحاديث طويلة لمحت له بالزواج٬ لكنه فضل الصمت وربما تظاهر ببعض البلاهة٬ كان يريد أن يقول أشياء كثيرة (الأمور أعقد مما تبدو عليه... وأنه تقليدي حد النخاع... وربما حلم بفتاةشريفة يقتل نفسه من أجلها ) لكنه غير الموضوع٬ انه جبان و أناني ردد بينه و بين نفسه
انتابته موجة من السعادة الحقيقية٬ الحبوب التي تعاطها مع عبيدة تحرض عقله على أشياء مجنونة...لاشيء يعكر مزاجه اﻵن رأسه فوق السحاب وجسده في الوحل..يلح عليه السؤال هل هو حي أو ميت اﻵن ؟الموت مجرد فكرة تجاوزها منذ بدأ بشق جلده يقول أنه يسجل خريطة أيامه على لحمه صفحات مرعبة من الندوب. يشعر أنه أضاع فردة حذاءه الوحيد٬ لاشعوريا يفكر في اِسْتِعَارَة اخر من بوابة المسج٬ قال أنه سيدعو لصاحبها بمديد العمر وحسن العاقبة٬ ليس لصا انه يكره اللصوصية بكل أشكالها . هل هو حي أو ميت؟ انه يغوص في بركة من سائل لزج٬ يوشك أن يبتلعه يتصور لونه الأحمر... أنه لا يحب الأحمر يفكرفي الأبيض أو الأخضر لون الزجاجة التي رافقته لأيام كثيرة٬ سماء خضراء ...بيوت خضراء.. وجوه خضراء انه يسبح في لجج الأخضر .
#بشرى_رسوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموت عادل الحياة غير عادلة
-
الخطيئة 2
-
الخطيئة 1
-
جزيرة الشيطان
-
دار يسر
-
بنت البولفار
-
بنت البولفار3
-
الشبه منحرف
-
بنت البولفار2
-
بنت البولفار1
-
غرند-مى
-
ذكريات ماتيلد
-
الحيوات الثلاث ل أنطوان أناكرسيس
-
ثرثرة المنسج
-
د الجزيري بين تكريس مفهوم النخبة و الهروب الدائري
-
ضحكة الأشرار
-
حنا
-
اساءة الورق
-
بعض من...؟
-
تصبحون على سلام
المزيد.....
-
توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف
...
-
كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟
...
-
شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي
...
-
رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس
...
-
أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما
...
-
فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن
...
-
بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل
...
-
“حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال
...
-
جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
-
التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!
المزيد.....
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
المزيد.....
|