أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - حزبُ سبينوزا: علاقة اللاهوت بالفلسَفة (كانتْ هذه التجربَة مُهدّدَة من طرف أنصار -الملكية المطلقة- واللاهوتيين. إنّ للديمقراطية و-الدّين الحَق- والفلسفة نفس الهدف عمَليا).















المزيد.....

حزبُ سبينوزا: علاقة اللاهوت بالفلسَفة (كانتْ هذه التجربَة مُهدّدَة من طرف أنصار -الملكية المطلقة- واللاهوتيين. إنّ للديمقراطية و-الدّين الحَق- والفلسفة نفس الهدف عمَليا).


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 6996 - 2021 / 8 / 22 - 17:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نشر سبينوزا (1632 - 1677) كتابه "Tractatus theologico-politicus" (ترجم حسن حنفي هذا الكتاب إلى العربية تحت عنوان "رسالة في اللاهوت والسياسة"، دار التنوير، بيروت، الطبعة الأولى، 2005) بدون ذكر اسم الكاتب، كما نشره لدى ناشر وهمي (غير موجود فعليا)، ونُسِب الكتاب في حينه لكاتب يهودي مُلحد يُقيم في مدينة Voorburg الهولندية.
شكل الكتاب فضيحة استمرَ تأثيرها مدة طويلة. وقد قال بايل (Bayle) عن هذا الكتاب أنه "كتابٌ مؤذٍ وكريه". وظل الكتاب موضوعَ إدانات وعمليات تفنيد طيلة قرن من الزمان. لكن، من جهة أخرى، طاردت حججُ الكتاب التفسير التوراتي والثقافة "المنتقدة للديم باسم الحرية" والقانون السياسي ونقد السلطات التقليدية.
لا يمكن القول إن سبينوزا فوجئ بهذه الردود العنيفة. فمنذ تمهيده للكتاب، والذي لازلنا نشعر بحدته المفرطة إلى اليوم، نراه واعيا بالخطر المزدوج الذي أقدم عليه في ظرفية مليئة بالتناقضات والمخاطر: أي أن يُفهم هذا الكتاب بشكل جيد من طرف الخصوم الذين يهدمُ أدوات سيطرتهم الثقافية، ويُساء فهمه إلى حدٍ كبير من طرف جماهير القراء، بمن فيهم أولئك الذين يعتبرُ نفسهُ قريبا جدا منهم.
لماذا أقدم على هذه المخاطرة؟ لقد عرَض هو نفسه سبب ذلك في صفحات الكتاب الأولى حين قال: "سأعرض الأسباب التي دفعتني إلى كتابة هذا الكتاب". ومن بين تلك الأسباب ما يلي:
- تحوّل الدين إلى اعتقادات خرافية بدافع الخوف الهذياني من القوى الطبيعية والإنسانية والدوغمائية المصلحية للكنائس، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اندلاع الحروب الأهلية، العلنية منها والضمنية (ما عدا إذا سحق الاستبدادُ كل انشقاق).
- استغلال الحكام لانفعالات العامة وأهوائهم.
فما الذي ينبغي فعله لعلاج هذا الوضع برمته؟ ينبغي التمييز بين نوعين من المعرفة (وهذا لا يعني أنّ أحد النوعين يعارض الآخر): النوع الأول هو المعرفة المستخلصة من الوحي، أي تلك المعرفة التي يمكن استخلاصها من قراءة دقيقة وصارمة لكتب الوحي التي موضوعها الوحيد هو "الطاعة".
والنوع الثاني من المعرفة هو المعرفة الطبيعية (ولنقل مؤقتا إن المقصود هو العلم أو العقل) والتي ترتبط فقط بالطبيعة، وهي معرفة في متناول العقل الإنساني الكوني.
لا يوجد أي شيء مُشترك بين هذين النوعين من المعرفة. لكن يمكن لكل نوع منهما التواجد في مجاله الخاص به بدون صراع فيما بينهما، ودون أن يضطر أحدُهما ليصير خادما للآخر. وينتج عن ذلك، أولا، تحريرٌ للآراء الفردية في مجال الإيمان، شريطة أن تهدف هذه الآراء فعليا إلى تحقيق محبة الجار/القريب، وينتج عن ذلك، ثانيا، تحريرٌ للآراء الفردية المتعلقة بالدولة، شريطة أن تظل هذه الآراء متلائمة مع أمن الدولة، وينتج عن ذلك على وجه الخصوص، ثالثا، تحريرٌ شامل للبحث الفلسفي حول موضوع الله والطبيعة وطرق كل فرد في بلوغ الحكمة والخلاص، وينتج عن ذلك، رابعا، تعريفٌ لقاعدة أساسية تخص الحياة داخل المجتمع، وهذه القاعدة هي:
"لا يمكن معاقبة الأفراد إلا على أفعالِهم، أما أقوالُهم فلا يمكن معاقبتُهم عليها".
إن الدولة التي تحترم هذه القاعدة هي التي نَعتها سبينوزا بالدولة الديمقراطية. وتشكل "الجمهورية الحرة" بأمستردام صيغة تقريبية للديمقراطية، وكانت هذه التجربة مهددة من طرف أنصار "الملكية المطلقة" واللاهوتيين، بنفس الكيفية التي يهددون بها الدين والفلسفة ولنفس الأسباب. إن للديمقراطية والدين الحق (ما تسميه كتب الوحي "بالإحسان والعدل") والفلسفة نفس الهدف عمليا.
لكن لماذا حام سوء الفهم مع ذلك، وبشكل دائم، في ظل هذه الظروف، حول الحجج التي تضمنها كتاب سبينوزا "رسالة في اللاهوت والسياسة؟ هناك عدة أسباب تفسر هذا الأمر، وهي أسباب غير ظاهرة في النص.
لا يوجد أي مفهوم أكثر التباسا من مفهوم "الحرية، سواء كانت هذه "الحرية" فلسفية أو سياسية، حتى حينما يتعلق الامر عمليا بِسيطرة تقدم نفسها على أنها عملية تحرير. لهذا السبب لا تكتفي المذاهب الفلسفية والسياسية، إلا نادرا، بالأطروحات المضادة البسيطة ما بين الحرية والإكراه، أو ما بين الحرية والضرورة. تقدم تلك المذاهب نفسها كمحاولات لإنجاز أو لإعادة إنجاز تعريف "عادل" للحرية ضد تعريفات أخرى لها (...)
إن علامات الظرفية التاريخية حاضرة حضورا شاملا في كتاب "رسالة في اللاهوت والسياسة" (...)، ونرى أن سبينوزا يتدخل في الجدال اللاهوتي الذي تم خوضه في وضعية ملتهبة آنذاك. فنراه يقترح إجراءات قد تسمح بالقضاء على التواطؤ بين الحزب الملكي والدعاية "الأصولية" للقساوسة الكلفانيين.
وتلتقي هذه الأهداف بشكل مباشر بأهداف الجماعات التي أراد سبينوزا أن يكون قريبا جدا منها، ووجد نفسه كذلك: والجماعة المعنية بالأساس هي النخبة القائدة في الجهورية الهولندية. فمن الناحية العملية، أقدمت هذه الجمهورية على تعيين نفسها "كحزب للحرية"، حزب وريث لنضال التحرر الوطني، بطل الحريات المدنية ضد تصور ملكي للدولة شبيه بالتصور الذي كان مسيطرا في أوروبا التي كان يسود فيها "الحكم المطلق"، مدافع عن حرية المعتقد، وعن استقلال العلماء، ومدافع إلى حدّ ما عن حرية تداول الأفكار. إنه تصريح مدهش، لكن سبينوزا لم يتعامل معه كمسلمة على الرغم من التزامه ووقوفه مع "حرية الجمهورية".
لما اكتشف سبينوزا مشكلا في ما تم تقديمه كحل بديهي (بدءا بفكرة أن الحرية أمكنها أن تتماهى مع سياسة مجموعة معينة ومع مصالحها "الكونية")، توصل إلى تعريف للحرية بكلمات متناقضة تناقضا مطلقا مع الكلمات التي يطالبُ أصدقاؤه باستعمالها في هذا الشأن. أي نقد الوهم الذي تتغذى منه قناعتهم المتعلقة بالنضال من أجل قضية عادلة. هل ينبغي أن نندهش، في هذه الظروف، من أن يبدوَ كتاب سبينوزا "رسالة في اللاهوت والسياسة" مخربا بالنسبة للبعض، ومُزعجا جدا أكثر مما هو مفيد بالنسبة للبعض الآخر؟ (وهو كتاب بعيد كل البعد عن أن يقدم نفسه على أنه كتاب ثوري).
لكن لسوء الفهم هذا أسباب عميقة جدا. إذا كان هذا الكتاب يهدف إلى تحقيق هدف سياسي، فإن سبينوزا ارتأى أن يبني أطروحاته في مجال الفلسفة. والسؤالان الكبيران اللذان يخترقان الكتاب كله هما على الشكل التالي: السؤال الأول يتعلق باليقين (أي بالعلاقة بين "الحقيقة" والسلطان autorité - بمعنى القدرة التي يختص بها صاحب السلطة، ومن ثمة فكرة التسليط)، والسؤال الثاني يتعلق بالعلاقة بين الحرية والحق/القانون أو "اقتدار" الفرد puissance (بما أن الاقتدار هو أكثر أهمية وفعالية من القدرة، وبما أن المقتدر هو القادر على ما يريد).
هل تشكل الفلسفة والسياسة مجالين متمايزين؟ هل الفلسفة "نظرية" يمكن أن نستخلص منها "ممارسة" سياسية؟ ومن أين أتى سبينوزا بفكرة فلسفية عن الحرية، فكرة قادرة على تبديد أوهام المدافعين عنها أنفسهم؟ يمكن أن نفهم أو نبرهن، في نهاية الكتاب، على أن الفلسفة والسياسة تتداخلان وتتفاعلان فيما بينهما. لما طرح سبينوزا مشكلات فلسفية على وجه الخصوص، فإنه لم يتبع طريقا ملتويا لمعالجة السياسة، ولم يقم بنقل الإشكالات إلى مكان آخر أو إلى عنصر آخر يوجد بعيدا عن السياسة (ما وراء السياسة)، ولكنه ارتأى إيجاد الوسائل التي تمكنه من أن يعرف بدقة وبشكل ملائم رهانات وموازين قوى السياسة بمعرفة أسبابها، فالقيام بالبحث الفلسفي انطلاقا من قضايا السياسة يمنع الابتعاد عن التساؤل عن ماهية الفلسفة. بل على العكس من ذلك، يتم اتباع طريق يسمح بتحديد المصلحة والمشاكل الفلسفية (...).
إن تصور الفلسفة لدى سبينوزا ليس جامدا، وإنما هو تصور ديناميكي. حدث منعطف في فكر سبينوزا آنذاك. وهو منعطف كان ضروريا لكنه لم يكن متوقعا جزئيا. وصعوبة تحديده مرتبطة بأن إعادة النظر لا تشمل كلمتين فقط وإنما أربع كلمات وهي: الفلسفة والسياسة واللاهوت والدين. ولتحقيق وضوح في هذا الشأن ينبغي إعادة بناء الكيفية التي تبدو من خلالها هذه الكلمات الأربع.
هل يتعلق الأمر بالدين أم باللاهوت؟ نجد أثرا واضحا في مراسلات سبينوزا، عن هذا المنعطف الذي كان وراء كتابة هذا الكتاب، وعلى وجه الخصوص مراسلته مع أدونبورغ Odenburg. نرى أن سبينوزا تلقى طلبا مُلحّا، وهو ما تُوضحه هذه الرسالة: "أصلُ الآن للمسألة التي تهمنا على وجه الخصوص، وأبدأ بأن أسألكم هل أنهيتُم ذلك الكتاب، بالغ الأهمية والذي تعالجون فيه أصل الأشياء وتبعيتها للعلة الأولى، وكذلك تطهير عقولنا. وبكل تأكيد، لا أرى، صديقي العزيز، أن أي كتاب بإمكانه أن يكون أكثر إمتاعا من هذه الدراسة"، (رسالة XI، 1663).
تجنب سبينوزا عمليا هذا الطلب، وكتب حوالي سنة 1665 رسالة إلى أدونبورغ Odenburg قال فيها بعدما تطرق لتطور أفكاره الفلسفية: "شرعتُ حاليا في كتابة دراسة حول الكيفية التي أتصور من خلالها كتب الوحي، أما البواعث التي دفعتني للقيام بذلك فهي كالتالي:
1) أحكام اللاهوتيين المسبقة، فأنا أعرف فعلا أن هذه الأحكام المسبقة هي التي تقف حاجزا أمام استعمال الناس لعقولهم في مجال الفلسفة، وبناء على ذلك فمن المفيد تعريف هذه الأحكام المسبقة وتحرير العقول منها.
2) رأي العامة فيَّ شخصيا، فهم لا يتوقفون عن اتهامي بالإلحاد، وأرى نفسي مجبرا على محاربة هذا الرأي قدر ما أستطيع.
3) حرية التفلسف والتعبير عن المشاعر: أرغب في تحقيق الحرية بكل الوسائل، لأن السلطان المفرط ومبالغة الوعاظ يقودان إلى إعدامها"، (رسالة XXX).
ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار الأحداث السياسية التي حدثت آنذاك (اتهام أحد أصدقاء سبينوزا من قادة الجمهورية بالإلحاد، وهذا جزء من الوعظ الذي كان يقوم به القساوسة الكالفنيون الذين كاوا يحاولون فرض أرثوذكسية دينية). لكن الفكرة الأساسية الملائمة للهدف المُعلن في كتاب "رسالة في اللاهوت والسياسة" هي تحقيق الفصل الجذري بين مجال الفلسفة ومجال اللاهوت (...)
سوف يشكل اللاهوت، بحكم تأثيره الفكري وموقعه الرسمي، عائقا أما الاعتراف بالميتافيزيقا الحقة. وسيكون كافيا التخلص من اللاهوت (وتطهير العقل بصفة عامة) من أجل التفكير والدراسة وفق ما تقتضيه الحقيقة. لكن إذا قاوم هذا العائق بداهة الحق، ورفض ترك المجال حرا من تلقاء نفسه، ألا ينبغي مهاجمته هو ذاته؟ أي نقد الخطاب اللاهوتي كإيديولوجيا لطائفة ذات نفوذ قوي اجتماعيا، وكصيغة عامة للعلاقة مع المعرفة وهما أمران مترابطان فيما بينهما ترابطا داخليا؟ يُضاف إلى ذلك سؤال يُقلقُ الفلسفة وهو: أين يوجد الخط الفاصل تحديدا بين الفلسفة واللاهوت؟
لما تتطور المعرفة في استقلال تام عن تطبيقاتها وعن مبادئها النظرية، مُحدّدة بواسطة العقل طبيعة "العلة الأولى" والقوانين الكونية للطبيعة، كيف يمكن أن نتجنب الاعتراف بأنها ليست تابعة فقط للميتافيزيقا وإنما هي تابعة أيضا للاهوت صراحة أو ضمنيا؟
لمّا يكتفي العالِم – الفيلسوف بتجنب العائق اللاهوتي التقليدي، فإنه من الممكن أن يسقط سجينَ لاهوتٍ آخر، أليس هذا هو ما وقع لديكارت ولنيوتن بعده؟
ربما لا نندهش كثيرا من المفارقة التي يحتفظ بها كتاب "رسالة اللاهوت والسياسة" لقرائه، والتي تتمثل في أن الموضوع الرئيسي الذي تُطبقُ عليه الفلسفة التي تحررت من اللاهوت هو مدى صلاحية التراث التوراتي ومسألة المحتوى الحقيقي للإيمان!
إن الدفع بمنهجية العقلانية الفلسفية إلى أقصى مداها يولّدُ نتيجة تتناقض مع صياغتها الأولية: حيث يصبح هدفها هو تبديد الغموض المتعلق بكلمة "لاهوت"، وتحرير الإيمان نفسه من اللاهوت المتهم بالقيام بـ"التأملات" الفلسفية المجردة والغريبة عن "الدين الحقيقي".
"بالرغم من الدين (كما بشر به الحواريون، أي بسردهم تاريخ المسيح بكل بساطة) لا ينتمي لمجال العقل، فإن الجميع قادرون على فهمه كله اعتمادا على النور الطبيعي، لأن أساس ذلك التاريخ مكوّن من تعاليم أخلاقية، مثل عقيدة المسيح كلها، اي تلك العقيدة التي علّمها يسوع المسيح في الجبل والتي أشار إليها القديس مَتّى في الفصل الخامس وما بعده"، (رسالة في اللاهوت والسياسة، النص الفرنسي، ص: 210، والملاحظة رقم: XXVII).
"لا تتضمن عقيدة كتب الوحي لا مفاهيم فلسفية، ولا تأملات، وإنما تتضمن فقط أمورا بسيطة جدا، والتي بإمكانِ أي ذهنٍ، مهما كان أفقه ضيقا جدا، أن يدركها. لذلك لا يمكنني أن أعجبَ كثيرا بنوعية ذهن أولئك الذين يرون في كتب الوحي أسرارا عميقة جدا، إلى حدّ العجز عن تفسيرها بأية لغة كانت، والذين أقحموا في الدين العديد من التأملات الفلسفية المجردة، الشيء الذي حوّل الكنيسة إلى أكاديمية، وحوّل الدين إلى عِلم أو بالأحرى إلى دراسات سكولائية (دراسات صورية ببغاوية فارغة) (...) لم يكن هدفُ كتب الوحي هو تدريس العلوم (...) فهذه الكتب لا تطالب الناس إلا بالطاعة، ولا تُدين إلا العصيان، أي أنها لا تُدينُ الجهل. لكن بما أن طاعة الله لا تتم إلا من خلال محبة القريب/الجار، فإن نتيجة ذلك هي أن العلم الوحيد المنصوح به من طرف كتب الوحي هو العلم الضروري لجميع الناس ليطيعوا الله وفق هذه القاعدة (...) أما فيما يخص التأملات المجردة الفارغة التي لا تتوخى تحقيق هذا الهدف، سواء تعلقت بمعرفة الله أو بمعرفة الأشياء الطبيعية، فليست لها أية علاقة بكتب الوحي، وينبغي أن يتم فصلها عن دين الوحي (...) وينطبق هذا على الدين كله"، (رسالة في اللاهوت والسياسة، النص الفرنسي، ص: 230 - 231).
إنه موقف غير مُريح بالمرة، فسبينوزا يهاجم اللاهوت ليس فقط لأنه معادٍ للفلسفة، وإنما يهاجمه لأنه معادٍ للدين. أدى الانطلاق من الدفاع عن حرية الفكر ضد اللاهوت، إلى الدفاع عن الدين الحق (والمرتبط دوما بالوحي) والذي يستهدف الفلاسفة أيضا! كما لو أن الخصم الوحيد الذي ينبغي أن يواجهه الذين يبحثون عن الحقيقة، والذين يقبلون الطاعة هو خطاب "ميتافيزيقي - لاهوتي" مُسيطر.
لقد خاطر سبينوزا بمعارضته ليس فقط للاهوتيين ولكن لمعظم الفلاسفة أيضا: البعض منهم عارضهم لأنهم يقتاتون من التأملات المجردة الفارغة حول مواضيع الدين التي حوّلوها إلى مواضيع نظرية، والبعض الآخر (من الفلاسفة) عارضهم لأنهم حاولوا تحويل الفلسفة إلى خطاب معادٍ للدين. لكن سبينوزا نفسه لا يمكنه، مع ذلك، تجنّب بعض الأسئلة الصعبة.
أين هو الاختلاف بين الإيمان والتأملات المجردة الفارغة التي تحوّلُ الإيمان إلى تفكير خرافي؟ (...) كيف يمكن تفسير تكوّن اللاهوت؟ هل ينبغي أن نفترض وجود اتجاه داخل الدين يجعله يُفسدُ نفسَه؟ هل ينبغي أن نفترض وجود "حاجة" للتأملات النظرية المجردة لدى العامة والتي يستجيب لها اللاهوتيون؟ هل يتعلق الأمر باستغلال مَحض للعامة من طرف هؤلاء الأشخاص الأذكياء؟ أم أن الأمر يتعلق، بالأحرى، بالتعرف في الفكر الخرافي على كيفيةٍ من كيفيات التبعية المتبادلة بين الإيمان "العامي" والدين "العالِم"، بحيث أن العامة واللاهوتيين صاروا معا على السواء سُجناء هذه التبعية؟ (ترجمة: محمد الهلالي).

♦ المرجع:
- Etienne Balibar, Spinoza et la politique, PUF, 1985.



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارل ماركس: مفهومُ الوَعْي الطبَقي (تَجدُ الفلسفة في العُمال ...
- جاك إيلول: الأحزاب السياسية هي مجرد آلات ضخمة تمكن من الوصول ...
- الفيلسوف كانط: نقد العقل العملي (الأفكار الأساسية للكتاب)
- جاك دريدا: هل للفلاسفة حياة خاصة؟ (لا أقول أنه ينبغي إنجاز ش ...
- نيتشه: أخْلاقُ الأسياد حَسَبَ نِيتْشه (إنَّ دمقرطة أوروبا تُ ...
- إلياس صنبر Elias Sambar: الصداقة، الأصدقاء، الإخوة والرفاق ( ...
- جورج سيمل: فلسفة المال (لم يَعُد المالُ وسيلةً وإنما صارَ غا ...
- الفيلسوف ألان باديو: مفهوم الشعب (24 ملاحظة حول الاستعمالات ...
- فرنسيس فوكوياما: نهاية التاريخ ومَقدمُ الإنسان الأخير (تفوقُ ...
- الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل: ما هو الدين من الناحية السوسيو ...
- الفيلسوف نيتشه: العبيد وأخلاق العبيد (كيف ظهرت أخلاق العبيد ...
- الفيلسوف ألان باديو (Alain Badiou) : لا أحب إيمانويل كانط، ل ...
- الفيلسوف كيركجارد: القلقُ يكشفُ عن عظمة الإنْسانِ
- كانط: نقد العقل الخالص (الأفكار الأساسية للكتاب)
- الفيلسوف نيتشه: ما هي الجينيالوجيا؟ (لا توجد ظواهر أخلاقية ع ...
- ديكارت: الشك الديكارتي (الشك الديكارتي أساس العقلانية الحديث ...
- كيف يصنف أدولف هتلر الأعراق؟
- نوام تشومسكي من خلال أقواله (موقفه من الديمقراطية، الحجاب، ا ...
- ميشال فوكو: السلطة السياسية والسلطات غير المرئية (الميكرو-سل ...
- إدموند هوسرل Husserl : معنى الوعي (حسب الفينومينولوجيا)


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - حزبُ سبينوزا: علاقة اللاهوت بالفلسَفة (كانتْ هذه التجربَة مُهدّدَة من طرف أنصار -الملكية المطلقة- واللاهوتيين. إنّ للديمقراطية و-الدّين الحَق- والفلسفة نفس الهدف عمَليا).