أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - الفيلسوف نيتشه: العبيد وأخلاق العبيد (كيف ظهرت أخلاق العبيد وفرضت نفسها عالميا؟)















المزيد.....

الفيلسوف نيتشه: العبيد وأخلاق العبيد (كيف ظهرت أخلاق العبيد وفرضت نفسها عالميا؟)


محمد الهلالي
(Mohamed El Hilali)


الحوار المتمدن-العدد: 6939 - 2021 / 6 / 25 - 04:06
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"اكتشف فريدريك نيتشه Friedrich Nietzsche (1844 - 1900) نصا مكتوبا باللغة السنسكريتية هو "قوانين مانو Manou"، واستعار منه كلمة "تشاندالا" (Tschandala) التي استعملها كثيرا. وإذا كان من المؤكد أن الترجمة التي توفرت لديه آنذاك لم تكن لها قيمة كبيرة، فلقد كان كافيا (فيما يخص ما قدمته له تلك الترجمة) أن يعتقد أنه عثر على تصورات سبق له أن تعرف عليها وبلورها فيما قبل. من الواضح أن بعض المعلقين سيسرون لأنهم سيتمكون من التفكير بأن نيتشه عثر على مثل أعلى في مجتمع آري. لكن الأمر ليس بهذه البساطة.
لقد ضللت الترجمة الفرنسية المألوفة للعنوان الأصلي لكتاب نيتشه (Jenseits von Gut und Bose) بعبارة (Au-delà du bien et du mal) بعض القراء الفرنسيين. وبالرغم من أن عبارة (Par-delà bien et mal) هي أفضل بكثير من العبارة الأولى، لكنها ليست مُرضِية مع ذلك. فالكلمة الألمانية (gut) يمكن ترجمتها بعدة صيغ: فإذا كانت ظرفا تترجم بـ (bien) أي بكلمة خيّر، وإذا كانت نعتا تترجم بكلمة (bon) أي بكلمة جيد (أو حسن، ويترجمها فتحي المسكيني بكريم ضد لئيم)، وإذا كانت اسما تترجم ضرورة بـ (bien)، أي بالخيْر.
لما تستعمل الكلمة الألمانية (gut) كنعت يكون لها ضدان هما: (böse) أي (méchant) (يمكن ترجمتها بسيء ورديء وقبيح وطالح). تُحلل جينيالوجيا الأخلاق التعارض الظاهر بين نوعين من الأخلاق حسب الاعتماد على هذا الضد أو ذاك. فأخلاق العبيد تُعارض الجيّد (الحسن، الطيب، الصالح) بالشرير. أما أخلاق الأسياد فتعارض الجيّد بالسيء.
فالمعنى الحرفي بالفرنسية للعنوان الألماني لكتاب نيتشه (Jenseits von Gut und Bose) هو: (au-delà de bon et de méchant). لكن هذه الترجمة الحرفية ليست مفهومة بالمرة، وفائدتها ضئيلة. فإذا كان نيتشه قد عبر عن عدائه للأخلاق بصفة عامة فإنه هاجم الأخلاق الحديثة على وجه الخصوص، الأخلاق السائدة في عصره في أوروبا، والتي تشكلت طيلة عشرين قرنا كنتيجة لسيادة المسيحية، أي الأخلاق التي يكون فيها الجيّد نقيضا للشرير.
أما الأخلاق الأخرى فهي التي سادت في العالم اليوناني المسيحي، والتي وجدها نيتشه عند ثيوجنيس Théognis، وعند هوميروس بطبيعة الحال. ففي ذلك المجتمع الذي سيطرت عليه أرستقراطية حربية، كان الأسياد هم الجيّدون (agathoi)، إنهم أفضل المحاربين الذين لا يخشون المواجهة الجسدية المباشرة. أما عموم المقاتلين الذين هم من البسطاء (kakoi) فهم الأقل جودة.
تترجم الكلمة اليونانية kakos (إلى الفرنسية) حسب السياقات بـ mauvais (رديء، سيء، خبيث)، وتترجم أيضا بـ lâche (جبان، هَلوع، خائف، مذعور). إن الضعفاء هم الذين يعتبرون ذوي الامتيازات أفرادا خطرين. تتضمن الإلياذة شخصية قبيحة بل فظيعة، اسمها Thersite، تهاجم الأسياد ولا تكف عن الصراخ إلى أن أخرسها أحد هؤلاء الأسياد وهو Ulysse بضربة عنيفة من عصاه. يذكر نيتشه اسم Thersite هذا في اللحظة التي يصف فيها معارضة كزينوفان Xénophane لهوميروس.
لكن هذا التضاد تمّ بين فكرين نبيلين، لذلك إذا تم ذكر Thersite فلكي يُقصى مباشرة بعد ذلك. فمن النادر أن يمنح هوميروس أدوارا للعبيد في أشعاره. بل لا نعثر على الكلمة التي تشير إليهم (وهي doulos) في ما كتبه. لم يتم عرض أخلاق العبيد في أشعاره بطريقة علنية وواضحة. لكن يمكن بسهول استنتاج تلك الأخلاق بالتعارض مع أخلاق الأسياد. تضمن كتاب نيتشه (Humain trop humain)، شذرة (رقم 45) واضحة بهذا الصدد: ظهر التضاد ما بين الجيّد والسيّء "في صلب روح أعراق وطوائف الحكام في البداية". لا يتعلق الأمر بالطيبوبة، كما أن القسوة ليست مستبعدة، بل نجد ما هو أشد من القسوة: "من يستطيع أن يعامل الآخرين مثلما عاملوه، الخير بالخير، والشر بالشر، ويقوم بذلك فعلا، من يفرض الاعتراف وينفذ الانتقام يسمى جيّدا، وأما العاجز الذي لا يستطيع ذلك فهو الرديء". تفترض هذه الطريقة في النظر للأمور وجود طائفة من الأفراد المتساوين فيما بينهم، يحركهم الشعور بالشرف، نجدها في النص المخصص "للمجادلة لدى هوميروس".
ظهر تصور جديد للأخلاق فيما بعد "في روح المقهورين العاجزين. هنا، بالنسبة لهؤلاء، كل إنسان آخر يعتبر معاديا ومستهترا بالآخرين، مستقلا بنفسه وقاسيا وغدّاراً، سواء كان نبيلا أو بذيئا" (Humain trop humain I, § 45). ونعثر على الفكرة القائلة بأن أخلاق العبيد ظهرت متأخرة عن ظهور أخلاق النبلاء في كتاب نيتشه "جينيالوجيا الأخلاق" (I, § 11). كما نعثر في هذا الكتاب ولأول مرة بوضوح كبير على عبارة "أخلاق العبيد". لم يعد الأمر يتعلق بمجرد رد فعل من طرف "المقهورين العاجزين"، بل ظهر نظام بأكمله للوجود، لقد "صارت الضغينة مبدعة للقيم" (Généalogie de la morale, I, § 10). إن كلمة الضغينة ressentiment (يستعمل فتحي المسكيني كلمة اضطغان، ويستعمل حسن قبيسي كلمة حقد) المستعارة من الأخلاقيين الفرنسيين والمستورة مباشرة من النص الألماني تظهر هي أيضا لأول مرة في كتاب "جينيالوجيا الأخلاق".
هنا يُطرح السؤال التالي: من هو الشرير حقيقة حسب أخلاق الضغينة؟ الجواب واضح جدا، إنه تحديدا من يُعتبر خيّرا في الأخلاق الأخرى، إنه النبيل القوي الذي يسود" (Généalogie de la morale, I, § 11). سيكون من الخطأ الاعتقاد أن هذا النبيل يقدم المثل الأعلى. ويذكر ما تبقى من النص أنه إذا كان الأسياد (في علاقتهم بنظرائهم) يبدون "أذكياء في كل ما يتعلق بنُظرائهم والسيطرة على الذات واللطف والإخلاص والكبرياء والصداقة"، فإنهم يخرجون عن السيطرة لما يواجهون الجمهور، وفي هذه الحالة "لا يكونون أفضل من حيوانات مفترسة هائجة (...) من الممكن ألا نتعرف في أعماق هذه الأعراق الأرستقراطية على الحيوان المفترس، الحيوان الأشقر الرائع الذي يجول بحثا عن فريسة وعن مجزرة". لذلك ينبغي ترويض وتدجين الحيوان الأشقر. وإنها لمفارقة غريبة أن تقوم منظومة قيم العبيد بهذا الإكراه. إن "غرائز رد الفعل والضغينة التي أهينت ورُوّضت بواسطتها الأعراق الأرستقراطية ومثالها الأعلى" هي أدوات ثقافية حقيقية. ولكن "ممثلي هذه الغرائز" ليسوا كذلك.
لا تقول النصوص المتأخرة التي لجأت لنص "قوانين مانو" شيئا آخر. يمكن ان نخطئ بهذا الخصوص. فإعجاب نيتشه بهذا الكتاب كما تم التعبير عنه في رسالته إلى Peter Gast بتاريخ 31 ماي 1888، يُستنتجُ منه أنه يغازل فكرة العرق الخالص، أي الآري بالطبع، مع تمجيد ممكن لمجتمع الطوائف. ("يشبه التنظيم القروسطي محاولة رائعة لإيجاد المؤسسات التي يقوم عليها المجتمع الهندي-الآري العتيق"). هناك فقرة في كتاب نيتشه (Crépuscule des idoles)، جاء فيها "أولئك الذين يحسّنون ويجوّدون الإنسانية" (§ 3) ليست بعيدة عن تبرير الاستعمالات السيئة التي مورست على تشاندالا Tschandala. (كان لا ينبغي مع ذلك أن نندهش من قراءة مقاطع متأخرة تنتقد "قوانين مانو" والتي تنتهي بالعبارة التالية: "لقد أفسد التأثير الآري العالم بأسره"، Fragments posthumes, 45, -print-emps, 1888 ).
تتحدث تلك الفقرة عن جماعة من الناس حددوا مهمتهم في ترويض الحيوانات المفترسة، التي هي الأسياد، الآريون الخالصون، واحترام جمهور الكائنات الدنيا، أي تشاندالا. وهذه الجماعة تحتل مكانة هامة بين الطوائف البدائية الأربع، كما أن السلاح الذي تستعمله لتحْسين وتجْويد البشر هو الرعب. يتعلق الأمر بتحويل الناس إلى كائنات "مريضة". نقرأ في الفقرة السابق ذكرها ما يلي: " إن الحل الوحيد، في الصراع ضد الحيوان المفترس، من أجل إضعافه هو تحويله إلى كائن مريض". ويضيف نيتشه: "وهذا ما فهمته الكنيسة، لقد أفسدت الإنسان، أضعفته، لكنها تفتخر بأنها حسّنته وجوّدته". من الواضح أن فكرة الخطيئة فكرة فعالة.
إذا استطاعت ضغينة العبيد أن تساهم في بناء منظومة القيم التي دجّنت النبلاء، فإن ذلك قد تمّ بواسطة عمل الكهان الذين يعتبرون جزءا مكونا لتقاليد "قوانين مانو"، فهم يشكلون الطائفة الأولى، مثلما نجد ذلك في الكنائس المسيحية.

- المرجع:
Jean-Louis Backès, dictionnaire Nietzsche, sous la -dir-ection de Dorian Astor, Robert Laffont, 2017



#محمد_الهلالي (هاشتاغ)       Mohamed_El_Hilali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيلسوف ألان باديو (Alain Badiou) : لا أحب إيمانويل كانط، ل ...
- الفيلسوف كيركجارد: القلقُ يكشفُ عن عظمة الإنْسانِ
- كانط: نقد العقل الخالص (الأفكار الأساسية للكتاب)
- الفيلسوف نيتشه: ما هي الجينيالوجيا؟ (لا توجد ظواهر أخلاقية ع ...
- ديكارت: الشك الديكارتي (الشك الديكارتي أساس العقلانية الحديث ...
- كيف يصنف أدولف هتلر الأعراق؟
- نوام تشومسكي من خلال أقواله (موقفه من الديمقراطية، الحجاب، ا ...
- ميشال فوكو: السلطة السياسية والسلطات غير المرئية (الميكرو-سل ...
- إدموند هوسرل Husserl : معنى الوعي (حسب الفينومينولوجيا)
- الفيلسوف نيتشه: ما هي السعادة؟
- جون بول سارتر: -تأملات في المسألة اليهودية- كتاب يُحلل مُعاد ...
- كارل ماركس: حول المسألة اليهودية
- رسالة رولان بارت إلى المخرج والكاتب السينمائي أنطونيوني حول ...
- مصطفى الحسناوي: بين سبينوزا وبوكوفسكي
- مارسيل خليفة مغربي: محمد أزمي حسني
- مجلة الحرية تحميل
- حوار مع خديجة رياضي حول وضعية الحركات الاجتماعية بالمغرب أجر ...
- مِنَ العلمانية وإسْلام الحُكام إلى الإسْلام المُقاوم (قراءةٌ ...
- نقدُ الصّهيونية وتمْييزِها عنْ اليَهوديّة (حوارٌ ما بين أبرا ...
- هل يوجد حب بدون تضحية؟ (الحب من منظور الفلاسفة)


المزيد.....




- في اليابان.. قطارات بمقصورات خاصة بدءًا من عام 2026
- وانغ يي: لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية
- مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح!
- أيهما أفضل، كثرة الاستحمام، أم التقليل منه؟
- قصف إسرائيلي جوي ومدفعي يؤدي إلى مقتل 9 فلسطينيين في غزة
- عبور أول سفينة شحن بعد انهيار جسر بالتيمور في الولايات المتح ...
- بلغاريا: القضاء يعيد النظر في ملف معارض سعودي مهدد بالترحيل ...
- غضب في لبنان بعد فيديو ضرب وسحل محامية أمام المحكمة
- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد الهلالي - الفيلسوف نيتشه: العبيد وأخلاق العبيد (كيف ظهرت أخلاق العبيد وفرضت نفسها عالميا؟)