|
لا جدوى أيها الأعرابي!
ملهم جديد
الحوار المتمدن-العدد: 6994 - 2021 / 8 / 20 - 03:48
المحور:
الادب والفن
لا جدوى أيها الأعرابي !
دخل أعرابي على خليفة المؤمنين و قال : - يا خليفة المؤمنين ، لقد بلغ بي الجوع حدا أني لم أعد أقوى على الركوع و السجود ، فهل يُعفى الجائع من فريضة الصلاة !" فأجابه الخليفة : - و الله لو لم يبق من المؤمن إلا الهيكل العظمي الذي يقرقع عند السجود و القيام و القعود لما رخَّص الله له ترك الصلاة . فقال الأعرابي : - أمتأكد يا خليفة المؤمنين ! - ثكلتك أمك ، و هل أنطق عن الهوى أيها الأعرابي ! - حاشاك يا خليفة المؤمنين ، و حاشا أن تكون شكواي منك ، و الشكوى لا تجوز إلا لله الذي كان عليه أن لا ينسى فيوحي لك أن تسألني من جَوَّعَكَ ! -أتقول كفرا في الله الذي اختارك ليختبرك دونا عن العالمين ، و الله جلّ وعلا لا يختبر من عباده سوى الصالحين ، فإن خسروا الدنيا عوضهم عنها أضعافا مضاعفة يوم الآخرة ، فيجلسون حول العرش فرحين بما كسبوا، و كذلك يجزي الله الصابرين . -و هل أنا أكثر صلاحا من صحابتك الميمونين ،الذين هم على يسارك و يمينك جالسين ، فيختار أعرابيا منتوفا ليختبره ، و يتركهم بما كسبت أيادي المؤمنين يتنعمون ! - و الله لو استطعت قطع الشك باليقين ، و تأكدت من سوء نيتك فيما سألتني ، لعاجلتك بضربة سيف، و جعلتك عبرة لكل شكّاك زنيم ! - إذا كنت ، و انت الخليفة الحكيم ، و قدوة الصابرين ، لم تتحمّل سؤالا واحدا ، ففقدت صبرك ، و انتفخت أوداجك ، وعلا صوتك ، فتلمست مقبض سيفك، و كدت تطيح برأس أعرابي مؤمن جاء يشكو من القلّة و الجوع ! فكيف تعيب علي غضبي على رب اختار من عباده أضعفهم ليختبره ، و ترك أصحابك الذين هم على الأرائك متكئين ، و أمامهم موائد لا يني العبيد واقفون على خدمتها ، يأتون بالجاطات و يروحون بالصحون ، و حولها الإماء يدرن بالأباريق و يصببن في الفناجين ، و ها هم منتفخي الرقاب راضين مرضيين بلا امتحانات و لا من يحزنون ! أين العدالة يا خليفة المؤمنين ! - ولك ابن الشرموطة عم تمتحني ! نهض الخليفة ، و نهض أصحابه ، و علا الغبار فغطى الخيمة ، و صهلت الخيل ، و رغت الجمال ، و تدخلت الملائكة ، و قهقهت الشياطين ، و تصايح المؤمنون " لبيك اللهم لبيك ، هذا يوم الدين لا ريب فيه " . و بعيدا في الفلاة خارج المدينة، كان الأعرابي الذي رفع مقدمة عباءته ، و عضّ عليها بما بقي من أسنانه ، يتابع الركض حافيا، و بلمح البصر أصبح على مبعدة فرسخين من مطارديه الذين ما كان لهم، حتى لو أراد الله، أن يلحقوا به لثقل كروشهم ، فانتصرت غريزة البقاء لديه على قوة إيمانهم ، و ثبت أن حلاوة الروح يمكن أن تُنجي الجائع الخائف إلى حين . فعادوا إلى خيمتهم يلعنون الشيطان الذي رأووه للتو متمثلا في ذلك الأعرابي اللعين، فاستعاذوا بالله منه ، و أكملوا طعامهم آمنين . بينما تابع الأعرابي الركض قاطعا الصحارى و العصور ، حتى وصل إلى عصرنا الحالي، و أصبح مواطنا صالحا يؤمن بالأمة العربية و أهدافها الخالدة ، و طالما حدّث نفسه " جربنا رسالة سماوية فكنا من الخاسرين ، و ما الضير في تجربة رسالة أرضية علّها تغنينا عن الدين " فدخل الحزب ، و أصبح رفيقا ديدنه المقاومة و التصدي و الصمود ، و ما فتىء الحزب يختبره في إحباط المؤامرات ، و التصدي لأعداء الأمة، و جرّه من حرب إلى أخرى ، مرة ضد أعداء الداخل ، و مرة ضد أعداء الخارج ، حتى ظنّ الأعرابي أن عبء النضال يقع عليه وحده ! فما فترت عزيمته و مازال صامدا لا يلين . و عندما بدأ ينحف و يذوي، و من الجوع و القلة يعوي ، شدّ الحزام على الخصر ، و ما هي إلا بضع سنين ، حتى تحول حزامه من حزام مشدود حول خصره إلى حزام مشدود حول رقبته ، و الأعداء من فوقة و من تحته يتكاثرون ، و ما أن يتجاوز منعطفا تاريخيا ، حتى يجد نفسه في مواجهة منعطف تاريخي أشد انعطافا ، فيحدِّث نفسه و قد أحاطته الظنون " أما آن لهذه المنعطفات التاريخية أن تنتهي " ، فما أن تحقق حلمه ، و انتهت مرحلة المنعطفات الخطرة ، حتى بدأت مرحلة المنزلقات الأكثر خطرا ، فانزلق مع المنزلقين ، ليجد نفسه و قد استقر في حفرة تاريخية تعصف فيها ريح صرصر ، و الكل حوله بين مهزوم و جائع و خانع و مستكين . و عندما انتبه إلى أنه شارف على الرمق الأخير ، و رجلاه بالكاد تقويان على حمله ، بدأ يجرجر نفسه تارة ، و يدفشه الرفاق تارة أخرى، حتى دخل غرفة الرفيق المسؤول عن قسم الإعلام و التوجيه المعنوي . - أهلا بالرفيق الأعرابي ، ما حاجتك ! - هل يعفي الجوع الشديد رفيقا مثلي من واجب المقاومة و التصدي و الصمود ، و خاصة نحن في مواجهة عدو شرس، مسلح ، شبعان و حقود ! - خليني جيك من الآخر يا رفيق ، و الله لو لم يبق منك إلا الهيكل العظمي ، و أصابتك رصاصة في صدرك ، فمرّت بين عظام قفصك الصدري من دون أن تصيب لحما بسبب هزالك ، لما سقط عنك واجب الصمود و التصدي . و لتعلم أن من قاوم و هو شبعان له أجر و من قاوم و هو جائع له أجران . و حتى و أنت في غاية الهزال ، فإن واجبك القومي و ثقة القيادة فيك يحتّمان عليك أن تمطّ ما بقي من جلدك لتصبح جسرا يحقق شرف ما قاله الشاعر : تقضي البطولة أن نمد جسومنا جسرا فقل لرفاقنا أن يعبروا - ألا تعتقد أيها الرفيق ، أنك بأكتافك العريضة، و كرشك الممتلىء ، و جلدك السميك تصلح أكثر مني لتكون جسرا يعبر فوقه الرفاق ، و خاصة أن الرفاق الآن مثلي نحافا خفافا ، فتنال شرف قول شاعر آخر : يعبرون الجسر في الصبح خفافا أضلعي امتدت لهم جسرا وطيد - ولك ابن ::::::: عم تتمسخر عليي ! . و الله لخليك عبرة للرفاق و لغير الرفاق . و شاء القدر أن يرفع الأعرابي مقدمة عباءته للمرة الثانية، فوضعها بين سنين لم يبق له غيرهما ، و بدأ الركض ، فلحقه الرفاق ، و كانت غريزة البقاء عند الأعرابي أقوى من العزيمة الوطنية عند مطارديه، و للمرة الثانية ،أيضا ، ثبت أن حلاوة الروح قد تنجي الجائع الخائف إلى حين . و عندما يئسوا من اللحاق به ، عادوا إلى معسكرهم يلعنون المدسوسين من شاكلة ذلك الأعرابي اللعين . بينما مازال الأعرابي يجري و يجري ، قاطعا الصحارى و عابرا السنين ، آملا أن يصل إلى القرن القادم و قد بقي لديه ما يكفي من العمر و القوة ليتنعم بالعيش بكرامة ليومين فقط ! يومان فقط ! و هل هذا على الأعرابي بكثير !
#ملهم_جديد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
امرأة صامتة و رجل ثرثار
-
الخواطر الأخيرة لرجل على الصليب
-
الأجنحة المفقودة
-
طبيعة صامتة
-
الشاهد
-
بين كلبين !
-
القديس و الدب
-
صورة الجد
-
عند الحلاق
-
الخائب
-
الليلة الأخيرة في البيت الأبيض
-
الحديث الأخير
-
أقوى رجل في العالم
-
الدهشة
-
السيرة الموجزة لحياة المواطن (م ع ع)
-
في مديح السيكارة
-
بدل ضائع
-
ندامة الأرمني
-
رجل حر ، لكن! / قصة قصيرة
-
صديقي الفأر
المزيد.....
-
مهرجان كان: السعفة الذهبية... منحوتة فاتنة يشتهيها مخرجو الس
...
-
مزرعة في أبوظبي تدّرب الخيول لتصبح نجوم سينما.. شاهد كيف
-
ثلاثة وزراء ثقافة مغاربة يتوجون الأديب أحمد المديني في معرض
...
-
مشاهدة المؤسس عثمان ح 160.. قيامة عثمان الحلقة 160 على فيديو
...
-
فروزن” و “موانا” و “الأميرة والوحش” وغيرها من الأفلام الرائع
...
-
جامعة كولومبيا الأميركية تنقل الرواية الفلسطينية الى العالم
...
-
مالك بن نبي.. بذر من أجل المستقبل
-
عودة رويا من الموت… مسلسل المتوحش الحلقة 33 على أون تركي وقص
...
-
حتى المشاهير لم يسلموا من الهجمات العشوائية.. الاعتداء على ن
...
-
صيحات استهجان في جامعة ديوك الأميركية ضد الممثل جيري ساينفيل
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|