أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمران مختار حاضري - قيس سعيد نظرة أخرى...!















المزيد.....


قيس سعيد نظرة أخرى...!


عمران مختار حاضري

الحوار المتمدن-العدد: 6981 - 2021 / 8 / 7 - 23:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


قيس سعيد نظرة أخرى... !

* قيس سعيد في ميزان ظاهرة "اسلام السوق" و المقاربة "الإيمانية الأمريكية" لدى تيار المحافظين الجدد :
*من الجدير بالذكر بروز اشكال جديدة من التدين خارج حركات الإسلام السياسي و لا تشكل بديلاً عنها في نفس الوقت ، إنه شكل تدين متكيف مع الاقتصاد الرأسمالي النيوليبرالي ، تدين يمزج بين النزعة الفردانية المتعولمة و نزع للقداسة عن الالتزام التنظيمي بما يعنيه من بعض الشعارات الكبرى التي تتمحور حول "الاسلام هو الحل" و الجماعات الإسلامية الكلاسيكية تواجه نوعاً من المنافسة من بعض الدعاة الجدد و بعض " النخب" الذين تصالحوا مع بعض نماذج الحداثة الشكلية السياسية و يعتبرون الفرسان الجدد لعملية "الأسلمة" بطرق مختلفة و أشكال دعائية قريبة جدا أو متماهية مع الطرق الدعائية الأمريكية ... !
هذه الظاهرة التي بدأت في الانتشار في بلادنا في السنوات الأخيرة...و ربما تنطبق على الرئيس سعيد أيضا ، الذي ما انفك يبرهن على تقواه و يبرز تدينه و ورعه للعموم مثلاً من خلال التردد على دور العبادة تحت عدسات الكاميرا أو الاستئناس بالخليفة عمر بن الخطاب في تفقد شؤون الرعية و غيرها من الأساليب التسويقية للظهور بمظهر التقي الورع... !
لا أحد يستطيع أن يحجب حق أي مواطن في تأدية طقوسه و شعائره العقدية لكن فيه نوع من الاستهجان لما يتعلق الأمر برجل الدولة و برأس هرم السلطة خاصةً عندما يتم التسويق للتدين بطرق إشهارية دعائية لكسب تعاطف المحافظين الذين يعج بهم المجتمع، نتيجة الجهل و الفقر و هشاشة البديل الحداثي الحقيقي العلماني الديموقراطي التنويري ...! فالمعلوم أنه غير منتم إلى أي من الأحزاب أو تيارات الإسلام السياسي لكن له مشروعه المجالسي الذي ما أنفك يتحدث عنه قبل دفة الحكم ... لكن هذا لا يمنع من التذكير بأن إعادة تسييس الإسلام من غير الإسلاميين وارد كذلك و هذا لا يقتصر على الرئيس سعيد فحسب بل يتعداه إلى عدة أنماط من رجالات المال و الأعمال المتدينين المحافظين المنتظمين و غير المنتظمين في أحزاب سياسية وأطياف سياسية اسلاموية واسعة و في مقدمتها حركة النهضة الإخوانية ... ! يكفي فقط أن تكون محافظا و متماهيا مع انتشار ظاهرة " إسلام السوق" و إسلام السوق لا يعني أبدا نهاية السياسي...! ، بل يعني اساسا إعادة تسييس الدين على أسس نيوليبرالية...! ، يعني إعادة الأسلمة ليست بالضرورة تكمن في الشعارات التقليدية التي يرفعها الاسلام السياسي في التمهيد لإقامة "الخلافة" أو الدولة الإسلامية كما تطرحها و تطمح لها جماعات الإسلام السياسي الإخواني، إنما هي قناة و جسر عبور "لخصخصة الإقتصاد و الدولة"و القضاء على دولة الرعاية الاجتماعية و هذا الإتجاه يقترب بشكل لافت من المقاربة القائمة على " الإيمان" الأمريكية لدى تيار المحافظين الجدد التي أقرها الكنغرس الأمريكي في عهد الرئيس بوش الابن... ذلك أن هذا النمط من التدين المنفتح على العالم هو نتاج عملية" برجزة داخلت عملية الأسلمة" لذلك فاءسلام السوق هو بمثابة الثورة الأخرى في حركة الأسلمة" و هناك أمثلة عديدة من عدة دول إسلامية تشكل هذا البعد الطبقي "المتبرجز " لهكذا اسلام السوق مثل " جماعة نمور الأناضول" في تركيا و أمثلة أخرى مثل " التجارة الحلال" و " السياحة الدينية" التي بدأت كذلك في الإنتشار في تونس في السنوات الأخيرة و بخاصةً تزامنا مع تولي حركة النهضة الإخوانية الحكم و تدعيم علاقاتها الدولية و الإقليمية و تدفق الأموال الضخمة القطرية أساساً تحت غطاء الهبات و "الجمعيات الخيرية" التي تقارب الثلاثمائة جمعية تتصرف في أموال طائلة دون تدقيق أو مراقبة ...! لذلك نعتقد أن الرئيس سعيد و بحسب ميولاته النيوليبرالية و نزعته التدينية الفردانية و مواقفه من عقوبة الاعدام و المساواة في الميراث و الحضور الديني في تعاطيه السياسي و قرطاسه و قلمه في بعض مراسلاته الرسمية في عصر الإنترنت و الرقمنة، يلامس هذه المقاربة...! كما يحيلنا كذلك إلى تيار " المحافظة الثورية" الذي برز في أوروبا و بخاصة في المانيا في ثلاثينات القرن الماضي ...! نجده اقرب ما يكون إلى ظاهرة إسلام السوق إن لم نقل متماهيا فيها... ! و هذه المقاربة ربما يلتقي فيها الرئيس سعيد مع حركة النهضة منذ نزوعها في مؤتمرها الأخير إلى الفصل بين الدعوي و السياسي بما يعني اعتمادها الاسلام السياسي و "اسلام السوق" بالتوازي مع أخونة المجتمع ... ! ربما هذا ما يفسر كذلك تقاطعه مع بعض التمثلات الأخرى للإسلام السياسي في تونس... و المهم و كي نقيم فعله السياسي دون تجني طيلة فترة حكمه قبل تحرك 25 جويلية حيث لم نشهد له تحركا يذكر بما تخوله له صلاحياته الدستورية منذ توليه الرئاسة مثل فتح ملفات تدين حركة النهضة و غيرها و عدم الإقدام على إعلام الشعب و مصارحته بحجم التجاوزات الخطرة التي ما أنفك يتحدث عنها بالتلميح و يقذف بها من على منصاته الكلامية .....!
* و كذلك رهانه على الخيارات النيوليبرالية التبعية و عدم السعي إلى تفعيل البند13 من الدستور الذي ينص على استرجاع سيادة الشعب على ثرواته الطبيعية أو الإقتراب من فتح ملفات حارقة على سبيل المثال ( التفكير في مراجعة منوال التنمية أو ملف المديونية أو التشغيل و التنمية الجهوية أو القيام بمبادرات تشريعية أو السعي إلى التخلي عن الاتفاقيات المشينة و المنتهكة للثروة و السيادة مثل الإتفاق مع الإتحاد الأوروبي و مشروع اتفاقية التعاون الشامل المعمق/ اليكا/ ALECA أو اتفاقيتي التعاون العسكري و الأمني مع الولايات المتحدة الأمريكية / قوات افريكوم ( القيادة العسكرية الامريكية في افريقيا) و اتفاقية التعاون العسكري و الأمني مع تركيا التي تم التصديق عليها أثناء حكم الباجي سنة 2017 أو السعي إلى إلغاء الديون الكريهة أو على الأقل تعليق سداد المديونية الخارجية لبعض السنوات كما فعلت عدة بلدان كمخرج لإنعاش الاقتصاد و الخروج من الأزمة الطاحنة) أو إلغاء بعض الاتفاقات و الهياكل ذات المنحى التطبيعي مع الكيان الصهيوني الفاشستي ( مثل الإتفاق الذي ابرمه بن علي للتعاون التجاري عن طريق وزير خارجيته آنذاك سنة 1996 أو فرع منظمة مناهضة السامية LICRA أو بيت الرواية اللتان يسوق المشرفون عليها "للتطبيع العلمي و الثقافي"...)... طيلة سنتين لم يقم الرئيس باءجراءات تذكر لفائدة الشعب و بخاصةً الشرائح الضعيفة في الشغل و الدواء و الغذاء و دعم المكاسب النسبية في التعليم العمومي حيث ينقطع سنوياً عشرات الآلاف عن التعليم لعدم القدرة على الإنفاق... و كذلك الرعاية الصحية و الاجتماعية التي جرى و يجري تدميرها قصديا لفائدة لوبيات الاستثمار الخاص...حيث تراجعت حصة التعليم من ميزانية الدولة من26.6% إلى 17% كما تراجعت حصة الصحة العمومية من 6.6%الى حدود 5% و ميزانية التنمية تراجعت من48 % في سبعينيات القرن الماضي إلى حدود ال10% و أكثر من 90 % حجم الدين الخارجي من الناتج الداخلي الخام... و أن10% من الأثرياء يحوزون على أكثر من 40% من الدخل الوطني في حين لا يمتلك نصف التونسيين الأقل إمكانيات مالية إلا 18 % من هذا الدخل حسب دراسةمنظمة "اوكسفام" (Oxfam)... ومن المعلوم أنه عمد إلى تكليف الفخفاخ و من بعده المشيشي في خطة رئيس الحكومة (الذي تم عزله بعيد تحرك25 جويلية) للتشكيل الحكومي و كلاهما سليل المنظومة النيوليبرالية القديمة المتازمة و التي يزعم الرئيس الحالي أنه ضدها ... ! و من ناحية أخرى، لا يتطلب سياسيين جهابذة كي يفهم أن الثورة التونسية دوافعها إقتصادية و إجتماعية و محركها الأساسي هو : الأوضاع المعيشية المزرية التي لم يعد الشعب يحتمل التعايش معها و أن المعركة الأساسية ليست في الصراعات الهامشية بين أجنحة المنظومة الحاكمة و التي بلغت حد كسر العظام خاصةً بين الرئيس سعيد و حركة النهضة أو في الحلول الترقيعية و الحوارية و السقوف المنخفضة أو الدولة المدنية التبعية الاداتية الباهتة أو بعض الحريات البرجوازية الشكلية الخاوية من المضامين الشعبية دون الحرص على توفير شرطها الاجتماعي حيث يكون النضال من أجل الحرية جنبا إلى جنب مع النضال من أجل المساواة و تكافؤ الفرص و التوزيع العادل للثروة و التعليم العمومي و الرعاية الصحية و الاجتماعية و ما تعنيه العدالة الاجتماعية المنشودة في كافة مفرداتها ... ! و بالتالي هذه المنظومة الفاشلة المتناحرة على مذبح توسيع دائرة شهوات السلطة و التسلط، لا تملك الحلول لمطالب الشعب وليس من مصلحتها ايجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية بحكم طبيعتها النيوليبرالية التبعية و خدمتها للشريحة الكمبرادورية الرثة و امعانها في الخيارات القديمة المتازمة التي ثار ضدها الشعب و انتهت برحيل بن علي... بتمثلاتها الإخوانية كما الحداثوية المشوهة الزائفة سليلة المنظومة الاستبدادية القديمة كما الشعبوية المحافظة الناشئة ، و معاركها ليست في وارد تصحيح المسار الثوري و مصلحة الشعب و الوطن الرئيسة... حيث التجويع و التفقير الممنهج و انتهاك السيادة و المديونية الخارجية و الخصخصة و غياب نظام ضريبي عادل و التفريط في المؤسسات الاستراتيجية القاطرة الحقيقية لتطوير الاقتصاد الوطني و وضع البلاد على سكة الإنهيار التام و الانخراط طواعية في اءملاءات صندوق النقد الدولي و الامعان في اعتماد اقتصاد ريعي خدمي بنكي متخلف غير قادر على إنتاج الثروة و القيمة المضافة و ضرب محركات التنمية و التعويل على القطاعات الهشة و التوريد العشوائي... في ظل إنهيار الدينار و إفلاس إقتصادي و تداعياته الكارثية الاجتماعية على عموم الشعب الكادح و سياسة افقار ممنهج، حيث تحول المواطنون إلى متسولين نسقيين يستجدون رحمة الكورونا و رحمة رصاص راس المال يحاصرهم الجوع و العوز و الموت من كل مكان...! بالتالي الأزمة هي أزمة الخيارات الكبرى و هي أزمة مجتمعية عميقة تتمثل بالأساس في النمط الإقتصادي المهيمن في المجتمع...!!!
* و باعتقادي المتواضع أعتبر ما قام به الرئيس سعيد من إجراءات على إثر تحرك25 جويلية 2021 الذي رغم عدم انخراطي و تحمسي له... لا يعتبر " نباتاً شيطانيا" بل تحرك مواطني و شبابي بالأساس غير متجانس ، رغم بعض التحفظات و محاولات التفرد بالتحرك من داعمي الرئيس و ما رافقها من حملات الشتم و التشويه التي طالت المختلفين معهم في الرأي قبل التحرك و بعده ... ! و بصرف النظر عن دوافع أتباع الرئيس سعيد أعتقد أن التحرك اتسع ليشمل أعدادا كبيرة من المواطنين العفويين الغاضبين من أداء الأحزاب في السلطة و خارجها و بخاصةً من البرلمان الذين طالبوا بحله كما تحسين الأوضاع المعيشية و شعارات ضد المنظومة القديمة المرسكلة و المنظومة الحالية و بخاصةً حركة النهضة الإخوانية باعتبارها رأس حربة المنظومة الحاكمة الفاشلة منذ أكثر من عشر سنوات التي كرهها عموم الشعب الكادح والتي بلغ التناقض معها حد التعادي ... !
* و بالتالي ما فعله الرئيس سعيد هو ركوب على الحدث و إقحام فج للمؤسسة العسكرية في الشأن العام لصالح مشروعه في إطار صراع أجنحة داخل المنظومة الحاكمة بين مشروع الشعبوية المحافظة بقيادة الرئيس سعيد و المشروع الإخواني بقيادة حركة النهضة و هو بمثابة إعادة ترتيب البيت داخل المنظومة العدوانية التقشفية النيوليبرالية التبعية الحاكمة من أجل التغول في الحكم و توسيع السلطات... و هي اجراءات تعد بمثابة تصفية الحسابات أو "الثورة المضادة داخل الثورة المضادة" ... و بالتالي يمكن أن تفضي إلى إضعاف إحدى الأجنحة المتصارعة من داخل المنظومة والذي ربما الاستفادة منه و لو جزئيا بما يعزز دور البديل الديموقراطي الثوري في المشهد السياسي الذي يناط بعهدته شق طريق التحرر الوطني و الانعتاق و إستكمال المسار الثوري و تصحيحه باستقلالية تامة عن أجنحة المنظومة بكافة تمثلاتها و اقطابها ... خارج المنطق الصوري المجرد و العدمية يمكن إن نتقاسم ابتهاج و نشوة شرائح واسعة من الشعب التي خرجت بكل عفوية ليس في ظني انتصارا للرئيس و مشروعه المجالسي و ميولاته السياسية بقدر ما هو تعبير عن فرحة عفوية وليدة اللحظة في عزل رئيس الحكومة المشيشي دمية الغنوشي و أداة حركة النهضة في قمع الشعب و تحويعه و إهانته و إدانة جرائمه المقترفة بحق الشعب و الوطن و بخاصةً بداية انزياح المشروع الإخواني بقيادة حركة النهضة هؤلاء الإخوان المجرمين غير المأسوف عليهم ... المهم أن تتم محاسبتهم على كافة جرائمهم و بخاصة قضايا الاغتيالات السياسية و الجهاز السري و التسفير إلى القتال و الأموال الغير مشروعة و الأمن الموازي و كافة الملفات الأخرى التي تدينهم و تدين شركائهم في الحكم في الفساد الذي لا يجب أن يتحاشى أو يستني الأباطرة و اللوبيات و الحيتان الكبيرة و الملفات الثقيلة و في مقدمتها ملف الطاقة و المناجم المرتبط بشركات عملاقة و مصالح إقليمية ودولية دون الخضوع للضغط و المقايضة بكافة أبعادها ... !
* هؤلاء الاسلامويين الذين تبدوا انفصاليين غنائميين احتكاريين و دكتاتوريين كأنهم وافدون من دنيا أخرى غير دنيانا و ربما من أعظم افضالهم أنهم انجزوا مهمة انتحارهم السياسي بسرعة قياسية يستحقون أن نتقدم إليهم بالشكر العميم... ! و نعتقد أن انكشاف مشروعهم السياسي لدى عامة الشعب على حقيقته بوصفه امتداداً لمشروع تجديد الهيمنة الغربية و الأمريكية أساساً على البلاد و زوال سحرهم الخادع عن العقول هما خطوة إلى الأمام باتجاه إضعاف تأثيرهم في المشهد السياسي و تغلغلهم في مفاصل الدولة و المجتمع و هذا رهين مواصلة الضغط الشعب بكافة الأشكال النضالية المتاحة و في مقدمتها النزول إلى الشارع للحيلولة دون خضوع الرئيس سعيد إلى التسويات و الوساطات الداخلية و الخارجية التي بدأت رائحتها تلوح في الأفق و التي تبدو أنها لا تتعدى كونها تقليم أظافر و هذا منتظر ... أما مناورات حركة النهضة الإخوانية من أجل تجديد نفسها و خطابها المزدوج لبعض رموزها الذين باركوا تمشي الرئيس هو من قبيل تقسيم الأدوار و يندرج ضمن مسار التسويات و إعادة التموقع في المشهد السياسي باخف الأضرار...! و لا اعتقد إطلاقا أنها في وارد الإقدام على مراجعات فكرية وسياسية عميقة تتخلى بموجبها عن التوظيف الديني في السياسة و إدراك دنيوية السياسة و التخلي عن التنظيم العالمي للإخوان طالما أن الغنوشي عضو نشيط فيه و أن هذه الحركة ربما تعد من أهم ما يعول عليه معاقل الإخوان بعد اندحار مشروعهم على أسوار سوريا و أكثر من بلاد عربية... !
* نظن أن وظيفة النخبة هو فهم الواقع الذاتي و الموضوعي و فهم الشعب و محاولة تفسير الظواهر الاجتماعية و السياسية و منها ظاهرة قيس سعيد و مشروعه المجالسي الذي يرنو له يحتاج إلى المساءلة و الفهم و تجنب المفاضلة بين السيء و الأقل سوءا كما تجنب المبايعة العاطفية و التقديس و التعظيم و التهليل و تقديمه على أنه "المنقذ" الملهم لأن هذا قد يحوله من قيس سعيد إلى"قيصر" سعيد و إخضاع تمشيه إلى النقد و التنبه من مخاطر استبداد الحكم الفردي و خاصةً أنه يجمع كل السلطات بين يديه و تجاوز المنطق الصوري المجرد و الوثوقية و الانساق الاطلاقية و ضرورة تنسيب الظواهر و محاولة تفسيرها بمنهجية جدلية علمية و تجاوز منطق أرسطو في الصراع الثنائي بين الخير و الشر و "مع أو ضد"...! في المطلق دون تنسيب ... !!! و أن نحاول فهم ما قام به سعيد في إطار التحليل و النقد و الارتياب لا المبايعة العاطفية ...
"فأن نعرف أن نفكر، لا يعني الوصول إلى حقيقة مؤكدة بشكل مطلق و لكنه يعني أن نتحاور مع الارتياب" بحسب الفيلسوف و الباحث السوسيولوجي ادغار موران الذي يؤكد على الارتياب في ابعاده التفكيرية و النفسية التاويلية و الابستيمولوجية المتحررة من أسس الوثوقية اليقينية في الفلسفة و العلوم كما في السياسة... بالتالي كل مقاربة مبنية على رهان يجب أن تكون واعية و عقلانية تجنباً للنزوع نحو يقين رائف ... فاليقين الزائف هو الذي كان دوماً وراء الصدمة...!!!
* حاولنا الوقوف عند ظاهرة قيس سعيد الواضح الغامض ( le clair/ obscur ) و الغموض الذي يكتنفه و هو بمثابة الثقب الأسود في المشهد السياسي و بالرغم من هكذا غموض و حداثة عهده بالسياسة فهو حالياً و بعد25 جويلية التقى حوله عدة أطياف من اليمين و من اليسار رهانا عليه في استكمال مشواره و تقديمه كمنقذ و بثقة لافتة لا ترتقي إلى الشك و الريبة ... !
*ربما غذت هذا التمشي، تفشي ظاهرة "البحث عن الزعيم" التي سكنت المخيال الجمعي الشعبي و حتى بعض" النخب" ، نتيجة عقود من التعايش مع استبداد الحكم الفردي المطلق الذي كرس ثقافة الخوف و الشعور بالهوان و فقدان الثقة بالنفس خاصةً لدى المواطن العادي... فالإنسان الذي يستشعر الضعف في نفسه، يلتفت حوله باحثاً عن القوة خارجه ليتلمسها في غيره...و يظل احتياجه " للزعيم" حتى و إن كان لا يشبع اقتناعه ، فالإنسان البسيط يصبح أكثر قابلية للمخاطرة إذا طرحت أمامه خيارات سيئة فقط و ظروف سيئة فقط...!
* و عليه و انطلاقاً مما ذكر و اعتبارا أن الرئيس سعيد هو جزء من المنظومة العدوانية الحاكمة ، لا يمكن أن تشكل إجراءاته مخرجا من الأزمة العميقة و لا يمكن تقبلها على أنها "ضمن مسار ثوري" كما يسوق له داعموه...!!! * ذلك لأنه بكل بساطة ليس في وارد القطع مع الخيارات القديمة المتازمة التي أوصلت الاقتصاد إلى الإفلاس و الأوضاع الاجتماعية الكارثية و ليس في وارد إعتماد اقتصاد منتج فلاحة و صناعة و تغيير المنوال التنموي التبعي الكمبرادوري الرث و النمط الإقتصادي المهيمن في المجتمع...!كما أنه ليس في وارد خرق و تجاوز السقف الليبرالي البغيض...و سيواصل في حرف التناقض الاجتماعي الطبقي عن جوهره الحقيقي تحت يافطة الحوارات و التسويات و الإصلاحات الترقيعية و السقوف المنخفضة و الإنتصار لمشروعه المجالسي الخاص به و باتباعه و مريديه بعيداً عن الثورة و مطالبها و الشعب و انتظاراته و الوطن و سيادته...
* بالتالي الوقوف مع الجماهير و قضاياها و مطالبها الاقتصادية والاجتماعية و حقها في الشغل و الدواء و الغذاء و السيادة الوطنية لا يتحقق إلا باستكمال المسار الثوري في قطب تقدمي وطني ديموقراطي إجتماعي مستقل عن الإخوان بقيادة حركة النهضة و مستقل عن الحداثويين الزائفين سليلي السيستام و مستقل عن مشروع الشعبوية المحافظة الذي يتزعمه قيس سعيد و مريديه...! على أرضية برنامجية واضحة و صياغة التكتيكات المناسبة و توحيد الطاقات الذاتية و إفراز نواتات ميدانية بديلة عن المنظومة بمختلف مكوناتها و اقطابها في ضوء استراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى إنجاز التغيير الجذري المنشود شعبيا الذي يطال كلية المنظومة الحاكمة ...
* أهم ما في الثورة هي متغيراتها و تحولاتها و مساراتها في إطار صيرورة التاريخ المتحركة , خارج المنطق المجرد المتكلس حبيس الثنائيات لدى بعض أطياف اليسار الذي لم يتحرر من الآلية الميكانيكية في التحليل و بالتالي العجز عن إدراك المنهجية الجدلية العلمية و ضمن هذا التصور الميكانيكي لم يستوعب البعض أن من ينتقد الرئيس سعيد أو ينبه (و هذا دور المثقفين الحقيقيين داخل الأحزاب و خارجها) من مخاطر محتملة في إقحام المؤسسة العسكرية أو التفرد بكافة السلط ليس بالضرورة مناصرا لحركة النهضة الإخوانية الظلامية...!!! بل يمكن أن يكون ضد مشروع الرئيس سعيد و ضد المشروع الإخواني بقيادة حركة النهضة و ضد مشروع المنظومة الاستبدادية القديمة المرسكلة في نفس الوقت...!
*المهم وعي اللحظة التاريخية و إدراك أن المرحلة متحركة و مفتوحة على عدة احتمالات و الاستعداد لتصحيح مسار الثورة التي تنتصر لمطالبها الحقيقية الاقتصادية والاجتماعية و تنتصر للشعب و انتظاراته و للوطن و سيادته في استقلالية عن كافة مكونات المنظومة فكرياً و سياسياً و تنظيميا و تأطيرها و حمايتها في كافة منعطفاتها باقتدار دون تردد أو شخوص اوانتظارية فتحديات اللحظة تقتضي الحذر و تجاوز العفوية و التنظم في العمل المشترك الوطني التقدمي الناهض و الديموقراطي الثوري بما تتيحه من فرز لأصدقاء الشعب الحقيقيين ...!
* فالثورة يلتف عليها و تحول وجهتها و تمر بحالات انكسار و سكون لكنها ابدا لن تموت طالما أن أسباب إندلاعها قائمة بل تفاقمت في الراهن التونسي في ظل الانهيار الكامل الذي لامس كافة المناحي و المجالات ... الثورة تبدأ عفوية ثم تصبح موجهة شيئا فشيئا و هذا هو قانونها... العفوية تتحول إلى نقيضها و الذاتي يتطور إلى الموضوعي و العكس صحيح ... *ولن يكون هناك إستقرار يذكر و لن يهدأ الشعب إلا بتحقيق مطالبه الاقتصادية والاجتماعية أساساً و لا يهمه بالدرجة الأولى و الأخيرة غير أمنه و غذائه و دوائه و هذا ما لم يفهمه الحكام كما بعض النخب الذين يريدون القيام بثورة ضد البرجوازية بعقلية برجوازية...! و مهما كانت محاولات الجوقة الحالية و شعاراتها الهلامية لن تستطيع إقناع الشعب بطمانينة البؤس و الركون بدل مغامرة الرفاهية و عسل الشعارات الضبابية الشعبوية بدل حنظل الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الوطنية...!

# ... أحيانا لا يريد الناس سماع الحقيقة، لأنهم لا يريدون رؤية اوهامهم تتحطم...#
عمران حاضري
5/8/2021



#عمران_مختار_حاضري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مطالبة حركة النهضة الإخوانية بتفعيل ما يسمى ب صندوق الكر ...
- حول المؤتمر النقابي -الاستثنائي- الأخير للاتحاد العام التونس ...
- جريمة سجن أبو غريب تحصل في تونس على قارعة الطريق...!
- صندوق النقد الدولي و منظومة الكوميسيون المالي الجديد التبعية ...
- الإغريق و حصان طروادة و العرب و حصان/ صندوق النقد الدولي...!
- خاطرة بمناسبة العيد العالمي للعمال...
- رواد الاسلام السياسي/الإخواني كما رواد الحداثة الاستهلاكية ا ...
- ... إنهم ينحرون الوطن على مذبح توسيع دائرة شهوات السلطة و ال ...
- خاطرة حول شعار -الأصالة والمعاصرة- ... !
- تونس ليست للبيع ... !
- بعض من ملامح الوضع التونسي في ميزان كورونا الاسلام السياسي و ...
- مسار التطبيع يتفاقم في تونس... !
- الأزمة أزمة خيارات و ما يجري بين الرئيس قيس سعيد و الغنوشي ه ...
- الحب في ميزان الثقافة الاستهلاكية...!
- في ذكرى اغتيال الشهيد شكري بلعيد : شهيد الثورة و الوطن ... ش ...
- من أجل تذكية الصراع الاجتماعي و التنبه إلى تلاشي الحراك الشع ...
- دولة البوليس لن تعود... !
- ملاحظات على هامش دعوة بعض قيادات حركة النهضة الاسلاموية مليش ...
- منظومة الحكم في مأزق حقيقي أمام تنامي الغضب الشعبي و توسع رق ...
- بالأمس كان الشعب يريد اسقاط النظام... أما اليوم فالنظام أصبح ...


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمران مختار حاضري - قيس سعيد نظرة أخرى...!