أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جميلة شحادة - هذا البحر لنا؛ فأنصفوه














المزيد.....

هذا البحر لنا؛ فأنصفوه


جميلة شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6973 - 2021 / 7 / 29 - 17:37
المحور: المجتمع المدني
    


عذرًا درويش، شاعرنا الكبير؛ "هذا البحر لنا"، وليس لك وحدك. نحبّه؛ لكننا نخشاه. نثق به، لكنه يغدر بنا؛ ألم يقل أسلافنا منذ سنين خلَتْ: "إنّ البحر غدّار"؟! فكم من بني البشر دخلوا ماءه معانقين طالبين متعة الرقص معه فصفعهم لأنهم لا يتقنون مبادئ الرقص مع جبروته؟! وكم من بني البشر دخلوه ليلبسوا زرقته فقذف بهم على شطِّه عراةً من الحياة؟! أهو غدار إذن؟
كنتُ في المرحلة الإعدادية، عندما رافقت عائلتي الى أحد شواطئ طبريا لقضاء ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، وكان الوقت عصرًا عندما وصلت عائلة، عرفنا فيما بعد أنها أتت من الطيبة في المثلث الجنوبي، وجاورت موقعنا على الشاطئ. وأيضا، عرفنا لاحقا أنها نوَت أن تخيّم على الشاطئ وتقضي ما تبقّى من أيام عطلة العيد ما بين السباحة والمرح واللهو وشواء اللحم. وما أن حطّت العائلة رحالها بجوارنا، حتى راح ربّ العائلة يحضّر موقد النار للشواء وراحت زوجته تعدّ قطع اللحم لذلك. مرت 20 دقيقة، لا أكثر، وإذ برجل أربعينيّ، قوي البنية يتقدم باتجاهنا حاملًا على ذراعيْه طفلا في العاشرة من عمره، ومجموعة من النسوة والأولاد والبنات يزيد عددهم عن العشرة يتبعونه بوجوه فقدت لونها من رهبة الحدَث، وربما من الحزن، أو من كليهما معا. وصل الرجل منهكًا، وتبيّن أنه بذل أقصى جهده لإسعاف الطفل وإنقاذه قبل أن يحمله جثة هامدة ليسلمها لعائلته الطيباوية، التي لم يمر على وصولها الشاطئ أكثر من نصف ساعة؛ والتي ساقها القدر الى المجيء الى شاطئ بحيرة طبريا بدل الذهاب الى أحد شواطئ يافا كمعتاد سكان الطيبة والبلدات والمدن المجاورة لها. احتضنت الأم جثة ابنها غير مصدّقة الذي حدث؛ هزتها، علا صراخها، ناحت، ولولت، شدت شعرها، وزوجها يحاول انتزاع الجثة من حضنها وهو ينادي بأعلى صوته على ابنه الميت ظنًا منه أنه ربما يردّ عليه ويعود للحياة. وعندما لم يفلح بانتزاع جثة ولده من بين أحضان زوجته، التفت الى ابنته وابنه اللذين كانا يقفان بجوار أمهما ويبكيان بحرقة، ضمّهما الى صدره وراح يبكي معهما. كان الحدث مؤلمًا لدرجة لا تُحتمل، والحزن الذي خيّم على جميع المستجمين عظيما. ولم تفلح مواساة الجموع وبضمنهم أفراد عائلتي من أن تكفكف دموع العائلة المفجوعة. ومنذ ذلك اليوم، حُرمتُ من متعة السباحة حتى بعد أن أنهيت أكثر من دورة لتعلُّمها، ولم يكن السبب عدم إتقاني لتقنيات السباحة، وإنما هو العائق النفسي الذي ضاعف من رهبتي من البحر رغم حبي لزرقته، ولجبروته أيضا.
لقد سردت حدثا واحدا عن الغرق، ولكن للأسف، حوادث الغرق كثيرة ومتكررة، ولو قصصت عليكم تفاصيل كل حادثة غرق كنت شاهدة عليها أو سمعت عنها، لأطلت كثيرا عليكم. فلا يمرّ صيف، أو عيد، حتى نروح نحصي ضحايانا من أحبتنا ومعارفنا وأبناء جلتنا أو من البشر عامة، أو ضحايا البحر، كما يدعي البعض. لكن إذا كان البعض يتهم البحر ويحمله مسؤولية الغرقى؛ فلنسألهم ونسأل أنفسنا: هل حقا المسؤول عن ضحايا الغرق كل سنة، هو البحر؟ هل الذين لاقوا حتفهم غرقا؛ هم فعلا ضحايا البحر؟ إذا كانت الإجابة إيجابا؛ فلماذا إذن يغرق طفل في دلو ماء موضوع في ساحة بيته؟ لماذا يقوم البعض بالسباحة في شواطئ وأماكن بغياب منقذ مؤهل؟ لماذا يستهتر البعض بتعليمات المنقذ إن وُجد، ولا ينصاع لتعليماته وبعدم الاقتراب من المناطق غير الآمنة للسباحة؟ لماذا يخدع البعض أنفسهم ويعتبرون بأن هذه المناطق هادئة، وإذن لا خطر منها ولا سيما أنهم يجيدون العوم في اللجج؟ بينما الحقيقة غير ذلك، وظنهم الخاطئ وثقتهم الزائدة، تودي بهم الى التهلكة.
إنه شعور رائع أن نشاهد الناس يرتادون الشواطئ ويمارسون السباحة كرياضة، ومتعة. وإنه لأمر جميل وجيد أن يقضي أفراد العائلة عطلتهم معا على شواطئ بحرنا مستمتعين بشمس البلاد وهوائها المنعش. لكن المحزن والمخيّب للآمال أن لا يراقب الأب أو الأم أو كلاهما الأبناء، وتغيب عنهما المسؤولية بالمحافظة عليهم ليعودوا بهم الى بلدتهم أو مدينتهم وبالتالي الى بيتهم سالمين هانئين. والمحزن والمخيّب للآمال أن يغتّر الشباب بشبابهم، فيلقون بأجسادهم الى جوف البحر دون أن يكونوا مسلّحين بالمعرفة الكافية عن البحر ودون أن يكونوا متقنين للمهارات اللازمة للتعامل مع جبروته. هذا البحر لنا؛ فأنصفوه بالمعرفة، والعلم واتقان التعامل معه، وبالتزود بما يتطلب وسعه وعمقه، لنظل نحبه، ونبثه أسرارنا، ونخطف من زرقته متعة وراحة نفسية لذواتنا المرهقة من أعباء حياتنا.



#جميلة_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورود أمير
- صوت ذاك الآخر
- في القدس
- مقدسيون كرام أنتم
- رمضان
- نفاق
- هي خمس دقائق فقط
- أمي؛ تعالي الليلةَ نسهر
- الصوص*
- تذكرةُ سَفَر
- غيْداء
- هدية الفالنتيْن
- ابتسامةٌ مسافرة
- عبقُ الحَنين
- يا قدسُ
- هنيئا لصفورية بابنها الأمين، أبو* عرب
- قراءة في قصة الكوكب الأزرق للكاتبة جميلة شحادة
- مواسم الفرح
- رحلة الى صفورية
- عشرة أَعوامٍ في سنَة


المزيد.....




- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...
- الأمم المتحدة: الطريق البري لإيصال المساعدات لغزة ضرورة
- الداخلية التركية تعلن اعتقال 23 مشتبها بانتمائهم لـ-داعش- بع ...
- تقرير كولونا... هل تستعيد الأونروا ثقة الجهات المانحة؟
- قطر تؤكد اهتمامها بمبادرة استخدام حق الفيتو لأهميتها في تجسي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - جميلة شحادة - هذا البحر لنا؛ فأنصفوه