أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - قصة قصيرة : وداعا ً ايتها الغيوم














المزيد.....

قصة قصيرة : وداعا ً ايتها الغيوم


بديع الآلوسي

الحوار المتمدن-العدد: 6964 - 2021 / 7 / 20 - 14:33
المحور: الادب والفن
    


كان الموسيقار (جبريل ) بن الأربعين عاما ً ، ذا اللحية الكثة السوداء ، والضخم الجثة ، والمفعم بالحيوية ، معتادا ً على التنزه بمحاذات النهر ، وفي عصر كل ثلاثاء يذهب ليلتقي بصديقه الشاعر( آرني ) في بيته . ولكن ما لم يكن بالحسبان في هذه الاجواء الربيعة ان يكون الطقس ممطرا ً، لذا سار على عجل ولم يتوقف طويلا عند الباب الخارجي ودلف الى الممر الداخلي للحديقة وهو يصيح بأعلى صوته
ــ اينك يا آرني ...
وما ان فتح الباب له ودخل الصالة حتى خلع معطفه المطري وبدأ يثرثر بصوته الأجش ، بعدها صب كل منهما لنفسه قدحا ً من البراندي لترطيب المزاج ، وجلسا يتبادلان الحديث ، وهما يراقبان النوارس من خلال النافذة الكبيرة ، عند ذاك بدت على محيا جبريل لحظة احساس بالارتياح ، دفعته ان يبدأ حوارهما بهذا السؤال :
.هل حقا ً ، انك لا تخاصم أحدا ً يا صديقي !! .
ما كان يدري او يتصور ان آرني ذو الانف الكبير والعينان العسليتان والشعر الرمادي ، قد استبد به الألم وأستوطن قلبه الحزن بسبب زعل أعز صديق له منذ شهر، لكنه وعلى الرغم من ذلك ، ردد وكأنه يحدث نفسه  :
ــ يبدو ان القدر يلعب لعبته معنا ، مع ذلك يجب ان لا نيأس .
اما جبريل وبعد فاصل من الصمت ودون تردد عرج على نفس العبارة : ــ لا اراك تخاصم احدا ً ...
أجاب آرني وهو يبتسم :
ــ العالم ملئ بالمتاعب ، والذي يخاصم الآخرين يتألم .
ــ هل معنى هذا انك بلا أعداء ؟
ــ من قال لك ذلك ، كل ما في الأمر اني ما زلت اعتقد ان المحبة تُنبت المحبة ، كذلك هي الكراهية .
صب جبريل قدح اخر من الشراب ، واعاد الزجاجة الى مكانها، وحدق بآرني ، وظن في خلده انه يعاني من وعكة صحية ، لذا سأله بلطف :
. ولكن كيف تحب من قاطعك ؟
ــ الحب الحقيقي بلا اطماع او مخاوف ، اني احب كرجل حر .
همس الشيطان في اذن جبريل ليستأنف اسئلته :
ــ ولكن كيف يحب الأحرار ؟
احتار قلب الشاعر المفعم بالمودة بماذا يجيب ، لكنه رد قائلا ً :
ــ بطاقة الحب الهائلة يكتشف الاحرار العالم وانفسهم ، لذا تراهم لا يبحثون عن نقاط ضعف الآخرين ، بل يجدون الاعذار لهم ، المحب الحقيقي من يبتعد عن العصبية والغضب ولا يجعلهما يسيطران عليه .
غير ان جبريل قاطعة وعيناه تتسعان :
ــ حسنا ً ، هل هذا يعني ان لك فلسفة في التعامل مع من تحب ؟
داهمت آرني تفاصيل تلك الحادثة ، التي اختلف فيها بالرأي مع صديق له مما ادى بذلك الصديق ان يستشيط غضبا ً .... اراد آرني ان يسترسل موضحا ً ، لكنه اكتفى بالقول :
ــ لكل منا له فلسفته الخاصة ، لكني احاول ان لا اتعامل مع الأحداث بقسوة ، واسعى جاهدا ان لا اوقع الألم بمن احبهم ، مؤمنا بشكل مطلق : انه بالمحبة لا بالعنف يقهر الشر ، تذكر ذلك يا جبريل .
تجاذبا اطراف الحديث في امور حياتية عامة ، ولكن ليس هذا ما حمل جبريل للمجيء بهذا اليوم الماطر ، فختم حديثه بهذا السؤال الذي اتى لأجله :
ــ ولكن بعض الاصدقاء متطرفي المزاج ، كيف تتصرف ان غضب منك صديق قديم تكن له المودة ؟
توجه ارني الى الشباك متأملاً زخات المطر التي بالرغم من جمالها كانت بالنسبة له مدعاة ً للحزن ، هم ان يخبر جبريل بما يحس به من ضيق ، لكنه لامس الموضوع من زاوية اخرى :
ــ سينتابني حزن عميق ، وربما اصاب بالكآبة ، لكني سأحاول ان انتهز الفرصة المناسبة وابتسم له وابلغه اني احبه ، بعدها نضحك ونتكلم متجاهلين زمن الجفاء غير المبرر .
كان جبريل سعيدا ً وهو يعبث بشاربه ، مٌطيلا ً التأمل بوجه صاحبه ، كانت الأضواء تتلألأ مع حمرة الغروب ، ربما لهذا رغب ان يثير سؤالا ً يصيب صميم المشكلة ، كمن يريد ان يحرج مضيفه :
ــ لكن يا آرني ، ألا تعتذر له او تطلب منه الاعتذار ؟
في ذا الأثناء ، راح الشاعر يحدق مرتابا ً بصاحبه ، وأخذ يتفحص ملامحه على مهل قبل ان يبادر قائلا ً :
ــ الاصدقاء الحقيقيون ، إذا ما حدث سوء فهم بينهم ، يجب ان ينتبهوا لذلك الجرح الصغير قبل ان يكبر ويتقيح ويصيبهم بمقتل ، وبرأيي مَن يبادر ويداوي الجرح هو الأكثر حكمة وشجاعة ونقاء .
نهض جبريل ، و قبل ان يغادر تمتم آرني بشفتيه الشاحبتين وبصوته الثمل :
ــ هل ترغب ان اصب لك قدحا ً آخر ؟
استجمع جبريل قواه ، وهو يغمض عينية متسائلا ً :
ــ نعم ، و لكن هل تخاف من فقدان الأصدقاء وجفائهم ؟
هنا طفق آرني يسرد له قصصاً عن اشخاص تعرضوا لفقدان اصدقائهم بسبب امور تافهة ، لكنه اختتم حديثة بحسرة طويلة  :
ــ نعم .. اخاف ذلك الفقد ، لأنه صنو الموت ، وما الاصدقاء في هذه الدنيا القصيرة إلا عصافير ، ربما لهذا علينا ان نترك الشبابيك مفتحة ً اكراما لهم ، علنا بذلك نستطيع ان نقول : وداعا ً ايتها الغيوم ..



#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعدي يوسف وزمن القتلة
- قليل من هارمون السعادة يكفي ..
- حزن يطارد قلوبنا
- 2020202020 ونخبك ِ يا 2021
- الكرسمس
- الأرمني الجميل
- المتطفّل
- لكن ماذا رأى ؟
- العم حسام الالوسي .. اجراس لذكرى رحيله .
- اغنية الكتابة
- مع روحي على انفراد
- الحجيج إلى شكفته خَمري
- قصة قصيرة : الأرغن الذائع الصيت
- ماذا يخبي الله لنا
- 86 نبراسا ً من المقاومة
- هواجس كخبز القربان
- الهبوط الرهيب
- البوهيمي
- عاشقان
- احلم يا ولدي


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بديع الآلوسي - قصة قصيرة : وداعا ً ايتها الغيوم