|
الأرمني الجميل
بديع الآلوسي
الحوار المتمدن-العدد: 6766 - 2020 / 12 / 20 - 21:33
المحور:
الادب والفن
مصائرنا لا تتشابه يا ابو غايب ، اشتاق لرؤيتك ، او سماع صوتك من بعيد ، واتمنى لو لمرة واحده نمشي صامتين معا ً , هل تسمح لي بعد كل هذا الزمن ان احدثهم عنك ، ان اسرد سطور عن غيابك . كنا لا نريد سماع تلك الطلقة ، التي خسفت ارواحنا ، وخنقت حكاياتنا . حتى الكلام اصبح دون معنى ، حتى النضال صار سرابا ً .عن اي شئ تهامست الطيور لتريح روحك . حين كنا معا ً، كنت تحدثني عن جمال روسيا وارمينيا ، كنت احدثك عن المعانات داخل الوطن وعن حبي لشقائق النعمان ، لكنك وبصوت محموم كنت تقول لي : طفلي وزوجتي ينتظران . في اليوم الأخير لم تذرف دمعة ، لكن حتما ً كان قلبك الدافئ يعصف به اعصار من القلق والتردد .. لم يصغِ لك من أحد ، لم ينصحك الطبيب بتجاوز الحزن والكمد.. هكذا وبلمح البصر اختفيت في باطن وادي الخيول ، هكذا نمت َ بين مروج وسحر جبل متين . بعد عام كلنا هجرنا المكان مرغمين ، في ذلك المساء الحزين بقى قبرك علامة دالة على الخسارة والوجع . باي اعجوبة حطمت كل شيء، حتى صمتك صار يصرخ : لا تتركوني وحيدا ً نائحا ً كالمفجوعين ، لم تمت او هكذا بقيت ذكراك يصدح بها الشرفاء الطيبين ، سنتذكرك في الجبل والسهل في اليأس والأمل وكلما ابكانا الحنين … ************************************* في الجبل ، الرفيق اخو الرفيق ، القوي يسند الضعيف ، لكن ابو غائب كان مذياعه العتيق له خير صديق ، كان يحل ضيفا ً علينا ، هاربا ً من مناكدات الآخرين ، في موقع الدوشكة عرفته عن قرب . في المساءات الشتوية الطويلة وطردا ً للكآبة ، كان يلاعبنا الشطرنج ، ويقول لنا غرائب وعجائب الحرب الملعونة ، ويهمس لي : الفرج قريب ، وسيلتقي الحبيب بالحبيب . ويخبرني عن اجمل ايام شبابه في بغداد ، واحلى سنين العمر في مدن روسية ، وكيف كان هنالك يضحك بقلب يمجد الحياة مع وزوجته وطفلته . ومرت السنين الجميلة كنسيم الربيع ، حينها كانت الدنيا بخير والحب يدور ويدور ، حينها لم يتخيل نهايته ولم يفكر او يقول: انّ الحرّ مَن يختار الدخول الى العدم . حدَثني عن لعبة الشطرنج ، وكيف كان يقهقه في سره بعد كل انتصار ، قال : كنت طائشا ً ، الى ان اصطدمت بثلاث خسارات على التوالي ، وبما ان روحي لا تقبل الهزيمة ، اخذني الغضب وأنهارت ثقتي وكأن القدر ابتلعني ، خرجت في ليل بغداد البارد ، ابحث عن ذاتي ، تسكعت في الحانات والنوادي، راجعت آمالي وذكرياتي ، عرفت ان النار تحرقني وينتاب روحي الكدر . كان درسا ً هائلا ً في الخسارة والندم . قلت له : الحياة كالشطرنج تحتاج إلى قلب يمتلك وجهة نظر . حدق بي ّ مطولا ً ثم ابتسم ، ونفخ دخان سجارته كمن أعتاد على تجاوز المحن . من يعرفه جيدا ً يجد في جسده القوي المكافح يقبع قلب طفل مشاكس ، لكنه احدى المرات باح عن ما في روحه من ألم ، ضرب جبهته براحة يده كاشفا عما يصيبنا من خلل : يا إلهي كم نحن اغبياء حد النخاع والعظم ؟ . رأيته في آخر يوم مهموما ً ، كمن ما عاد وادي الخيول يتسع لروحه المضطربة ، كان مرغما ً لا بطل ، لم يجد من منقذ لا برب طيب ولا بنبي يرفع الهمم . وظل وحيدا ً متأرجحا ً بين الصواب و الخطأ، ربما جرب التصويب على قلبه في البدء ، لكنه في نهاية الأمر دس فوهة بندقيته حتى ملأت الفم ، لم تعد له من أمنية ونحسر الضوء ، وقبل ان تخونه الشجاعة او يطاله الندم ، ضغط على الزناد ، أحتجاجا ً ضد من كان سببا ً في ما كابده من حيف وضيم ، وكان الذي كان وتناثر الدم . بعدها اظلمت الدنيا وحدث الخلاص المنتظر . يارب ايوب ،اغفر لأبو غايب فعلته البريئة ، ما تأهب للرحيل إلا بسبب مسؤولينا الحمقى ، الذين لم يبادرُ بمساعدته في الوقت المناسب ، ليتمكن من الالتحاق بعائلته ، ربما نسامح اصحاب القرار الذين كانوا سببا ً في نهايتك ، لكن تاريخنا الحي لا يغفر لهم خيانتهم الكبرى ، حين تركوك نهبا ً وقربانا ً للموت المتطّفل . يا رب المسرات ، أعط ِ الأرمني الجميل رقعة شطرنج اينما يكون ، ليتسلى ولا يرهف السمع الى الأحزان ، لكن بعد كل هذه السنين ، من حقه الإدلاء بسؤال جارح : هل انتصرتم ، ام ما يزال الدم العراقي ينزف بالوجع والنسيان ... ؟ …
#بديع_الآلوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المتطفّل
-
لكن ماذا رأى ؟
-
العم حسام الالوسي .. اجراس لذكرى رحيله .
-
اغنية الكتابة
-
مع روحي على انفراد
-
الحجيج إلى شكفته خَمري
-
قصة قصيرة : الأرغن الذائع الصيت
-
ماذا يخبي الله لنا
-
86 نبراسا ً من المقاومة
-
هواجس كخبز القربان
-
الهبوط الرهيب
-
البوهيمي
-
عاشقان
-
احلم يا ولدي
-
نداء وطن وهدير التغيير
-
اللامنتمي والأبواب الخمس
-
اليوم المحتفي بنفسه
-
قصة قصيرة : القَبْرُ القرمُزيُ
-
كريم كطافة وحصار العنكبوت
-
قصة قصيرة جدا ً : الشبح
المزيد.....
-
موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي
...
-
التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
-
1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا
...
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|