أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري رسول - خروف دِلبر














المزيد.....

خروف دِلبر


صبري رسول
(Sabri Rasoul)


الحوار المتمدن-العدد: 6939 - 2021 / 6 / 25 - 13:06
المحور: الادب والفن
    


عندما تمتزج الأمنيات والقرارات في حقلٍ واحد، في ساحة الرؤية الذاتية (الأنا العليا) يعتقد المرء أنه وحده صاحب الحق والإنتاج. لذلك ينضمّ إلى أمواج التبعية، بدون تفكير، أو من دون أن تتمكّن الحقيقة من إقناع فكره، وتكشفُ له أنّ المواقف ليست من نصيبه فقط، بل أنّ محبي الحياة يحبون المواقف.
دلبر ذات القلب الطيب، الشّغوف بالأمل؛ يبدو أنّه قد دُوِّن على جبينها الانتظار المأمول، وعاهدت نفسَها بأنْ تقدّم الخروف، المُعلَّم بإشارة خاصة، ضحيةً وتعلن للأقارب والجوار بخطوبتها إذا رجع حبيبها من الغربة سالماً. لذلك خطفت خروفاً صغيراً من حضن أمها المسكينة، كلصٍّ في ليلة عاتمة، وعلَّمتْه بإشارة حمراء ليُصبح ضحيةَ عودة حبيبها المسافر، وأخذت تهتم بالخروف ذي الدلال والدلع كاهتمام أمٍ بطفلها الرضيع، تعتني به وتحميه، حتى باتت الخراف الآخريات تغار منها، تحاصرها، وتحرمُها من أشياء كثيرة، وتجعلها عاجزاً.
ومع مرور الوقت، تتوالى الأخبار المضلّلة والمخادعة سريعةً كطلقات على مسمع الخروف المسكين، وتطنُّ في أذنيه، يقترب موعد عودة الحبيب، وبكل هدوء تُسَنّ له السّكاكين.
يبقى الخروف، المحاصَر، عاجزاً خاملاً، مُنطفِئاً، واسودَّت الدُّنيا أمام عينيه، ولاحظَتْ دِلبر أنّ وضعَه قد تغيَّر، لم يَعُد خروفها المدلّل المَرح، ولم يَعُد يأكل ولا يشرب. تساءَلت نفسَها عن أسباب تغيير وضعه، وتحسب ذلك في كلّ خطوة، في الشعور والتفكير. تابعته، وقعتْ نظراتها فجأةً عليه، وإذ به يحتمي بحضن أمّه، ودموع الاستعطاف والمَسْكَنة تهطل مدراراً.
دِلبر ذات المشاعر الدّافئة تشاهدهما بعمق، فتكاثرت عليها الهموم والمعاناة، وطغى على عيونها نومٌ مفاجئٌ، في ذلك الصّراع توسّع مخيالُها لترى بأنّ الخروف يخاطب أمه التي اشتعل قلبها ألماً بعدما اتّجه نحوها: أمي! أصحاب الحق والإنسانية، كيف يُشعِلون قلوبَ الأمهات ويشوونها على صفيح مصالحهم السّاخن ناراً وجمراتٍ.
الأمّ المهمومة جمعت الخراف الأخرى مع صغيرها النّاعم، وخبأتها بين قوائمها، ثم قالت: «خرفاني العزيزات، يبدو أنّ الطبيعة السّيكولوجية لدى الإنسان قد أرشدتْه إلى هذه الحقوق، ليتعامل وفق هذا السلوك مع الكائنات الحية الأخرى، وعندما منحه نظامُ الوجودية العقلَ والتفكير بدأ في الاستعلاء على الكائنات الأخرى المختلفة عنه، وحرّمها من حقوقها، واحتفظوا لأنفسهم بجميع حقوق الحياة واحتكروها.
كيف يجرحون قلوب الصغار بارتعاشات الخوف ليبرّروا لفعلهم مع قرابينهم بأقنعة وتبريرات، هل توجد القلوب في صدور البشر وحدهم، والكائنات الأخرى ليس لها قلوب، ومحرومة منها»؟.
الأم الحزينة تخبّئ الدموع في عينيها، وفي داخلها يغلي الكلام محروقاً بالقهر، وبالنار المشتعلة في داخلها. وفق مقاييس عدالة الطبيعة: نحن الحيواناتِ نختلفُ عن البشر، فالتمييز عند البشر، وطبيعتنا الخاصة تُظهران أنّهم يربوننا ويخدموننا يومياً، لنكون لهم أضحية يقدمونها للآخرين كرماً، وليبينوا لهم إحساسهم الدافئ في قلوبهم. أعرف أنّكم تفكرون بأنّ اهتمامَهم لنا يأتي لخدمة مصالهم الشخصية، لتحسين متاع حياتهم في الطعام. وأستطيع الجزم بأنّ الفكر والمعتقدات الدينية تقودهم إلى النظر إلى المساكين والضعفاء مثلنا كوقودٍ لهم. وتبيحنا لهم طعاماً.
اندهشت دِلبر العاشقة، صاحبة المشاعر الرهيفة، من التفكير في الوجود الضبابي غير المعلوم، تخالُ نفسَها أمّاً والدّبة الغاضبة تلعب بصغيرها الذي وقع بين مخالبها. تُطلِقُ العنان لصرخاتٍ عالية، لكن لا أحد يستنجدها.
استيقظتْ مرعوبةً، بأنفاسٍ لاهثة متقطعة، وجدت نفسَها غارقة في أمواج التعرّق، بدأت تنظر حواليها بعيون مفتوحةٍ مغمضةٍ. تحايلت عليها مرآة الحقيقة فجأة، وإذا تماثل في ذهنها الخروف وأمه، كلوحةٍ أمام عينيها، مع ذلك كان الصّوت والصّدى يتبع الصّورة.
نعم يا دِلبر الحنونة! رغم أنه كان حلماً، وذلك القلب المحترق كالمشيمة التي يضمّ الجنين أصبح لك قبراً. لا أستطيع أن أقول أي إضافات عن الأم العاقلة الحنونة، وكلّ أمنيتي هي أن يحلم كل إنسان بالخراف المعلّمة بالإشارات الخاصّة.
-----------------------
* - تمّ اختيار هذا النّصّ من (مجموعة قصصية) ترجمتُها لمجموعة من الكتاب الكُرد الذين يكتبون باللغة الكردية.
- القصّة للكاتبة نارين عمر مكتوبة باللغة الكردية.



#صبري_رسول (هاشتاغ)       Sabri_Rasoul#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إجراءات صناعة القرار واتّخاذه
- تشجيع الأصوات المعتدلة (سميرة المسالمة* انموذجاً)
- المرأة ومصادرة قرارها السّياسي
- قراءة في نصّ (12 آذار) لأحمد إسماعيل إسماعيل
- ميزوبوتاميا مغامرة شعرية في الحقل التّاريخي
- إذا استحال التعايش مع الآخر
- سوريا من خريطة ٍ معروفة إلى خرائط مجهولة
- الأرواح الأربعة لعامر فرسو في الميزان
- اكسر الغياب والنّصّ الومضة في الميزان
- البيت الذي أكلته العاصفة في ميزان (ق. ق. ج)
- قصّة «انتظار» شمس عنتر في الميزان
- عندما تغيب معايير النّقد... (كلستان المرعي وعصمت الدّوسكي)
- صُوَرٌ في العتمة
- امرأة غامضة حتى الضّجر(ج2)
- امرأة غامضة حتى الضّجر(ج1)
- -وزنة حامد- سردٌ متعثّر ولغة محكية
- استنطاق المسكوت عنه ((ترمي بشرر))
- سوريا والعيش المشترك
- ذهنية الكردي
- أصبحْتُ نمْلةً


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري رسول - خروف دِلبر