أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - سقوط الجبابره-8















المزيد.....


سقوط الجبابره-8


أنور مكسيموس

الحوار المتمدن-العدد: 6937 - 2021 / 6 / 23 - 15:01
المحور: الادب والفن
    


……………..
االفصل الثانى- المشهد الرابع- المنظر الأول
الوقت المساء ليلا, ضوء السماء خافت, طرق خفيف على باب البيت...
معيلق: من الطارق فى هذا الوقت من الليل؟
الطارق: أنا شمشون, أتيت لارى إمرأتى,...أليست أوتيليا إمرأتى؟.
معيلق: إنتظر وسوف أوافيك حالا...بعد لحظات يفتح معيلق الباب وهو يلهث دون أن يسمح لشمشون بالدخول, فيدفعه شمشون ويدخل, وعلى كتفيه جدى معزى, ولكن معيلق يمسكه من قميصه, ويقف أمامه, ليمنعه من الصعود الى أوتيليا.
معيلق: لا تصعد إليها, إنها مع رجلها!...
شمشون وكأنه لا يصدق ما يسمع: ماذا تقول؟...هل سمعت خطأ؟...يخيل الى أنك قلت مع رجلها!...من هى التى مع رجلها...أنا أريد أن أصعد الى إمرأتى أوتيليا...
معيلق ينظر إلى شمشون وهو خائف: أوتيليا مع رجلها فى غرفتها...
شمشون: مع من؟...يبدا الغضب الشديد يظهر على ملامح وجهه: ألست أنا رجلها, اليست هى إمرأتى؟...ماذا تقول يا رجل؟ هل خبلت, هل مسك شئ من الجنون, هل لبستك روح شريرة من أرواح ألهتك؟...
معيلق: لم تعد أوتيليا إمرأتك...لقد قلت أنك كرهتها, لم يعد لديك ميل نحوها؟...
شمشون وهو يمسكه من رقبته ويميله الى الخلف: من قال ذلك؟ من أعطاك حق هذا التصرف, هل أعطيتها كتاب طلاق؟ .. هل تتاجر بها...هل أنت قواد...هل طلبها أحد أثرياء تمنة فتركتها له؟...كم دفع لك أيها القواد؟...
معيلق: نحن لا تهمنا النقود, ولا نلهث ورائها, أحسن إنتقاء كلماتك يا سيد شمشون!...
شمشون: أعطيتها لمن أيها الشريف؟...هيا قل قبل أن تنتهى أخر أنفاسك بين قبضة يدى؟...
معيلق وهو يكاد يسقط من شدة الخوف والتعب: طلبها كليب, فأعطيتها له؟...
شمشون: كليب من؟... لم  أعرف أحد بهذا الإسم سوى كليب القزم صديقى,...من كليب الآخر هذا؟...
معيلق وكأنه ينطق أخر كلماته: إنه هو, ويكمل سريعا: هو صديقك الذى تجالسه ويسامرك, ويأتيك بكل الأخبار!...إنه الآن فى غرفته مع أوتيليا...
شمشون وهو يترك رقبة معيلق وتزوغ عينيه: يا الله!...يا إله السماء والأرض!...هل هذا معقول؟!...هل هذا معقول؟!...كليب!...سامرى!...صديقى!...القزم!..يسأل وهو شارد العقل والنظر: أين هما الآن؟..
معيلق: إنها فى غرفتها, لم تغيرها...
شمشون وهو يكاد يختنق: الغرفة التى عرفتها فيها, وربما نفس الفراش...كليب القزم وصديقى أيضا يأخذ إمرأتى, وغرفتى وفراشى وكل شئ...يا لعارك يا شمشون...يا لعارك يا قاضى دان...يصرخ صرخة مدوية يعلن بها عن نفسه وعن وجوده وهو يقول: سوف أمحو هذا العار عنى وعن عشيرتى...
معيلق وهو مرتعب: أختها أصغر منها وأجمل...خذها إمرأة لك!...أعطيك إياها بدلا من أختها...خذها إمرأة لك...وهو ينظر إليه: الأمر يسير, ولا ترهق نفسك بالتفكير فيه.
ينظر الى ثم الى أعلى, ثم يهز رأسه يمنة ويسرة عدة مرات هو يقول: أنا الآن برئ من دم الكفتوريين, ومما سافعله...
معيلق: ماذا فعلنا وماذا لك الكفتوريين؟!...ألا تكتفى من الدماء التى أرقتها  فى أشقلون؟...ألا يكفيك هذا...  
شمشون وهو شارد: سوف أنتقم منكم جميعا, وسوف تسمع تمنة وكل ما حولها, حتى البحر الكبير, كيف يكون إنتقام شمشون, نعم حتى البحر الكبير...يقف لحظات وهو ينظر بشدة الى معيلق ويهز رأسه يمنة ويسرة, ثم ينطلق خارجا, ويعود بعد لحظات ليأخذ جدى المعزى معه وينطلق مختفيا عن الأنظار...
 تأتي بعد لحظات أوتيليا, وخلفها كليب, ثم ماذى.
أوتيليا: هل رحل يا أبى؟ ربما يعود مرة أخرى؟
معيلق: نعم لقد رحل ولن يعود الا بعد أن ينفذ وعيده وتهديده...لنكون آخر مشوار إنتقامه...لا أحد يعرف ماذا ينتوى أن يفعل...ثم يوجه حديثه الى ماذى: سوف ترحلين أنت وأخوتك الصغار عند أول شعاع للشمس, الى خارج تمنة, سوف أرسلك الى غزة عند صديق قديم, وسوف أعطيك ما تيسر من المصاريف, حتى تنتهى تلك الغمة, وتعودى أنت وأخوتك الى تمنة مرة أخرى, فاستعدى وجهزى كل ما تحتاجين لك ولاخوتك الصغار...أنا أفكر بأن أذهب معكم, وأطمئن عليكم, وأعود سريعا...
أوتيليا وهى خائفة: وهل ستتركنى ياأبى؟    
معيلق: لا..لن أتركك..سوف أعود فورا. لن أبيت..فقط أسلم أختك ماذى وأخواتك الصغار لذلك الر جل الطيب وأطمئن عليهم وأعود فورا..على إلتزمات مفروضة هنا فى تمنة...على أن أكون هنا ولا أغادر..إذهبى الآن يا ماذى وتجهزى للسفر باكرا جدا, وأعملى حساب سفرى معكم, دون مبيت...هيا هيا...هيا يا ماذى ولتساعدك: أوتيليا, هيا...هيا...
.........................
الفصل الثانى-المشهد الرابع- المنظر الثانى
تدخل الى يسار المسرح, سعيرة الساحرة, الى جوار الساحرتين سخامة وغرابة...تنظران الي سعيرة 
تسألانها كل من الساحرتين:
من أنت؟...من أين أتيت؟...تصمتان قليلا وهن تتأملانها ثم تكملان: تعلو رأسك ألسنة اللهب...السعير المنبعث منك, يكاد يحرق كل شئ حوله... من عينيك ينبعث بريق كبريق الرعود قبل أن ينهمر المطر العاتى...
سعيرة: أنا مثلكن...لكننى أتيت من بؤرة نار...أبيدت كل عائلتى, وأحرقت بالنار...حتى البهائم والبيوت والزرع, كله...كل شئ...كل شئ أحرق بالنار, وتلاشى...أنا وإخوتى الصغار حتى الرضيع, الكل قتل وأحرق بالنار...لم يبقى فوق الأرض شئ...لم يبقى فوق الأرض شئ على الإطلاق...راح كل شئ, دخانا ونارا وبخارا...
غرابة: إنك مأساة تسبح فى الهواء, وحزن وغضب يسير بين الأحياء...وأفكار إنتقام تأتى عبر الأجيال تسير فى زمن الأحياء...تكمل كأنها تحدث نفسهأ: لم يعبر عليها جبار النسيان, فننساها...تجمعت وتشكلت فى روح وحياة...والآن!...ماذا بعد؟...
سعيرة: فاليأخذ هذا الجبار طرف بداية النهاية...
كلا الساحرتين: كيف؟...بماذا أتيت من أفكار؟...هل يفعل مثلما فعل فى أشقلون؟...
سعيرة: لا...لابد من إشعال نار تدوم عبر الأجيال...لتصبح عادة نراها كل حين, وتقليد يتبع من جيل الى جيل...تكمل فى ثقة وهدوء: ولن يقدر بعد أحد من البشر على تغييره...إلا يد قوية, لم يراها أحد من قبل؟...
سخامة وغرابة فى وقت واحد: كيف؟...كيف؟...
سعيرة: إن المعاناة التى تدوم فترة من الوقت, تصبح ذكرى, تتشكل داخل وجدان البشر, وتنتقل من جيل الى جيل, وتحركه حتى, وإن لم يدركها...ولهذا فعلى هذا الجبار, أن يجمع ما يستطيع من أبناء أوى, وهو صياد ماهر فى ذلك.
الساحرتين: ولماذا إبن أوى؟...
سعيرة تكمل: ويربط ذنب كل واحد بالآخر ويشعل بينهما النار, فيحاول كل منهم الهروب غير عابئ بالآخر...والوقت حصاد الحنطة, وهى الآن مكدسة فى الحقول على الأرض وجافة...فلا يجد أحد ما يقتات به...وإن وجدها فلن يستطيع شراؤها, وتستمر المعاناة, ويستمرالصراخ والعويل والندب؟...
غرابة: هذا الجبار مستعد لفعل أى شئ نراه وهو فى داخلنا, ونحن فى عقله ووجدانه...فاليفعل, ما قالته سعيره, ننتظر ونراقب...
تصف كل واحدة منهن المشهد, وتنبه إحداهن الأخرى بما تراه...
إحداهن: هل ترين هذا الزوج من إبن أوى وقد أضرم شمشون النار فى المشعل بينهما, كل منهما يحاول أن يشد الآخر الى هذا الأكداس  كى يحتميا بداخلها من لهيب النيران المشتعل بينهما!...
الأخرى: لقد اشتعلت هذه الأكداس...إنظرى هذان آخران يجريان نحو تلك الأكداس شرقأ...
الأولى: إشتعلت هذه الأكداس أيضا, وتلك التى فى وسط البلدة...
الأخرى: النار تشتعل فى كل مكان, والدخان الكثيف يتصاعد فى كل أرجاء المعمورة...
الأولى: إنه يطلق المزيد من أبناء أوى...إنظرى, إنظرى, إن أبناء أوى ينطلقون الى كل صوب وناحية, يا لهول ما سيلاقيه أبناء تلك البلاد!...
الإثنتان فى صوت واحد: النيران الآن فى كل مكان, السنتها تتراقص فرحا وجزلا....وتخرج من أحشائها أعمدة الدخان الكثيف..    
فالتبكين يا بنات وصبية كفتور, ولتنوحن يا نساء تمنة, ويا كل ما حولها..أين الشباب والرجال, هل تتركون الأغصان الغضة الطرية تجف وتموت على فروعها, وتأكل الديدان والهوام الجذور فتموت كل الشجرة...
بعد قليل تسمع أصوات جلبة شديدة وعالية, وصياح فى كل مكان...صراخ وتهديد ووعيد...
أصوات: من  فعل هذا؟...من؟...أغيثونا بإلإجابة...من فعل تلك الفعلة الشنيعة؟...من الذى أشعل النيران فى أكداس تعبنا وعرقنا كل تلك الشهور...من؟...
أصوات: إنه شمشون!...
        :قاتل رجال أشقلون...
        :صهر التمنى...
        :إنه صهر التمنى, وقد رأه البعض فى بيت معيلق, منذ أيام قليلة خلت.
        :لنحرق بيت التمنى, بمن فيه...
        :لنحرق شمشون بداخله...
        :لنحرق البيت كله بمن فيه...
        :لنحرق الجميع...
        :لنحرق البيت كله....
        :هيا بنا...كل منا معه مشعله....هيا...هيا بنا جميعا...هيا بنا...
غرابة: إنهم يتجهون صوب بيت معيلق التمنى...يحملون عشرات المشاعل تتراقص فوقها النيران بشغف وقوة....
سخامة: أترين!...كليب يفر هاربا...إنه يطلق ساقيه للريح...ويحك من رجل!...أبعد  أن جعلت أيامه ألوان جميلة...أبعد أن أسعدت أيامه يتركها ويفر...يالك من رجل خسيس, ووضيع...لهفى عليك ياأوتيليا...حسن أن معيلق أخرج ماذى الصغيرة وأخواتها الصغار الى مكان لا يعلمه إلا هو...حسن أنه فعل ذلك...
يسمع أصوات جلبة وصخب وضجيج يذداد لحظة تلو الأخرى.
غرابة: لقد وصلو بيت أوتيليا...
سخامة: إنهم يلقون بيت معيلق بالمشاعل...يسمع صوت صراخ...وصوت معيلق وهو يقول: لا, لا تفعلوا ذلك...ليس هذا ذنبنا, إنه شمشون, وهو ليس هنا...أرجوكم كفوا...قفوا, لا تفعلوا ذلك بنا...ألسنا من بلدة وأحدة, ألسنا جيران...ما ذنبنا...ما ذنبنا...
الأصوات: جلبت لنا الخراب, والمشاكل...إنك نذير شؤم ونحس...أشعلوا...إحرقوا...صراخ أوتيليا, وصوت أبيها يعلو رعبا وهلعا...تتراقص صور النيران والدخان والصراخ...بعد فترة من الوقت يخفت الصراخ حتى يتلاشى, لكن, غضب العامة, وصور النيران والدخان تشتد أكثرفأكثر...
سخامة: ماتت الفتاه وأبيها...هكذا رسم القدر النهاية...وهم غافلون إختاروا...والقدر وضع النهاية...
يدخل شمشون وهو شارد, متعب, تعلو القاذورات جسده...يدخل الى المسرح الفارغ إلا من الساحرات الثلاثة وهو لا يراهم...يرتمى على أحد الأحجار, منكس الرأس, يبدأ فى البكاء...
سخامة: لقد أشقتك قوتك...
تدخل ملك إلى أقصى اليمين.
شمشون: أشقتنى موهبة الله لى...أصبحت حملا ثقيلا...
ملكة: نعم يا ولدى, حمولك ثقيلة, وسقوطك سوف يكون مشهودا ومدويا.
شمشون: لماذا يا الله, ألم تعطينى, أنت, موهبة القوة, وأعطيتنى السر والعلامة, ألم أكن قاضيا لشعبى بحسب تدبيرك؟!...
ملكة: نعم أعطاك القوة, وأعطاك السر والعلامة, ولكنه أيضا, أعطاك الوصايا والشريعة, فتخليت عنهما...كنت نذيرا منذ البطن, فلم تفى لا أنت ولا أبيك منوح ولا حتى هصلفونى بالنذر...
شمشون: أيضا, تخلى عنى شعبى...أصبحت كأجرب أو أبرص, تفر الناس من أمامه, تخشى أن تصيبها العدوى...ما أشقاك ياشمشون...ما أشقانى أنا الجبار...آه, ما أشقانى أنا الحزين البائس...وحيدا أهيم على وجهى, وسط هذا العالم الملئ بروح العداء والإنتقام...يبكى بصوت عالى...
ملكة: قادتك شهواتك وملذاتك خلفها...تيبست وجفت أفكار قلبك وعقلك, فسار جسدك وراء شهواته وذهبت منك روح الحكمة, والفهم, والكرامة...
سخامة: تحدثى وأكثرى من الحديث الأجوف...ألا ترين أن الفأس أتت على رأس الشجرة...يمضى زمن قليل أو كثير,ويجف كل شىء ويسقط, وتذروه الرياح, فى كل مكان!...
ملكة: ربما فى هذا الزمان القليل أو الكثير, يكون الدواء لذلك الداء...
غرابة: دعيها تقول, ما تشاء, لم تعد أذناه تسمع هذا النوع من الحديث!...
سخامة: إذهب أيها الجبار الى غزة حيث سمعوا بك, ولم يراك أحد...هل كففت؟...
شمشون: لن أكف...إن ما فعلوه لن يطفئ النار داخلى...
أصوات معارك وضرب...
سخامة: لقد ضرب شمشون هذا الشاب, إنه يسقط...ضرب أيضا ذلك الرجل, وسقط أيضا...ألم يروى ظماؤه, كل هذا الخراب والدمار والقتل...
شمشون: الآن تخبو سعير النيران داخلى...الآن أنزل الى شق صخرة عيطم وحيدا...وحيدا لا أحد معى على الإطلاق, مثل حيوان مطارد من الجميع...أخشى الغدر والخيانة, حتى من أقرب الناس إلي...لا قريب...لا صديق...نبذنى الجميع, وخافوا على أنفسهم من معرفتى...ربما قريب أو صديق هو من يسلمنى لمرام أعدائى, وقد كثروا جدا...كثروا جدا أعدائى ومن يريدون تسليمى لهم, لولا أنى لا زالت مخيفا لكل من حولى...لا تتخلى عنى يا إلهى!...
غرابة: لا زال يطلب معونة إلهه بعد كل ما فعل, مثلما تفعل كل شعوب هذه النواحى...إذهب الى غزة!...
شمشون: الآن أنزل الى شق صخرة عيطم...ألتمس شئ من الراحة والأمان بين شقوق وجحور الأرض...
..... ....................

الفصل الثانى - المشهد الخامس 
يجلس شمشون مهموما, وشاردا, أمام شق صخرة عيطم...ينكس وجهه الى الأرض أسفا, ثم يرفعه نحو السماء رجاءا و أملا...تسمع أصوات ضجيج وصخب تعلو رويدا رويدا...لا ينتبه لها شمشون أولا...تعلو أصوات أقدام كثيرة, وصخب لجمع غفير...ينتبه شمشون ويقف مستعدا لينظر هذا الجمع الكثير جدا, وهم بملابس أهله وعشيرته...يتقدمهم رؤساء الشعب, والكهنة..
يتسأل فى قرارة نفسه: يا إله السماء والأرض!...ما الذى أتى بهذه الموجات العاتية الهادرة؟!...هل ثابوا الى رشدهم...هل أتوا ليلتفوا حولى قائدا ومخلصا, كما ظهر لمنوح وهصلفونى...
يبتسم شمشون آملا أن يكون حدثه صادقا...مرحى, مرحى يا أبناء شعبى...يالها من مفاجأة!...
يشاور لهم أنه رأهم, ويرحب بقدومهم...تدهشه المفاجأة فينسى أن ينزل لهم ويبقى فى مكانه مبتسما...
تظهر الساحرات الثلاثة, مبتسمات, ومبتهجات أقصى يسار المسرح, وتظهر ملكة أقصى يمين المسرح حزينة, بائسة...
تدخل بعد قليل, طلائع الجمع الغفير من رؤساء الشعب, والكهنة وكبار الشعب وقليل من الشعب بحسب درجاتهم. ينزل شمشون ليستقبلهم, فيشير له قائد الجمع ليقف حيث هو...تلجم المفاجأة شمشون, فيقف منتظرا ومستفسرا دون أن ينطق بكلمة...
قائد الجمع: لقد جلبت عليك, وعلينا المصائب...ألا تعلم أن الكفتوريين يسيطرون علينا؟...تأكيدا أنت تعلم ذلك, لقد صعدوا الينا يطلبون نفس العب أو  نفسك, وها نحن نزلنا اليك...الشعب الآن يعيش فى ضيقة وشدة عظيمة بعد كل ما فعلته...الأخبار تناقلتها كل شعوب المنطقة وكل البلاد حولنا...الكل فى ضيقة عظيمة ...الكل مراقب ومعرض للضيقات بسببك...حتى أبيك منوح, وأمك هصلفونى...ينظر فى وجه شمشون مستطلعا...
شمشون منزعجا: هل حدث لهما شيئا؟...هل ضايقوهم؟, هل فعلوا بهم شرا؟...
 يجيبه أحد الحضور: لا...لم يمسهم أحد بسوء...لكن!... منوح أبيك إنتقل إلى جوار أبائه, غما وكمدا لما فعلته وتفعله...كان أبيك منوح وأمك هصلفونى, يخشون قتلك بسهم مسموم, أو شراب أو طعام مسموم أو سيف غادر, عاش منوح آخر أيامه قلقا يخشى أن يسمع خبر موتك, بين لحظة وأخرى...
يطرق شمشون, برأسه الى الأرض, باكيا  فى صمت... 
ملكة: لماذا تقتلونه بأحاديثكم هذه؟!...لقد أصاب الوهن النفس العزيزة...
غرابة فى سخرية: النفس العزيزة؟!...نفس من العزيزة هذه, وكيف جعلتموها أنتم, أو هو...عزيزة؟!...
سخامة: دعيها تنشئ ما تريد, تقول ما تعلم أن لا فائدة منه, سوف أرد لك الصفعة عندما يسقط وجهك إلى الأرض, قريبا جدا جدا...
شمشون: ويحى أنا الشقى..ألم أتسبب فى موت أبى, بل أنا من قتله...هل كان يعانى من مرض؟...
قائد الجمع: لا...لكنه كان شيخا, وقد عجلت أخبار أفعالك بموته, وإنتقاله...والآن أمك هصلفونى تعيش وحيدة, إلا من بعض جيرانها يسألون عليها, ولم يحاول أحد من الكفتوريين مضايقتها, لكنهم يكرهونها...
شمشون: ويح الإنسان عندما يحيا فى إهمال وكراهية...يا ألله لا تترك أمى وحيدة بلا معين...سوف تكون فى خطر, إن ذهبت إليها وعشت معها, أو أتيت بها هنا, فى شق الصخرة, لتبقى وحيدة معى, تفكر كل لحظة فى موتى...يا لشقاوتك يا شمشون!...يا لشقاوتى!... ماذا أفعل يا إلهى؟!...ماذا أفعل؟...ماذا أفعل؟... 
قائد الجمع: ماذا ترون يا شيوخ الشعب, وماذا يرى الحميع؟...
الكل فى عبارة واحدة: نسلمه لهم... نسلمه للكفتوريين...نسلمه للكفتوريين...
قائد الجمع : ما رأيك؟...ماذا ترى؟...
شمشون: دعونى أفكر...أين دفنتم منوح أبى؟...
قائد الجمع وهو يشخص ببصره نحو شمشون: فى قبره بين صرعة وإشتاؤل...ماذا قلت؟...ليس هناك وقت للتفكير...لقد أعطونا مهلة.
شمشون يفكر: شعبى يسلمنى لمرام أعدائى, الذين يذلونهم...هل هذا شعب يستحق أن أكون قاضيا ومخلصا لهم...من أين تأتيهم الكرامة...
قائد الجمع: ماذا قلت؟.
...ثم يلتفت خلفه ليعطى إشارة فتقف مجموعة من حاملى السهام, مصوبة نحو شمشون...
شمشون فى ثبات وهدوء: لقد أقسمت ألا أقع على أحد من شعبى...
قائد الجمع فى نفاذ صبر: ماذا قررت؟...
شمشون: هل تقسمون أنكم لا تقعون على؟...
قائد الجمع: نفعل...لكن دعنا نوثقك أولا ثم نسلمك إليهم...إنهم يريدون نفسك حية, كى يذلوك...
شمشون يهز رأسه: يذلونى؟...وأنتم تعلمون أنهم يريدون ذلك؟...ها أنا ذا أمامكم, إفعلوا ما شئتم, وسلمونى لهم.
يتقدم مجموعة من الرجال بحبال قوية ليوثقوه...ثم يحيطونه وياخذوه الى حيث يسلموه موثقا الى الفلسطيينيين.
تتابعه الساحرات, وكذلك ملكة...وهن تتصدرن المشهد, كل منهن فى مكانهن...
الساحرات تصفن المشهد, وملكة صامته, ترفع راسها بين الحين والحين لتنظر ماذا يحدث, ثم تنكسها مرة أخرى...
صوت جلبة عالية, بين فرح وغضب, وأصوات تطالب بالإنتقام...
إحدى الساحرات: ها هو كبير جمع الإسرائيليين يشد شمشون من وثاقه, ويقدمه لكبير جموع الكفتوريين, ثم يعود...ها هم الإسرائيليين ينصرفون...
يسمع ضجيج عالى وأصوات سخرية وسباب...
 -  ساحرة أخرى: ها هى مجموعة من القوم, يتقدمون نحو شمشون...ها هو الوحش بدأ يزمجر, ويزأر...إنه ينتفخ ككرة من اللهب...تتمزق الأحبال التى تقيده بكل سهولة ويسر...
  -  سعيرة: أيتها الآلهة من أين يستحضر هذه القوة الهائلة!...أين يخفيها!...إنه يلتقط لحى حمار, ويضرب بشدة هائلة وغضب وهو يصيح صياحا قاسيا ومرعبا ...تسقط الرجال والشباب أمامه, ويفرون..إنهم يفرون جميعا من أمامه...
-   غرابة: لم يبقى إلا هو, وقتلاه...إنه عطش جدا, يدعو إلهه, فيرتوى...إنه الآن آت...
بعد قليل يدخل شمشون, متعبا, مرهقا...
شمشون: لمن أذهب ياإلهى, ولمن ألتجئ؟...أنت من وهبنى عطيتى, ومن دبر شؤن صباى وشبابى...لا أعرف سواك, ولا ألتجأ لاحد غيرك, دبر أمورى وحياتى...أأسقط بيد الكفتوريين الغلف؟...أريد أن أصنع خلاصا لشعبك, الذى سلمنى لمرام أعدائى, وتركونى وحيدا...يصمت, وينشج باكيا...
سعيرة: شمشون يامن تدعى إبن منوح...ألم تعلم بعد... أن الأرض لم تعد تنتج غلتها وحنطتها...أتتها بذور من كل صوب وناحية, ونبتت فيها, وخرجت بذورها الى كل صوب وناحية...لقد ولت تلك الأيام التى تدور فيها الغلة والحنطة دورتها, على أرضها, لم يعد المحراس محراسها, ولم يعد الباذر هو نفسه...
غرابة: لقد نسختم العالم الى صفحتكم, ونسخكم العالم الى صفحاته, فحملتم النقيضين منفصلين, تستحضرون أحدهم فى وقته وزمانه...لكن العالم أضافكم الى صفحاته...
شمشون بعد طول صمت وبكاء: يا إلهى!...أنا فى هذا الجحروحيدا وغريبا ومطاردا, الكل يريدون نفسى...إلى متى يظل هذا الحال؟!...وكيف تنتهى حياتى وتؤخذ نفسى منى...ألا يوجد بصيص من ضوء, وشعاع من أمل؟!...
يدخل رجل مترددا وحذرا مما حوله ومن شمشون, الذى ينتبه له ويقف مستعدا لملاقاته...
الرجل فى خوف وتردد: أنا دان يا شمشون, إنك لا تذكرنى, لكننى أحمل لك خبرا, وسوف أرحل لتوى, قبل أن يكتشفنى أحدهم..
شمشون: قل ما تريد, حتى أتبين من أنت!...
الرجل: إنه خبر سئ!...
شمشون: ألا زالت الدنيا حبلى بالأخبار السيئة, ويح نفسى من كل ما رأيت, وسمعت, من أقوال وأفعال, من أهلى وعشيرتى, وكل سكان تلك النواحى...هيا قل ما تريد وإرحل!...لا أرغب فى رؤية أحد, أو مزيد من الحديث مع أحد...
الرجل: لقد ماتت أمك هصلفونى, وقام القوم بدفنها الى جوار أبيك منوح...
شمشون وكأنه يفيق وهو يهز رأسه يمنة ويسرة: ماذا تقول؟!...أمى هصلفونى ماتت...ماتت ودفنت مع أبى؟...ينظر الى الأرض ويبكى فى صوت خفيض...ثم يحدث نفسه: لقد أصبحت وحيدا...هل أنا وحيدا فى هذه الحياة؟...الآن أنا أواجه الموت... رفعت الأستار والحواجز بينى وبين الموت؟...ثم فى تأمل يكمل: لماذا لم أفكر من قبل فى الموت؟...هل لان أبائنا وأمهاتنا أستار تحجب عن أعيننا فكرة الموت, فلا نفكر به...ينتبه الى الرجل الواقف قبالته ويسأله: كيف علمت؟...
الرجل: قمت مع من قاموا بتشيعها الى مثواها الأخير ودفنها, الى جوار أبيك منوح...
شمشون: الآن إستراحت من قلقها على...يشرد مرة أخرى ولم ينتبه الى الرجل وهو يسلم عليه وينصرف...يحاول أن ينادى عليه لكنه يعود فيحجم عن ذلك...ثم يجلس صامتا شاردا...
غرابة: الآن ليس أمامك من طريق, إلا النزول الى غزة, حيث تنتهى أسطورتك, فى ظلمة أفكارك...لن تعود ترى طريقك...نلتقيك هناك فى غزة ياملكة...الى غزة يا شمشون حيث تنتهى أسطورة مخلص شعب إسرائيل, وقاضى دان, ورجل الله...
سعيرة: إذهب الى غزة أيها الرجل القوى...
سخامة: إنزل الى غزة يا شمشون, حيث البحر الكبير, وأصنع نهاية الرجل البائس, المطرود, الهارب من نفسه ومن كل شئ...   
شمشون: الآن أنزل الى بلدة, مليئة بساكنيها والكل يتلهى فى شهوته ومعيشته...الى غزة...
الساحرات الثلاثة فى صوت واحد: الى غزة...الى غزة يا شمشون...الى غزة وسوف نكون معك….ملك تطاطئ براسها الى أسفل فى صمت...
...........................



#أنور_مكسيموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط الجبابره-7
- سقوط الجبابره-6
- سقوط الجبابره-5
- سقوط الجبابره-4
- سقوط الجبابره-3
- سقوط الجبابره - شمشون
- سقوط الجبابره
- ثورة البشموريين
- إستكمال ما بين السطور-فى سقوط الموصل المذهل فى ساعة واحدة... ...
- ما بين السطور- سقوط الموصل المذهل فى ساعة واحدة.....1
- تسييس العلم...نظرية مارينا الثالثة الأحمال غير المتوازنة على ...
- تسييس العلم...نظرية مارينا الثانية...
- تسييس العلم...ومجموع نظريات مارينا وقانون سدرة
- المناخ يتغير, الفصول الأربعة حدث لها أزاحة, الجاذبية الأرضية ...
- قمة ثانى أكسيد المناخ
- الجرح والملح...تعلموا منا؟!...
- الشبيط...الشوك الدامى - الفصل العشرين والأخير
- مقدمة رواية الشبيط...الشوك الدامى
- سيناريوهات أخرى قادمة
- للمرة الثانية....لماذا روسيا وليست أمريكا أو الإتحاد الاوربى ...


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - سقوط الجبابره-8