أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - سقوط الجبابره-7















المزيد.....


سقوط الجبابره-7


أنور مكسيموس

الحوار المتمدن-العدد: 6936 - 2021 / 6 / 22 - 16:41
المحور: الادب والفن
    


........................
الفصل الثانى...المشهد الثانى...المنظر الأول
اليوم السابع للوليمة...إجتمع الجميع فى الفناء الكبير للبيت...ثلاثون من الأصحاب,منوح وهصلفونى, ماذى وأوتيليا وصاحبتهما, شمشون وكليب...يرحب معيلق بكل الحضور ...جميع الأصحاب تعلو وجوههم ابتسامات خبيثة...
يفتتح شمشون الحديث: هذا هو اليوم السابع من أيام الوليمة, أرجو أن تكون كل أيام تلك الوليمة, وكل شئ, ذكريات طيبة معكم كل الأيام...
الجميع فرادى وجماعات: نعم, نعم ياسيد شمشون...إنها ولائم رائعة, وأيام شبع وسرور ومرح...لقد أبهجتنا كل الوقت, أنت والسيد منوح والسيد معيلق...فالتبارك الألهة الجميع!...
يرد معيلق على هذه الإشادات بسرور, أما منوح فيظهر ضيقا ولا يرد...
يكمل شمشون: وقد رأيت إمعانا فى الترحيب بكم, أن أتنازل عن حل أحجيتى, وأن أقول لكم ما هى, بدلا عنكم, وأن أتنازل عن الثلاثين قميصا والثلاثين حلة ثياب...
يقاطعه الجميع: لا, لا...لا يا سيد شمشون, لقد حللناها, هل بعد كل هذا الوقت والمجهود, تريد أن تضيع علينا ثلاثون حلة ثياب,  وثلاثون قميصا...لا لا...لن تتراجع فى وعدك يا قاضى دان...هل تتراجع فى وعدك يارجل, حتى وإن تراجعت أنت, فإن أحد منا لن يتراجع...يسألون بعضهم بعضا, ويجاوبون كل فرد: أنا لن أتراجع...إننا لن نتراحع...لن يتراجع أحد منا!...
ينظر اليهم شمشون بعيون زائغة من فرط الإرتباك والقلق, ثم يتفرس فو وجوههم, وهو دهش: لقد قلت قبلكم أننى سوف أقول الحل!...
الجميع يضحك: هل بعد أن حللنا لك أحجيتك.
وقبل أن يستمر شمشون فى الكلام,يشير لهم إبن رئيس شرطة المدينة بالصمت, فيصمتون, ويتحدث بالإنابة عن الجميع:
ما أشهى العسل, وما أجفى الأسد...
الجميع يرددون ما قال إبن رئيس الشرطة: ما أشهى العسل, وما أجفى الأسد...ها, يضجون ضاحكين, ثم يعيدون ذلك كأنهم يغنون إحدى أغانيهم: ما أشهى العســـــــــــــــل, وما أجفى الأســـــــــــــــــــد...هيا أين الحلل والقمصان أيها الرجل قاضى دان!....
يستمرون فى الضجيج: القاضى, والرجل لا يتراجع, ولا يكذب, ولا يحنث وعوده...أين الحلل والقمصان, أين؟....
يتدخل معيلق: إهدأوا جميعا...أرجوكم أن تهدأوا للحظات. هذه إبنتى وهذا رجلها...وأنا أعرف عنه الصدق والصراحة, ونفاذ الحكم وأنه إذا وعد أوفى...لا تخشوا شيئا...سوف يأتيكم بما وعد...
شمشون وهو مضطرب جدا يجول بينهم بنظرات غائبة عن الوعى, ثم ينكس رأسه موافقا على ما يقول معيلق: صبرا...صبرا!... وسوف يأتيكم بما وعد...لأنه لا يكون صغيرا فى عينى إمرأته وأعين كل البلدة...
منوح يأخذ هصلفونى ويخرج...ويبقى شمشون وسط هذه الفوضى...تظهر الساحرتان الى أقصى اليسار, وملكة الىأقصى اليمين.
ملكة: إحذر يا شمشون!...إحذر مما سوف تقوم به...الرجال يسقطون فى المعارك بشرف, لكنهم لا يتركون خلفهم حقدا وكراهية وغلا...لكن الانتقام والكراهية تبقيان وتقتلان عبر الأجيال...إحذر!...إحذر...ها هى غرابة وسخامة تنشطان وتعبثان برأسك؟!...
سخامة: وهل تعتقدين أنه يستمع إليك!...إنه لا يصغى اليك...إننا أقرب له منك...صوتك يتلاشى أمام رغبته العاتية فى الإنتقام...عندئذ لا تكفيه رأس واحدة كى يشفى غليله...إنه إنتقام من كل ما حوله...يختفى الحب وكل شئ, عندما يبدأ الغضب فى بروز رأسه...يختفى كل شئ, ويبقى الإنتقام على رأس المائدة وحيدا وافرا يشبع الجائع له....
تكمل سخامة: إنظر يا شمشون, أبيك منوح لا يستطيع الوفاء بما طمعت فيه فوعدت...إليك الحل....
شمشون يرفع رأسه فجأة وبكل ثقة وحزم يقول: سوف أتيكم بما وعدت...ثلاثون حلة ثياب وثلاثون قميصا! اليس كذلك؟!...
الجميع: نعم, نعم...هذا ما وعدت به, ثلاثون قميصا وثلاثون حلة ثياب!...
شمشون: أمهلونى عدة أيام لافى بما وعدت...
الجميع: سوف نمهلك الأيام التى تطلبها...لكن حذار أن تهرب!...إن لنا عيون فى كل مكان, اصحاب... أصدقاء...أهل وعشيرة...
هل تعلم ذلك, وهل تعلم ماذا يعنى ذلك؟!...
شمشون صائحا: كفى!...كفى...قد لا تعلمون أن شمشون عندما يعد, يفى بما وعد...ثم ينظر الى أوتيليا ويكمل فى غيظ وألم مكتوم:
لولا أنكم حرثتم على عجلتى, لما عرفتم أحجيتى!...
الجميع فى شماتة وخبث: لقد عرفناها وحللناها وحق عليك دين وعدك...أليس كذلك؟...
شمشون:  نعم نعم ولولا أن طعامى وشرابى لا زالوا فى أفواهكم وبطونكم...ثم يصمت قليلا ويكمل: سوف أتيكم بما وعدت!!...
يصفقون جزلين فرحين بما قال, وينصرفون وهم يتغامزون ويبتسمون...ينصرف الجميع...حتى أوتيليا, ويبقى شمشون وحده...
شمشون فى أشد حالات الغضب واليأس...يصول ويجول فى القاعة, كأسد جريح يأن ويزأر...ثم فجأة يبكى!...
يدخل منوح وخلفه هصلفونى...تتأمله هصلفونى فى حزن ويأخذ منوح شمشون فى حضنه وهو يقول: يا ولدى!...هل تبكى؟...هل يبكى الرجال...إهدأ وتروى...سوف نتدبر أمر الحلل والقمصان...دع ذلك لى... سوف أتدبر الأمر...قد تسقط الأشجار ثمارها قبل حتى أن تنضج لان سقيها مالح وسقيم...لا بأس سوف نتدبر الأمر...سوف يدبر الله أمورنا...
هصلفونى: نعم يا ولدى, إن الله يدبر أمورنا للصالح...هو صالح وجميع أعماله صالحه...إصغى لصوت أبيك!....
شمشون يحاول كتم صوت بكائه: قطعوا ثمار شجرتى وداسوها بأقدامهم...حرثوا أرضى وقطعوا شجرتى...لم يعد لى ظل ياأبى, ولن أجد ما أستظل به
منوح: أهلك وعشيرتك هم أرضك وأشجارك...إستظل بهم يا ولدى!...
شمشون: كل فروع اشجارنا وأغصانها جافة, ليس لأشجارنا ظل من هجير!...
منوح: سوف يعود هذا الشعب ليعبد الله, وسوف تنمو فروعه وأغصانه وارفة ويبدأ يثمر...
شمشون وهو يمسح دموعه: يثمر حنظل وشوك ومر...لا تهتم يا أبى سوف أتدبر الأمر...سوف أتدبر الأمر...
منوح وقد علا صوته: لاتفعل شيئا بتدبيرك...دع الله يتدبر  الأمور...كفانا ما فات...قلت هذه المرأة قد حسنت فى عينى, فأتينا وخطبناها لك...ولائم سبعة أيام, وقد أقمناها لك...كفى...كفى...
شمشون: دعونى, وابتعدوا عنى...لأنى بشر عظيم سوف أأتيهم بحلل الثياب والقمصان...
غرابة: سوف تعبر العاصفة وفى طريقها سوف تقتلع بعض الأشجار, فيذكرونها من شاهدوها...
شمشون: أعرف كيف أرد الخديعة والخيانة ...أعرف ياأبى ولن تتكلف نقود أخرى...بعد أن هدأ وكفكف دموعه يكمل: دع الأمر لى!..
منوح يعود ضعيفا مرة أخرى ويتوسل الى ولده: أرجوك يا ولدى...دع الأمر لى وليساعدنا اله السماوات...
شمشون يزداد عندا وإصرارا مع توسلات أبيه: أقسم يا أبى أن من جعلوك تتوسل الى ولدك وانت شيخ كبير, أقسم أننى سوف أجعلهم يتوسلون لك أنت...أرجوك ياأبى لا تزيد غضبى عليهم بتوسلاتك لى...أنا ولدك, إبن مذلتك وتضرعاتك أنت وأمى...
منوح: يا الله القاضى فى كل الأمور...صغيرها وكبيرها, لا يعظم عليك شئ, لا تتركه, ولا تقف بعيدا عنا, بل كن معنا...شمشون وعدك وهو وحيدى...لا تتركه...لاتتركه...لا تتركه...
غرابة: أيتها الشقية سخامة...ما هذا الذى فعلت...سوف يقتل أبناء شعبنا!...
سخامة: دعيه!...دعيه يفعل حتى يغلى الحقد والكراهية فى الصدور...دعيه!...
غرابة: يقتل أبناء شعبنا؟!...
سخامة: دعيه يفعل ذلك...هل نسيتى؟...ماذا فعلت تلك الشعوب بنا وبأبنائنا وبناتنا وكل أهلنا وعشيرتنا...
تكمل وهى تفح كالأفعى:...دعيه يفعل ذلك...كنا آمنين, نعيش فى إطمئنان...حتى هجم علينا الإسرائيليين, ولم يرحموا أحدا...كيف قتلوا وذبحوا الكبير والصغير...قتلوا الجميع, واحرقوهم, حتى الحيوانات قتلوها وأحرقوها...لم يرحموا طفلا أو شيخا...لم يرحموا أحدا...كنا نعيش فى إطمئنان وأمان, والعالم ورائنا وحولنا, يعج بالقتل والذبح والحرق!...
غرابة: نعم, وكنا نظن أننا مادمنا لم نعادى أحدا, ولم ننضم الى صف خصم ضد آخر, فقد نجونا...وها أنت تذكرين الحاضر بما فعل الماضى...تولد الأشياء من بعضها لتستمر وتدوم...لا شئ فى عالمنا هذا يولد من لا شئ...تكمل: لم ينجو أحد...
تكمل سخامة: نعم لم ينجو أحد منا...لماذا تثيرين الأحزان, بعد أن تركنا كل شئ...نعم لم ينجوا أحد, قتلوا الجميع, حتى إخوتى الصغار الذين كانوا يفرون مذعورين هم يصرخون: لا...لا...ولم ينجدهم أحد...
سخامة تكمل: دعيه حتى تثور الحروب بين الكل والجميع...شعب ضد شعب, وأمة ضد أمة, والعشائر ضد بعضها البعض...إذهب يا شمشون وبيدك الشرارة, والحطب كثير..إذهب وأقتل, ثم أقتل, وأكثر القتل...ثم عد لتقتل أنت وكثيرين معك...
شمشون يرفع وجهه أخيرا الى أبيه وأمه: عودا الى تمنة...عد يا أبى أنت وأمى الى تمنة, وكونا بين أهلكم وعشيرتكم...أنا أعلم أن لا أحد سوف يهتم لامركما فى شيخوختكما, وهذا ما يؤلمنى...لكن ما يعتمل فى داخلى, أقوى من كل شئ...
منوح: اقوى من أن ترحم أبيك وأمك فى شيخوختهما؟!...
شمشون: إذهبا وإحتميا بالأهل والعشيرة, فلا زالت هناك فتيلة مدخنة...نعم أنهم يبيعون كل شئ مقابل أى شئ...لكن كونوا بينهم, وما يحل عليهم يحل عليكم أضا...عودا الى تمنة, وسوف ألحق بكما. أنا لا أعلم ما سوف تلد الأيام القادمة, انها أيام مخاض وأوجاع كثيرة...تحضرا للرحيل وإذهبا قبل أن أمضى الى غايتى...
يخرج منوح يائسا منكس الرأس, وخلفه هصلفونى, تمسك بجلبابه وتشده, وعينيها على شمشون حتى يختفيا.
شمشون بمفرده مرة أخرى, لا زالت سخامة وغرابة الى أقصى اليسار, وتظهر بجوارهما ساحرات أخر...وملكة اقصى اليمين.
يعود شمشون الى هيجانه وغضبه الشديد...يذهب ويجئ فى كل القاعة...
غرابة: الأسد الجريح يبحث عن مهرب ولا يجده... 
سخامة: إذهب يا شمشون, صوب البحر الكبير, حيث تجد ضحاياك...حيث تحوم النوارس هناك...إذهب الى أشقلون, وقد سبقتك الجوارح والنوارس, حيث رأت أشلاء قتلاك...إذهب وأوفى بوعدك ودينك...إذهب أيها الجبار, ولن نفارقك...إذهب وحيثما تذهب نكون معك...
شمشون: أقسم بأننى سوف أجعلهم يرتدون حلل وقمصان قتلاهم من أبناء جلدتهم وعشيرتهم...غدروا بى وسوف أغدر بهم...بدلا من هداياهم فى يوم عرسى, قدموا لى شوك وحنظل ومر...أحس بالشوك ينخس جسدى, والمر والعلقم فى فمى وعلى لسانى...آه ايتها الأيام...ألهبت ظهرى بسياطك!...
تبدأ العواصف والرياح والرعود فى الإشتداد, ويعلو صوتها, وتبدأ تهز نوافذ البيت وأبوابه...
سخامة: إذهب ياشمشون, أسرع إلى أشقلون, هناك تجد بغيتك, هناك غزل لك قدرك حلل الثياب والقمصان...إذهب!...فقد سبقتك طيور النوارس وكل الجوارح...علموا بمجيئك...إذهب!...
ينطلق شمشون خارجا كالسهم
......................
الفصل الثانى...المشهد الثانى...المنظر الثانى
نفس القاعة...يدخل معيلق, مهموما, قلقا, ومرتعبا, وهو يضرب رأسه بكلتا كفيه.
معيلق: ويحى!...ويحى أنا الشقى البائس...من ينقذنى من الهلاك الحال حولى...من؟...إشتريت شقائى بدهائى...من يرحم...من ينقذنى مما أنا فيه...ماذا فعل هذا الشقى المغرور بقوته!...لماذا سار فى طريق الشر والدماء!...
تدخل أوتيليا: ماذا يا أبى؟...ماذا حدث؟...لماذا أنت منزعج وخائف هكذا...أبى!...إنك ترتعش...
معيلق: هل علمت؟!...هل علمت أن شمشون قتل الكثيرين وأخذ سلبهم, كى يفى بدينه ووعده...أخذ سلب ثلاثين رجلا, وهو الآن فى طريقه الينا...قتل أبناء ووجهاء أشقلون, وضيوفهم من أبناء ووجهاء جت وغزه ويافا وأشدود...كثيرون...كثيرون...كيف عقل أن يسدد دينه بهذه الطريقة...يقتل من لم يعرفهم وليس لهم معه عداوة...كيف!...وكل هؤلاء وجهاء أهلهم وعشيرتهم...ضيوف على كبير أشقلون...ويحى!...ويحى!...يظل يضرب راسه بكفيه, ثم يهوى بهما على فخذيه...المصيبة كبيرة, ولا تحتمل...من يعيننى على عبورها...من؟...من؟...أين أنت أيتها الألهة لتنقذينى مما أنا فيه؟...
أوتيليا بعد أن أفاقت من ذهولها: ماذا فعل؟...ماذا فعل هذا الشقى؟...هل تقول أنه قتل أبناء وجهاء هذه البلاد؟...ويحك شمشون, ويحك, لن تسترك ولن يدعوك تعيش...سوف يقتلونه يا أبى...سوف ينتقمون منه, وربما أيضا منا نحن...وما لنا بكل ذلك...هو أخطأ فاليتحمل ويحمل نتيجة أخطاؤه, وليس نحن...
معيلق: يا ليتهم يفكرون بهذه الطريقة...يا ليتهم...لكننا من أدخل هذه الكارثة بيوت الكفتوريين...أغربى عن وجهى الآن...أغربى الآن...ربما تجد الآلهة لنا مخرجا...ربما...ربما ننجو مما وضعنا أنفسنا فيه...ينكس رأسه ويضربهما بكلتا كفيه, ثم يضرب على فخذيه...
تخرج أوتيليا...
طرق على الباب...ينتفض معيلق مذعورا: من؟...من الطارق؟...من؟...
الطارق: أنا شمشون...افتح يا سيد معيلق.
يهرول معيلق لفتح الباب...فيدخل شمشون, ويلقى بكيسا كبيرا وهو يبتسم فى خبث!...
معيلق مندهشا: ما هذا؟...ماذا بداخل هذا الكيس؟!...
شمشون وهو لا زال يبتسم: ثلاثون حلة ثياب, وثلاثون قميصا...وقبل أن يفيق معيلق من ذهوله...يفرغ شمشون محتويات الكيس, لتسقط ملابس ملطخة بالدماء, فيشتد ذهول وإنزعاج معيلق...
معيلق: ماذا فعلت؟!...ماذا فعلت أيها الشقى البائس...لا, لا...لقد جننت...هل جننت يا شمشون؟...هل جننت؟...لا زال يتفحص الملابس فى ذهول, وهو يضرب رأسه بكفيه...ثم يكمل: حلت بنا المصائب, ليتنا لم نعرفك...ليتنا لم نراك...يا ليت...لن يتركوك, وسوف يلحق بنا, أنا وبناتى, وأطفالى, السوء والشر الكثير...لماذا؟...لماذا فعلت بنا كل ذلك؟...لتكفينا الآلهة شرك وسوء تدبيرك...يا ليت الآلة تريحنا منك وتنمحى أنت وكل شرك...
شمشون ساخرا: آية ألهة أيها الخبيث الماكر...لكنك مسكين, لم تحتسب للعواقب...ألا ترى عقب دهائك ومكرك...فالتحميك آلهتك...دعها تحميك...
معيلق: إسخر كما شئت, كل الآلهة تحمى أتباعها...فلتحمينا آلهة قومنا...أليس لك اله أيها الشقى...لا تغتر بقوتك...إنهم يستطيعون حشد أعداد كبيرة أضعاف أضعاف قوتك, أيها المغرور الطائش...يكمل وهو يدعو للآلهة: أيتها الآلهة...لا تغرب شمسك وضيائك عن بيت عبدك الفقير معيلق وبناته وأولاده...إذهب!...إذهب!...لتنتقم منك الآلهة يا رجل الدماء...إذهب الآن...إذهب!...أم أنك تريد قتلى أنا أيضا, الرجل الشيخ وكبير السن...إذهب قبل أن يشعر أحد بوجودك...لا أريد دماء فى بيتى...إذهب!...
يخرج شمشون فى هدوء وثبات منتشيا.
يجلس معيلق, ويجول بعينين زائغتين مضطربتين فى جميع أنحاء القاعة, ويعود ينظر الى الملابس الملطخة بالدماء...يشعر برجفة تسرى فى أوصاله, ثم ينكس رأسه بين كفيه وهو يضربها ضربا خفيفا...
بعد قليل, طرق شديد على الباب...ينهض معيلق منزعجا مرة أخرى, لكنه يتردد فى فتح الباب...لكن الطرق الشديد يستمر...يذهب ليفتح الباب بعد تردد لم يدم...فتدخل مجموع من الرجال, يتعرف على بعضهم...يدفعونه بشدة الى الداخل...
أحدهم: رأينا شمشون يخرج من بيتك, ماذا كان يفعل عندك؟...
معيلق يشير الى الملابس المملؤة دما, ثم يتحدث متوسلا: إرحمونى أنا وأهل بيتى, ليس لى يد فيما فعل...لماذا لم تقتله عندما رأيتموه يخرج من عندى, كنتم أرحتم أنفسكم وأرحتمونى أنا وأهل بيتى من كل ذلك من ذلك المتجبر الشقى والمغرور....
واحد من الذين كانوا فى الوليمة, وهو كبير الحضور وآمرهم: إحملوا كل هذه الملابس, وأنت يا معيلق سوف تأتى معنا...ضيوف من كل أنحاء البلاد من تمنة حتى البحر الكبير ينتظرونك...هيا!...هيا...يخرجون ومعهم الملابس ومعيلق...تخلو القاعة تماما.
..................................
الفصل الثانى...المشهد الثالث...
أرض جبلية فى تمنة...مكان للإجتماع...زعماء وأكابر صرعة وأشتاؤل وتمنة, يجتمعون برئاسة زعيم أشقلون...وأخرون من كل صوب وناحية...
زعيم أشقلون: إننا نجتمع اليوم هنا, من أجل من قتلهم شمشون فى أشقلون...قتلهم غدرا بدون سبب أو عداوة...فقط لأنه وعد أبناؤكم بحلل ثياب وأقمصة, وأيضا إنتقاما منكم فى أبناء أشقلون...نحن جميعا أهل وعشيرة وأمة واحدة...يصمت قليلا ثم يكمل: وهؤلاء الذين قتلهم هم إخوتكم, ومنهم إبنى دوم...يصمت مرة أخرى ثم يكمل: قتلهم كراهية وحقدا من جميعكم...من جميعنا...كراهة وحقدا, وربما من أجل كرامة شخصية...وأى كرامة أو شجاعة أن تقتل من لا تعرفه...يصمت للمرة الثالثة, ثم يكمل: لا أريد قتله, وإنما إمساكه, وتقييده وإذلاله لما فعل, هذا أولا ثم نقتله بعد ذلك...ما ذا ترون؟.
أحدهم: إنه الآن فى صرعه, بين أهله وعشيرته, قد يتجمع أهله وعشيرته حوله إن أردنا إمساكه, ويتحولون الى قوة وجيش...قد يفيقوا ويتمردوا, وقد تبدأ الشرارة, من هنا...
ينظر زعيم أشقلون الى المتحدث متفكرا ثم يسأل: ماذا ترى؟...ماذا ترون؟...
المتحدث: لا ...لن نسكت, ولن نصبر, لاننا لو تراخينا, سوف يفعل المزيد, وربما تتجرأ عشيرته على العصيان والتمرد, ولو حدث ذلك, لا يعرف أحد ما هى العواقب!...
آخر: إنكم تتحدثون, وكأنه لا يوجد من الحضور من ينقل لهم, أعنى الإسرائيليين - ما نقول, وبماذا نفكر...
تعلو الأصوات وهى تنادى بحرق كل من يشى بما قيل, أو حتى من يتعامل مع الإسرائيليين؟...
يعلوصوت زعيم أشقلون: حق وعدل كل ما تقولونه, وتنادون به, لكن, قبل القصاص, يجب الرجوع إلينا أولا...ينظر إليهم نظرة ذات مغزى ثم يكمل: هل فهمتم, سوف يكون من بينكم من يعرفكم ويخبركم بما ننتويه, وما إنتويناه!...
تدخل الى المشهد, من أقصى اليسار, إمرأتان تستند كل منهن على الأخرى.
زعيم أشقلون متعحبا ومتسألا لمن حوله: من هاتين المرأتين!؟.
يجيب أحد الجالسين: إنهن صاحبتا الماخور القريب من هنا.
زعيم أشقلون: وما الذى أتى بهن لهذا الإجتماع!...يكمل وهو يدور بعينيه فيمن حوله: كيف علما بأننا نجتمع هنا؟.
تقترب المرأتان أكثر من زعيم أشقلون: أتينا لنرى ما ستفعلون مع هذا الجبار الباطش بشبابنا ورجالنا...نرى ماذا تقررون...قد ننفعكم برأينا...
تكمل المرأة الأخرى: خبرنا  طبائع الشباب والرجال...نحن من يراهم وهم يائسون ضعاف مهزمون, أو منتشون مملؤن حماسة وحيوية...المرأة هى من تبث الحيوية والنشاط, أو الضعف والإنكسار...
زعيم أشقلون: لكن هذه مشكلة رجال, وليست لكن أية علاقة بذلك!...
هذا ما تراه يا زعيم أشقلون, لكن! المرأة أينما كانت, وقتما وجدت, لها تأثيرها على مجريات الأمور الحياتية...بالطبع ليس كل إمرأة...لكن كل إمرأة تفهم طبائع الرجال, وفيما يفكرون, وكيف يفكرون.
زعيم أشقلون يتمعن النظر اليهن, صامتا ومتفكرا ثم يقول فى همس محدثا نفسه: ربما, ربما ثم يوجه حديثه الى السيدتين:
ماذا ترين أيتها السيدتين؟.
المرأة الأولى: من هو والد الفتاه.
يطلب زعيم أشقلون والد أوتيليا, فيقوم معيلق والد أوتيليا, من بين الجمع, وهو ينفض عنه التراب: أنا معيلق والد الفتاه.
المرأة الثانية: هل له أصدقاء؟...لم تذكر لنا إسمها
معيلق: إسمها أوتيليا, وله صديق واحد يجالسه ويضاحكه.
المرأة الثانية تستكمل أسئلتها وهى تقول: إسمها فأل خير...هل يدخل السرور على قلبه.
معيلق: نعم يقضيان وقتا كثيرا فى الضحك والسمر
المرأة الثانية: أين هو؟...لماذا لا تذهب وتأتى به؟.
معيلق وهو يتلفت حوله: إنه هنا...انه هنا معنا...يدور برأسه حول الحضور حتى يجد كليب, فيشاور عليه قائلا: إنه هو, إنه كليب, صديق شمشون القاتل, ها هو ذا...
ينكمش كليب مرتعبا عندما يسمع إسمه صديقا للقاتل.
زعيم اشقلون يشير اليه بأن يتقدم نحوه, فيقوم من بين الجمع مرتعشا مذعورا, يقع ثم يقوم من فرط الخوف والإضطراب, فيطمئنه زعيم أشقلون: لا تخف تعال..لا تخف.

يقترب أكثر حتى يصبح أمام زعيم أشقلون, وتقترب منه المرأتان حتى تكادان تلاصقانه وهن تتفحصانه بتمعن, وتكلم إحداهن الأخرى...
المرأة الثانية: إنه رث الثياب, فقير, ونحيف...
المرأة الأولى: لون بشرته أسود كالح, شعره ملتصق ببعضه, ملئ بالأتربة والقاذورات, يبدو وكأنه لم يغتسل من مدة طويلة جدا...لقد جمع الأمرين الأمرين على نفس أى رجل وخصوصا, الرجل المغرور والمتغطرس...الصداقة وصغر الحجم والشأن...ماذا يشتغل...ماذا تشتغل أيها الرجل المسكين؟...
لا زال زعيم أشقلون يتابع الحديث بين كلا المرأتين وكليب بتمعن, بينما كليب يجيب: أنا أبيع ما أستطيع تجميعه, من نساء أهل البلدة.
المرأة الثانية وهى تبتسم: تاجر كبير؟...
كليب: لا, لا...تاجر صغير جدا, يكفينى قوت يومى.
المرأة الأولى: وهل لك إمرأة؟.
كليب: لا,لا ليس لى إمرأة, من أين أطعمها, وأطعم نفسى, من أين لى الصرف على إمرأة!...
المرأة الثانية للمرأة الأولى: صدقت...لقد جمع الأمرين الأمرين, بل جمع كل الأمور المرة على قلب الرجل...ثم توجه حديثها الى كبير أشقلون, وكليب واقف أماههن: لقد جمع هذا الرجل ما كنا نبتغيه, الصداقة والصغارة فى كل شئ, ألا وهما الحجم والشأن!...
زعيم أشقلون: ماذا تعنيان بكلا الأمرين الأمرين؟.
المرأة الثانية: أستأذنك صبرا, وسوف تعرف حالا يا سيد أشقلون.
المرأتان تتبادلان النظرات, ثم تقول المرأة الأولى: إقترب ياسيد معيلق. يقترب معيلق حتى يصبح قريبا جدا منهن.
المرأة الأولى: أين إبنتك الآن؟.
معيلق: انها فى غرفتها الآن لا تغادرها.
المرأة الثانية: تعنى أنها ليست مع رجلها شمشون؟.
معيلق: لا...إنه فى بلدته صرعة, وهى هنا فى تمنة.
توجه المرأة الثانية كلامها الى زعيم أشقلون: لو أخذ كليب هذا إمرأة شمشون, إمرأة له, تكون قتلته, ربما يجن أو يخبل عقله, يظل ينزف ما بقى له من عمر...سوف يظل يشعر بالأذلال والمهانة, ولن يجد دواء له.
تكمل المرأة الأولى:خيانة الصديق وغدره, اشد ألما ووجعا من أى شئ أخر...تكمل بعد قليل من التوقف والتفكير: كما أن خيانة الصديق الأقل شأنا والأصغر حجما, تجعل الرجل قليلا جدا فى داخله, سوف يشعر بضآلته أكثر, ويكون ذليلا, مهان مكسور فى داخله.
المرأة الثانية: وليس له علاج إلا مزيد من الغرور والغطرسة...وربما, أقول ربما أتى بحماقات كثيرة قد لا نستطيع التنبؤ بها...خصوصا من ذلك الجبار الباطش, المغرور بقوته, فاليأخذ كليب زوجة شمشون إمرأة له...لكننى أحذر أن حماقات هذا الرجل وطيشه, لا يمكن التنبؤ.
زعيم أشقلون: لقد أعجبنى رأيكن, وأى كانت النتائج, ثم يوجه كلامه الى كليب وهو يبتسم للمرة الأولى: هل تأخذها زوجة لك يا كليب...هل تأخذ إمراة شمشون أمرأة لك؟...سوف نعطيك منزلا ومالا لتصرف على نفسك وعليها...         
كليب: أتمنى ذلك...نعم نعم أخذها إمرأة لىلكن! قد يقتلنى؟.
زعيم أشقلون: لا تخشى شيئا, سوف نكون قريبين منك ومنه, لاننا نريده حيا, وهو لغروره لا يقتل,...يصمت قليلا..ثم يكمل: وعلى وجهه إبتسامة خبيثة: إنه لا يقتل رجلا مثلك, لا تخشى شيئا, إنه يتجه للحلول الأبعد والأقوى...سوف تكون عينا لنا عليه, لقد أثبت للتو ولائك لنا أهم وأبقى من صداقتك له...أليس هذا صحيحا؟.
كليب: بكل تأكيد يا سيدى, وقد كنت صديقا له لاكون قريبا من أويتليا...سوف أفعل ما تريدون.
زعيم أشقلون: وهذا ما تريده أنت أيضا...لفد قلت للتو لتبقى قريبا من أوتيليا.
معيلق: سيدى! قد يقتلنى أنا وإبنتى, أوأنا وكل أولادى؟.
زعيم أشقلون: لا, لن يقتلك, ولن يقتل أحد من أبنائك أو بناتك, أو حتى كليب...إنتقام مثل هذا الصنف لا يأتى بالحلول القريبة والضعيفة أو الصغيرة بالنسبة له...ثم يكمل: استكمالا للحديث يا سيد معيلق حتى نغلق هذا المسألة الى حين. سوف تعطى كليب الغرفة التى كانت لشمشون, وسوف ندفع لك مقابل ذلك...غرفة شمشون وإمرأته لكليب...فهمت!...هل هذا واضح لك ولكليب, وإنزعوا الخوف عنكم.
المرأة الأولى: حسنا فعلت يا سيد أشقلون, ولنرى ما ستأتى به الأيام القادمة, إنها حبلى بالكثير من الأحداث والمفاجآت!..
……………..



#أنور_مكسيموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سقوط الجبابره-6
- سقوط الجبابره-5
- سقوط الجبابره-4
- سقوط الجبابره-3
- سقوط الجبابره - شمشون
- سقوط الجبابره
- ثورة البشموريين
- إستكمال ما بين السطور-فى سقوط الموصل المذهل فى ساعة واحدة... ...
- ما بين السطور- سقوط الموصل المذهل فى ساعة واحدة.....1
- تسييس العلم...نظرية مارينا الثالثة الأحمال غير المتوازنة على ...
- تسييس العلم...نظرية مارينا الثانية...
- تسييس العلم...ومجموع نظريات مارينا وقانون سدرة
- المناخ يتغير, الفصول الأربعة حدث لها أزاحة, الجاذبية الأرضية ...
- قمة ثانى أكسيد المناخ
- الجرح والملح...تعلموا منا؟!...
- الشبيط...الشوك الدامى - الفصل العشرين والأخير
- مقدمة رواية الشبيط...الشوك الدامى
- سيناريوهات أخرى قادمة
- للمرة الثانية....لماذا روسيا وليست أمريكا أو الإتحاد الاوربى ...
- الفوضى الخلاقة بدأت فى أمريكا وأوربا, منذ أكثر من خمسة وثلاث ...


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أنور مكسيموس - سقوط الجبابره-7