|
سرّ نجاتي
نادية خلوف
(Nadia Khaloof)
الحوار المتمدن-العدد: 6937 - 2021 / 6 / 23 - 10:52
المحور:
الادب والفن
أسأل نفسي أحياناً كيف نجوت، أعرف السّر. السّر هو مرض نفسي يلاحقنا عندما نتساءل هل نحن على خطأ أم على صواب ، ثم نتهمّ أنفسنا فنقع في دائرة العزلة ، ثم الاكتئاب، نستسلم للاكتئاب لأنّنا نرتاح معه ، هو أيضاً يرتاح معنا على سرير دافئ ، يعانقنا ، ولا نستطيع الانفلات عنه. لماذا نجوت من الحياة؟ هذا العنوان هو سؤالي لنفسي ، جوابه هو جزء من سيرة ذاتية لا زلت أعيشها منذ الطفولة لدرجة أنّني أعتقد أنّني ورثتها بالجينات. أصابني الحزن في مرات كثيرة ، لم أتغلّب عليه بالمحاولة ، بل كنت أنساه لأنّ وقتي كان مليئاً بي، فعندما أقابل نسيم الصباح تتدّفق الحياة بقوة إلى صدري. من طباعي أنّني أتوقف عن الجدال عندما أرى إصراراً من شخص ما ، وبخاصة إن كان رجلاً ، لا بد أن ينتصر مهما جادلته، الرجل يحاول إقناعك برأيه، أما النساء فتقاطعك! كان سرّ حياتي بيني، وبيني فقط حتى بعد الزواج ، فلم تكن هناك أسراراً أقدمها حتى لزوجي ، حيث كنت أقرّر، أعلمه فقط حين أقترب من التنفيذ ، أورد مثالاً على ذلك : أصابتنا ضائقة مادية ، أردت أن أساهم في حلها بعد أن ضاقت السبل ، قرّرت أن أبيع بيتنا في حلب ، أشتري بيتاً آخر ، وذهبت في زيارة إلى حلب ، وكنا نعيش في حي " تلفون هوائي " وهو حي مختلط بين المسيحية و الإسلام ، مرّرت من قرب مكتب عقاري كان زوجي قد اختلف معه عند شراء البيت الأوّل ، ناداني صاحب المكتب، وهو مدرّس أيضاً . سألني لماذا ابتعدنا عنه . قلت له : ليس لي علم . قال: رأيتك تدخلين إلى مكتب عقاري ، فما حاجتك ؟ قلت له سوف أبيع البيت و أشتري آخر على أن تكون أقساطه على البنك ، و أوجد لي المشتري ، و البيت . عدت إلى القامشلي ، أخبرت زوجي أنّني سوف أبيع البيت لو كان ليس لديه مانع ، و أشتري آخر. لم يجب ،فقد كان قد شرب في تلك اللحظة، لكنه في الصّباح أجابني قائلاً: "أخاف عليك ، العملية ليست سهلة ، من جهتي سوف تصيبني الجلطة لو قمت بذلك". كنت قد رتبت الأمور في حلب ، عدت ، استلمت ثمن بيتنا، واشتريت بيتاً في "عوجة الجبّ" أفضل من بيتنا حيث أن أحدهم كان موظفاً في البنك وسرق أموالاً منه ، وسوف يحجزون على بيته ، ولا زال على البيت أقساط ، لكن العقبة الكبرى أنه لن يبيع البيت إلا لشخص مسيحيّ، وهنا اشترى البيت صاحب المكتب العقاري ، ثم باعني إياه في نفس اليوم . عندما استلمنا البيت ضحك زوجي وقال: " الحياة هنا مريحة. صاحب البيت اختار أن يعيش، فالمكيفات، و التقزيز يشعرانك بجمال الحياة". بعد عدة أعوام بعت البيت في حلب لأن ابنتي أنهت الجامعة، اشتريت بيتاً في جديدة عرطوز على البنك أيضاً ، وعندما أخبرت زوجي و أتى في اليوم التالي قال:" لا بد أنني أحلم لأن البيت أرضي ، وله ثلاثة مداخل" . السّر أنني نجوت من الحياة أنّه لم يكن لديّ فراغ ، وقد تعرّضت للتنمّر كثيراً من محيطي وخارج محيطي ، فكنت أغلق بابي ، وكان آخر قرار لي هو عدم تلبية الدعوة لزيارة أحد ، لكنّني كنت أستقبل من يرغب في زيارتي، اكتشفت كم يكون الناس لطفاء عندما تقدم لهم ،و تمتنع عن زيارتهم ، هم لا يعتبون عليك. السّر الآخر هو أنّني كنت أعتبر نفسي سليمة من الأمراض النفسية ، و الذين أبتعد عنهم هم المرضى . اكتشفت فيما بعد أن ذلك غرور فلا أحد سليم! اكتشفت أخيراً أن بعض الأمراض النفسية هي قرار شخصي يقرره العقل الباطن ،حيث يتخلّص من جميع الأعباء، وينال العطف الاجتماعي . في إحدى المرات كان أحد الموكلين يتحدث إلى زوجي ، لم يكن موضوع العنف العائلي يناقش ، قال: اكتشفت أن ابني يتعاطى المخدرات، وبعد زيارة الطبيب اكتشفت أن المدمن يستطيع إقناع الطبيب بصدقه، عدت إلى المنزل ، حبست ابني في غرفة ، كنت أقدم له الطعام و الشراب ، و أسمح له بالخروج إلى الحمام إلى أن تعافى، ثم استطرد : نحن نعيش هنا في هذا الشرق اللعين، علينا أن نبتكر الحلول بأنفسنا ، و ابني يشكرني اليوم لأنّني عالجته! كما قال الرّجل : " نعيش في ذلك الشّرق اللعين" وعلينا أن نبتكر الحلول. . .
#نادية_خلوف (هاشتاغ)
Nadia_Khaloof#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النّسويّة كحبل غسيل
-
نظام ، ونظام موازٍ
-
أزمة المشاعر الإنسنيّة
-
بايدن وبوتين
-
القيم الاجتماعية الواهية
-
صداقة الطّبيعة
-
المغذّي
-
التاكسي
-
من يومياتي
-
ذكريات من فندق المرضى
-
أوروبا ، وسياسة الهجرة
-
هواجس الصّباح
-
جميعهم الرسول محمد
-
طريق الهاوية -20-
-
طريق الهاوية -19-
-
طريق الهاوية -18-
-
طريق الهاوية -17-
-
طريق الهاوية -16-
-
لا تنتهي الدكتاتورية بموت الدكتاتور
-
طريق الهاوية -15-
المزيد.....
-
فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ
...
-
انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا
...
-
صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة
...
-
الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف
...
-
حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال
...
-
الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
-
الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم
...
-
الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
-
أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم
...
-
-جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|