سيد قطب المفكر الذى أعدمته الخلافات السياسية

حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 6920 - 2021 / 6 / 6 - 10:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

يعد سيد قطب من الكتاب و الأدباء المتميزين فى التاريخ المصرى ،ويقال إنه هو الذى اكتشف نجيب محفوظ وتنبأ بمستقبل أدبى باهر له ، كما كان سيد قطب من تلاميذ المفكر الكبير عباس محمود العقاد ومن المقربين منه والمتأثرين به ، وقد مر قطب بالعديد من التحولات الفكرية والسياسية بطريقة مدهشة، إذ كان فى بداياته منضما إلى حزب الوفد العلمانى ، بل كان من المتحمسين لذلك الحزب مع أستاذه عباس العقاد،وكان مبدعا فى كتابة النقد الأدبى والتأليف الروائى والقصصى،و أقرب فى ذلك النحو إلى الفكر العلمانى الذى يفصل الدين عن الدولة، سافر عام 1948 إلى الولايات المتحدة للدراسة فى بعثة رسمية تابعة لوزارة المعارف فى إطار النظام الملكى وتحت إشرافه لمدةاستمرت أربع سنوات، ومع ذلك فقد كان يرفض الواقع السياسى قبل ثورة 23 يوليو 1952، ورحب ترحيبا شديدا بالنظام الجديد الذى أطاح بالملك فاروق،بل وطالب فى مقالات رسمية له، بمحاكمة كل أعوان النظام السابق،وكان الأقرب لمجلس قيادة الثورة وقتها،ويقال إنه كان صديقا شخصيا لعبد الناصر بسبب اعجاب عبد الناصر ببعض كتاباته، التى كانت قد بدأت فى التحول التدريجى لنهج الإسلام السياسى، وقد ترجم سيد قطب إعجابه بالثورة ورجالها بالإنضمام إلى (هيئة التحرير) التى كانت أول تنظيم سياسى للثورة قبل ( الإتحاد القومى والإتحاد الإشتراكى) و يقال إنه المدنى الوحيد الذى كان يحضر اجتماعات مجلس قيادة الثورة فى هذا الوقت ،
كما يعتقد البعض إنه تم ترشيحه لتولى وزارة المعارف لكنه لم يقبل ،ثم إستقال فجأة من هيئة التحرير الرسمية،وإنضم إلى جماعة الإخوان فى تحول تام ( غير مفاجئ) إلى الفكر السياسى الإسلامى ؟
ومن الجدير بالذكر أن المفكر سيد قطب وقبل تحولاته من الفكر العلمانى الى الفكر الاسلامى كان يطرح آراءا صادمة تجاه بعض الصحابة خاصة سيدنا عثمان بن عفان، وهى افكار كانت أقرب الى الفكر الشيعى المتزمت ؟ لكنه تخلى عن تلك الشطحات فيما بعد،وقام بتصحيحها أو تجاهلها،

فى عام 1954 وعقب محاولة إغتيال الرئيس جمال عبد الناصر بميدان المنشية بالإسكندرية، تم القبض على المفكر والأديب والصحفى سيد قطب الذى ترأس تحرير جريدة الإخوان المسلمين بعد انضمامه للجماعة،وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاما قضى منها عدة سنوات تحت التعذيب والإهانة ؟ ثم أفرج عنه بوساطة عربية عام 1964،إلا أنه مالبث أن تم القبض عليه مرة أخرى ومحاكمته من جديد عام 1965؟ الأمر الذى أدى كما يعتقد الكثيرون إلى قيامه بمراجعة بعض أفكاره وزادها تشددا وتصلبا،بل ووضع كتاب معالم فى الطريق المأخوذ عن كتابه فى ظلال القرآن، حيث يرى الكثيرون بأن الكتابين هما اللذان أسسا لبذرة التطرف والعنف وتكفير المجتمعات،فيما يرى المدافعون عنه بأنه لم يرد بالكتابين لفظا واحدا فيه تكفير لأحد ، كما يرى هؤلاء بأن وصف المجتمعات الإسلامية بالجاهلية لا تعنى الكفر والردة ، وإنما هى على غرار وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة بأنه إمرؤ فيه جاهلية، ويرون إنه ليس ذنبا لسيد قطب أن البعض نقل منه فحرف تفسيرات كلماته عن مقاصدها؟
ويعد كتاب العدالة الإجتماعية فى الإسلام من كتب سيد قطب المهمة مع العديد من الكتب والروايات الأخرى التى كتبها قبل تحولاته الفكرية والسياسية ،ومن بينها طفل من القرية (سيرة ذاتية) وأشواك (رواية) والمدينة المسحورة (قصة) والنقد الأدبي( نقد ) ، و التصوير الفني في القرآن( أدب) و هى الكتب التى لم يوليها المختصون الأهمية التى تليق بها،لكن كتابه معالم فى الطريق هو الذى إستحوذ على كل الإهتمام واصبح الأكثر حظا وانتشارا وشهرة،حيث كتب بإسلوب أدبى بديع شيق،وإحتوى على قضايا خلافية وجدلية وأبعاد سياسية صادمة للكثيرين، وعبارات ومصطلحات مبتكرة اتهمها البعض بأنها كانت مسوغا لاستخدام العنف فى المجتمعات الإسلامية ؟ وكان مثيرا للدهشة تحميل الرجل جهل وسطحية من قرأوا أفكاره باعتبارها قرآنا منزلا وليست طرحا فكريا أقرب منه للأدب والفكر، طرح قابل للنقد والتعديل أو حتى الرفض البات ؟

لقد ثبت من سيرة سيد قطب رحمه الله أن إدارة الصراعات السياسية بإسقاطات دينية بحتة تنزه فريقا عن الخطأ وتعصمه، بينما تخرج الفريق الآخر من جنات الإيمان بإعتباره معاديا، هو أمر يجلب الضرر ولا ينشئ مجتمعات ولا يصلحها، لإن السياسة لها حسابات أخرى تقاس وفقا لها ،
كما تفيدنا تلك السيرة أيضا بأنه لا يجب أن ننتقد الكتابات والافكار أو نستنكر ونشيطن قائليها بعيدا عن ظروف وضعها وولادتها، و فى نفس الوقت لا ينبغى أن نتكئ ونستند فقط على ما وقع من ظلم على الرجل لكى نبرئ تلك الكلمات والأفكار وندافع عنها بشكل مطلق،كما لا يمكن أبدا اعتبارها مبررا لما حدث له من تصفية وإعدام ، فالفكر لا يواجهه الا الفكر ، والتخلص من المفكرين وإرهابهم وتصفيتهم، ينشر أفكارهم ويمنح لها الحياة أيا كانت طبيعتها وتوجهاتها ؟

بقيت نقطة هامة وهى أن سيد قطب كان شديد الموضوعية ويمتلك المرونة الكافية التى تجعله لا يخجل من المراجعة والتعديل كما حدث معه فى أكثر من موضع ،وهو أيضا كان يمتلك خلفيات أدبية وإبداعية وسياسية وفكر مستنير متحرر لا يتورع عن نقد مايراه مستحقا للنقد ، وبالتالى فقد كان من الممكن له بسهولة ويسر إن أسعفته الظروف وإمتد به العمر ، أن يعيد النظر فى بعض افكاره التى أوجدتها أحداث مأساوية غير طبيعية ،
كما ان أفكاره نفسها بفرض غلوها وتطرفها، ماكان لها أن تنتشر وتفسر وفقا للهوى،لو لم يتم إعدامه عام 1966 ؟

#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين