أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - في السيرة العطرة لزعيم شكري المبخوت: تعرية ساخرةٌ قاسية لصناعة وتزييف الشخصيات















المزيد.....

في السيرة العطرة لزعيم شكري المبخوت: تعرية ساخرةٌ قاسية لصناعة وتزييف الشخصيات


المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)


الحوار المتمدن-العدد: 6913 - 2021 / 5 / 30 - 04:14
المحور: الادب والفن
    


في نهاية رواية التونسي شكري المبخوت: "السيرة العطرة للزعيم"، يختفي بطل الرواية الزعيم "العيفة بن عبد الله"، ليدفع المبخوت قارئه إلى عيش متعة تحليل لماذا وأين اختفى، وشغفِ متابعة مصير هذا الاختفاء. غير أن المبخوت يدهش قارئه بإيقاف شغفه، وختم روايته بتذييل السخرية مما سيحصل عام 2035، كما يحصل عادةً في تزييف الواقع والتاريخ، فيعرض في التذييل ترجمةً لحياة الزعيم، كتبها "باحث جهبذ وسجين سابق، حصل على تعويض عن سنوات نضاله"، تغاير عرض ظهورها وصناعتها كزعيم، وتطورها وتكونها على صورتها الحقيقية؛ كما فعل راويه في سرد الرواية.
ولا يبتعد المبخوت في هذا التوقّع عما حصل في الماضي، ويحصل في الحاضر، بجميع البلدان التي تعيش ظروف الاستبداد وضياع الحقائق، ففي سوريا حافظ الأسد القريبة من تونس بن علي، وبزمن يقارب زمن توقع المبخوت، يشابه التذييلُ الساخر لــ "ترجمة الزعيم"، ما وضعه يساريون سوريون موسوسون بالقيادة، من "سيرةٍ عطرةٍ" لأنفسهم ولبعضهم بأنهم كانوا "قيادة النضال السري"، عندما ظلوا طليقين بعلم المخابرات خلال اعتقال قيادة حزبهم في ثمانينات القرن الماضي، ليعطلوا حركته ونموه بحماقاتهم المرصودة، وأنهم كانوا يتحركون أشباحاً بعباءاتِ إخفاءٍ تعجز المخابرات عن رؤيتها وكشف حركة نضالهم ضد الديكتاتورية؛ وذلك في سخريةٍ من المبخوت على ما يُصدّر البشر من أكاذيب وأوهامٍ تتلقاها وتردّدها عقول تتشبث بالأوهام دون تساؤل عن الحقيقة، لتبرّر عجزها، بتصديق وترديد الأوهام.
غير أن هذا الحصر الظاهر للمكان أيضاً، لا يُخفي كونه ممثلاً لجميع أمكنة صناعة شخصية الزعيم بتعدد أشكالها ومراتبها. وذلك بما يلتقطه المبخوت بعين صقر، من حبوبٍ تختفي خلف زوان العادي المحدود، لتكون التماثل مع كل مكان تُصنع بمزاياه وبشخصياته، شخصيةُ زعيمٍ أو قائد أو ديكتاتور.
فمن ناحية تعدد الأمكنة التي تتخلّق فيها هذه الشخصية، لا يخطئ القارئ في أي مكان إيجادها فيما حوله، سواء في إدارات المؤسسات التي تنتج مدراء زعماء، أو في مؤسسات الجيش المرتبطة التي تنتج زعماء البلاد وتزوّدهم بجميع ما يحتاجون إليه للتحول إلى آلهة، بما في ذلك الانتصارات الوهمية الوطنية القومية كما حدث مع حافظ الأسد في حرب الـ 67، وحرب تشرين، على صعيد القوميين واليساريين، والانتصارات الإلهية كما حدث مع حسن نصر الله في حرب تموز، على صعيد الإسلاميين.
ومن ناحية المكان نفسه لا تكاد تخلو جامعة من مرور شخصية مثل شخصية العيفة بن عبد الله عليها، بمختلف الأشكال المشابهة التي تؤدي إلى مآلاتٍ مشابهة، وهو هنا: شاب فقير بوهيمي كريه الرائحة سواء بفعل قدومه من أوساط لا تهتم بالنظافة أو بفعل أمراض اليسارية وسطحيات الإيديولوجيا حول الثورة والحرية والفتيات البورجوازيات المشتهيات والمحتقرات بذات الوقت من قبله. ويُستغل طالب السنة الثالثة هذا من قبل القوى المتصارعة التي تريد كسب أنصار لها أو إغاظة ومحاربة منافسيها، فتقوم بحرف شخصيته اعتماداً على وضعه الاجتماعي الاقتصادي. كما يُستغل من قبل الأجهزة الإدارية والأمنية التي تراقب الطلاب وترصد أوضاعهم لتوظيف من تراه مهماً لأغراضها، سواء بشكل مباشر أو بالسيطرة على توجّهاته، فتقوم بتسهيل انحرافه، اعتماداً على نوازعه ودوافعه المتعلقة بمنبته الاجتماعي وعُقد طفولته ومراهقته، من خلال رجالها المبثوثين في مفاصل المؤسسات والاقتصاد، ويقوم بهذا الدور صاحب مطعم الجامعة "سي جاء لوحدو"، الذي يكتشف طبيعة العيفة، ويدرك ما تمّ من تعديل في صناعته إلى زعيم للطلبة، من قبل رفاق ينتمون لنفس منطقته، بغاية إغاضة رفاقهم الذين طردوهم من تنظيم الفصيل السياسي اليساري الذي ينتمون إليه. ويستغل بالتنسيق مع الجهات الأمنية كما يبدو عُقد الزعيم الجنسية، مثل مشاعر الإثم والقرف من نفسه لرؤية فرْج أمّه مرتين، الأولى وهي فاتحة ساقيها لحلق شعر عانتها بحلاوة السكر من إحدى قريباته، والثانية في مضاجعة أبيه لها من خلف شبك الدكة، وتأثير هذا على سلوكه الجنسي مع بائعة الجنس التي أخذه إليها: "كانت العاهرة أيضاً قد حكت لـ "سي جاء وحدو" ما وقع. وحين جمع الروايتين اكتملت الصورة عنده فدخلت في لائحة نوادره التي كان يعرف كيف يجمعها ويحفظها ويرتب عرضها لشد الأصفياء والجلاس. فلاشك أنه رواها ولكن خارج الكلّية: "حين دخل العيفة عليها جذبها من يديها وألصقها به يريد تقبيلها من فمها فامتنعت. فليس من عادة أمثالها مثل هذه الممهدات. أفهمته بلطف على قدر الجهد والطاقة أنه عليها أن تغسل آلته قبل كل شيء. أخذت الإناء المملوء ماء دافئاً. دعكت قطعة الصابون بين يديها وشرعت تنظف قضيبه. قذف ماءه قذفة سريعةً دون أن يرتخي. مسحت المادة اللزجة متأففة بمنشفة صغيرة.
اتكأت على الفراش. أخذت علبة الفازلين من طاولة صغيرة ملتصقة بالفراش. فرجت ما بين رجليها. بأصابع يمناها دهنت الفرج. فلم تفطن إلا للحريف ينشج ثم أجهش بالبكاء ثم انتحب ثم أخذ يعول وينوح ثم طفق يولول واضعاً يديه على رأسه جاثياً على ركبتيه يحرك جذعه يمنة ويسرة. وغادر الغرفة.".
في كشفه العميق لطبيعة اختفاء زعيمه، وتعرية سيرته العطرة، يكوّن المبخوت روايته في بنية بسيطة، تتضمن: فاتحةً، يسخر فيها من صناع ومعيدي إنتاج الديكتاتورية الممسوخين بالأدلجة، من القوميين اليساريين والإسلاميين، الذين يعاملون الشعب كقطيع يحتاج إلى راعٍ وحيد، ويصبّون غضبهم على هذا القطيع إن سار وراء راع آخر غير راعيهم. ويُتبع المبخوت فاتحته، باثني عشر فصلاً بعناوين، يقسم كلاً منها إلى أجزاء بأرقام تتراوح بين الخمسة والاثني عشر جزءاً. ويختم بنيته بتذييل تحت عنوان: ترجمة الزعيم عيفة بن عبد الله، يسخر فيه من مزيفي شخصيته، الذين يحاولون صنع بطل ثوري يساري كان سيكون على يديه تحرير المشرق والمغرب وربما العالم، لو لم يختف.
وتعمّ سخرية المبخوت في فاتحته وتذييله اللغة نفسها كصانع لمسوخ الأدلجة، فيوردهما بلغة عصر الانحطاط الإنشائية الخاوية التي ما تزال باقية في أسلوب الخطابين القومي والديني. إلى جانب لغة الراوي الفصحى البسيطة في السرد، واعتماد العامية التونسية للحوار، مع تجاوز صعوبة فهمها بتكثيف إيحاءاتها.
ولا يتخلّى المبخوت في كشفه شخصية الزعيم ونوازعه البوهيمية التي يستغلها المتلاعبون بشخصيته، (مثل قبوله الرشوة وتبرير هذا بأنه حق له من البورجوازية بانتظار تشليحها من كل ما سلبت الفقراء، وتبرير سرقة الكتب كذلك بنفس المنطق)، عن تعاطفه الإنساني مع هذه الشخصية، التي تثير الأسى بما أوصلتها إليه ظروف تكوينها، رغم قسوة التعرية والكشف التي تتناول تربية العيفة الجنسية على مضاجعة الحيوانات كما يحدث لبعض مراهقي الريف، بصورة مبتكرة سُمّيَت طريقة العيفة، وجلافته المتعلقة بتفكيره حول المرأة، كما لا يتعامل المبخوت مع شخصيته بميكانيكية صناعة الشخصية من الأحزاب والمخابرات، فالشخصية الإنسانية أعقد من هذا، ويصعب إخضاعها للقوالب، وذلك بكشف المبخوت عدم انصياع الزعيم لتفكير المتلاعبين به، وسيره باتجاه صناعة ذاته، ورسم مصيره المؤسي الذي لا يخضع في النهاية لما يراد له، بخطبةٍ عصماء يلقيها على لا أحد تحت تأثير السّكْر، يشتم فيها "بن علي" والغزو الأمريكي للعراق، ويمجّد صدام حسين. بما يقود الجهات الأمنية إلى أخذه، واختفائه، ومن ثم تشويه صورته من رفاقه الذين صنعوا زعامته، وتشويه المخابرات لصورته على يد صديقه صاحب المطعم بأنه مجرد أهبل.
وفي تعريته وكشفه العميق كذلك عن طبيعة اختفاء زعيمه التي نجدها في تزييف شخصيته؛ يفتح المبخوت الباب للقراءة الباحثة في فنيات الرواية، أن تتساءل عن اختفاءٍ آخر تقصّد كما يبدو القيام به في منظومة سرده، هو اختفاء راوي الرواية كذلك، بعباءة إخفاءٍ فنية لا يُعرف فيها وإن ظهر بثياب الراوي العارف الوحيد للرواية، ليروي لنا سيرة ظهور وتطور وتكون شخصية المختفي: هل هو كاتب الرواية؟ أم الرفيق المرافق من مجموعته اليسارية التي سارت على منهج خليطٍ سمته منهج الثورة الطبيعية الراديكالية تحت الشعار الخليط: ديكتاتورية العمال والفلاحين والبروليتاريا الرثة والطلبة؟ أم هو عميد الكلية؟ أم ضابط مخابراتٍ عرف وتابع وساهم في صناعة شخصية المختفي كزعيمٍ، طالما أن الراوي لابدّ أن يكون موجوداً في مكان ما، وعلى علاقة بما يحكي، سواء داخل المشهد أو خارجه؟ أم أن الراوي هو كل هؤلاء بإدارة كاتب الرواية شكري المبخوت نفسه، حيث نجد ملامح لكل هؤلاء في سرد الرواية، إمعاناً منه في التماثل، مع ضياع الحقائق، وحث القارئ على التمعّن بما يروى له.

شكري المبخوت: السيرة العطرة للزعيم
دار التنوير للطباعة والنشر، تونس، بيروت، القاهرة 2020
146 صفحة



#المثنى_الشيخ_عطية (هاشتاغ)       Almothanna_Alchekh_Atiah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوفية اللون في حقول وأشجار فاروق قندقجي
- شهرزاد تقود رواية -المايسترو- لسعد القرش في بحار معرفة الآخر
- أبطال الروايات الناقصة لمحمود قرني: في أبعاد انفتاح المشاريع ...
- تداخلات متعة التذكّر وتحدّيات الاكتشاف في رواية مها حسن -حيّ ...
- اجتراح كونٍ إنساني صافٍ يدعى فلسطين في مجموعة الشاعر عبد الر ...
- بيدين مفتوحتين
- وهم الإمام العادل وحقيقة قيادة شعبه للهاوية في رواية صنع الل ...
- تفاعل وتداخل الشعر في بهاء تجلّياته وتطوّراته في مختارات الش ...
- في رواية عبد الناصر العايد -تنسيقية بولييه-: حلول روائية مبت ...
- مختارات الناقد فخري صالح -على هذه الأرض ما يستحق الحياة-: من ...
- صورة موتي
- مكعب الجمال القاسي في تحطيم الأشكال لتجلية الروح في رواية عا ...
- لا أملك كوناً
- حين يكون الموت سيفاً على مقاس رقاب الأكراد في مجموعة الشاعر ...
- شتاء آدم
- عراء الجزائر في التلاقح الخلّاق على سرير الفانتازيا في رواية ...
- فخاخ الغرابة والإدهاش والتنوير لتغيير الوعي في مجموعة قصص شي ...
- خبزُ ودمُ الشِّعر بسِكّين الماء وشوكة النار في مجموعة الشاعر ...
- انفجار الذاكرة بما أُثقِلت من جحيم تدمر في رواية معبد الحسون ...
- عطش التزاوج المدهش بين الشعر والرسم والرواية في مجموعة الشاع ...


المزيد.....




- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - في السيرة العطرة لزعيم شكري المبخوت: تعرية ساخرةٌ قاسية لصناعة وتزييف الشخصيات