أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - فخاخ الغرابة والإدهاش والتنوير لتغيير الوعي في مجموعة قصص شيخة حليوى -الطلبية C345-















المزيد.....

فخاخ الغرابة والإدهاش والتنوير لتغيير الوعي في مجموعة قصص شيخة حليوى -الطلبية C345-


المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)


الحوار المتمدن-العدد: 6727 - 2020 / 11 / 8 - 12:53
المحور: الادب والفن
    


لن يستطيع الأب الذي تطوّر لديه ضرب ولده بالعصا إلى ضربةٍ على الرأس، الندمَ على ما لم يعدْ ينفع فيه ندم، ولن يستطيع كذلك ضرب ابنه ثانيةً، فالعصا التي يبحث عنها أصبحت لعبة الابن مع أبيه، يخفيها عنه في كل ليلةٍ يخرج فيها من المقبرة، من دون عينيه اللتين ينساهما دائماً في القبر، بحثاً عن العصا التي وضعها في خزانة ابنه؛ ويروي ذلك الولد الميّت عن زيارات أبيه الحيّ، في تبادلٍ مذهلٍ لأدوار الميّت والحيّ، يبعث الرجفة في قلب القارئ، الذي لن يستطيع ربما في ظلال كابوس هذا التبادل، ضربَ ابنه أو ابنته بعد ذلك إن كان يفعل ذلك، كما لن يستطيع الندمَ الذي سيتلبّسه مسبقاً على ما فعل ربما، وما لم يفعل من أفعالِ لا ينفع بعدها الندم:
" لم أفكّر مرّة في التّخلّص من العصا، كأنْ أرميها في النهر، أو أكسرها على سور الحديقة، بل صرتُ أحرص عليها أكثر منذ بدأتْ زيارات أبي الليليّة. بعد كلّ زيارة، أشطب ندبة، تركتْها عصاهُ يوماً ما؛ واحدة على كتفي اليمنى، أخرى على ساقي اليُسرى، وندوباً صغيرة كثيرة موزّعة على جلدي، وتحتهُ. أوشكتُ أن أشطبها جميعاً، إلا واحدة، تركتُها في ذيل القائمة، كُنتُ أجهل مكانها على جلدي أو تحته. زيارة واحدة منهُ وأخيرة، وينتهي الأمر، وأشطبها كلّها، سأطيلُ هذه المرّة تكوُّره البائس في زاوية الغرفة، وقد أنتظرُ حتّى الفجر أو حتّى يتجاوز كبرياءه، ويطلب صراحة أن أرافقه إلى قبره قبل أن تشرق الشمس.".
من هذا المقطع المقتطف من قصة "زيارات ليلية" في مجموعة قصص "الطلبية C345" القصيرة للشاعرة والكاتبة الفلسطينية شيخة حليوى، ومن جميع مقاطع المجموعة، تتجلّى مجموعة قصصٍ قصيرةٍ مخيفة، كما غرفٍ كابوسية جحيمية مسلّحة الجدران بلواقط جاهزةِ للنشب في قلب القارئ واعتصاره، في تناولها داخلَ الذات الإنسانية، وما يعانيه من تأثيرات أفكار ومعتقدات وعصيّ وجروحات وندبات وألغام وصواريخ وجحيم الخارج الآخر؛ بأسلوبٍ فريد استحقّت عليه مجموعة حليوى "جائزة الملتقى للقصة القصيرة" في دورتها الرابعة لعام 2019، بجدارة لا يُختلف عليها.
في مجموعة "الطلبية C345 "، التي تأخذ عنوان أحد قصصها ممثلاً لها، ربما في إشارةٍ إلى كثرة ما يعانيه البشر من إعاقات، تضع شيخة حليوى سبع عشرة قصة قصيرة، تختلف كل واحدة منها عن الأخرى في منظومة سردها، بين ضمير المتكلم، وضمير الغائب، اللذين يأخذان أدوار المذكّر والمؤنّث وفق ما تعالج القصص من شخصيات لا أسماء لها لأنها تكون أياً منّا. ولا تفقد المجموعة في تنوّع طبيعة هذا السرد وحدةَ أسلوبها المميَّزة بلغةٍ شاعرية بسيطة المفردات رغم معالجتها لأشد تعقيدات الداخل كثافة، ورسمها لأكثر خيوطه وألوانه النفسية تداخلاً. ويضفي على وحدة هذا الأسلوب التفرّدَ، استخدامُ شيخة حليوى عوالمَ هول الداخل الكافكاوية إن صح التعبير، وإدهاش الواقعية السحريّة التي لا تبعد عنها رائعة المكسيكي خوان رولفو "بيدرو بارامو" كمثال، مع غرائبية السوريالية التي تغوص بأقنعة أوكسيجين كتابتها الآلية إلى أعقد تداخلات صور كوابيس الداخل، لتنتجَ "حليوى" بإضافة تعاطفها الإنساني مع ضحايا تأثيرات الخارج، مجموعةً آسرةً لا يسلم القارئ من تأثيراتها التي ستمسّ إدراك داخله بعمق الالتباس والتمويه في المقاصد، ومن ثم النفاد إلى خلايا وعيه التي ستعاني على الأرجح من قوّة قسْر التغيّر.
وفي كل ذلك لا يمكننا إهمال استخدام حليوى في تقوية تأثيرات قصصها، خيوطَ نسيج الثقافة الجمعية المستقرة في شخصيات المجتمعات العربية بخاصة، ومنها خيوط الدين التي تتشابك مع العادات وتتحول إلى عقد نفسية يصعب حلّها، وتتحوّل إلى كوابيس تكبّل الشخصية في شبكة إعاقة نمو الشخصية.
في "الطلبية C345 "، تخترق القارئ، كأمثلة، تأثيرات:
ـــ امرأة الأطراف الصناعية، وحلم وأمل الرقص والتعويض في فجيعة فقد الساقين، داخل القصة التي تمثل المجموعة بعنوانها. بسرد ضمير الغائب المؤنّث.
ـــ المرأة التي فقدت ابنتها، ووقعت في حصار الحزن الثقيل الذي يُظهر بصيص هروب من ثقب في جدار الغرفة، ما يلبث عند الولوج فيه أن يُسَدّ بمسمار، في قصة "ثقب أبيض"، بسرد ضمير المتكلم المؤنث: "ــ الناسُ جميعهم يسدّون الثقوب، وأنت تحرسينها كآخر نفقٍ للنجاة. لم أعرف أنّها فعلاُ كذلك حتّى قالها أخي، هي نفقُ نجاة وحيد، وآخر مسارب للهروب. صرتُ كلّما أطبقت الدنيا عليّ، وخشيتُ أن تبتلعني الأرض، أسحبُ طفلتي النائمة، وأتسلّل إليهِ بخفّة وسهولة، كلّ لجوء إليه كانَ يحميني وإيّاها من حربٍ وشيكة، ويدٍ ثقيلة عمياء. نخرجُ منه، وقد هدأ الكون.
ـــ المرأة العروس التي كانت قيمتها كمهرٍ خزانةُ خشبٍ، هي قيمة زوجها كذلك بتبادل الأدوار الذي تجيده الكاتبة، في قصة "حياة من خشب"، بسرد ضمير الغائب المؤنّث.
ـــ الرجل الذي يبحث من خلال بريد قراء مجلةٍ عن عينيه، اللتين فقدهما في تبادل أدوار استجابته لأم مفجوعة، أن يكون هديةً منها لابنتها الشابة التي على وشك الموت، في قصة "رجل يبحث عن عينيه"، بسرد ضمير الغائب والمتكلّم المذكّر:
"في الغرفة المُجاورة قرأتُ عينَيْها، رأيتُ فيهما انعكاسي بكلّ وضوح وبؤس، رأيتُ وجهي وشعري وأنفي وكهفَيْن أسوَدَيْن كبيرَيْن. رأيتُ انعكاسي في مرآةٍ جليديّة مشطورةٍ إلى نصفَينْ، رأيتُ شريط حياتي كاملاً... أعرف أنّ السؤال الذي يشغلكم جميعاً الآن هو هل ضاجعتُها؟ هل استمتعتُ؟ هل شعرتُ بمتعتها؟... أعرفُ أنّني منذ ذلك اليوم وأنا أبحثُ عن عينَيّ. سؤال واحدٌ يُلحُّ عليّ دون رحمة: هل فعلاً كانت هي الميّتة الحيّة في تلك الغرفة أم أنّ كلَيْنا كان كذلك؟ حيّاً ميّتاً.".
ـــ المرأة التي تسرد عن طفلتها المعوّقة المحتاجة إلى الجنس بما تمّ تلقينها من أعراف عن الجنس، في ظل عدم تفهّم المجتمع لاحتياجات الإنسان، في قصة "عشرون، بل أكثر".
ـــ الكاتبة حول كتابتها، وحول الخيال والواقع، في قصة "شطرنج"، بسرد الكاتبة في ضمير المتكلّم المؤنّث.
ـــ استخلاصات الطب النفسي للذاكرة بسوريالية الطبيب الذي يرسم لوحة ذاكرة فتاة، في قصة "يقظة"، بسرد ضمير الغائب المؤنّث.
ــــ تأثيرات ادعاءات الفرح، بسوريالية الخوف في قصة "الباسم"، بسرد ضمير المتكلّم المذكّر.
ـــ تأثيرات الرجل المنفصل عن حبيبته، في بحثه عن القطّة التي كانت من نصيبه في قسمة الانفصال، واكتشافه أنه يبحث عن القطة التي هربت من البيت بعد وفاة أمّه عندما كان طفلاً منذ عشرين عاماً، في قصة "صورة قديمة"، بسرد ضمير المتكلّم المذكّر.
ـــ تأثيرات الطفولة الضائعة، بسوريالية جمع الهواء في مخروط ورقيّ، في قصة "أصوات قديمة"، بسرد ضمير المتكلّم غير المحدّد الجنس.
وفي "الطلبية C345 "، سيجد القارئ نفسه واقعاً بغواية التسلّل إلى قصة "في اليوم السابع"، التي تقلبُ فيها شيخة حليوى كعادتها أدوار الحياة والموت، وأيّام الخلق إلى أيّام النهاية، لمساعدة تلميذ المدرسة مع صديقه في سرقة "اليوم" الذي يلخّص أسماء أو "أيام" القيامة وفق قلب الأدوار:
"في الطريق إلى البيت، وقبل أنْ أمدّ يدي إلى حقيبته، أُخرجُ منها يومَنا، صار يبكي ويتمتم:
ـــ الله سيحرقنا، لأنّنا لصوص.
ـــ لسنا لصوصاً! سنُعيده بعد العطلة، ولن ينتبه أحدٌ ليومٍ ناقص على الحائط، كما أنّ الله عنده أيّام العالم كلّها، فلن يغضب منّا.
بعد العطلة، عُدنا إلى المدرسة. لم ينتبه المعلّم لليوم الّذي سرقتُهُ من اللوحة، غير أنّه علّق في ذاك الصّباح أمامنا مباشرة لوحة كبيرة، وأشار إلى عنوانها البارز: أهوال يوم القيامة.
فكّرتُ كم سيكون الأمر صعبًا أن أسرق اللوحة كاملة.".
ختاماً، شيخة حليوى قاصّة وشاعرة فلسطينيّة، ولدت في قرية "ذيل العِرْج" من ضواحي مدينة حيفا، تقيم في يافا منذ عام 1989. درسَت اللغة العربية وآدابها، وتعمل في مجال الإرشاد والمناهج التعليمية. أصدرت قبل "الطلبية C345 " مجموعتين قصصيتين هما "سيّدات العتمة" و"النوافذ كُتب رديئة"، ومجموعة شعرية بعنوان: "خارج الفصول تعلّمتُ الطيران". تُرجمت نصوصها إلى العبريّة، الإنجليزيّة، الألمانيّة، البلغاريّة، ونُشرت في مجلّات عديدة متخصصة.

شيخة حليوى: "الطلبية C345"
منشورات المتوسط، إيطاليا 2018، 2020
74 صفحة



#المثنى_الشيخ_عطية (هاشتاغ)       Almothanna_Alchekh_Atiah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خبزُ ودمُ الشِّعر بسِكّين الماء وشوكة النار في مجموعة الشاعر ...
- انفجار الذاكرة بما أُثقِلت من جحيم تدمر في رواية معبد الحسون ...
- عطش التزاوج المدهش بين الشعر والرسم والرواية في مجموعة الشاع ...
- رواية السورية روزا ياسين حسن: -الذين مَسّهم السحر-: السوريّو ...
- مجموعة الشاعر السوري نوري الجراح -لا حرب في طروادة-: ولكنّهم ...
- مجموعة الشاعر اللبناني بول شاوول -حديقة الأمس-: كما لو كانت ...
- رواية السوري خليل الرز -الحي الروسي- صاعداً بواقعية سحرية إل ...
- الحجر الأبيض المتوسط
- -حجر الموشكا- للشاعرة لينا أبو بكر: ما يسيطر ويسطع في إصبع ذ ...
- في مجموعة الشاعر محمود قرني -ترنيمةٌ إلىَ أسْمَاء بِنت عِيسَ ...
- اسألوا النهر
- في مآلات برمجة القتلة
- صديقي الجسر
- اسمه أحمد البياسي
- نار الثورة وأجنحة الإمام
- يفتح باب النهر ويدخل
- خارج كادر الزنزانة
- في ميزان الشفافية السورية
- ما أجمل السوريين!
- في اصطفافات المعارضة ومجازر النظام.. بإذن الله وإرادة الشعب


المزيد.....




- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - فخاخ الغرابة والإدهاش والتنوير لتغيير الوعي في مجموعة قصص شيخة حليوى -الطلبية C345-