أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - شهرزاد تقود رواية -المايسترو- لسعد القرش في بحار معرفة الآخر















المزيد.....

شهرزاد تقود رواية -المايسترو- لسعد القرش في بحار معرفة الآخر


المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)


الحوار المتمدن-العدد: 6886 - 2021 / 5 / 2 - 13:23
المحور: الادب والفن
    


تدفع الروايات التي يكتبها روائيون متمرّسون بالتجارب الفنية للرواية، قراءَها، ودارسيها، إلى التفكير بما وراء الرواية، أو البحث عن الرواية داخل الرواية، أو شغف كشف أسرارها الفنية الخاصة بالبنية العميقة الكامنة في ثنايا بنيتها الظاهرة، أو منظومة السرد المتداخلة، وما تخفيه الرواية لإضفاء تكامل أسلوبها الفني مع موضوعها، بالإضافة إلى منح قارئها متعة إضافية وربما مفاتيح تقنيةً إذا كان من المهتمين بالكتابة.
رواية "المايسترو" للروائي المصري سعد القرش تمتطي قارباً مجنحٍّاً بالخيال المؤسس على الواقع، لاختراق وتفكيك أمواجٍ ثقيلة تبدو أليفة ويمكن التعايش معها في الظاهر، غير أنها في النهاية ما تلبث أن تنفجر، بما تراكم داخلها، لتجرف الأبنية والبشر، في الرؤية المنذرة على الأقل. ويقود القرش قاربه الذي "يمخر عباب" العلاقات، ببساطة ظاهرة، تكشف مع التوغل في بحر القراءة عن ما تكنزه الرواية من غنىً في المعارف الإنسانية، يستخدمها في تفكيك أمواج العنصرية والهويات القاتلة، ومن عناصر فنية ليس أقلها الخيال، تتداخل ببساطةٍ لتدفع القارئ والدارس إلى عيش نسيجٍ فني مضفور بما شدّ جسد الرواية، عبر تاريخها، من أساليب الحبك، وبما تطمح إليه من نسج أشرعةٍ تطير بمراكبها، على بساط ريح "ألف ليلة وليلة"، التي افتخر الروائيون في شتى أنحاء العالم بالتداخل مع عوالمها وأسلوب سردها المتداخل.
للعنوان الذي يضعه أمامه على اللوح: "تفكيك العنصرية"، بافتراضنا، يُمحور القرش روايته
على قارب يبدو ببساطة أنه قارب بناه شاب هندي، في حديقة قصر لأحد أثرياء الخليج يعمل به مع والده، من أخشاب ومواد مهملة جمعها، حنيناً إلى بلاده التي لم يرها، ولتسلية ابن صاحب القصر، ويثير من غير أن يدري بهذا القارب عش دبابير عُقَد الفقر والإثراء المستحدث لدى خليجيين يحاولون إخفاء تاريخ تعيشهم من صيد اللؤلؤ بالقصور الفارهة، واستعباد الموظفين فيها بحكم كفالتهم. وهو ما يحدث من خلال تشبيه ضيف صاحب القصر المخمور له مازحاً بأن هذا القارب يشبه قارب جده صياد اللؤلؤ، مما يودي بالهندي الشاب إلى الطرد مع قاربه.
ولا يستخدم القرش كصياد لؤلؤ بارع، عنصرية سيادة أثرياء الخليج وممارستهم للعبودية وفق ما عُرف عن الخليج، إلا كمدخل للغوص عميقاً واستخراج اللآلئ الأنفس، والأخطر لروايته: العنصرية المتغلغلة الكامنة للانقضاض فيمن هم موضوع العنصرية أنفسهم، وممارستهم لها على بعضهم فيما يحملون من معتقدات تكرست بداخلهم وجعلتهم يرون أنهم وحدهم من يملكون الحقيقة والآخرون المختلفون كفار.
وعلى هذا المستوى من العمق يجمع القرش بتقشّف باذخ أربع شخصيات يربط بينها القارب:
ـــ الشاب الهندوسي أنيل، الذي بنى القارب، وطُرد من أجله.
ـــ الشاب البوذي تسو من التبت، صديق أنيل الذي استقبله بعد الطرد
ـــ الشاب المسلم نواف الخليجي بهوية الـ "بدون"، والمحروم من جنسية بلد ولد ويعيش ويعمل فيه. والذي يساعد تسو وأنيل في نقل القارب إلى المياه.
ـــ الرجل المصري الأمريكي مصطفى صديق نواف، المحامي الذي يزور الخليج لمساعدة أحد المظلومين، ودعاهم للغداء احتفالاً بنقل القارب، ثم حضر معهم في القارب سهرة الرواية التي تتكشف فيها النفوس.
وتبدو واضحةً منذ البداية قصدية اختيار هذه الشخصيات من الديانات الأشهر على الكرة الأرضية، الهندوسية، البوذية، الإسلام، الذي يحتضن مصر الفرعونية، ويضاف إليها المسيحية التي تمثلها لاورا، الأمريكية، الأستاذة في قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة ميشيغان، وزوجة مصطفى.
في سهرة قارب الرواية، بأسلوب سرد "الراوي العليم" الذي ينظم الرواية، مع دخول سرد الذات عند رواية أحد أشخاصها لقصة عنه، تنفتح نفوس الشخصيات من خلال حواراتها مع بعضها، بتداخل، حول الهم الذي هم فيه داخل دولة خليجية من الواضح أنها الكويت، تحت عبودية نُظُمها، واستعلاء الأثرياء الفاسدين فيها، وحول مفاهيمهم ومعتقداتهم المتخالفة على مستويات رؤيتها للآخر، وحول مصائرهم وأحلامهم. كما تنفتح نفوس الشخصيات كذلك، بتداخل مع هذه الحوارات، على تداعيات ذكرياتهم وقصصهم الخاصة بهم، مع تركيز القرش على تداعيات شخصية مصطفى الذي تتفاعل من خلاله مفاهيم الشخصيات ويقود تفاعلها مثل "المايسترو" الذي يشبهه بحمل عصاه، وتأخذه الرواية عنواناً لها، يوجهها في الظاهر بشخصيته القدرية البوهيمية التي تماثل قارب الرواية.
وفي سهرة القارب هذه تتجلّى صراعات المعتقدات والهويات، وتكشف عن نفسها، وعن حقّها في حمل حقيقتها النابعة من ضرورات بيئتها، وتلاؤمها مع ما يبقيها ويبلور أحلامها، وأكثر من ذلك، غنى هذا الاختلاف، بما يحمل للإنسانية من تعرف على ذاتها واختلافاتها التي تثريها، في نسيجٍ معرفي باذخ الثراء والعمق والطرافة، تدخل فيه حقائق المتحاورين عن دياناتهم ومعتقداتهم مطاحن تفتتها من حبوب صلدةٍ في الرؤوس التي حجّرها التعصب وفقدان الثقة بالذات والآخر، إلى طحين ناعم يُخبز ويُشم ويَدخل الجسد ليغذيه ويغذي الروح:
"قالت إنها تريد أن تشكره؛ لأنه صالحها على الحياة، وحثّها على إعادة اكتشاف الروح في تفاصيل كانت تراها من التوافه. منذ عشرين عاماً تمنّت أن يخترعوا وجبة غذائية في حجم حبة الدواء تُبتلع فتُشبِع، ولا يضيّع أحدٌ وقتَه في شراء الخضراوات وطبخها وإعداد مائدة وتناول الطعام. تُهدر سنوات من العمر في هذه السخافات، إلى أن صاحبت أمّ مصطفى، وناولتها قطع العجين. رأت الإنسان المخلوق من تراب يخلط الطحين بالماء، ثم يختمر ويضعه في النار والهواء، فتجتمع عناصر الطبيعة وتتكامل. وعت بأن إعداد الخبز طقس روحي وليس سلوكاً آلياً، وأن للعجين روح فلاح مهّد الأرض، وزرع، وسقى، وحصد، وحمل القمح من الغيط، وغسله
من الغبار وطحنه. وفي المطرحة الخشبية الناعمة روح من الخبز، ورائحة عرق نجار، صنع من الخشب مطارح، ومقاعد وأسرّة.".
ومرةً أخرى، لا يكتفي صياد اللؤلؤ عميق النفس بعرض حوارات شيقة غنية حافلة بالمعرفة لآراء المتحاورين، وإنما يغوص عميقاً في بحر بلْوَرَتها كفنّ روائي عالٍ، وذلك بنقلها إلى مستوى الحكايات الإنسانية المعبّرة عنها. وتزيد متعة تذوّق الرواية، بإدخال القرش نبضَ أهميتها، في سرد الحكايا الخاصة بصراع الهويات وتفاعلها وانحلالها، كما حكايات ألف ليلة وليلة، بقيادة مصطفى الذي ارتقى بإنسانيته البوهيمية الساخرة إلى آفاق استيعاب الآخر وتفهمه والتعاطف مع مفاهيمه وأوضاع حياته، حيث لا يمكن للقارئ أن يسلم من المتعة والتعاطف، في قصص تسو حول تقطيع أجساد الأموات للطيور، وجراحات وصل عضو الذكورة المقطوع بالجليد في التبت، كما في تجربة مصطفى الجنسية والإنسانية كمدّع للعمى، مع الثري الخليجي السادي وزوجته المقهورة، وتجربة نواف المربكة المؤسية مع عاملة الجنس في الـ "رد ديسكرت" بأمستردام، كما في بقية القصص الممتعة، والأمثال، والأفلام، والشعر، ومصطلحات اللغة، وكل ما يدخل من تفاصيل الحياة والثقافة التي تعكس ثراء الشعوب وإبداعاتها.
ويتوّج القرش سهرة قاربه الحافلة، بقصة الحب الشفافة التي تنظم الرواية من بدايتها إلى نهايتها، وترفعها إلى مستويات عالية في الارتقاء، بثراء ومتعة المعرفة كما بثراء ومتعة اكتشافات الجسد، بين مصطفى والأمريكية لاورا، التي يجعل منها القرش شهرزاد الرواية التي تروي وتحلّ بتساؤلاتها وبحثها ومعرفتها بواطن حياة الإثنيات وثقافاتها، إلى الدرجة التي تدفع هذه القراءة لاعتبارها هي مايسترو الرواية التي ينطق باسمها وبوحي معرفتها من اصطفاه القرش ليكون المايسترو: "«لستَ مجرّد محامٍ، ما حكيْته عن الشقيقين المزوّريْن، وما رأيتُه من المرأة في المقهى، قادني إلى جوهرك، إلى تعففك وترفعّك وصلابتك في مواجهة أبيك بالانسحاب إلى غرفة تطل من نافذتها على أقدام تزخر بالحياة. وبالاقتراب الحميم والتوحد فيك وجدت الحب الرهيف والنفس الشفيفة، والجنون المتمرّد على ذاته. أعني ما أقول: أن يجتمع الذكاء والحساسية والرؤية الثاقبة والنبل والكرم والرقة والغطرسة الحانية والجنون والتسامي، فهذا يعزّ وجوده ويقلّ نظيره. ما أقوله فيك، ولك وأنت الآن نائم، هو غاية ما تحتاج إليه امرأة مثلي لا يرضيها أحد. تذكّرْ ما أقوله جيداً واشربه إلى داخلك، فهو منك ويعود إليك بعد أن صار مني ومنك. هذا أبعد من التمثّل، وأبعد من الحلولية. سأبحث عن التوصيف الفلسفي لهذا الناتج التركيبي الجديد. أبحث عنه في النهار، وأشكر حيّز المطبخ إذ يمنعني أن أخرج، تجنباً لإزعاجك». همست لورا لنفسها أنها ليست هي، وأن هذا النائم ليس مصطفى نبيّ جبران. وجادلتْ نفسها بأن نبيّ جبران لم يغادر كتابه، وتابعت الكتابة...".
في الحيّز الزمني الضيق لسهرة قاربه، لا يهمل القرش حبلَ التشويق الذي يهزّ به قاربه إذا سكن، فيعمد إلى إسقاط امرأةٍ من ظهر اليخت الضخم الذي التصق به القارب في الماء، مُدخلاً قارئه في عنصر بوليسي تكتنفه التساؤلات حول تجارة البغاء والجرائم المرتبطة بها، لكنْ بوعي حدود روايته، وحصر البوليسية ضمن هذه الحدود.
وفي همّ الخروج الختامي من رواية تتصارع فيها الهويات في ظلال عنصريةٍ عبوديةٍ ظالمةٍ ظلاميةٍ تُراكم الأحقاد حتى الانفجار، يُخرج القرش قاربه برؤيا تسونامي بشري تتفجر فيه الدماء، على وقع أبيات بدر شاكر السياب التي تهيمن على أجواء الرواية: "أصيح بالخليج يا خليج/ يا واهب المحار والردى.".

سعد القرش: "المايسترو"
دار العين للنشر، القاهرة 2019
288 صفحة



#المثنى_الشيخ_عطية (هاشتاغ)       Almothanna_Alchekh_Atiah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أبطال الروايات الناقصة لمحمود قرني: في أبعاد انفتاح المشاريع ...
- تداخلات متعة التذكّر وتحدّيات الاكتشاف في رواية مها حسن -حيّ ...
- اجتراح كونٍ إنساني صافٍ يدعى فلسطين في مجموعة الشاعر عبد الر ...
- بيدين مفتوحتين
- وهم الإمام العادل وحقيقة قيادة شعبه للهاوية في رواية صنع الل ...
- تفاعل وتداخل الشعر في بهاء تجلّياته وتطوّراته في مختارات الش ...
- في رواية عبد الناصر العايد -تنسيقية بولييه-: حلول روائية مبت ...
- مختارات الناقد فخري صالح -على هذه الأرض ما يستحق الحياة-: من ...
- صورة موتي
- مكعب الجمال القاسي في تحطيم الأشكال لتجلية الروح في رواية عا ...
- لا أملك كوناً
- حين يكون الموت سيفاً على مقاس رقاب الأكراد في مجموعة الشاعر ...
- شتاء آدم
- عراء الجزائر في التلاقح الخلّاق على سرير الفانتازيا في رواية ...
- فخاخ الغرابة والإدهاش والتنوير لتغيير الوعي في مجموعة قصص شي ...
- خبزُ ودمُ الشِّعر بسِكّين الماء وشوكة النار في مجموعة الشاعر ...
- انفجار الذاكرة بما أُثقِلت من جحيم تدمر في رواية معبد الحسون ...
- عطش التزاوج المدهش بين الشعر والرسم والرواية في مجموعة الشاع ...
- رواية السورية روزا ياسين حسن: -الذين مَسّهم السحر-: السوريّو ...
- مجموعة الشاعر السوري نوري الجراح -لا حرب في طروادة-: ولكنّهم ...


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - شهرزاد تقود رواية -المايسترو- لسعد القرش في بحار معرفة الآخر