أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - تداخلات متعة التذكّر وتحدّيات الاكتشاف في رواية مها حسن -حيّ الدهشة-















المزيد.....

تداخلات متعة التذكّر وتحدّيات الاكتشاف في رواية مها حسن -حيّ الدهشة-


المثنى الشيخ عطية
شاعر وروائي

(Almothanna Alchekh Atiah)


الحوار المتمدن-العدد: 6859 - 2021 / 4 / 4 - 09:03
المحور: الادب والفن
    


تضعُ الروايات التي تتداخل مع رواياتٍ أخرى أو شخصياتٍ أو أفلامٍ أو أساطير أو أجزاء من الكتب المقدسة، قارئَها في سرير متعة عيش التداخل، كما تضعه أمام تحدّيات التفكير في مستوياته، سواء على صعيد فنّ الرواية أو على الأصعدة التاريخية الزمنية أو المكانية، أو الموضوع، أو الحالات النفسية أو صعيد الاقتصار على ضرب الأمثولات في الروايات الفقيرة.
رواية "حي الدهشة" للروائية السورية مها حسن، روايةٌ شفافةٌ متفاعلة، سلكت درب التماثل مع عنوانها وتصويرها لحيّها المدهش، في إدهاش القارئ؛ فلَجأت إلى إدخاله في مستوى آخر من التداخل الروائي، وذلك بوضع أسماءِ ثلاثٍ وستين روايةً عربيةً وعالميةً عناوينَ فرعيةً داخل فصولها. وبقدْر ما يفعل هذا الإدخال من إثارةِ متعة القارئ في إعادة تذكيره بروايات قرأها وشكّلت جزءاً من عالمه الثقافي، النفسي، والذهني؛ فإن هذا التداخل يضعه أمام تحدّي إقامة العلاقات بين أسماء الروايات وموضوعات ما تتضمنه تحت العناوين؛ من دون أن يفقدَ في الحقيقة بسبب عمق تماسك العنوان مع ما يتضمّن، متعتَه في عيش هذا التحدي حتى في عدم إيجاده روابط عميقة في التداخل، أو اكتشافه اقتصار معظم العناوين على عرض مستوى بسيطاً من التشابه، حيث لا تحتاج هذه الرواية في نجاحها إلى أكثر من ذلك، إضافة إلى أن تصميمها كما يبدو تقصّد ذلك، ولم يدخل في مستوى تصميم الروايات الضخمة في التداخل على جميع المستويات بما فيها مستوى اللغة، والتي تتطلّب من الروائي سنوات وسنوات من الكتابة، كما حدث في استغراق مارسيل بروست أربعة عشر عاماً لإنجاز رواية "بحثاً عن الزمن الضائع":
"أما هي، فما إن أقلعت السيارة بهما، ووجدت نفسها خارج الحارة، حتى امتلأت بشعورٍ جديد عليها، شعورِ أن هذا هو كل ما تريد من الحياة. إحساس الشبع والاكتفاء. إحساس أنها وجدت ما كان ينقصها. كانت هند تشعر دائماً بفقد غامض، ثمة شيء ما ينقصها تجهل طبيعته وأصله. ثمة إحساس مرافق لها، شبيه بحالة من يتفقد أغراضه والمكان الذي فيه قبل أن يغادره خشية نسيان أمر ما، أو فقدانه.". كانت تشعر دائماً أن شيئاً ما ضاع منها، ولا تتمكن من تذكره أو معرفته.".
في تصميم دهشة حيّها، تفتح مها حسن نوافذ الحكاية ببساطة على مجموعة عوائل متداخلة بعلاقات القرابة والزّاوج، تلتقي مصائرها في حيّ الهلك الشعبيّ المعروف في حلب، بتركيز حاضر عام 2010، وامتداد الزمن إلى 2015، رجوعاً إلى جذور الحكاية في أزمان طفولة وشباب الشخصيات، وتتمحور الحكايةُ حول الطبيبة النسائية هند التي تنحدر من عائلة غنية، وتختار فتح عيادتها في حي الهلك، نتيجة ذكريات طفولةٍ وحنينٍ إلى حضن مربيتها الفقيرة زلوخ التي تشاركت معها كذلك حنان احتضان جنينها وهي طفلة في السادسة. وتتفاعل هند مع أهالي الحيّ ومشاكلهم لتصبح جزءاً منه ومنهم. تعيش قصة حبّ من طرفها للحدّاد شريف الذي يحميها من زعران الحي، ومن الأذى الناجم عن تعارض مصالح من يظلمون النساء فيه، مع ما تقوم به من حمايةٍ ومساعدةٍ لهنّ في العلاج والتعليم. وتتعرض هند لحقد مديحة زوجة شريف التي تغار من حمايته لها، ولمكيدة الفتاة اللعوب سعاد وحسين العامل لدى شريف، بتدبيرهما مكيدة قتله، من خلال إثارة غيرة المهرّب وعميل المخابرات إدريس، ودفعه للانتقام من شريف على العلاقة شبه الجنسية التي تقوم بينه وبين خطيبته سعاد. يجري هذا على حافة تفجّر الثورة السورية ودمار حلب بعدها، واضطرار معظم أبطال الرواية للرحيل، مع استقرار هند وابنة شريف دُرّية التي تساعدها هند في إكمال تعليمها إلى طبيبة وكاتبة، في لندن، وتكمل دُرّية كتابة روايتها التي بدأتها خلال حصارات الحرب، لتكون ذاتها رواية "حيّ الدهشة".
يتخلل الرواية حكايات حبّ شفافة وعميقة تحفل بدوافع الغيرة والمصالح الدنيئة ومصائر الانتحار والقتل، وتجتمع هذه الحكايات المترابطة لتكوّن قصة حب حافلةٍ بالأسى والخذلان والحنين، والتداخل بعاداتٍ وثقافاتٍ تودي بأبطالها إلى المآسي، بقدْر ما تغني حياتهم بالتآلف والحبّ: "كانت سعاد من ذلك النوع من النساء اللواتي يعتقدنَ بأن أنوثتهنّ تقاس بدرجة تعذيب الرجال، وشدّهم برسن التشويق الدائم، وعدم إشباع ذلك الشوق. ليست من نوع نجوى التي اتّبعت تلك التقنية مع شخص واحد هو الرجل الذي تريده ولا تريد غيره، وتخاف من فقده إن اعترفت له بمشاعرها، أو إنْ أحسّ بأمان الحبّ معها، فيدخل في تخوم الامتلاك، ويضع عينه مجدداً على امرأةٍ غيرها صعبة المنال".
في تصميم دهشة حيّها، تضع مها حسن روايتها في بنية بسيطة، تتعقّد قليلاً في ختامها تماشياً مع روح الإدهاش التي تهيمن عليها، وتتضمّن هذه البنية خمس عشرة فصلاً تأخذ عناوين أماكن مسرح الرواية مترافقة مع أزمنتها: كفر حمرا ــ ريف حلب ــ عام 2005 و2009، حي الهلك ــ حلب ــ عام 2010 و2005 و2011، حي الشهباء الجديدة ــ حلب ــ عام 2010، الزربة ــ ريف حلب ــ عام 1982 و2011، حريتان ــ ريف حلب ــ عام 1970، حي بطينا (وطى المصيطبة) ــ بيروت ــ أعوام 2006 إلى 2009، لندن خريف عام 2015.
ويعكس هذا التسلسل وضوح العودة في الزمن إلى ماضي الشخصيات الذي ساهم في تشكيلها على صورة ما هي عليه، والأحداث التي أثّرت في هذا التشكيل، بما يسهّل على القارئ المتابعة وعيش متعة التذكّر، وجريان نهر تشويق الرواية دون انقطاع.
في سرد الدهشة، تلجأ مها حسن إلى أسلوب البساطة العميقة الذي يميّزها، من دون أن تنسى وضع هذا الأسلوب في منظومة سردٍ تعرف بخبرتها الروائية أهميتها في بثّ السحر برواية تتوخى الدهشة، فتسير في هذه الرواية بسرد الراوي العليم في البداية، وما تلبث أن تُداخله، في الفصل السادس والسابع، بسرد الشخصية الرئيسية فيها الدكتورة هند، عن جذر اختيارها لحيّ الهلك الشعبي الكامن في طفولتها مكاناً لعيادتها، بسلاسة الاستمرار وكأنّها تشرح لشريف سبب اختيارها.
وتُداخل مها حسن كذلك سردَها بسرد شخصية حسين في الفصل الثاني عشر، لمكيدته التي تحمل أبعاد شخصيته النفسية، في قتل معلّمه ومَثَله شريف، بما يثير استغراب القارئ الذي سرعان ما يزول بكشف مها حسن أبعادَ منظومتها السردية في إدخال خيط سرد الذات هذا، من خلال كشفها عن راوية الرواية، بدهشةِ أنّها أحدُ شخصياتها، وتستلم هذه الشخصيّة التي أصبحت كاتبةَ الروايةِ السّردَ بعد هذا لتكشف دوافع هذا الإدخال، برسالة اعتراف حسين لها حول مكيدته في قتل أبيها، ودوافعه في هذا القتل. ويبقى ضمن هيكلية البنية ومنظومة السّرد سؤال القارئ معلقاً إن كان إدخال مها حسن ردّ دار النشر على الروائية (بأن روايتها التي تُدخل فيها أسماء الروايات عناوين فرعية لها، لا تُعتَبر روايةً، واقتراحها إجراء تعديل عليها من أحد محرريهم)، هو إدخالٌ ضروري ضمن بنيةٍ اكتملتْ من دونه، وإن كان هذا الإدخال كذلك يضيف دهشةً على دهشةٍ كانت موفقةً في إثارةِ فضول القارئ وتشويقه للاستمرار في عيش الرواية.
في دهشة بنيتها العميقة، تقود مها حسن نهرَ التشويق في روايتها بمقدرة تحكّم فاعلة، في أزمانٍ متعددة وعلاقاتٍ متداخلة، وحالاتٍ إنسانية تنفلت فيها الرغبات لتصنعَ الخذلان والخزي والشعور القاتل بالندم، والمسوخ، وتفلت حسن تدفق نهرها كلما هدأت مياهه في أماكن محسوبة.
وفي دهشة هذه البنية تُبرز مها حسن قدرتها على تحليل وبلورة شخصيات شعبية بسيطة ومعقدة في ذات الوقت، مميزةٍ بالشفافية، ضمن سرد البساطة واستبطان روح الأحياء الشعبية وبواعث الدهشة فيها، من دون مجاملة الفقر، وبقسوة عرض أحشاء ما تعفّن في شخصيات أبناء هذه الأحياء، بفعل العادات والثقافة الاستهلاكية التي تستهلك أرواحهم بالغيرة والتناحر وممارسة التفاهة. ويلفت النظرَ في فوران دواخل هذه الشخصيات، تعاطف الروائية الإنساني المتفهم لحالات الإنسان وأخطائه ورغائبه التي تقوده إلى الآثام، مع بلورتها كذلك لما يحفل به جوهر الإنسان من خير وحب: "خاف في ذلك اليوم من عودة الكوابيس، خاصةً إذا قتلت هند نفسها. خفق قلبه وهو يتخيل خبر وفاتها، وتذكر كيف أفاق على خبر موت أمه، وظل يفكر، بأنه لن يسامح نفسه إن قتلت الدكتورة نفسها، قرباناً لشريف. ستعاوده الكوابيس، ولن ينجو ضميره من التعذيب، حتى يقتل شريف... كان يعرف أنها تحبّ معلّمه. كان يرى ذلك في عينيها. هو وحده من رأى ذلك الحبّ، ووحده من قدّر إمكانية أن تقتل امرأةٌ نفسها، انتقاماً من قهر الحبيب وظلمه.".
وباعتبار جريان هذه الرواية على حافة الربيع السوري ضد الاستبداد وما يُبقي ويغذّي العفن، تعرض حسن ما يكفي وما لا يقسرُ روايتها إلى الانجرار وراء ما يفيض عن بحيرتها، مكتفيةً بعرض تشابك مصالح المهربين مع النظام الذي يصنع شخصياتٍ قاتلة، ويحميها بعد ارتكاب جرائمها، كما حدث في إطلاقه سراح المجرمين خلال الثورة، ومنهم القاتل إدريس، واستخدامهم، في الوقت الذي يحشر في سجونه ومقابره الجماعية المعارضين والمدنيين الأبرياء.

مها حسن: "حي الدهشة"
دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع، دمشق 2018
266 صفحة



#المثنى_الشيخ_عطية (هاشتاغ)       Almothanna_Alchekh_Atiah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجتراح كونٍ إنساني صافٍ يدعى فلسطين في مجموعة الشاعر عبد الر ...
- بيدين مفتوحتين
- وهم الإمام العادل وحقيقة قيادة شعبه للهاوية في رواية صنع الل ...
- تفاعل وتداخل الشعر في بهاء تجلّياته وتطوّراته في مختارات الش ...
- في رواية عبد الناصر العايد -تنسيقية بولييه-: حلول روائية مبت ...
- مختارات الناقد فخري صالح -على هذه الأرض ما يستحق الحياة-: من ...
- صورة موتي
- مكعب الجمال القاسي في تحطيم الأشكال لتجلية الروح في رواية عا ...
- لا أملك كوناً
- حين يكون الموت سيفاً على مقاس رقاب الأكراد في مجموعة الشاعر ...
- شتاء آدم
- عراء الجزائر في التلاقح الخلّاق على سرير الفانتازيا في رواية ...
- فخاخ الغرابة والإدهاش والتنوير لتغيير الوعي في مجموعة قصص شي ...
- خبزُ ودمُ الشِّعر بسِكّين الماء وشوكة النار في مجموعة الشاعر ...
- انفجار الذاكرة بما أُثقِلت من جحيم تدمر في رواية معبد الحسون ...
- عطش التزاوج المدهش بين الشعر والرسم والرواية في مجموعة الشاع ...
- رواية السورية روزا ياسين حسن: -الذين مَسّهم السحر-: السوريّو ...
- مجموعة الشاعر السوري نوري الجراح -لا حرب في طروادة-: ولكنّهم ...
- مجموعة الشاعر اللبناني بول شاوول -حديقة الأمس-: كما لو كانت ...
- رواية السوري خليل الرز -الحي الروسي- صاعداً بواقعية سحرية إل ...


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المثنى الشيخ عطية - تداخلات متعة التذكّر وتحدّيات الاكتشاف في رواية مها حسن -حيّ الدهشة-