أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - فردوسي المفقود














المزيد.....

فردوسي المفقود


سلام إبراهيم
روائي

(Salam Ibrahim)


الحوار المتمدن-العدد: 6886 - 2021 / 5 / 2 - 14:40
المحور: الادب والفن
    


عن المكان الأول

(الإنسان مخلوق يظل يحنّ دوما إلى الطفولة.
في الديوانية ولدت ونشأت ولم أغادرها إلا إلى بغداد في سنوات دراساتي الجامعية. هنالك في مدينتي المحاطة بالصحراء من جهات ثلاث يكمن سري، طفولتي، صباي، مراهقتي، نضجي، فيها أحببت وتزوجت، عملت موظفا، فيها انخرطت في السياسة والأدب، فاعتقلت في مديرية أمنها أربع مرات خلال سبعينيات القرن الماضي. وعندما هربت أنا وزوجتي إلى الثوار في الجبل 1985 تركت فيها أعز وديعة ,ابني - كفاح - كان عمره ثلاثة أعوام. لتتحول في البعد إلى مادة الحديث والأشواق لاسيما أن زوجتي هي جارتي وأختي الكبيرة "وداد عبد إبراهيم" كانت مدرستها في مادة الكيمياء بالمرحلة الإعدادية. الديوانية مدار همنا وحديثنا، فتحولت لاحقا إلى حلم عاشر منامي وأحلام يقظتي.
الديوانية تشكل عالمي الداخلي والفيزيقي.
في كتبي التي نُشِرَتْ تجدها خلف كل سطر مُشكلةً روح النص، وجميع هذه النصوص تدور وتغور في جدران وغرف وشوارع وسوق ودكاكين وبشر المدينة.
بعد الاحتلال الأمريكي لبلدي 2003.
لم يبق مكان من أمكنة طفولتي وصباي ونضجي لم أزره مستعيدا تفاصيل وطعم تلك الأيام الحميمة بكل عنائها. زرت مدرستي الابتدائية - الثقافة - المجاورة لموقف سجن - حي العصري - الشهير، وَحدثتُ التلاميذ في الصف الأول والثالث عن ذكريات المكان، عن المعلمين تلك الأيام، قسوة بعضهم وطيبة البعض. حكيت لهم قصة المعلم - جبار - وفرط قسوته، سردتها لاحقا في الفصل الأخير من - الحياة لحظة - والشخصية تستذكر معلم مادة العربية القاسي شديد التشيع وهو يجبرهم على تعلم الصلاة، عن المعلمين الذين اختفوا صبيحة 8 شباط 1963 ليكتشفوا لاحقاً أنهم نزلاء سجن - حي العصري - المجاور كونهم شيوعيين. كنت أقضي وقتي في السوق متنقلا بين دكاكين الخياطين والحدادين والنجارين والحلاقين وأصحاب المقاهي من معارفي وأصدقائي منصتا لقصصهم منتشياً أنقب بأسئلتي القصيرة عن مصائر الأصدقاء الذين ضاعوا في الأقبية أو قتلوا في الحروب والانتفاضة، أو ماتوا في غيابي. حرزت العديد من القصص والحكايات الجديرة بالرواية والكتابة.
كنت أتسكع مع من تبقى من الأصدقاء في بقايا أزقة - الجديدة - والمحلات معيدين تخليق تلك الأمكنة فترة الستينيات والسبعينيات مع شخوصها الأحياء والأموات في محاولة لصياغة روح المكان القديم وأنا وسطه.
كنت أتملى الوجوه المتعبة للمعارف والأصدقاء الأحياء وقد هرمت فجأة. نفس الوجوه الغضة وجدتها هرمة وفراغ سنين المنفى ردمتها لحظة عودتي وكأنني لم أغب قط.
كانت الوجوه المغضنة تقول لي فداحة السنين التي ضاعت بالمنفى، فأشعر بالغصة وأبناء مدينتي المعجونين في دمي هرموا في غيابي.
أمي وأبي ماتا في غيابي.
العديد من الأحبة اما قتلوا في سجون الدكتاتور أو قتلوا في جبهات الحرب. سأحكي لك قصة. في زيارتي الأولى كنت أتسلل من الفجر أتسكع في شوارع المدينة مستمتعا بكل صوت ولون وغبار ووجوه الناس وهي تمارس شأنها في الحياة. في طريق عودتي إلى البيت أمرُّ على مقهى صغير وسط المدينة، صاحب المقهى - جواد المراقب - مدرس تحّول إلى هذه المهنة زمن الحصار وفقد ثلاثة أخوة أصغر منه أعدمهم الدكتاتور. وفيما كنت أتحدث معه عن الديوانية والحياة وعناء تلك الأيام أطلت عليَّ عينان من ملصق على الجدار المقابل. عينان أعرفهما. تأملت القسمات السمراء الغائمة لرداءة التصوير وهتفت بغتة وأنا أقرأ تحت اسمه كلمة شهيد.
- جهاد -..صديقي الحداد الذي كنت أضيع معه كلما صادفني في شارع، فيأخذني إلى قاع الديوانية، عمال بناء، حمالون، صباغون، بائعو خضرة، (عربنچية) فلا أعود إلى البيت إلا في ساعة متأخرة من الليل مخمورا. كان يساريا يؤمن بانتصار الطبقة العاملة الأكيد.
أخبرني - جواد المراقب - صاحب المقهى بأن الجيش العراقي أخذه بعد احتلال المدينة وطرد المنتفضين في 1991 وضاع إلى الأبد.
ما زلت أحنّ إلى طفولتي الضائعة في شوارعها، فردوسي المفقود.) 



#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)       Salam_Ibrahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تدر
- أفكار حول الرواية العراقية
- الوعي المزيف
- السكوت عن الأغتصاب جريمة
- خواء الساعة
- قصص كتبتها تحت ظل الدكتاتور
- المعلم والشاعر -عباس المهجة.
- في وداع الرفيق اشتي
- ادب السيرة في النص الروائي العراقي
- تأملات شخصية الشيوعي العراقي -1-
- يوميات ثورة تشرين العراقية 2019
- قصة قصيدة غرگان
- الشاعر عريان السيد خلف
- الكائن الأيديولوجي -2-
- الكائن الايديولوجي
- قضية الناشر والباحث المختتطف مازن لطيف
- حول أدب السيرة العراقي
- لشخصية في الرواية والزمن الروائي
- أتحاد الأدباء العراقي قليلا من المستحة قليلا من الضمير
- ثورة أكتوبر -تشرين- العراقية 2019 وحلم حياتي القديم


المزيد.....




- الرِحلَةُ الأخيرَة - الشاعر محسن مراد الحسناوي
- كتب الشاعر العراق الكبير - محسن مراد : الرِحلَةُ الأخيرَة
- 6 أفلام ممتعة لمشاهدة عائلية فى عيد الأضحى
- فنانة مصرية مشهورة تؤدي مناسك الحج على كرسي متحرك
- قصة الحملات البريطانية ضد القواسم في الخليج
- أفراح وأتراح رحلة الحج المصرية بالقرن الـ19 كما دونها الرحال ...
- بسام كوسا يبوح لـRT بما يحزنه في سوريا اليوم ويرد على من خون ...
- السعودية تعلن ترجمة خطبة عرفة لـ20 لغة عالمية والوصول لـ621 ...
- ما نصيب الإعلام الأمازيغي من دسترة اللغة الأمازيغية في المغر ...
- أمسية ثقافية عن العلاّمة حسين علي محفوظ


المزيد.....

- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سلام إبراهيم - فردوسي المفقود