أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عمامي - مسلسل -حرقة- كما رأيته من خلال خمس حلقات















المزيد.....

مسلسل -حرقة- كما رأيته من خلال خمس حلقات


محمد عمامي

الحوار المتمدن-العدد: 6872 - 2021 / 4 / 18 - 19:06
المحور: الادب والفن
    


مدخل

قرأت الكثير من الثناء على مسلسل "حرقة" وتابعت العديد من "التحاليل" الصحفية والأحكام والآراء الحرة المنشورة هنا وهناك وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي فبحثت عن موقع يبث جميع الحلقات كي أشاهد المسلسل المحبوب وأقف بنفسي على قيمته الفنية والاجتماعية من خلال ما راكمته من تجربة حول الموضوع الذي يعالجه. وبما أني لست ناقدا فنيا ولا مختصا في تقنيات الإنتاج التلفزي أو السنمائي، فإني أكتفي بتسجيل انطباعاتي حول الأثر مركّزا خاصة على القضية المطروحة وسلسلة المواقف والمشاهد المعروضة لمعالجته وتشابك العلاقات وتصرفات الشخوص فيه، مبديا رأيا ذوقيا لمشاهد بسيط في ما يخص الجوانب الفنية. شاهدت، الليلة، دفعة واحدة، الحلقات الخمس التي بثت لحد الآن، حتى أكوّن فكرة عن مسلسل يطرح قضية قريبة مني بشكل خاص. ففضلا عن كوني "حراق" على نحو ما (حرقت فيزا صيف 2006 وانتزعت حق الإقامة في فرنسا بعد فترة من التشرد والعناد)، فقد تطوعت سنوات طويلة ضمن حملات تضامنية مع "الحراقة" وناضلت من أجل حقهم في التنقل والإقامة بكرامة ومن أجل مساعدتهم على معرفة حقوقهم المشروعة وممارستها رغم الطوق المضروب عليهم من قبل الدول الاستعمارية التي تكتفي بنهب ثروات بلدانهم وإخضاعها عبر الحروب وشبكات الإرهاب ورسكلة/صناعة الهمجية من جهة، وبمشاركة ذليلة ومخزية من قبل حكومات بلدانهم بالذات وخاصة حكومات بلدان التخوم مع أوروبا التي ترتزق على حسابهم وتشتغل حارسا أمينا على مصالح الدول الاستعمارية وتجرم "الحرّاقة" لتمسّكهم بحقهم في التنقل والهجرة وهو من أبسط حقوق الإنسان، هذا الكائن المهاجر على مر العصور.

1/ المغالطة الكبرى

ينخرط المسلسل في منطق تجريم "الحرقة" ويصوّر عمليات "التحريق" التي يقوم بها مراكبيون يهرّبون "الحراقة" ويمرّون بهم من الضفة الجنوبية للمتوسط إلى الضفة الشمالية بمقابل طبعا، على كونها مجرد مصيدة يضعها مجرمون كبار يساعدهم مجرمون أصغر منهم لأناس بسيطي العقل دفعهم اليأس والفقر والبؤس الاجتماعي إلى المغامرة من أجل حياة أكثر راحة ورفاه. وطبعا يوجد ضمن شبكة الدفاع عن هؤلاء المغفلين من جرفهم تيار الفساد فتواطؤوا مع الجريمة (بعض أعوان الحرس) ولكن الأهم من كل ذلك هو اختصار كل تلك العملية في مغامرة من أجل لجوء اقتصادي يقوم بها فقراء جنوبيون نحو الجنة الشمالية. لذلك تبرز معالم بروفيلات الحراقة متراوحة بين معين بسيط لبائع الخردة وطالب فاشل وصديقته الهاربة من عار أختها السجينة والمرأة التي تريد دفن "عارها" بحمل خارج مؤسسة الزواج الخ... فضلا عن مسحوقي جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية. ونذكر تلك الكذبة الكبرى التي أطلقها رئيس الحكومة التونسي الحالي حين ربط بداهة بين الحرقة والإرهاب. ولا نعجب إذا وقع إدخال تلك الفكرة في حلقات قادمة من المسلسل أو ذلك الموقف الغريب العجيب الذي عبّر عنه رئيس الدولة التونسية حين اعتبر الحرقة مرضا وطالب أوروبا بتمويل علاجه.

2/ رتابة وقتامة المشاهد

طبعا وضمن نفس المنظور، يتحدد المشهد بهيمنة البؤس والفقر فيطغى مشهد رتيب وكالح. وجوه عظتها السنون وملأتها ندوبا وأردتها شائحة كالحة قاتمة. شباب داكن السحنة مُظلِمُها، مطأطئ الرأس أشعثُه ونساء متخشبات مسترجلات (حتى وجيهة الجندوبي قريب ما نعرفهاش)! أليس في شبابنا الحراق، على فقره، من هو جميل ونظيف وضاحك وأنيق؟ أليست في بناتنا الحراقات من هن، على فقرهن، جميلات منشرحات مقبلات على الحياة؟ إنّ الحرقة ليست مجرد مأتم رغم كل المخاطر التي تحفّ بها. فهي أيضا بالنسبة لشباب محبوس طوال حياته، حرية. نعم هي حرية وكرامة وفرض لحقّ مسلوب. إنّه حقي وحقك وحق الجميع في مغادرة مكان ما، محيط ما ممجته وأردت استبداله ومن حقي العودة إليه متى أردت. نعم كل الحراقة الناجون إلى الضفة الأخرى عادة ما يعودون بشوق ما بعده شوق إلى مواطنهم ولو بعد طول سنين. ولكنهم يعودون له أحرارا بعد أن يكونوا قد انتزعوا الاعتراف لهم بحق التنقل والإقامة في جزء كبير من العالم على الأقل عن طريق حق الإقامة في بلاد الاستعمار، تلك البلاد التي يحق لا فقط لمواطنيها بل، وبدرجة أقل، للمقيمين فيها ما لا يحقه لبلدان "الجنوب".
3/ الحرقة ممارسة الحرية

في الفقرة السابقة انطلقنا من فرضية كون جميع الحارقين هم من الفقراء الباحثين عن لجوء اقتصادي. وهو ما يردّده جل من يتناولون مسألة الحرقة والهجرة السرية أو اللانظامية. ومع ذلك لاحظنا كون الشباب في مجتمعنا (عكس المسلسل)، على فقره، لا يمكن إلا أن ينضح بالحياة والحيوية وأن يغالب فقره بطرق شتى وعلى رأسها التهكم والمغامرة والانطلاق إلى عوالم أرحب بخياله بداية ثم بمحاولة مجاراة خياله بالفعل، والحرقة هي إحدى مسالك ذلك الفعل. وهو فعل يدفع من أجله الشباب للمراكبيين أموالا ليست قليلة ولا تتوفر لذوي الفقر المدقع. ويدرك الحارق مخاطر الحرقة ولكنه يقوم بها غير آسف على سجنه الأبدي.. فالحرقة هنا تجسد التّوق إلى الحرية والانعتاق من الحبس الأبدي. ثم لا يجب أن نسقط في المغالطة التي تنتجها آلات التخبيل والإستبلاه والتي مفادها أنّ الحراقة جميعهم بؤساء في بلدانهم ولا دخل لهم ولا قدرة على سد الرمق لذلك يفرون إلى بلدان الشمال طمعا في خبزة لم تتوفر لهم في بلادهم. وتبين دراسات كثيرة جادة وموضوعية في أوروبا بالذات بطلان هذا الزعم مثبتا بالأرقام تصاعد أعداد الموظفين وذوي الدخل القار المتوسط وحتى المرتفع بالنسبة للبعض، في موجات الحرقة منذ سنوات، سواء من المغرب العربي أو من إفريقيا أو سوريا وليبيا والعراق والشيشان وأرمينيا وغيرها من مسارح الحروب والهمجية الأوروبية والأمريكية، أين تدمر بلدان بكاملها من أجل البترول وغيره من الثروات الطبيعية التي تستهدف من أجلها تلك البلدان. وهذا ما يجعل الحروب والإرهاب والاستبداد والتضييق على الحريات أسبابا طاردة بامتياز لفئات كانت أوضاعها الاجتماعية والثقافية لزمن قريب مستقرة إذا لم نقل ممتازة . وأمام غلق منافذ الحصول على الفيزا حتى بالنسبة للموظفين والعمال ذوي الدخل القار في عديد الدول تلجأ أعداد من تل الفئات التي كانت غير معنية بالهجرة السرية إلى الحرقة.

"التنقل بحرية والعيش بكرامة."

عبر العالم وفي مناسبات عديدة بدأ بمنتدى مونتي ألاغري طرحت وتطرح قضية الهجرة بصفة خاصة وحرية حركة الإنسان عبر العالم بصفة عامة. فمع تطور الرأسمال المعولم والنيوليبرالية تحررت حركة السلع والأموال بشكل شبه كلي مقابل حبس الشعوب ومراقبة تحرك الإنسان والتضييق على الضعفاء وأصحاب الأوضاع الاجتماعية الهشة والمنتمين للطبقات المسحوقة. وتوسعت الطبقات والفئات المهمشة والمكبوتة من الحركة لتشمل ملايين البشر من مستويات ثقافية وتعليمية ومهنية مختلفة وأصبحت حركتهم مرهونة بمصالح الكبار ومكانهم من سوق الشغل وقدرتهم التشغيلية وحاجة الرأسمال لخدماتهم. وكل من لا يجسّد فرصة رابحة لأصحاب المال والأعمال يحكم عليه بالحبس ويحرم من حق أساسي هو حق التنقل. والأدهى أنّ هذا الحق المصاغ في المادة 13 من إعلان حقوق الإنسان الذي تعتمده الأمم المتحدة لا يحمي المتنقل في اتجاه بلد غير بلده. إذ يقرّ فقط التالي: " 1 ) لكلِّ فرد حقٌّ في حرِّية التنقُّل وفي اختيار محلِّ إقامته داخل حدود الدولة. ( 2 ) لكلِّ فرد حقٌّ في مغادرة أيِّ بلد، بما في ذلك بلده، وفي العودة إلى بلده". وهنا نلاحظ اقتصار الحق في وجهين: أولا حرية التنقل والإقامة داخل حدود دولته بمعنى بلده. ولا يدافع إعلان حقوق الإنسان عن حقه في الإقامة خارجها، أي في دولة (بلد) أخرى.

ثانيا: "حق مغادرة أي بلد (بما في ذلك بلده) والعودة إليها". هنا حق المغادرة عام أو شامل ( (universel. ولكن ذلك لا يلازمه حق الإقامة في بلد ما يختاره. وفي النهاية لنا حق أعرج يتمثل في حق المغادرة ولكن حق الإقامة محصور في بلدك، وليس لك حق اختيار مكان آخر (بلد آخر) للاقامة.
ولكن ومع تطور الحركات الاجتماعية المعادية للعولمة الرأسمالية طرحت مسألة الحق في الهجرة ورفعت مطالب واضحة وشعارات تنادي بتحرير حركة الإنسان وحقه في الانتصاب والإقامة في البلد الذي يختاره. وكان شعار "التحرك بحرية العيش بكرامة" (circuler librement vivre dignement أقوى وأوضح شعار يلخص تلك المطالب.

مسلسل دون مستوى القضية التي يطرحها.

في نهاية هذه الورقة نستطيع أن نلاحظ أن المسلسل "حرقة" عالج مسألة مركبة ومتشعبة وعميقة بخفة وسطحية. فلم يحرك ترسانة القوانين والاتفاقات ولا مسارات المقاومة والنضالات المتراكمة في الصراع من أجل فرض منظومة حقوقية جديدة تضمن كرامة الإنسان وحقه في التنقل والإقامة. وحتى الحوارات والتضامن والتواصل بين الحراقة يكاد ينعدم إذا استثنينا بعض المناوشات في ما بينهم أو مع المراكبية وبعض اعتداءات هؤلاء على الأضعف منهم. لقد اكتفى المسلسل لحد الآن على الأقل (خمس حلقات) برصد بسيط لعنصر واحد من عناصر القضية هو ارتباطها بالفقر من جهة وبالفساد الملازم له من جهة أخرى. وهذا ما أثر على المواقف التي أتت سطحية وبسيطة، وما ضرب الجانب الدرامي فبدا مجرد مواقف متلاصقة ومصطنعة لا قوة تأثير لها في المشاهد، وكأنّ الأبطال يمارسون لعبة الموت في عدم وعي تام منهم. وبما أنّ القضية تنحصر في جلب المال بالنسبة للبعض والهروب من مجتمع العار والفضيحة بالنسبة للبعض الآخر فإنّ الرهانات الإنسانية القوية والعميقة كالحرية وكرامة الأفراد واستقلاليتهم وتمتعهم بحق مواطنة كاملة لا معنى لها، أو هي ملحقة بالرهانين المذكورين. كل هذا أنتج مشاهد سوداء تفتقد للجمالية وللجاذبية والتشويق. هذا رأي متابع بسيط لا قدرات خارقة له في التحليل ولا معارف تقنية بالأعمال الدرامية فضلا عن كونه ليس معنيا برهان اللمعان في حقل النقد الفني.



#محمد_عمامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأستاذ الرئيس وخطاب إهانة المرأة في عيد المرأة
- مداخلة عبد المجيد بلحاج عن الجمعية المحلية لحماية واحات جمنة ...
- رسالة إلى أخي اليساري الإمتثالي
- اليسار والثورة، نحو الخروج من الزاوية: (مداخلة في ندوة مفتوح ...
- ملاحظات سريعة حول خطاب -الأستاذ-
- النصّاب
- الشعب لا يريد...
- النزيف.... نحو الحرب الأهلية
- مازوشية الزواحف الوطنية
- في الكوابح الذاتية للثورة
- أطروحات سريعة من وحي ثورة مغتصبة
- البركوس
- الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
- البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي ...
- الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
- تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
- السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
- الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا ...
- نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
- الثورة في خطر، نداء ما قبل الإنتحار الجماعي.


المزيد.....




- أحزان أكبر مدينة عربية.. سردية تحولات -القاهرة المتنازع عليه ...
- سلطنة عمان تستضيف الدورة الـ15 لمهرجان المسرح العربي
- “لولو بتعيط الحرامي سرقها” .. تردد قناة وناسة الجديد لمشاهدة ...
- معرض -بث حي-.. لوحات فنية تجسد -كل أنواع الموت- في حرب إسرائ ...
- فرقة بريطانية تجعل المسرح منبرا للاجئين يتيح لهم التعبير عن ...
- أول حكم على ترامب في قضية -الممثلة الإباحية-
- الموت يفجع بطل الفنون القتالية المختلطة فرانسيس نغانو
- وينك يا لولو! تردد قناة وناسة أطفال الجديد 2024 لمشاهدة لولو ...
- فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن ...
- مغن كندي يتبرع بـ18 مليون رغيف لسكان غزة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عمامي - مسلسل -حرقة- كما رأيته من خلال خمس حلقات