أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمامي - رسالة إلى أخي اليساري الإمتثالي














المزيد.....

رسالة إلى أخي اليساري الإمتثالي


محمد عمامي

الحوار المتمدن-العدد: 6583 - 2020 / 6 / 4 - 09:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ربما لا يعرف البعض أنّ كلمة "شهيد" خلقت في الحروب الدينية لتعبّر عن المضحين بأنفسهم من أجل الرّب والدين وفي بعض الأحيان من أجل المؤسسة الدينية التي خلقت وهم تماثلها مع الدين وحتى مع الإلاه نفسه. لقد استعمل مفهوم الشهيد في اليهودية أثناء الحروب المكابية والحروب ضد روما وغيرها من الحروب التي كان اليهود طرفا فيها ثم وقع شحذه من جديد من قبل الحركة الصهيونية في سياق حديث يعلمه الجميع. وعند المسيحيين استعملت كلمة (martyr (témoin ذات الأصل اللاتيني (martyrus) واليوناني (martus) للتعبير عن شخص عانى ألما كبيرا (على صورة المسيح) من أجل عقيدته المسيحية ومات فداء لها. وفي الإسلام أخذ لفظ "شهيد" معنى متقاربا إذ ارتبطت هي أيضا بالحروب من أجل نشر الاسلام، والشهداء هم من يموتون في سبيل الله وهم موعودون بالجنة مقابل من ماتوا وهم يدافعون عن أوطانهم وشعوبهم ضد حملات السّلب والنّهب والسّبي باسم الإسلام وهم الكفّار.

برى يا زمان وهيا يا زمان، استحوذت حركات التحرر الوطني في القرن العشرين، بتأثير الحركات الشيوعية الشرقية، الماوية خاصة، على هذا المفهوم وسحبته على من يضحون بأنفسهم من أجل الإنسانية و من أجل الوطن أو الشعب أو الحزب أو الزعيم القائد المعلّم (تأثر واضح بالميثيولوجيا الشرقية الآسيوية: المعلّم الذي يجمع بين الحكمة والقوة الروحية والبدنية ويكون مرجعا لفنون القتال) أو من أجل نشر المبادئ الشيوعية التي رفعت جميعها إلى منزلة المقدس وأصبحت التعبئة الايديولوجية للأتباع تقوم على إعدادهم لتقبّل "الشهادة" أو التضحية بالنفس في سبيل تلك المقدسات، خاصة وقد اختلطت بالعقيدة العسكرية التي بثت في صفوف المقاتلين لكون تلك الحركات هي حركات عسكرية سياسية أو سياسية ذات أذرع عسكرية (الفيتنام، الجزائر، كوبا، أمريكا الوسطى والجنوبية الخ.) ولقد امتدت تلك الاسطورة إلى المنطقة العربية فتطورت لدى حركات التحرر القومي والوطني (بما في ذلك اليسار الماوي) نفس الرؤى خاصة وأنّ تطور الحركات الإسلاموية قد لعب دورا ضاغطا نحو ذلك الخلط المفهومي وساهم في صبغ حركة التحرر الوطني والقومي بغشاء ديني عكس المثال الشيوعي الذي دمج الديني في إيديولوجيته الخاصة وسوّقها في سياقات مغايرة.

وهكذا أصبح المقاومون والوطنيون والمتمردون الثائرون عن الاستعمار مجاهدين (حتى بورقيبة استوعب الدرس فخلع على نفسه رتبة المجاهد الأكبر!). وشيئا فشيئا عاد في منطقتنا الديني إلى الغلبة في تحديد المفاهيم وفي إنتاج السرديات ووجّه بقية الحركات السياسية نحو مقاييس معدّة سلفا بدعوى كونها موروثا مشتركا وهوية للجميع . ومن رحم الحركات الحداثية نفسها (قومية ووطنية ويسارية) خرجت حركات رجعية إسلاموية تعيد للماضي الموهوم مجده وتنادي بالعودة للاستبداد الديني المضاد للاستبداد الحداثي الاستعماري. وباسم الجهاد والاستشهاد تنتشر حروب إرهابية مدمرة ويتكيّف جزء هام من الحداثيين أنفسهم (بدأ المنعرج منذ السبعينات من الق 20) للتصورات والمفاهيم المستعادة. وعاد ماهو "حديث" وحداثي" يخدم التطرف الديني والماضوي ويتصالح معه أو يحابيه أو يمارس معه التقية لكونه يجدّف معه على نفس الأرضية المفاهيمية. أرجو أن تكون قد اقتنعت، أخي اليساري المتحمس جدا، أنت من عبت عليّ قولي على شكري بلعيد في مداخلتي بمناسبة اغتياله: فقيد الثورة والوطن عوضا عن تصنيفه ك"شهيد" واتهمتني باقتراب موقفي من الخوانجية الذين ينفون عنه صفة "الشهادة"، ظنا منك أنّ الشهادة هي أرفع منزلة يمكن وضعه فيها.

فمن أقرب، يا ترى، إلى الخوانجية: من يتبنى قالبهم (مصفوفتهم) (matrice)، أم ذلك الذي يقاوم تحكمهم في المرجعيات والمفاهيم التي تبدو عامة شاملة ضمن منظومة ايديولوجية (تسمى كذبا ثقافية كي تجر الجميع قسرا وانتماءً). وهي إيديلوجيا تدّعي الشمول والثبوت والأزلية في تقابل مع شمولية المفاهيم الأورومركزية في حين أنّهما وجهان لعملة واحدة، هي عملة الاستبداد المعولم باسم مرجعيات سلفية متغطرسة عنيت بها "الحداثة الاستعمارية" من جهة و الاستبداد السياسي المتجلبب بالدين والماضي التليد، من جهة أخرى.



#محمد_عمامي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليسار والثورة، نحو الخروج من الزاوية: (مداخلة في ندوة مفتوح ...
- ملاحظات سريعة حول خطاب -الأستاذ-
- النصّاب
- الشعب لا يريد...
- النزيف.... نحو الحرب الأهلية
- مازوشية الزواحف الوطنية
- في الكوابح الذاتية للثورة
- أطروحات سريعة من وحي ثورة مغتصبة
- البركوس
- الثورة الاجتماعية في مواجهة مسخها -الديمقراطي-
- البرنامج المباشر للثورة الاجتماعية والسياسية بالبلاد التونسي ...
- الهبة الشعبية الجديدة ودروس 32 أكتوبر 2011
- تونس ترتقي إلى مصاف الفريسة المتميّزة
- السلطة -للكفاءات الوطنية-والشارع للشعب الكريم!
- الإتحاد العام التونسي للشغل بين الوفاق البيروقراطي وتجذر قوا ...
- نداء إلى من اختار أن يسبح ضد التيار
- الثورة في خطر، نداء ما قبل الإنتحار الجماعي.
- القوى الثورية وحرب استنزاف حكم الالتفاف
- مسيرة اليوم للاتحاد العام التونسي للشغل، وماذا بعد؟
- رسالة مفتوحة إلى مناضلات ومناضلي النقابيين الأتحاد العام الت ...


المزيد.....




- رافال تشاسكوفسكي عمدة وارسو يتقدم في الدورة الأولى من انتخاب ...
- فوز المرشح المؤيد للاتحاد الأوروبي بالرئاسة في رومانيا
- من هو برونو روتايو وزير الداخلية الذي فاز برئاسة حزب الجمهور ...
- ما تداعيات رفع فرنسا شكوى ضد إيران أمام محكمة العدل الدولية؟ ...
- الدوري الإيطالي: تعادل إنتر ولاتسيو يؤجل حسم اللقب ويمنح ناب ...
- إسرائيل تسمح بدخول مؤقت لمساعدات غزة بعد ضغط أميركي
- انتخابات رومانيا.. مرشح المعارضة يعترف بهزيمته ويهنئ منافسه ...
- الخارجية التركية: توسيع إسرائيل لهجماتها في غزة يظهر عدم رغب ...
- -فاينانشال تايمز-: ميرتس يتوسط لتخفيف حدة الخلاف الدبلوماسي ...
- انطلاق فعاليات معرض -إينا- في الرياض


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد عمامي - رسالة إلى أخي اليساري الإمتثالي