أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف حمك - و بقيت عالقاً بالذاكرة ، طوال النهار .














المزيد.....

و بقيت عالقاً بالذاكرة ، طوال النهار .


يوسف حمك

الحوار المتمدن-العدد: 6870 - 2021 / 4 / 16 - 02:48
المحور: الادب والفن
    


لحظاتٌ كثيرةٌ في مكان عملي هادئةٌ ، يتلاشى الضجيج فيه تدريجياً ، ليتموضع الصمت مكانه .
و لما كان الهدوء يوقظ المشاعر الدفينة في دهاليز صدورنا ، ففي عمق السكون نبدأ بقلب صفحات الذاكرة ، لنشتم عبق أيامٍ مليءٍ بالابتسامات ، فتغمرنا فرحةٌ قد لا تطول ، كونها الشجون و الحسرات و الأفراح في تزاحمٍ و تدافعٍ دوماً .

كانت عقارب الساعة قد تجاوزت السادسة قبيل بزوغ الشمس ، و صباحي كان مفخخاً بالهم و بعض القلق ، حينما أقبلت فتاةٌ تحمل ملامح من تكون ضمن أولويات حافظة ذاكرتي ، و الأسبقية لها بالنسبة لاهتماماتي .

دخولها المتجر كان بمثابة شبه اقتحامٍ . شرعت أتفحص خلسةً و بعنايةٍ فائقةٍ حقول وجهها الناضجة بالملامح المريحة التي تغسل الهموم ، و تزيل القلق . مع المقارنة بملامح الغائبة عن العين و الحاضرة في الذهن دوماً .

الملامح كانت قريبةً على مرمى بصري ، و الوقت كان كافياً لأن أحشد جل تركيزي ، فتتضح التفاصيل أكثر . و أنا أستعيد وجهاً صبوحاً غائباً منذ زمنٍ بمؤازرة خيالٍ واسعٍ .
بدا التطابق مماثلاً ، و التجسيد كان شبيهاً جداً .

وجهٌ عليَّ جديدٌ ، لكنه مستأنسٌ ، تراءى لي كأنه اعتياديٌ ، و في عداد المألوف مندرجٌ .
ابتسامةٌ عريضةٌ ارتسمت على شفتيَّ ، و اندفعت من داخلي موجةٌ عارمةٌ من المشاعر الدفيئة الهاطلة بوابلٍ غزيرٍ من الوداعة و اللطف و الدماثة .
نفحاتٌ هائلةٌ من الانعاش النفسيِّ ، اقتنصتها من واحة وجهها الغنية بمعايير الجمال و الرقة و خفة الدم ، قبل أن تتآمر عليَّ بالانصراف .

تركتني وحيداً بعد أن أغرقتني في وساوس الحيرة و الخلط بين الماضي و الحاضر .
وظَّفت وجهها لقلب الحاضر ماضياً ، و إلغاء الواقع على حساب الخيال ، و إن كانت ماثلةً أمامي بوجودٍ فعليٍّ .
نجحت بربط برهةٍ من الوقت الحاضر بسياق الزمن الماضي . بحيث باتت اللحظات العتيقة محوريةً ، و إن تداخَلَ الزمنان معاً و تشابكا في النهاية .
انصرافها لم يكن انتحاراً لتلك اللحظات الممتعة ، بل إن ومضة سحنتها جعلتني أقضي النهار كله على قيد حلم الزمن الآبق .

ظلت عيناي غارقتين بتفاصيل وجهٍ ودودٍ وديعٍ قابعٍ في أقبية الذاكرة منذ أعوامٍ ، و بدأ يحوم حولي بكل الأرجاء .
و تفجَّرت لهفةٌ مجنونةٌ ، تحاول ابتلاع المسافات الطويلة بشراهةٍ ، لسحب الزمن خلفاً .
القلب أمسى مرهقاً بحنينٍ صادقٍ ، و ضاق به ذرعاً . فما كان ليهدأ إلا بعناق الغائب البعيد .
وجع ودي لها رائعٌ ، و ألم أشواقي إليها مستأنسٌ ، و حنيني لها بعد ملء القلب فائضٌ متدفقٌ .

الإحساس بفقد من تحب قاسٍ . و الأقسى عندما يكون المغيث للاستنجاد هو الغياب ، و الذهن من التفكير بها لا يحيد .
و الأشد حيرةً حينما تكون الروح المنهكة بلهفة العناق على يقينٍ ، إن اللقاء بالغائب البعيد لا يكون بإبداع العقل ، و لا باختلاق الذكاء ، و لا بماردٍ يخرج من المصباح السحريِّ بمجرد لمسه لتلبية الرغبة . بل مرهونٌ بالحالة النفسية للظروف ، أو طبقاً لمزاج المجهول .

غيابها يتنامى في حنايا القلب إلى حضورٍ دائمٍ ، و يجثم على الصدر ، فيكاد يكتم الأنفاس .
إتيانها عصيٌّ ، و مجيؤها عنيدٌ . و القلب بوهج صفيح الشوق الساخن محترقٌ .

مؤلمٌ أن تحتسي نوبات الحنين من كأس الفراق ، و أنت تحاول لملمة أشلاء الصبر المبعثرة منعاً لتراخي الزمن في سيره ، أو احتضار الوقت .
إنه اللايقين المزعج عندما يكون موعد تحقيق المبتغى غامضاً تحت رحمة الإجهاض ، و الفرج يحتفظ بحق اللقاء خلطاً بين الممكن و المستحيل ، فيتراكم الكدر في أقبية الصبر الذي يبلغ مرحلة الاحتضار ، لو لم تسعفه جرعة مصلٍ من الأمل .


و في ذات السياق ، لكن خارج نطاق العواطف و الاشتياق ، يقول الفيلسوف اليونانيُّ أرسطو : “ الذكريات و سيلةٌ لتخيل المستقبل ، و ليست مجرد تدويناتٍ لحياتنا في الماضي "

أي للذكريات منفعةٌ لبناء المستقبل ، كونها تعتبر منهلاً لإمدادات البيانات و المعطيات التي تدعم التأمل و التفكير في دراسة الخطط و المشاريع المستقبلية ، من خلال التدرج الذهنيِّ بين الماضي و الحاضر لصنع الإبداع للأيام اللاحقة .
و لكن على النقيض من التقوقع و الانعزالية ، و هيمنة الماضي على العقول و التزمت الفكريِّ ، و تقديس الإرث السلطويِّ .
و الأخطر شيوع ذهنية التحريم باسم الأديان و الأعراف البالية ، و التفسيرات السلفية في ظل اختفاء الحواجز و الحدود الجامدة بين الحضارات ، و نحن قطعنا شوطاً أولياً من الألفية الثالثة .
و يا لهول تلك العقول العقيمة !!!!!!



#يوسف_حمك (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجد لمراقد الخالدين .
- انجاز المصالحة الوطنية أولى من المهرجانات الصاخبة .
- بالقراءة تُبنى الأوطان ، و ترتقي الأمم .
- كذبة شعار تحرر المرأة .
- الافتخار بتقليد المشاهير ، فقدانٌ لهوية الذات .
- كل لحظات الحب للعاشقين عيدٌ .
- رحيل الثلج ، بالنسبة للصغار طعمه مرٌ كالعلقم .
- الاعلام المرتزق ، متآمرٌ على الوطن و رخيصٌ .
- المنظومة الاستخباراتية الشرقية ، هدفها ترسيخ سلطة المستبدين ...
- شهداء الوطن فداءٌ لخاطفيه .
- سلوكيات أباطرة المال ، مدعاةٌ للاحتجاجات .
- حينما يتطوع المثقف برتبة بيدقٍ في إعلام السلطة .
- لا تغيير على ملامح العام المقبل .
- للمبادرين بالدخول إلى القفص الزوجيِّ .
- و مازلنا نبحث عن ذواتنا التائهة
- حينما يكذبون جهاراً و علانيةً .
- العبرة بالخواتيم .
- من تمنطق فقد تزندق !!!
- نعمة مواقع التواصل مصدرٌ للإزعاج .
- كانت راية الرسول سوداء ، و لواؤه أبيض .


المزيد.....




- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف حمك - و بقيت عالقاً بالذاكرة ، طوال النهار .