أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف حمك - رحيل الثلج ، بالنسبة للصغار طعمه مرٌ كالعلقم .














المزيد.....

رحيل الثلج ، بالنسبة للصغار طعمه مرٌ كالعلقم .


يوسف حمك

الحوار المتمدن-العدد: 6812 - 2021 / 2 / 12 - 02:46
المحور: الادب والفن
    


زائرٌ من السماء ، أبيض الثياب و الوجه و السيماء ، حلَّ علينا ضيفاً خفيف الروح ، ظريف الظل ، ليِّن المعشر بعد طول انتظارٍ .
لبى نداء الطبيعة مستجيباً لرغبتها ، فصنع لها ثوباً ناصع البياض ، يناسب و كبر حجمها .

غطى أسطح المنازل بردائه الفضفاض ، و بالطلاء الأبيض أخفى دكنة الأرض بالكامل .
الأرصفة مدهونةٌ باللون الأغر ، و الشوارع وميضها لامعٌ ، و الطرقات طلاؤها تحول إلى براقٍ ناصعٍ .
الكون كله بات مزهواً بارتداء ثوبه الأبيض .
السيارات سواد عجلاتها مغيبٌ ، و تحت البياض مدفونٌ ، و فوقها أكوام الثلوج مكدسةٌ .

بلورات الثلج في الفضاء متنافرةٌ متفرقةٌ ، رؤية تناثرها بالهواء محببةٌ ، و إليها تميل النفوس بودٍ .
غير أن حبيباته تتعاضد فور وصولها إلى الأرض ، تتماسك متراكمةً كثيفةً .

حتى المحاصيل الزراعية تحت أطباق أكوامها راقدةٌ ممددةٌ ، تستسلم مطمورةً في النهار ، مثلما في آخر هجيع الليل ، و في حالة سباتٍ عميقٍ ، ترضخ لقدرٍ محتمٍ عاجزةً على مواجهتها .
و الغابات في الجوار ممتلئةٌ بحبيبات الثلج المكدسة .
أغصان أشجارها مثقلةٌ بوطأة ألم وخزة صقيعها الصرصر .
فالبرد ليس كما العادة ، كون الصقيع تحت رحمة عشر درجاتٍ ما دون الصفر ، و قد بلغ أقصى حالات برده .
هواء الزفير الساخن المطرود من جوف الصدر إلى الخارج ، يشكل جليداً و زمهريراً فور ملامسة شعيرات الحواجب أعلى العين . و نسمة رياحٍ خفيفةٌ تلسع الوجوه المكشوفة قرصاً .

الطرق و السكك الحديدية و الجسور أقفلتها الثلوج ، و الحافلات عن الحركة توقفت .
حركة المرور ضمن المدينة منهكةٌ عويصة التنقل ، و وعورةٌ تناصب العبور .
الشوارع موحشةٌ مقفرةٌ إلا من بعض المتدفقين ، ليلهوا بكتل الثلج الصغيرة أو التزلج .
فللتزلج على سطح الثلوج متعةٌ ، لا يعرف إثارتها إلا عشاقه .
و قلةٌ يغامرون الخروج مع الاستعانة بالهروات و العُصيِّ درءاً للسقوط أو الانزلاق .
و أناسٌ أمام أبواب منازلهم يجرفون الثلوج بالرفوش و المجاريف الصغيرة ، مع رش الملح لمنع تشكل الجليد و سهولة ذوبان أكوام الثلج .
فانزلاق أحد المارة أمام بيت أحدهم و إصابته بضررٍ ، يعرض صاحب المنزل للمسؤولية ، كما فرض الغرامة عليه أيضاً .

و لتعطيل ما تبقى من النشاط بفعل جائحة كورونا في البلاد ، حتى مباراة الدوري الألماني قد توقفت بسبب تساقط الثلوج بكثافةٍ ، على أن يُحدد لها الموعد لاحقاً .

كثيرةٌ هي لحظات الفرح التي يعيشها الأطفال .
و لعل سحر اللقاء برؤية الثلج من أجمل تلك اللحظات ، و أكثرها بهجةً على قلوبهم الصغيرة و أوفرها متعةً .
نعم قلوب الأطفال قد تكون صغيرة الحجم ، لكنها كثيرة الطرب ، وفيرة المرح ، و السعادة فيها بحجم الجبل .

ساعاتٌ طويلةٌ من الترفيه المبهج ، و هم يلهون فوق سطح الثلوج في بحبوحة التسلية ، و هزةٌ من المسرة تثير نفوسهم طرباً .
و في أعماقهم تشفي الفضول المحبب لممارسة اللعب بالثلج ، و التراشق بكراته الصغيرة ، كما صنع هيكل رجل الثلج ، و التمتع بالتزلج على أديم بياضه ، و كأنهم في يوم عيدٍ ودودٍ .
هواياتٌ عريقةٌ مسليةٌ ، نقلها الصغار من الكبار على مر العصور ، و علاوةً على متعتها ، قد تكون ممارستها منشطةٌ للذهن ، محفزةٌ للعقل على التفكير المنفتح و الإبداع .

متعةٌ و تسليةٌ بكل أمانٍ يمارسها الطفل على وجه الثلج الناعم ، و هواءٌ نقيٌّ يتنفسه ، كما احتفاظه بتفاصيل عالم الثلج المبهرة بالمرح و المذاق الطيب في ذاكرته لأمدٍ طويلٍ ، فاسترجاعها حين الكبر بسردٍ مفصلٍ .

قبعاتهم دافئةٌ تحمي الرؤوس من البرد ، و أوشحةٌ أنيقةٌ حول رقابهم محميةٌ ، و قفازاتٌ بديعةٌ على مقاس أيديهم الصغيرة ، للماء عازلةٌ و للبرد مقاومةٌ .
و معاطفٌ عالية الجودة يرتدونها ، معظمها مزودةٌ بغطاء الرأس ، راسخةٌ على الجسم لا يزعزعها ريحٌ صرصرٌ ولا لسعة البرد القارس .
و أحذيةٌ طويلةٌ تغطي الساقين إلى مادون الركبة ، مبطنةٌ بالصوف ، واقيةٌ للماء و من الداخل ممانعةٌ للبلل ، مسدودةٌ بشريطٍ مفتول الحبل ، و لاصقٌ بإحكامٍ .

و قلما تشاهد الجرافات و الكاسحات ، تجرف الطرقات و الشوارع المكسوة بالثلوج ، بغية الربط بين أوصال المدينة ببعضها .
و نادراً ما تقوم خيوط الشمس الشتوية بالتحرش لخدود الثلج الناعمة ، فيذوب بياضه رويداً رويداً من حرارة الخجل .
و حتى لو تظاهرت الثلوج بأنها لا تلقي لغزل الشمس و التحرش بها بالاً ، فتزمرها واضحٌ ، و رعبها من تلك الحرارة للعيان بادٍ .
فهي سبب وأدها و زوالها من الوجود ، لتختفي كالسراب .
و هي على يقينٍ إنها أيامٌ معدودةٌ ، و سوف تهش عصا فنائها على نهاية عمرها القصير .

و الطريف في الأمر أنه ليس بمقدور أحدٍ تحديد أيام عمره أو اختيار نهاية حياته ، ما عدا الثلج فهو أدرى بمعرفة عمره المختزل بالأيام ، و ليس بالشهور أو عشرات الأعوام .



#يوسف_حمك (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعلام المرتزق ، متآمرٌ على الوطن و رخيصٌ .
- المنظومة الاستخباراتية الشرقية ، هدفها ترسيخ سلطة المستبدين ...
- شهداء الوطن فداءٌ لخاطفيه .
- سلوكيات أباطرة المال ، مدعاةٌ للاحتجاجات .
- حينما يتطوع المثقف برتبة بيدقٍ في إعلام السلطة .
- لا تغيير على ملامح العام المقبل .
- للمبادرين بالدخول إلى القفص الزوجيِّ .
- و مازلنا نبحث عن ذواتنا التائهة
- حينما يكذبون جهاراً و علانيةً .
- العبرة بالخواتيم .
- من تمنطق فقد تزندق !!!
- نعمة مواقع التواصل مصدرٌ للإزعاج .
- كانت راية الرسول سوداء ، و لواؤه أبيض .
- مكر السياسيين و تجار الدين بات فاضحاً .
- و يبقى الاشتياق للغائبين جارفاً .
- الانغلاق المؤدلج آفة العقل .
- شر بلية الغزاة و أذيالهم ، ما يضحك .
- كونوا سنداً لصنع العباقرة .
- المعرفة نتاج الخيال المترف .
- هل الاستعمار أرحم من حكامنا ؟!!


المزيد.....




- كوينتن تارانتينو يعود إلى التمثيل بدور رئيسي
- لونُ اللّونِ الأبيض
- أيقونة صوفية
- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- إطلاق ملتقى تورنتو الدولي لفن اليوميات وفلسطين ضيفة الشرف
- افتتاح المتحف المصري الكبير بعد عقدين من الزمن في أرضٍ لا يُ ...
- ماذا حدث عندما ظهر هذا النجم الهوليوودي فجأة بحفل زفاف مستوح ...
- (غموض الأبواب والإشارات السوداء)
- تــــابع كل المسلسلات والأفلام الهندي والعربي.. تردد قناة زي ...
- المتحف المصري الكبير.. هل يعيد كتابة علاقة المصريين بتاريخهم ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - يوسف حمك - رحيل الثلج ، بالنسبة للصغار طعمه مرٌ كالعلقم .