أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - الوسطى - قصّة قصيرة















المزيد.....

الوسطى - قصّة قصيرة


حسين مهنا

الحوار المتمدن-العدد: 6870 - 2021 / 4 / 15 - 17:14
المحور: الادب والفن
    


الوسطى--- قِصَّةٌ قَصيرة.
رنَّ جَرَسُ التِّلِفون في بَيتِ السَّيِّدِ عائِد مَعَ شُروقِ شَمْسِ نَهارٍ عادِيٍّ مِنْ شَهْرِ شُباط َالَّذي (إِنْ شَبَط وإِن لَبَط رائِحَةُ الصَّيفِ فيه!). مَعَ أَنَّ المُتَعارَفَ عَلَيهِ عِنْدَ القَرَوِيّينَ أَنَّ شُباطَ يَحِلُّ ضَيفًا كَإِخْوَتِهِ مِنْ أَشْهُرِ الشِّتاءِ، ورَغْمَ ضَعْفِهِ وقِصَرِ قامَتِهِ بَينَهُمْ إِلّا أّنَّهُ لا يُبارِحُ إِلّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ مَعهُ مَجْموعَةً لا بَأْسَ بِها مِنْ مُعَمِّري القَريَةِ....
رَفَعَ السَّيِّدُ عائِد السَّمّاعَةَ..
-هالو! ......نَعَم!
-نَحْنُ مِنْ بَيتِ المُسِنِّينَ... والِدُكَ تَوَفّاهُ الله!
-شُكْرًا العُمْرَ الطَّويلَ لَكُمْ.
قامَ السَّيِّدُ عائِد وإِخْوَتُهُ وأَخَواتُهُ والأَقْرِباءُ والجيرانُ وأَهْلُ القَريَةِ جَميعًا بِتَكْريمِ المُتَوَفَّى على أَحْسَنِ وَجْهٍ.. ولَحِقَ من هذا التَّكريمِ نَصيبٌ لِلْوالِدَةِ أُمِّ عائِد الّتي تَوَفّاها اللهُ قَبْلَ سَنَواتٍ لِطيبَتِها ولِوقوفِها إِلى جانِبِ زَوجِها في الضَّرّاءِ قَبْلَ السَّرّاءِ.
والحَقُّ يُقالُ إِنَّ المُتَوَفَّى يَسْتَحِقُّ هذا التَّكريمَ، بَلْ وأَكْثَرَ مِنْهُ.. فَمُذْ جاءَ لاجِئًا الى هذِهِ القَرْيَةِ وهْوَ مِثالُ الإِنْسانِ الشَّهْمِ، والفَلّاحِ النّاشِطِ المُحِبِّ لِلأَرضِ، والعارِفِ بِشُؤونِ الزِّراعَةِ ومَواسِمِ الزَّرْعِ وكُلِّ ما لَهُ عَلاقَةٌ بِما يَجِبُ على الفَلّاحِ الأَصيلِ مَعْرِفَتُهُ من أَنْواعِ التُّرْبَةِ، ومِنْ فُنونِ الزِّراعَةِ، فَلا عَجَبَ إِذًا إِنْ أَصْبَحَ مَرْجِعًا لِفَلّاحي القَرْيَةِ وهْو صاحِبُ الخِبْرَتَينِ: خِبْرِةِ الآباءِ والأَجْدادِ، والخِبْرَةِ العِلْمِيَّةِ الَّتي جَناها مِمّا قَرَأَهُ ويَقْرَؤُهُ في الكُتُبِ الَّتي جَعَلَ مِنْها أَصْدِقاءَهُ الأَوفِياءَ، وجَعَلَتْ مِنْهُ مُثَقَّفًا.. أَجَلْ.. مُثَقَّفًا بِما تحْمِلُ هذِهِ الكِلِمَةُ مِنْ أَبْعادٍ..
شُرودُ السَّيِّدِ عائِد لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ حُزْنِهِ على وَفاةِ والِدِهِ فَقَطْ، بَلْ بِسَبَبِ الرِّسالَةِ الَّتي وَجَدَها في جَيبِ جاكيتِهِ الدّاخِلي.. تُرى ما تَحْمِلُ هذهِ الرِّسالَةُ؟! لَعَلَّها رِسالَةُ تَأْنيبٍ وتَقْريعٍ لِانْتِقالِهِ مِنْ بَيتِهِ إِلى بَيتِ المُسِنّينَ لِيَقْضي سَنَواتِهِ الأَخيرةَ.. ويَسْتَبْعِدُ السَّيِّدُ عائِد هذِهِ الفِكْرَةَ بِدَليلِ أَنَّهُ هو وإِخْوَتُهُ وأَخَواتُهُ، رَفَضُوا أَنْ يَتْرُكَ الوالِدُ البَيتَ.. ورَفَضُوا.. ورَفَضُوا...! ولَكِنَّهُ أَصَرَّ.. وأَصَرَّ.. إلى أَنْ نَزَلوا عِنْدَ رَغْبَتِهِ.. فَقَدْ رَعاهُمْ صِغارًا وأَقْعَدَهُمْ على ظَهْرِهِ راضِيًا آمِلًا، ولا يُريدُ أَنْ يَكونَ في كِبَرِهِ ثِقْلًا على أَحَدٍ؛ خاصَّةً هذِهِ الأَيّامَ الّتي جَعَلَتِ الحَياةَ فيها رَكْضًا، واللُّقْمَةَ الشَّريفَةَ أَمْرًا صَعْبَ المَنالِ..... وبالتّأْكيدِ لَنْ تَكونَ وصِيَّتَهُ؛ فَقَدْ كَتَبَها يَومَ وَزَّعَ الأَرضَ بَينَهُمْ.. الأَرْضَ الَّتي عَمِلَ فيها أَجيرًا.. فَنَكَشَ وحَرَثَ، وزَرَعَ وقَلَعَ، وجَمَعَ المالَ واشْتراها وأَصْبَحَ مالِكَها.
وما إِنِ انَفَضَّ الحَشْدُ حَتَى اعْتَذَرَ السَّيِّدُ عائد مِنَ الباقينَ ودَخَلَ غُرْفَتَهُ بِحُجَّةِ أَنْ يَرتاحَ قَليلًا.. فَتَحَ الرِّسالَةَ وأَخْرَجَ وَرَقَةَ فوليو مَطْوِيَّةً بِعِنايَةٍ.. فَتَحَها وقَرَأَ:
وَلَدي العَزيز (عائِد)! لَقَدْ أَسْمَيتُكَ عائِدًا تَيَمُّنًا بِالعَودَةِ.. يَومَها طَمْأَنونا بِأَنَّها قَريبَةٌ.. إنْتَظَرْنا.. وانْتَظَرْنا.. وها هُوَ ذا قِطارُ العُمْرِ قَدْ وَصَلَ مَحَطَّتَهُ الأَخيرةَ وما زِلْتُ أَنْتَظِرُ، وقَدْ آلَيتُ على نَفْسي أَنْ لا أُوَدِّعَ هذِهِ الفانيَةَ قَبْلَ أَنْ أَنْفُثَ ما في صَدْري مِنْ وَجَعٍ قَدْ أَزْمَنَ، ومِنْ خَيباتِ أَمَلٍ جَفَّفَّتْ لي مَصادِرَ فَرَحي ولَمْ تُبْقِ لي غَيرَ ضَحِكاتٍ ساخِرةٍ! كُنْتُ صَغيرًا وظَنّي أَنَّ الرِّجالَ لا يَبْكونَ.. البُكاءُ مَقْصورٌ على الأَطْفالِ فَقَطْ! الى أَنْ رَأَيتُ جَدَّكَ يَبْكي.. سَأَلْتُ جَدَّتَكَ بِبِراءَةٍ: لِماذا يَبْكي أَبي يا أُمّاهُ؟! قالَتْ وهي تَشْرَقُ، هيَ الأُخرى، بِدُموعِها: انْقَصَفَ عودُ السِّنْدِيانِ وذَوى غُصْنُ الرَّيحانِ عِزُّ الدّين القَسّام...!! لَمْ أَفْهَمْ، ولكِنّي تَخَيَّلْتُ أَنَّ أَمْرًا رَهيبًا قَدْ حَلَّ بِنا! وفي رَيعانِ شَبابي جاءَ اليُهْدانُ.. جاؤُوا بِمَكْرِ (رِفْقَةَ) زَوجَةِ (إِسْحَقَ) وابْنِها (يعْقوب)، وكانَـتْ تُفَضِّلُهُ على ابِنِها البِكْرِ (عيسو)...... قالَ عيسو: بارِكْني يا أَبي فَقالَ: قَدْ جاءَ أَخوكَ بِمَكْرٍ وأَخَذَ بَرَكَتَكَ! .... جاؤُوا وحَطَّ بِنا الهَجيجُ في هذِهِ القَرْيَةِ بَعْدَ أَنْ أَصْبَحَتْ قَرْيَتُنا رُكامًا مِنْ حِجارةٍ وَطينٍ.. وحين خَرَجَ أُولُو الأَمْرِ مِنْ ذَوي القُرْبى مِنْ جُحورِهِمْ، قالوا: إِذا كانَ الإجليزُ مِخْرَزًا فَنَحْنُ الكَفُّ الَّتي لا تَسْتَطيعُ مُلاطَمَتَها، إِنَّها نَكْبَتُنا! نَحْنُ نُريدُ واللهُ يَفْعلُ ما يُريدْ!!!
قُلْنا: بَلْ هي الدَّمْعَةُ الَّتي لا تَجِفُّ! وقالَتْ الجَمْعِيَّةُ العامَّةُ لِلْأُمَمِ المُتَّحِدَةِ: التَّقسيمُ هو الحَلُّ!! وقالَ الحَلَواني سَليم، الخَبيرُ بِشُؤونِ التَّقسيمِ: لَقَدْ أَصْبَحَتْ بِلادُنا كَعْكَةً!!
وحينَ أَرْعَدَتْ مَدافِعُهُم مَرَّةً ثانِيَةً وأَكَلَتِ الكَعْكَةَ كُلَّها، قالَ مَنْ جَلَبُوا الهَزيمَةَ: إِنَّها نَكْسَةٌ!! قُلْنا: بَلْ هي الهَزيمَةُ!! لَكَأَنَّ هذِهِ البِلادَ مُحَرَّمَةٌ عَلَينا.... كَمْ مِنْ غُزاةٍ مَرُّوا مِنْ هُنا ...حِثِّيّونَ وفَراعِنَةٌ وهِكْسوسُ ويونانِيّونَ ورُومُ وبيزنطِيُّونَ وتَتَارُ ومَماليكُ وصَليبِيّونَ وأَتْراكُ وإِنْجليزُ ويُهدانُ ونَحْنُ إِمّا (زَكَرِيّا) يُنْشَرُ أَوْ (مِسيحٌ) يُصْلَبُ!! لَقَدْ عِشْتُ ما عِشْتُ وأَنا كَالحَزينَةِ الّتي جاءَتْ لِتَفْرَحَ فَلَمْ تَجِدْ لَها مَطْرَحًا.. قيلَ لي: لَقَدْ بالَغْتَ! أَحَقًّا لا تَجِدُ لَكَ مَطْرَحًا وهذا العالَمُ الرَّحْبُ يَتَّسِعُ لِمِلايينَ فَوقَ مَلايينَ؟! قُلْتُ: بَلى.. ولكِنَّ مَطْرَحي اليومَ رُكامٌ فَوقَ رُكامٍ.. كانَ يَشْكو مِنَ الضّيقِ ولكِنَّهُ كانَ يتَّسِعُ لِأَلْفِ صَديق! نَحنُ جيلٌ مَنْكوبٌ قَبْلَ النَّكبَةِ يا وَلَدي يا عائد.. يَقولونَ إِنَّ لِلنَّصْرِ طَعْمًا أَلَذَّ من طَعْمِ تُفّاحِ الجَنَّةِ! لَكَأَنَّ طَعْمَ ذاكَ التُّفّاحِ مُحَرَّمٌ عَلَينا فَنَموتَ مُلَفَّعينَ بِأَلْفِ خَيبَةٍ وخَيبَةٍ!
فَبِاللهِ عَلَيكَ يا وَلَدي أَنْ تَزورَ خَرابَةً كانَتْ قَرْيَةً يَومًا، وأَنْ تَقِفَ على أَطْلالِ بَيتِ أَجْدادِكَ، وتَرْفَعَ يَمينَكَ عالِيًا، وتَصْرُخَ بِأَعْلى ما أُوتيتَ مِنْ قُوَّةِ صِوتٍ قائِلًا: الوُسْطى مَعَ السّاعِدِ، إِلى ما فَوقَ الذِّراعِ في دُبْرِ هذا العالَمِ!

( البقيعة/الجليل آذار2021 )



#حسين_مهنا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحارة
- COVID 19 - قصّةٌ قصيرة ...
- كرامة قوميّة
- حواريّة
- سالم جبران
- رُباعيّات
- السّاديّون
- هواية
- سميح القاسم
- صباحُ شيخ في الخامسة والسّبعين
- حيفا
- نعي عنترة
- ذبابة
- القصيدة العاتبة ..
- القصيدة الغاضبة
- كوني أنتِ
- مشاركة في حوار حول التّحرّش الجنسي
- راحةٌ من حرير
- خبّئ قلبك
- رَحِمَ الله زمانًا


المزيد.....




- فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8 ...
- هل انتهت أزمة الفيلم المصري؟ مشاركة لافتة للسينما المصرية في ...
- صدر حديثا ؛ من سرق الكتب ؟ قصة للأطفال للأديبة ماجدة دراوشه
- صدر حديثا ؛ أنا قوي أنا واثق أنا جريء للأديبة الدكتورة ميساء ...
- صدر حديثا ؛ شظايا الذات - تأملات إنسانية للكاتبة تسنيم عواود ...
- صدر حديثا : رواية اكسير الأسرار للأديبة سيما صير ...
- -أتذوق، أسمع، أرى- لـ عبد الصمد الكبّاص...
- مصطفى محمد غريب: خرافات صنع الوهم
- مخرج إيراني يفوز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان باكو السينمائي
- لسهرة عائلية ممتعة.. 4 أفلام تعيد تعريف الإلهام للأطفال


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - الوسطى - قصّة قصيرة