أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - ذبابة














المزيد.....

ذبابة


حسين مهنا

الحوار المتمدن-العدد: 6028 - 2018 / 10 / 19 - 00:33
المحور: الادب والفن
    


ذُبابة.. – قصّةٌ قصيرة
قالَ لي صديقٌ ما بينَ جِدٍّ وهزْلٍ: يا صديقي يا خِرّيجَ المعاهدِ العُليا والمُثَقَّفَ؛ أَنتَ كالماءِ.. قلتُ: كيفَ؟ قالَ لا طَعمٌ لكَ ولا لونٌ، ولكنْ لا يُمكنُني الاستغناءُ عن صَداقَتِكَ! قلتُ: قاتَلكَ اللهُ على الأُولى، وغفرَ لكَ على الثّانيةِ؛ ولكنْ ما دافِعُكَ الى هذا التَّشبيهِ؟ قالَ: ترى وتسمعُ ما يدورُ حولكَ من أَحداثٍ ساخنةٍ فلا تُشاركُ في إضرابٍ أَو مُظاهَرةٍ أوحتّى لا تُبدي رأْيًا،وحياتُكَ لا تزيدُ عن عملِكَ وبيتِكَ وكَرْمِ زيتونِكَ، ودائَرةُ الحياةِ يا صديقي أوسعُ من هذا بِكثير! تبسَّمتُ وقلتُ تفاديًا لنقاشٍ قد يقودُنا الى ما لا تُحمدُ عُقباهُ: كفاكَ تبخيسًا ومُبالغةً، كأَنّكَ تُريدُ أَنْ تقولَ لي: هذا جُبنٌ وانهزاميَّةٌ! لِمَ لا يكونُ موقفي هذا حَذرًا أَو مداراةً منّي لِظالِمينَ أَبناءِ حرامٍ على حَدِّ قولِ والدَتي رحمَها اللهُ! فردَّ قائلٍا: دعكَ من مُبرِّراتِكَ السّاذِجَةِ هذهِ واقبلْ كلامي على أَنَهُ لفتُ نَظَرٍ من صديقٍ مُحِبٍّ؟ يُريدُ أَنْ يُذكِّرِكَ بِأَنَّ السّاكِتَ عنِ الحقِّ شيطانٌ أَخرس! ضَحِكَ وضحكْتُ.. وافترقْنا.
في صباحِ اليوم التّالي جلستُ لِأَتناولَ وجبَةَ الصَّباحِ وتفكيري يعودُ بي الى ما قالهُ صديقي لي؛ وبينما أَنا كذلكَ، وقبلَ أَن تمتدَّ يدي الى الطّعامِ، وإذ بذُبابةٍ تحُطُّ على طعامي مادَّةَ خُرطومَها الصَّغيرَ لتبدأَ بتناولِ طعامِها هي الأُخرى.. ذبَبْتُها فطارتْ، ولكنَّها سُرعانَ ما عادَتْ لتواصِلَ مُشارَكَتَها لي في طعامي.. فعلتُ ذلكَ بها ثانيةً فثالثةً وفي كلِّ مرَّةٍ تعودُ الى مكانِها وتواصلُ عملَها.عزفَتْ نفسي عنِ الطّعامِ وقمتُ لِأُعوَّضَها مِنْهُ بفنجانٍ منَ القهوةِ .
وإن كانتْ تلكِ الذُّبابةُ العنيدةُ قد غابَتْ عن عيني، فإنَّها لم تَغِبْ عن فكري.. قلتُ في نَفسي: ما أَشَدَّ إصرارَها على تحقيقِ ما تُريدُ، وما أَسْرَعَ هزيمَتي! لمَ لمْ أَطرُدْها شَرَّ طَردَةٍ وأُمْحُ آثارَ عُدوانِها وأَتناولْ فُطوري؟ وقفزَتْ صورةُ أُمّي وهي تقولُ لي كُلَّما رأَتني في ساعةِ ضِيقٍ من أَمرٍ ما، أَراهُ أَنا هامٍّا وتراهُ هي تافهًا، أو تُحاولُ تتفيهَهُ لِتأْخُذَ عنّي بعضَ ضيقي " الذُّبابةُ يا ولدي لا تَقتُلُ بل تُغَضْغِضُ المَنافس" (وتُغَضْغِضُ هذهِ من غَضْغَضَ أي نَقَصَ وغاضَ.. هذا ما عرفْتُه عندما بلغتُ مَبلَغَ الرِّجالِ) وتذكَّرْتُ صديقي وحديثَهُ أَمسِ، فخجلْتُ من نَفسي.. كيفَ لا أَخجلُ وأَنا بَشَرٌ والبشَرُ أَشْرفُ مخلوقاتِ اللهِ على هذهِ الأَرضِ! أَجدُ نَفسي مُنْدَحِرًا أَمامَ حشَرَةٍ ضَعيفَةٍ ولكنَّها تسعى الى غايَتِها بعزيمَةٍ وإصرارٍغيرَ آبِهةٍ بِصغيرٍ أو كبير، أو حتّى بِمَلِكٍ أَو وزير.
كتبَ عمْرو بن بحر الجاحظُ: " كانَ لنا بالبصرةِ قاضٍ يُقالُ لهُ عبدالله بن سوار لم يرَ النّاسُ حاكمًا قطُّ، ولا زمَيتًا ولا ركينًا" أي جليلًا وقورًا ثابِتًا. وراحَ يسردُ علينا بروحِهِ المرحَةِ كيفَ حطَّ الذُّبابُ طورًا على أَرنبَةِ أَنفِهِ، وطورًا في مَوْقِ عَينِهِ وهو "مع ذلكَ لا يُحرِّكُ يدَهُ ولا يُشيرُ برأْسِهِ" .. وظَلَّ صابِرًا وقورًا الى أَنْ أخرجَهُ الذُبابُ عن طورِهِ ومن ثَمَّ عن وقارِهِ، فقالَ: "أَشْهدُ أَنَّ الذُّبابَ أَلحُّ من خُنفَساء، وأَزهى من غُراب ، وقد علمتُ أَنّي عندَ النّاسِ من أَزمَتِ النّاسِ، فقد غلبَني وفضحَني أَضْعفُ خَلقِهِ".
أُودِّعُ شيخَنا الجاحظَ مُثْقَلًا بِضعفي البشرِيِّ ليقفِزَ أَمامَ ناظِريَّ المُتنبّي بِعَظَمَتِهِ وجبروتِهِ وهو يُنشِدُ: " ... الَّرَّأْيُ فَوقَ شجاعَةِ الشُّجعانِ". إذًا الرَّأْيُ الحُرُّ شجاعةٌ.. فَأَينَ أَنا من هذا!! ويأْخُذُني سِحرُ التّاريخِ الى خالِدِ بن الوليدِ وهو على فِراشِ الموتِ يندُبُ حَظَّهُ، وكانِ طامِعًا بالشِّهادةِ فبكى وقالَ: " لقد شهدتُ مئَةَ زحفٍ أَو إزاءَها، وما في بدني موضعُ شِبرٍ إلاّ وفيهِ ضَربةٌ بِسيفٍ، أَو رَميةٌ بِسَهمٍ، أَو طَعنَةٌ بِرُمحٍ، وها أَنا ذا أَموتُ على فِراشي حَتْفَ أَنفي كما يموتُ البَعيرُ، فلا نامَتْ أَعينُ الجُبناء"!
أَترُكُ التّاريخَ لِأَهلِهِ وأَعودُ الى نَفسي أُسائِلتُها: مَنْ أَنا؟ وماذا أُريدُ منَ الحياةِ؟ وماذا تُريدُ هي مِنّي؟ وإذا صَحَّ أَنَّ هذه الحياةَ صِراعٌ فَأَينَ أَنا من هذا الصِّراعِ؟ هل أَسيرُ في خِضَمِّهِ أم أَسيرُ على هامِشِهِ؟ وأَعودُ الى صديقي الّذي يجدُني بلا طَعمٍ وبلا لونٍ ولكنْ لا يُمكنُهُ الاستغناءُ عن صَداقتي، وأنا هل باستطاعتي أَن أخذِلهُ وأنا َأَراهُ في جُبِّ النّارِ يبتسِمُ لي، أو هكذا خُيِّلَ إليّ، فصِحتُ وأَنا لا أدري من أينَ لي هذه العزيمةُ ومن أين خرجَتْ صرختي ..أمِن حَنْجَرتي أم من هيجانٍ مُفاجِئٍ في دَمي؟ صِحتُ.. وصِحتُ: لا نامَت أَعيُنُ الجُبَناء!.. لا نامَتْ أَعيُنُ الجبناءِ!! أنا آتٍ إليكَ يا صديقًا يحمِلُ دَمَهُ على راحتِهِ .. أَنا آتٍ اليكَ وأَنا أَلَحُّ من ذُبابَةٍ، وأَزهى من غُراب.

البقيعة/الجليل 7/10/2018



#حسين_مهنا (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة العاتبة ..
- القصيدة الغاضبة
- كوني أنتِ
- مشاركة في حوار حول التّحرّش الجنسي
- راحةٌ من حرير
- خبّئ قلبك
- رَحِمَ الله زمانًا
- أنا الشّاة
- كم كان يسيراً
- أسْمعني شِعْراً
- قهوتُها أطيَبُ
- فاتنة الحافلة
- النّادل
- غُصْن الفَيْجن
- شذرات وشظايا
- صلاةُ في مِحْرابٍ فلسطينيّ
- تعاطُف
- حلبة رقصٍ شعبيّ (دَبكة)
- حلْبَةُ رَقْصٌ عَصْرِيّة ...
- إنّها نوستالجيا ... لا أكثر


المزيد.....




- رائحة الزينكو.. شهادة إنسانية عن حياة المخيمات الفلسطينية
- لحظة انتصار على السردية الصهيونية في السينما: فيلم صوت هند ر ...
- -أتذوق، اسمع، أرى- كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الح ...
- “انثى فرس النبي- للسورية مناهل السهوي تفوز بجائزة “خالد خليف ...
- وفاة الممثل والمخرج الأمريكي روبرت ريدفورد عن عمر ناهز 89 عا ...
- الشلوخ في مجتمعات جنوب السودان.. طقوس جمالية تواجه الاندثار ...
- سوريا.. فوز -أنثى فرس النبي- بجائزة خالد خليفة للرواية في دو ...
- المغرب: الحفاظ على التراث الحرفي وتعزيز الهوية الثقافية المغ ...
- ناوروكي وماكرون يبحثان الأمن والتجارة في باريس ويؤكدان معارض ...
- بغداد السينمائي يحتفي برائدات الفن السابع وتونس ضيف الشرف


المزيد.....

- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - ذبابة