أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - نعي عنترة














المزيد.....

نعي عنترة


حسين مهنا

الحوار المتمدن-العدد: 6058 - 2018 / 11 / 19 - 22:26
المحور: الادب والفن
    


حسين مهنّا ------------------ قصَّةٌ قصيرة..

نَعيُ عنتَرة..

في خَلوةٍ معَ النَّفسِ ذاتَ مساءٍ، وبعدَ أَن أَرجعَتْهُ الذِّكرياتُ الى الوراءِ عُقودًا تراكمَتْ فوقَ بعْضِها فجعَلَتْ منهُ جَدًّا لِأَحفادٍ وحفيداتٍ في مُختَلَفِ الأَعمارِ، نَدَّتْ آهةٌ من بينِ شفتيهِ العَجْفاوينِ تعجُّبًا من سُرعةِ الزَّمنِ لا تَوجُّعًا ! إذ كيفَ يتوجَّعُ مَنْ كانَ مثلَهُ وهو المُعتزُّ بأُسرتِهِ من بناتٍ ومنْ بنينَ وأَحفادٍ وحفيداتٍ يرى في أَعمارِهِم امتِدادًا لعُمرِهِ؛ وهذا بحَدِّ ذاتِهِ يجعلُهُ مُقبِلًا على الحياةِ غَيرَ مُدبِرٍ.. يجعَلُهُ سعيدًا لا يتحسّرُ على شبابٍ خطَّتْهُ الأَيّامُ سطورًا جميلَةً في دفاتِرِها، ولا حتّى ينشغِلُ بالتَّفكيرِ بالموتِ وهو في خريفِ العُمرِ كما يفعلُ الكثيرونَ من أَترابِهِ!
حينَ وصلَ الصِّغارُ، كعادتِهم، في أَيّامِ العُطلةِ الأُسبوعِيَّةِ، هَشَّ الجَدُّ أَبو أَحمد وبشَّ لِرُؤْيةِ الصِّغارِ، فَمَنْ مِثلُهُم قادِرٌ على إدخالِ الفَرَحِ الى قلبِهِ الّذي باتَ يعمَلُ بِمُنشِّطاتٍ طِبِّيَّةٍ تُعيدُ تنظيمَ دقّاتِهِ،والقُدرةَ على ضَخِّ الدَّمِ ليصلَ الى كلِّ جارحةٍ من جوارحِ جسمهِ الضّاوي... وتَأْخذُهُ الذِّكرياتُ الى زَمَنٍ غابِرٍ كانَ فيهِ حَفيدًا، وكيفَ كانَ يهرَعُ لِيَرتمي على صَدرِ جَدَّهِ بمَحبَّةٍ غامِرَةٍ، وكيفَ كانَ يرى دموعَ الفَرَحِ تَتَرقْرقُ في عينيهِ الذابِلَتينِ، ويسمَعُ وشوشَةَ الشُّكرِ لِرَبٍّ معبودٍ وهبَهُ ما وهبَهُ من زينَةِ الحياةِ الدُّنيا... ثُمَّ لا يَلبَثُ أَنْ يُلِحَّ عليهِ كي يحكي لهُ حِكايَةً... ويتساءَلُ الجَدُّ أَبو أَحمد في سِرِّهِ: أَينَ الأَحفادُ اليومَ من أَحفادِ تلكَ الأَيّامِ؟! يدخلونَ.. يُقبِّلونَ يَدَ الجَدِّ كفريضةٍ يُؤَدّونها أَكثرَ منها اشتياقًا! ويجلِسونَ، لا يَتقافزونَ ولا يتهارشونَ،ولا حتّى يتكلَّمونَ بل كُلُّهُم صامتونَ وغارِقونَ في شاشاتِ( آي فوناتِهم) الصَّغيرةِ.
وتَأْخُذُهُ الذِّكرياتُ مَرَّةً أُخرى الى أَيّامٍ مَضَتْ حيثُ كانَ الجَدُّ مركِزَ الدّائِرةِ في السَّهَراتِ، خاصَّةً في ليالي الشِّتاءِ، فكانوا يتحلَّقون حولَ الموقِدِ يلبَسونَ الدِّفْءَ رِداءً فوقَ أَردِيتِهم ويُصغونَ الى الجَدِّ وهو يقصُّ عليهِم حِكايةَ عنتر وعبلة،والشّاطرحسن والسِّت بدور، والزّير سالم، وأَبي زيد الهلالي سلامة، بطريقةٍ تمثيليَّةٍ تشدُّ حواسَّهم وتُحرِّكُ خيالاتِهم؛ فمنهم مَنْ يتخيّلُ عنترةَ صالح السَّعدي بطلَ القريةِ وشايلَ شَيْلَتِها، وصارعَ ثور أبي خَلَفٍ الشَّرسَ في السّاحَةِ العامَةِ؛ ومنهم مَنْ يتخيَّلُهُ شبيهَ الخْضرِ في الصّورةِ المعلَّقةِ في كلِّ بيتٍ، يمتطي حصانَهُ الجامحَ ورُمحُهُ في يُمناهُ، إلّا أَنَّهُ عَبدٌ أَسود..ومنهم مَنْ تخيَّلَ عبلةَ مثلَ (قُمريَّة) أَجملِ صَبايا القريةِ والّتي ظَلَّ يُضربُ فيها المَثَلُ حتّى بَعْدَ أَنْ شاخَتْ وماتَتْ..... حلاوةُ الذِّكرى هذهِ دفعتْهُ الى خاطرٍ خطرَ لهُ فَجأَةً، فقالَ: اسمَعُوا يا أَعزّائي.. ماذا لو تركتُم ما بأَياديكُم وأَصغيتْم لِأحكي لكم حكايةَ عنترة، هذا الفارسِ العربيِّ، وما حدثَ لهُ معَ ابنةِ عمَّهِ عبلة.. وكيفَ كانَ يُغيرُ على الأَبطالِ فيُجَندِلُ الواحدَ تِلوَ الآخرِ! وراحَ يقصُّ عليهم القصَّةَ متقمِّصًا شخصيّةَ جدِّه بحركاتِهِ وبأُسلوبِهِ التَّمثيليِّ، مُؤَكِّدًا على شجاعةِ عنترةَ وإقدامِهِ.. فقاطعهُ أَحدُ الأَحفادِ باسِمًا:
- وهل عنترةُ هذا يا جَدّي يبْطحُ (سوبر مان)؟
ووَسْطَ موجةِ الضّحكِ قالَتْ إحدى الحفيداتِ:
- عبلةُ هذهِ يا جَدّي لا يُمكنُ أَنْ تكونَ أَجملَ من(مارلين مونرو)!
وأُسْقِطَ في يدِ الجدِّ.. ولكنَّهُ قرَّرَ أَنْ لا يستسلِمَ فقالَ: ما رَأْيُكم لو تَرَكْنا عنترة معَ ابنةِ عمّهِ، وحكيتُ لكم حكايةَ أَبي زيد الهِلالي سلامة؟ وكانَ في القريَةِ رجلٌ يبيعُ سَمَكًا يدعى سلامة، فقالَ حفيدٌ آخَرُ من بابِ التَّندُّرِ:
- وهل لسلامة السَّمّاكِ حكايَةٌ يا جَدّي!؟
ومن خَلَلِ ضَحكِ الأَحفادِ المُتواصِلِ، قالَ الجدُ ضاحَكًا هو الآخَرُ:
- حَسَنًا، ما رأْيُكم بأَنْ أَقُصَّ عليكم قِصَّةَ الزّير سالم ؟ وعلَتِ الأَصواتُ لِتُنهي مُحاولاتِ الجَدِّ في إقناعِهِم بالإصغاءِ الى قصصِهِ:
- لا تُتعبْ نَفسَكَ يا جَدّي، لا سالم ولا سلامة ولا عنترة.... دَعْهم يرقدونَ بينَ طيّاتِ الكتُبِ! ...ورفعَ أَحدُهم (آي فون) عالِيًا قائِلًا:
- هذا يا جَدّي يضَعُ العالَمَ بِما فيهِ بينَ أَيدينا ويقُصُّ عَلينا قصصًا لا أَوَّلَ لها ولا آخِر..
ويصمتُ الجدُّ غيرَ عاتِبٍ ولا غاضبٍ.. مُتَرَحِّمًا على جبران خليل جبران إذ قالَ: أَبناؤُكم ليسوا لكُم ..أَبناؤُكم أَبناءُ الحياةِ.. والحياةُ لا تعيشُ في منازِلِ الأَمسِ...ولكنَّهُ عادَ وترحَّمَ على أَوَّلِ مَنْ قالَ:مَنْ ليسَ لهُ ماضٍ ليسَ لهُ مستَقبَلٌ بل يعيشُ حاضِرَهُ مُعلَّقًا لا في السَّماءِ ولا على الأَرضِ! صمَتَ حزينًا كئيبًا لاعلى تُراثٍ عربيٍّ أَلبَأَهُم لِبَأَ العِزَّةِ والكَرامَةِ فقطْ، بل على تلكَ الرَّوابطِ الإنسانيّةِ السَّاميةِ الآخذةِ بالانقراضِ بينَ الأَخِ وأَخيهِ في الأُسرةِ الواحِدةِ!..بَلهَ العلاقةَ بينَ الإنسانِ وأَخيهِ الإنسانِ.....
( البقيعة /الجليل 7/11/2018 )



#حسين_مهنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذبابة
- القصيدة العاتبة ..
- القصيدة الغاضبة
- كوني أنتِ
- مشاركة في حوار حول التّحرّش الجنسي
- راحةٌ من حرير
- خبّئ قلبك
- رَحِمَ الله زمانًا
- أنا الشّاة
- كم كان يسيراً
- أسْمعني شِعْراً
- قهوتُها أطيَبُ
- فاتنة الحافلة
- النّادل
- غُصْن الفَيْجن
- شذرات وشظايا
- صلاةُ في مِحْرابٍ فلسطينيّ
- تعاطُف
- حلبة رقصٍ شعبيّ (دَبكة)
- حلْبَةُ رَقْصٌ عَصْرِيّة ...


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين مهنا - نعي عنترة