أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا















المزيد.....

وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 6864 - 2021 / 4 / 9 - 18:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


جاء هذا النص في سياق التنبيه المتوالي للرسل والأنبياء الذي سرد تفاصيل سيرهم مع أقوامهم ضمن سورة الأعراف بصورة عامة ولموسى ع بصورة خاصة، فقد بدأت السورة بذكر الأعراف والمقارنة بين نتائج أهل الإيمان والمكذبين من أهل الكفر ممن عصوا رسل ربهم وأنحازوا لما كان يعبد آبائهم من قبل، ويعود بهذه القضية إلى الصراع الأول بين آدم وعدوه ونتائج هذا الصراع مع بيان ما جرى تفصيلا، وما حدث بالرغم من التحذير والإنذار منه لما خلق وأمر السجود وعصيان إبليس، تلك اللحظة التي أشعلت الصراع وأوقدت نار العداوة بينهما (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، فما كان جواب إبليس بعد أن قرر الله طرده وإنزال اللعنة عليه إلا أن يتوعد آدم وبنيه ويقعد لهم في كل مرصد (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)، لم يختر المتوعد كل الأماكن بل حدد هدفا واحدا مما سيعيشه بني آدم ليكون مكانه المفضل للغواية (ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ)، وبذلك قد حدد الهدف وحدد الوسيلة كما حدد الغاية من كل ذلك ليثبت لله أن قليلا من عباده الشكور (وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).
ترتب على هذا الصراع نتائج ثلاث الأولى والثانية كانتا على الفور(قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)، الأولى أنهم ظلموا أنفسهم حينما أتبعوا الغرور ولم يأخذوا كلام ربهم على محمل الجد والألتزام وأتباع الأحسن منه فكانا قد خسرا الجنة وخسرا منزلة التكريم المطلق، والثانية هما النزول وسكن الأرض نتيجة المغفرة وإبلاغ الحجة عليهما وليس من باب الأنتقام أو التعذيب كما يفسرها البعض (قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)، بهذا أخرجهما من مكان لا ينبغي فيه أن يعصى أمره أو يختلفوا على حكمه (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ٢٨ ق، أما النتيجة الثالثة والتي أوجلت حتى حين فهي (قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ) وقد حذرهم من نتائج الحياة فيها وما سيفعله بهم عدوهم ناصحا وراشدا وحريص عليهم أن يكونوا من الخاسرين (يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) محددا لهم وسيلته في ذلك بأنه سيغرر بهم ويفتنهم على ما عفي الله عنه كرمز معنوي للقضية التي حدثت مع أبويهم (يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا) هذا الرمز هو المهم في كل ما جاء بالسورة وسنتكلم عليه بالتفصيل.
أولا أخبرنا النص بحقيقة ستكون ثابتة ودائميه على الإنسان العاقل أن يدركها من خلال واجب التنبه لها والعمل على التحرز منها ومن أثارها، لأنها ستفسد عليه حالة الأستواء البشري المطلوبة منه وهو في علاقة شبه حتمية تفرض نفسها عليه (إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)، هذا الحال من التولي للشيطان ستقوده إلى أوخم العواقب السلوكية السلبية نتيجة التبريرات والتعليلات التي يسوقها الشيطان له وتخرجه أيضا من حالة التكوين الطبيعي العقلاني (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آَبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا)، هذا التزييف والإنحراف مصدره الجهل والكذب على الله (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، مع أن العنوان الرئيسي لأمر الله هو القسط بمعنى أستخدام قيمة العقل في التصرفات وفي التفكير والتدبر (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ)، وحتى يكون القسط واجبا تكليفيا لا بد أن يكون معه التذكر بأن الله يرى وإدامة الصلة مع الله ولا يتم ذلك ولا يترسخ إلا من خلال التواصل والطاعة لمن يأمر بالقسط والعدل بالإقامة الفعلية بشروطها التي كلف بها الإنسان (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، عندها يمكن لهذا الذاكر والمتذكر أن يتوجه قلبيا وعقليا وعمليا إلى الله من خلال الدعوة المخلصة التي تجعل الشيطان عاجزا عن التأثير عليه (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) مع الوعد أن الألتزام بهذه المحددات التي تزيد الإيمان هي الفرصة الوحيدة التي تمكنه من العودة كما بدأ الأمر أول مرة وهي العودة ثانية إلى الجنة (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)، وبذلك يمكن أن يقرر الإنسان مصيره ليس بالتقدير كما يشاع وينقله المفسرون وإنما بالعمل الصالح والأبتعاد عن تولي العدو المبين، هنا سيقسم الناس على ضوء نتائج العمل بين من سيفشل في أختبار الأمتحان ومن ينجح ليكون من الفائزين بالعودة (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ)، والسبب كله إذا يعود لخيار الإنسان في التولي (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ).
من كل هذه القصديات جاء العنوان الأفتتاحي لمقالتنا والتي تريد للإنسان أن يتحصن من غرور الشيطان وغلوائه فقال النص (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا)، قد يقول قائل أن هذا الكلام أصلا موجها لموسى ع وليس تعميما لأمر الله، والحقيقة وإن جاء النص بهذه المناسبة لكنه هو ذاته منهج الله مع الإنسان أن يكون خيارها دوما هو الأحسن، والإحسان لا يأت من عدو معلن العداء وجاهر به ومتوعد عليه أبدا، بل يأتي من خلال من ينصح بلا مقابل ويرشد دون أن تكون له مصلحة مع من يرشده إلا إبتغاء وجه الله (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) البقرة 272، لذلك وردت كثيرا في السورة مشاعر الحسرة والألم على مصير من لا يستمع النصح وأختار التكذيب والعناد بالرغم أن الله نبه وأرشد وقال لهم بوضوح (يا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فلم يأخذوا بأحسنها ولا حتى بما يتوافق مع مصلحتهم ونفعهم وخيرهم مجردا من خيار العقلاء.
لقد مارس الإنسان كل أشكال الخديعة والغرور وسلكوا كل طريق يؤدي بهم للتهلكة دون أن يقفوا ولو لمرة واحدة للمراجعة، ونسوا وتناسوا العودة إلى ربهم والتذكر بما في أمر الله من شديد التحذير والتنبيه فاليوم الله ينساهم جزاء وهم من بدأوا به (الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ)، فقد جحدوا وكذبوا وتماروا على رسلهم واحدا بعد الأخر وجيلا بعد جيل وأمة بعد أمة (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ)، فكان جوابهم واحد مكذبين ناسين وغافلين ويقولون (قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فكانت عاقبتهم جميعا هو الوعد الصادق والنتيجة الحتمية التي لا مفر منها (فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ)، وتتكرر الحكاية وتتجدد الدعوة للإنسان لعله يتذكر أو يخشى أو يتعظ بمن قبله (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، لا أذن تعي ولا قلب يخشع ولا عقل يفكر أن وعد الله حق وأن الله لا يخلف الميعاد (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).
والأنكى من هذا والأشد مرارة أن يطلب الجاحدون والمكذبون من رسلهم فوق التكذيب والخذلان أن يتبعوا أمر كل شيطان مريد وداهنوا وعصوا وازدادوا طغيانا وتكبرا وغرورا أولئك أولياء الشيطان ليكون الرسل والأنبياء على ملة القوم الضالين (قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ)، حتى جاء أمر الله وحكمه الذي لا تبديل ولا تحويل فيه ولا مراء بعدما شهدوا وعاينوا بأنفسهم نتيجة العصيان والتمرد والتكذيب (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ)، النتيجة ليست ظلما من الله ولا حبا بالأنتقام ممن عصوا وطغوا ولكنه بيان الحق بما كسبت أيديهم وأتبعوا الهوى ولم يتبعوا أحسن الذي قيل (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، حتى إذا ما جاء موسى ومعه البيان المستبين والأمر الحصين وخير ما كتب لهم ربهم من أحسن القول لم نجد لهم عظة ولم تنفع معهم مرشدة إلا قليلا ما كانوا يفقهون (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
هذا منهج الظلم الذاتي للإنسان لنفسه أولا وليس في تفكيره أن يعود لطريق الله ويتبع كلام المرسلين الكلام الذي لو تمسكوا به وأخذوا بالأحسن منه لكان حالهم حال من يسكن الجنة ويعيش أجوائها متنعمون (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)، وما يدرون وما يعلمون وقد ذكرهم الله أكثر من مرة أم كيد الشيطان الذي يتولونه ليس بمتين بل هو أوهن من بيت العنكبوت لو كانوا يدركون أحسن الكلام ويتخذونه منهجا (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ ۖ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، هذه المقارنة بين كيد الله وكيد الشيطان ليست واردة بمعنى المقارنة بين قوة الخالق وفعل المخلوق ولكنها نصيحة للعقل أن يتذكر أنه مهما طغى المخلوق وتجبر وأمتلك من أسباب القوه ليتوهم الغرور ويتمسك بالعناد فهو بالأخر خاسر في كل المقاييس والأعتبارات (فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ)، هذا حال سحرة فرعون وهو قانون إلهي يطبق في كل حين ومكان وحال لا أستثناء فيه ولا مداهنة حتى يعودوا لأمر الله (سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ).
لقد حفلت مسيرة أولياء الشيطان بكل ما هو منحرف وضال ومغرور وهم يعلمون أن الشيطان عدوهم المبين ويدركون فعلا أن الله أراد لهم الخيرة من أمرهم، لكنهم أستحبوا العمى وصموا أذانهم عن كلمة حسنى وخيار أعظم، وهنا نشير في هذه المناسبة أن الله وضع الكثير من الأقوال والكثير من الرشد مراعاة لتنوع العقل ودرجة أستعداده الذاتية لقبول الحق أو تصنيف الأحسنية، ولم يضع كل ذلك بشكل عبثي أو بلا خيارات، وطلب فقط وحسب ما تسع عقولهم ونفوسهم أن يختاروا الأحسن لهم من بين كل الحسنى ولم يلزمهم بخيار واحد فقط، وهذه العلة لتي من ورائها تعددت الرسل وكثر المرسلون وإن كانت جميعها تهدف لأمر واحد هو تجنب حبائل الشيطان وهمزه ولمزه وغروره (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، الفلاح كل الفلاح بإتباع أحسن القول مما هو مكتوب لهم وملخصه قد صاغها النص بكلمتين هما (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ)، ففيهما كل النتائج وكل الخير ويضع عنهم كل القيود ويفتح لهم كل أبواب الرحمة والفوز العظيم (فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
الملخص من كل السورة وما جاء فيها من قصص وأحكام وأخبار تتلخص في نص مختصر لكنه عميق الدلالات ظاهر بالحكم معلل للأسباب والنتائج (إنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ)، والمماثل لا يمكنه أن يأتي بأكثر مما في ممثله من قدرة وقوة وفعل وتقرير وتقدير، فالشيطان وأولياءه وإن كانت له مميزات وقوة فهو بالأخر مثلكم مخلوق ومقدر عليه وقادر أن يفعل به ما يفعل بكم، فأين الحكمة من مولاته والأعتماد عليه في أمركم ولو دعوتموهم لن تجدوه مستجيبا ولا قادرا على نفعكم أو ضركم بدون إرادة الله ( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، هذ النتيجة ليست في سورة الأعراف وحدها بل هي ملخص فلسفة النص الديني كله سواء أكان ذلك بالنصيحة أو الرشاد والإصلاح وما على الإنسان إلا أن يفهم هذه الحقيقة لينجوا وقد قدم الله لهم البرهان والحجة والدليل حينما ذكرهم ونصح وأمر ونهى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، لقد حدد الله السبب والعلة ولم يترك لهم الأمر بل عاد وبين لهم العلاج والحل والخيار الأمثل للتخلص من إشكالية الغرور (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، هذه الأستعاذة واحدة من أحسن القول الذي ينجيكم يا أيها الناس وتذكروا دوما إنما الله غني عنكم ولكن حبب الإيمان لكم لأنه في حياة لكم (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ).



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ
- سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا
- ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى
- هويتي
- وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ح2
- وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ
- إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ
- وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ
- الأخلاقيات الإيمانية في سورة الحجرات
- رسالة إلى شاعر
- ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ
- خائف أنا مني
- خرائط الغريب
- إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا ...
- كلب الحقل
- أعترافي الأول والأخير
- حكاية صديقي النبيل
- فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ
- إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ
- إنقلاب


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا